ثورة 23 يوليو
بعد حرب 1948 و ضياع فلسطين وفضيحة الاسلحة الفاسدة ظهر تنظيم الضباط الاحرار في الجيش المصري بزعامة جمال عبد الناصر و في الثالث و العشرين من يوليو 1952 قام التنظيم بانقلاب مسلح نجح في السيطرة على الامور في البلاد و السيطرة على المرافق الجيوية في البلاد و اذاع البيان الاول للثورة بصوت انور السادات وفرض الجيش على الملك التنازل عن العرش لولي عهده الامير احمد فؤاد و مغادرة البلاد في 26 يوليو 1952 وشكل مجلس وصاية على العرش ولكن ادارة الامور كانت في يد مجلس قيادة الثورة المشكل من 13 ضابط كانوا هم قيادة تنظيم الضباط الاحرار ثم الغيت الملكية واعلنت الجمهورية في 1953أسباب قيام الثورة
تتلخص أسباب قيام ثورة 23 يوليو في التالي:
إستمرار الملك فاروق في تجاهله للأغلبية واعتماده على أحزاب الأقلية.
قيام اضطرابات داخلية وصراع دموي بين الإخوان المسلمين وحكومتي النقراشي وعبد الهادي.
قيام حرب فلسطين وتوريط الملك للبلاد فيها دون استعداد مناسب ثم الهزيمة.
عرضت قضية جلاء القوات البريطانية على هيئة الأمم المتحدة ولم يصدر مجلس الأمن قرارا لصالح مصر.
تقليص حجم وحدات الجيش الوطني بعد فرض الحماية البريطانية على مصر وارسال معظم قواته الى السودان بحجة المساهمة في اخماد ثورة المهدي.
اغلاق المدارس البحرية والحربية.
سوء الحالة الاقتصادية في مصر.
الظلم وفقدان العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب وسوء توزيع الملكية وثروات الوطن.
سفاهة حكم الملك فاروق وحاشيته في الانفاق والبذخ على القصر وترك الشعب يعاني.
الإنگليز في مصر قبل الثورة
منذ أن أحتل الإنگليز مصر في عام 1882 إلى منذ قيام الثورة في عام 1952 كان الإنجليز هم القوى الرئيسية في البلاد التي أثرت على مجرى الأحداث والتي ظلت بقية القوى السياسية الأخرى تشكل وتخضع لها حقيقة أن معظم الباحثين والدارسين لتاريخ مصر في تلك الفترة قد درجوا على وصف الحياة السياسية في مصر في تلك الفترة بأنها كانت صراعا بين قوى ثلاث، الإنجليز والقصر، الشعب إلا أن الإنجليز دون القوى الأخرى كان لهم الفوز الأكبر والسيطرة الفعلية شبه الكاملة على البلاد فالإنجليز قد احتلوا البلاد بقوات عسكرية هزمت القوات العسكرية المصرية على أثر ثورة عرابي عام 1881 تحت دعوى إنقاذ العرش الذي استنجد بالإنجليز حماية له من جيشه الوطني وهنا يهمنا التركيز على نقطة أن دخول الإنجليز إلى مصر كان بناء على الاستجابة إلى رغبة القصر وبعد الدخول في معركة حربية ضد الجيش المصري تلك الاستجابة التي لم تكن بعد ذلك في عام 1952 فأدت إلى جلاء القوات البريطانية جلاء تاما بعد ذلك بأربع سنوات.
فنتيجة استجابة الإنجليز لرغبة القصر (الخديوي توفيق) في الوقوف ضد جيشه الثائر ودون الدخول ي تفاصيل أسباب موافقة الإنجليز على الاستجابة لطلب الخديوي توفيق أن أحتل الإنجليز مصر بعد هزيمة الجيش المصري والقبض على زعيم الثورة ونفيه خارج البلاد ومن الممكن القول بأن بجانب احتلال الإنجليز لمصر في عام 1882 فقد ظهرت ثلاث نتائج أخرى نتيجة لأحداث عام 1882.
