أسلوب النهى وأغراضه البلاغية :

            من دروس علم المعانى :

 2- أسلوب النهى وأغراضه البلاغية

ومن أنواع الإنشاء الطلبي النهي، وهو: طلب الكف عن الفعل أو الامتناع عنه على وجه الاستعلاء والإلزام.

وللنهي صيغة واحدة وهي المضارع المقرون ب =  لا  الناهية الجازمة

نحو قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا  وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون. فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم "،

 وقوله تعالى :  "ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب " 

  وقوله تعالى أيضا :  "  ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ".

ومن أمثلة أسلوب النهي في الشعر :

لا تخلني أرضى الهوان لنفسي         الرضا بالهوان عجز صريح

لا تقولوا حطنا الدهر فما               هو إلا من خيال الشعراء

لا تحذ حذو عصابة مفتونة             يجدون كل قديم شيء منكرا

 خروج النهي عن معناه الحقيقي :

عرفنا أن النهي الحقيقي في أصل الوضع هو طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء والإلزام. ولكن الذي يتأمل صيغة النهي في أساليب شتى يجد أنها قد تخرج عن معناها الحقيقي للدلالة على معان أخرى تستفاد من السياق وقرائن الأحوال، كما كان الشأن بالنسبة إلى الأمر.

ويأتي على صورة واحدة وهى المضارع المسبوق بـ[ لا ] الناهية .
و النهي الحقيقي هو طلب الكف من أعلى لأدنى .
وقد تخرج صيغة النهي عن معناها الحقيقي إلى معانٍ أخرى بلاغية   كالدعاء ، والالتماس ، والتمني ، والإرشاد ، والتوبيخ ، والتيئيس ، والتهديد ...

يمكن إداراك هذه الأغراض البلاغية من خلال الجو النفسى الذى سيق فيه الكلام ومن خلال الأسلوب والقرائن المحيطة به

سر جمال أسلوب النهى الأدبى أنه ينقل القارئ إلى ما وراء المعنى اللغوي من الدلالات والإيحاءات

ويحدث انتباها وإثارة يضفى على الكلام قوة وحيوية
الأغراض البلاغية لأسلوب النهي هي نفس الأغراض البلاغية للأمر 

ومن المعاني الأخرى التي تحملها صيغة النهي وتستفاد من السياق وقرائن الأحوال:

1- الدعاء :

  الدعاء: وذلك عند ما يكون صادرا من الأدنى إلى الأعلى منزلة وشأنا،

 نحو قوله تعالى     :  "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا  كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به."

ومن أمثلته شعرا قول المتنبي في مدح علي بن منصور الحاجب:

أمهجن الكرماء والمزري بهم           وتروك كل كريم قوم عاتبا

خذ من ثناي عليك ما أسطيعه           لا تلزمني في الثناء الواجبا

وقول أبي فراس من قصيدتين مخاطبا سيف الدولة: 

فلا تحمل على قلب جريح              به لحوادث الأيام ندب

فلا تعدلن- فداك ابن عمك              لا بل غلامك  عما يجب

وقوله أيضا:

فإن يمكنك يا مولاي وصلي            فلا تبخل بشيء من صلاحي

ولا تعجل إلى تسريح روحي           فموتي فيك أيسر من سراحي

وقول النابغة في النعمان بن المنذر:

فلا تتركني بالوعيد كأنني            إلى الناس مطلي به القار أجرب

وقول شاعر معاصر يبتهل إلى الله:

لا تكلني إلى الزمان فإني         بفجاج الزمان غير خبير

نلاحظ من خلال قراءة الأمثلة السابقة أن أسلوب النهى قد خرج عن معناه الأصلى إلى معنى جديد وهو الدعاء خاصة الأساليب التى توجه إلى الله تعالى كلها الغرض منها الدعاء وليس مجرد النهى ويفهم ذلك من خلال السياق والألفاظ التى استخدمت
2-  التهديد :

  - التهديد: وذلك عند ما يقصد المتكلم أن يخوف من هو دونه قدرا ومنزلة عاقبة القيام بفعل لا يرضى عنه المتكلم؛ كأن تقول لمن هو دونك:

