pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


بو الأسود و زوجته في حضرة معاوية (خصام البلغاء)

كان أبو الأسود الدؤلي من أكبر الناس عند معاوية بن أبي سفيان و أقربهم مجلسا، و كان لا ينطق إلا بعقل و لا يتكلم إلا بعد فهم. فبينما هو ذات يوم جالس و عنده وجوه قريش و أشراف العرب إذ أقبلت أمراة أبي الأسود حتى حاذت معاوية و قالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته، إن الله جعلك خليفة في البلاد و رقيبا على العباد، يستسقى بك المطر و يستنبت بك الشجر و تؤلف بك الأهواء و يأمن بك الخائف و يردع بك الجائف، فأنت الخليفة المصطفى و الإمام المرتضى، فأسأل الله لك النعمة في غير تغيير و العافية من غير تعذير، قد ألجأني إليك يا أمير المؤمنين أمر ضاق علي فيه المنهج و تفاقم علي منه المخرج، لأمر كرهت عاره لما خشيت إظهاره، فلينصفني أمير المؤمنين من الخصم فأني أعوذ بعقوته من العار الوبيل و الأمر الجليل الذي يشتد على الحرائر ذوات البعول الأجائر. فقال لها معاوية: و من بعلك هذا الذي تصفين من أمره المنكر و من فعله المشهر؟ فقالت: أبو الأسود الدؤلي.
فالتفت إليه و قال: يا أبا الأسود، ما تقول هذه المرأة؟
فقال أبو الأسود: هي تقول من الحق بعضا و لن يستطيع أحد عليها نقضا، أما ما ذكرت من طلاقها فهو حق و أنا مخبر عنه أمير المؤمنين بالصدق، و الله يا أمير المؤمنين ما طلقتها عن ريبة ظهرت و لا لأي هفوة حضرت، و لكن كرهت شمائلها فقطعت عني حبائلها.
فقال معاوية: و أي شمائلها يا أبا الأسود كرهت؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنك مهبجها علي بجواب عتيد و لسان شديد.
فقال معاوية: لا بد لك من محاورتها فاردد عليها قولها عند مراجعتها.
فقال أبو الأسود: يا أمير المؤمنين إنها كثيرة الصخب دائمة الذرب، مهينة للأهل مؤذية للبعل، مسيئة إلى الجار مظهرة للعار، إن رأت خيرا كتمته و إن رأت شرا أذاعته.
فقالت: و الله لولا مكان أمير المؤمنين و حضور من حضره من المسلمين لرددت عليك بوادر كلامك بنوافذ أقرع بها كل سهامك، و إن كان لا يجمل بالمرأة الحرة أن تشثم بعلا و لا أن تظهر لأحد جهلا.
فقال معاوية: عزمت عليك لما أجبته. فقالت: يا أمير المؤمنين ما علمته إلا سئولا جهولا، ملحا بخيلا، إن قال فشر قائل، و إن سكت فذو دغائل، ليث حين يأمن و ثعلب حين يخاف، شحيح حين يضاف، إذا ذكر الجود انقمع لما يعرف من قصر رشائه و لؤم آبائه، ضيفه جائع و جاره ضائع، لا يحفظ جارا و لا يحمي ذمارا و لا يدرك ثارا، أكرم الناس عليه من أهانه و أهونهم عليه من أكرمه.
فقال معاوية: سبحان الله لما تأتي به هذه المرأة من السجع! فقال أبو الأسود: أصلح الله أمير المؤمنين إنها مطلقة، و من أكثر كلاما من مطلقة؟ ثم قال لها معاوية: إذا كان رواحا فتعالي أفصل بينك و بينه بالقضاء.
فلما كان الرواح جاءت و معها ابنها قد احتضنته، فلما رآها أبو الأسود قام إليها لينتزع ابنها منها، فقال معاوية: يا أبا الأسود، لا تعجل المرأة أن تنطق بحجتها.
قال: يا أمير المؤمنين، أنا أحق بحمل ابني منها، فقال له معاوية: يا أبا الأسود، دعها تقل، فقال: يا أمير المؤمنين، حملته قبل أن تحمله. فقالت: صدق و الله يا أمير المؤمنين، حمله خفا و حملته ثقلا، إن بطني لوعاؤه و إن ثديي لسقاؤه و إن حجري لفناؤه. فقال معاوية: سبحان الله لما تأتين به، ثم قال لأبي الأسود: إنها قد غلبتك في الكلام فتكلف لها أبياتا لعلك تغلبها. فأنشأ يقول:
مرحبا بالتي تجور علينا       ثم سهلا بالحامل المحمول
أغلقت بابها علي و قالت:     إن خير النساء ذات البعول
شغلت نفسها علي فراغا      هل سمعتم بالفارغ المشغول
فأجابته:
ليس من قال بالصواب و بالحق     كمن جار عن منار السبيل
كان ثديي سقاؤه حين يضحى      ثم حجري فناؤه بالأصيل
لست أبغى بواحدي يا بن حرب     بدلا ما علمته و الخليل
فقضى لها معاوية عليه و احتملت ابنها و انصرفت



أوصى الرجل الصالح أبو الأسود الدؤلي رحمه الله تعالى ابنته بهذه الوصية ليلة زفافها:
إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق..
وعليك بالزينة وأزين الزينة الكحل..
وعليك بالطيب وأطيب الطيب الماء..
وكوني كما قلت لأمك يوما ما:
خذِ العفو مني تستديمي مودتي......ولاتنطقي في ثورتي حين أغضب
فإني وجدت الحب في القلب والأذى.....إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
شكرا لتعليقك