أولا تحطيم الجيش المصري والعمل بعد ذلك على عدم قيام جيش مصري من الممكن أن يشكل تهديدات للقصر وطبعا للإنجليز وبذلك لم يعد الجيش يشكل قوة سياسية في البلاد حتى جاء التوقيع على معاهدة 1936 وكان من أهم نتائج المعاهدة التوسع في حجم الجيش مرة أخرى مما أدى إلى دخول عناصر جديدة من الطبقة الوسطى إلى الجيش ولأول مرة بعد أن كان مقصورا على الطبقات العليا فكان ما مكان قبل ذلك حين دخل أنباء الفلاحين لأول مرة إلى الجيش بعد أن كان مقصورا على الأتراك والشراكسة وغيرهم من أبناء غير الفلاحين وإذا كان الإنجليز بعد احتلالهم مباشرة لمصر في عام 1882 قد وضعوا نصب أعينهم عدم السماح بتقوية الجيش خشية تكرار أحداث 1881 إلا أنهم ولظروف جو مختلفة وتحت ضغوط دولية ومحلية اضطروا إلى السماح ولو بقدر يسير للغاية للجيش أن يتوسع في عام 1936 فكانت النتيجة ثورة 1952 وتحرك الجيش ضد القصر مرة أخرى.
ثانيا: رغم أن الإنجليز قد دخلوا البلاد بناء على رغبة وحماية للعرش ونفذوا مخططهم في احتلال البلاد تحت هذه الحجة إلا أنهم كانوا يعلمون علم اليقين أن القصر باستبداده وفساده كان المسئول الأول عن ثورة 1881 لذلك وضع الإنجليز نصب أعينهم سياسة مزدوجة تقوم أساسا على تحجيم دور القصر من ناحية الاعتماد على قوى أخرى غير القصر من ناحية أخرى حتى لو اضطر الأمر إلى إنشاء مثل هذه القوى في حالة عدم وجودها فالإنجليز كانوا يعلمون أن القصر كان مصدر عدم استقرار وإن ارتباطهم بالقصر لن يتيح لهم حكم البلاد حكما سليما فبجانب ارتباط الإنجليز بقوى مكروهة شعبيا مما يعني توجيه عوامل السخط والغضب الشعبي ضد الإنجليز وهذا ما كان يعمل الإنجليز على تجنبه حصرا على علاقتهم بالشعب المصري ضمانا لاستمرارهم في احتلال البلاد فإنهم أيضا كانوا يعلمون أن القصر كمؤسسة غير قابلة للإصلاح ولذلك لا يمكن الاعتماد عليها في حكم البلاد أو حتى محاولة إصلاحها في المستقبل على أمل أن تساعدهم في حكم البلاد لذلك سارع الإنجليز فور احتلالهم لمصر إلى عدم إعطاء القصر الدور الذي كان يتطلع إليه عند مساندة الإنجليز له وإن كان توفيق قد أصبح مطية في يد الإنجليز عرفنا لهم بالجميل والشكر على إنقاذهم إياه لعرشه إلا أن خلفوه بدءا من عباس فالسلطان حسين فالملك فؤاد ثم فاروق عن هؤلاء لم يشعروا بنفس درجة العرفان التي شعر بها جدهم توفيق نحو الإنجليز وكانوا يشعرون أنهم أصحاب سلطة حقيقية وحق شرعي في حكم البلاد وليس الإنجليز وما دور الإنجليز إلا حماية للعرش فقط وهذا طبعا ما لم يرضه الإنجليز فالإنجليز أتوا لاحتلال البلاد إنقاذا لعرش ملك أهوج فاسد فقط بل لسياسة بعيدة المدى هي جزء من السياسة الخارجية الإنجليزية ككل وعلى هذا الأساس ما كانت العلاقة بين القصر والإنجليز علاقة وئام دائما بل أنه كثيرا ما شابها الاصطدام والتنافس والصراع وليس أدل على ذلك من حادثة الحدود في عهد الخديوي عباس وانتهاز فرصة الحرب العالمية الأولى في اسطنبول لعزله ثم فرض دستور 1923 على الملك فاروق بل إن رأي السير مايلز لاجسون المندوب السامي سابقا) السفير البريطاني في الملك فاروق لم يكن يخفي على أحد، حيث كان يحتقره أشد الاحتقار ويمسه بالولد نكاية عن سوء تربيته والإسراف في تدليله لذلك فإن الحفاظ على شخص الملك أيا كان لم يكن هدفا أصلا في السياسة البريطانية مما ظهر أثره في عام 1952 كما سنرى بعد قليل وإن حماية القصر ما كانت سوى حجة لتنفيذ سياسة أو سع وأبعد مدى من مجرد التدخل العسكري.[1]
ثالثا: بناء على ما سبق سعى الإنجليز إلى كسب وفئة اجتماعية جديدة تكون خير سند لهم في حكم البلاد وحليفا أقوى من مؤسسة القصر التي كانت السبب في قيام ثورة شعبية 1881 والأغلب أنها كانت سبب ثورات شعبية أخرى وكان مجموع الفلاحين من المعدمين البؤساء لا حول لهم ولا قوة.