 - لا تكف عن أذى غيرك

   قال الأبُ متوعداً ابنه : لا تُقْلِعْ عَنْ عِنَادِك  

لا تحضر اليوم وسوف ترى

لا تذاكر دروسك وسترى ما يحدث لك

مثل قول الشاعر :

ألا لا يجهلن أحد علينا         فنجهل فوق جهل الجاهلين

من خلال قراءة الأمثلة السابقة نعرف أن أسلوب النهى قد خرج عن معناه الأصلى ليدل على التهديد ويفهم ذلك من خلال السياق والألفاظ المستخدمة والمناسبة التى قيلت فيها العبارات السابقة

3-  التمني :

  - التمني: عند ما يكون النهي موجها إلى ما لا يعقل

نحو قول شاعر معاصر:

ايه يا طير لا تضن بلحن                   ينقذ النفس من هموم كثيرة

وقوله:

يا قلب لا تنثر أساك ولا تطف             بالذكريات وجوهن المحرق

لا تنهض الأوجاع من أوكارها           سوداء تنهش كالمغيظ المحنق

وقوله أيضا:

يا ليالي  وانجلي لا تعودي                 بما تحسنينه من عزاء

يا أماسي   وانطوي لا تعيشي            بين دنياه عذبة الإيحاء

يا أغاني   واصمتي لا تسري            بما تحملينه من غنائي

يا أماني   واهدئي لا تماشي             ولا تشغليه بالأشقياء

يا مآسي    واسكتي لا تضجي           ودعيه يعيش كالأحياء

وقول الخنساء في رثاء أخيها صخر:

أعيني جودا ولا تجمدا       ألا تبكيان لصخر الندى؟

 لا تغربي يا شمس  

لا تمطري أيتها السماء

يا ليل طل يا نوم زل             يا صبح قف لاتطلع

من خلال قراءة الأمثلة السابقة نعرف أن أسلوب النهى قد خرج عن معناه ليفيد معنى التمنى ويفهم ذلك من خلال السياق الذى قيل فيه

4- النصح والإرشاد :

  - النصح والإرشاد: وذلك عند ما يكون النهي يحمل بين ثناياه معنى من معاني النصح والإرشاد، نحو قول المتنبي:

إذا غامرت في شرف مروم              فلا تقنع بما دون النجوم

وقول أبي العلاء المعري:

ولا تجلس إلى أهل الدنايا                 فإن خلائق السفهاء تعدي

وقول الطغرائي :

لا تطمحن إلى المراتب قبل أن         تتكامل الأدوات والأسباب

وقول شوقي :

لا تسمعوا للمرجفين وجهلهم             فمصيبة الإسلام من جهاله

وقوله :

لا تهجعن إلى الزمان                     فقد ينبه من هجع 

لا تخل من أمل إذا                       ذهب الزمان فكم رجع

 قال خالد بن صفوان:

 لا تطلبوا الحاجات في غير حينها،       ولا تطلبوها من غير أهلها

لا تقربوا النيل ما لم تعملوا عملا          فماؤه لم يخلق لكسلان

 لا تأملي يا نفس في الدنيا                  فما فيها من وفاء

" ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" 
" ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن "
"ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب "
لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم

لا تطلبوا الحاجات في غير حينها         ولا تطلبوها من غير أهلها

   ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى "
 من خلال قراءة الأمثلة السابقة يتضح لنا أن أسلوب النهى قد خرج عن معناه إلى معنى آخر وهو النصح والإرشاد ويفهم ذلك من خلال السياق والألفاظ المستخدمة

5- التيئيس :

 ويكون في حال المخاطب الذي يهم بفعل أمر لا يقوى عليه أو لا نفع له فيه من وجهة نظر المتكلم؛ كأن تقول لشخص يحاول نظم الشعر وليس لديه ملكة الشعر وأدواته    

      لا تحاول نظم الشعر   

: ونحو قوله تعالى

  " لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم  "

ومنه شعرا قول المتنبي في مدح سيف الدولة :

لا تطلبن كريما بعد رؤيته             إن الكرام بأسخاهم يدا ختموا

وقول آخر

لا تعرضن لجعفر متشبها           بندى يديه فلست من أنداده

من خلال الأمثلة السابقة نعرف أن أسلوب النهى قد خرج عن معناه ليفيد معنى آخر يفهم من خلال السياق وهو التيئيس ومن خلال الألفاظ المستخدمة

6- الالتماس :

  - الالتماس:  وذلك عند ما يكون النهي صادرا من شخص إلى آخر يساويه قدرا ومنزلة، نحو قوله تعالى على لسان هارون يخاطب أخاه موسى:

  " يا بن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي  ".

ومنه شعرا قول أبي فراس، والخطاب لمن يساويه قدرا :

فلا تصفن الحرب عندي فإنها          طعامي مذ بعت الصبا وشرابي

وقول المتنبي في سيف الدولة، والخطاب لصديقين متخيلين  :

فلا تبلغاه ما أقول فإنه                  شجاع متى يذكر له الطعن يشتق

وقول شاعر معاصر من قصيدتين:  

لا تحسبوا البعد ينسيني مودتكم           هيهات هيهات أن تنسى على الزمن

لا تقولي:   هتفت باسمك في الليل        فما طاف بي النداء الحبيب

ومنه أيضا :
قول عمر بن ربيعة لمحبوبته:
فلا تقتليني إن رأيت صبابتي           إليك فإني لا يحل لكم قتلي
فلا تبلغاه ما أقول فإنه شجاع           متى يذكر له الطعن يشتق.
ولا تثقلا جيدي بمنة جاهل             أروح به مثل الحمام مطوقـا
لا تطويا السر عني يوم نائبة           فإن ذلك ذنب ير مغتفر.
والخل كالماء يبدي لي ضمائره        مع الصفاء ويخفيها من الكدر.
من خلال الأمثلة السابقة نعرف أن الغرض من أسلوب النهى هو الالتماس وليس مجرد النهى ويفهم ذلك من خلال السياق الذى قيل فيه أسلوب النهى

-7- الفخر :

ولا تبال بشعر بعد شاعره           قد افسد القول حتى احمد الصمم

نلاحظ أن الغرض من أسلوب النهى هو الفخر وليس مجرد النهى فقد خرج النهى عن معناه ليفيد معنى آخر وهو الفخر    

: 8- التوبيخ  
أن يصدر عنه   عند ما يكون المنهي عنه أمرا لا يشرف الإنسان ولا يليق التوبيخ

:  " لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم " نحو قوله تعالى

 ونحو قول المتنبي :

لا تحسب المجد تمرا أنت آكله         لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

وقول أبي الأسود الدؤلي :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله           عار عليك، إذا فعلت، عظيم

نلاحظ أن الغرض من أسلوب النهى هو التوبيخ وليس مجرد النهى فقد خرج النهى عن معناه ليفيد معنى آخر وهو التوبيخ ويفهم ذلك من خلال السياق الذى قيل فيه النهى     

التحقير : 9-  
عند ما يكون الغرض من النهي الإزراء بالمخاطب والتقليل من شأنه وقدراته، 

وفيما يلي أمثلة لذلك :

لا تطلب المجد واقنع                       فمطلب المجد صعب

لا تحسبوا من قتلتم كان ذا رمق           فليس تأكل إلا الميتة الضبع

لا تطلب المجد إن المجد سلمه             صعب، وعش مستريحا ناعم البال

ومنه قول الحطيئة في الزبرقان بن بدر :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها             واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

ومنه قول أبي هلال العسكري :

انظر إليهم ولا تعجبك كثرتهم            فإنما الناس قلوا كلما زادوا

ولا يهولنك من دهمائهم عدد              فليس للناس في التحصيل أعداد

ومنه قول ابن الرومي :

فلا تخش من أسهمي قاصدا           ولا تأمنن من العائر 

ولكن وقاك معراتها                      تضاؤل قدرك في الخاطر

لا تنه عن خلق وتأتي مثله               عار عليك إذا فعلت عظيم

"لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم

لا تعرضن لجعفر متشبها بندى يديه       فلست من أنداده .ويفيد التيئيس أيضا 
لا تجهد نفسك فيما تعب فيه الكرام        

نلاحظ أن الغرض من أسلوب النهى هو التحقير وليس مجرد النهى فقد خرج النهى عن معناه ليفيد معنى آخر وهوالتحقير ويفهم ذلك من خلا ل السياق الذى قيل فيه أسلوب النهى

 

: شارك

Tweet

✚

مواضيع ذات صلة