ورغم دعوى الإنجليز المستمرة بأنهم أصدقاء هؤلاء الفلاحين وما أتوا أصلا إلا لرفع الظلم الواقع على كاهلهم من الباشوات الأتراك إلا أن الفلاحين بأعدادهم الغفيرة وقلة تنظيمهم كانت تحول بينهم وبين أن يكونوا سندا قويا فعالا للإنجليز ومن هنا كانت الحاجة إلى خلق تقوية مجموعة جديدة يمكن أن تلعب هذا الدور وكان هؤلاء هم ملاك الأراضي الزراعية الجدد الذين بدأوا في الظهور بشكل قوي في حوالي منصف القرن الماضي حتى أشتد عددهم في نهاية القرن بفضل تأييد الإنجليز ودعمهم وأصبحوا يشكلون العامة الأساسية لحكم البلاد بجانب القصر بل منافسا له أحيانا (دستور 1923 ) وأكبر سند ونصير للاحتلال البريطاني ودون الدخول في تفاصيل ظهور هذه الطبقة وتطورها وعلاقاتها مع الإنجليز والقصر فإن هذه الطبقة لعبت الدور المطلوب منها تماما طيلة النصف الأول من هذا القرن في قيام الثورة في عام 1952.
عمل الإنجليز على القضاء على الجيش وتحجيم دور القصر وتقوية دور كبار ملاك الأراضي الزراعية إلا أن هذه السياسة ذات الأبعاد الثلاثة بدأت تظهر عليها أعراض التغير حين سمح لمصر بعد توقيع معاهدة 1936 بإعادة بناء جيشها ولو بقدر محدود، وثانيا حين وصل الملك إلى درجة من الاستهتار والفساد بحيث أصبح الخلاص منه ضرورة تحتمها مصلحة الإنجليز أنفسهم، وأخيرا حين أصبح أيضا كبار الملاك الزراعيين من أهم أسباب السخط والتذمر في البلاد. فنتيجة لتطور علاقات الملكية في مصر منذ ظهور الملكية الخاصة في الأرض الزراعية (أي في منتصف القرن الماضي) وحتى منتصف القرن الحالي، أن أصبح حوالي نصف في المائة فقط من السكان يملكون حوالي نصف الأراضي الزراعية مما شكل خللا اجتماعيا كبيرا ظهرت أثاره في انتشار العديد من الأفكار التي تدعو إلى الإصلاح الاجتماعي بعضها معتدل مثل الدعوة التي أطلقت في مجلس الشيوخ من أجل تحديد الملكية الزراعية وبعضها متطرف مثل الدعوة الشيوعية وكان الإنجليز وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية وظهور الاتحاد السوفيتي كقوة رئيسية على المسرح الدولي.
أشد ما يكونون خوفا من انتشار نفوذ الاتحاد السوفيتي على المسرح الدولي من خلال عقيدتهم السياسية، أي الشيوعية ذات البريق الجذاب في البلاد التي تعاني من خلل خطير في هيكلها الاجتماعي وفقرا مدقعا حين تكون الشيوعية أكثر قبولا وانتشارا عنها في المناطق الأخرى وهكذا وصل الإنجليز إلى نتيجة مؤداها أن مصر بنظامها السياسي القائم على مؤسسة القصر التي يرأسها ملك فاسد ونظامها الاجتماعي وعمادها طبقة من كبار ملاك الأراضي الزراعية الجشعين الذين يرفضون حتى محاولات الإصلاح الاجتماعي وعمادها طبقة من كبار ملاك الأراضي الزراعية الجشعين الذين يرفضون حتى محاولات الإصلاح الاجتماعي المعتدلة قد أصبحت مهيأة تماما لاستقبال الشيوعية وإذا كانت الشيوعية تمثل الخطر الأول على الإمبراطورية البريطانية على صعيد العالم فإن مصر من الممكن أن تكون إحدى نقاط الضعف التي ينفذ منها النفوذ الشيوعي.
لذلك كان الإنجليز مع أي دعوة جدية للإصلاح بهدف منع المد الشيوعي.
ولا شك أن الإنجليز يعلمون أن البلاد تمر بحالة غليان واختبار ثوري فأعوام 45- 50 كانت مليئة بأحداث العنف والاضطرابات الاجتماعية ثم كانت عودة الوفد إلى الحكم حريق القاهرة في يناير 1952 التي كانت دلائله الاجتماعية والسياسية لا تخفي على أحد وما كان الجيش بعيدا عن ذلك بل أنه من الملاحظ أن التقارير البريطانية التي سبقت الثورة كانت تتحدث دائما عن وجود حالة سخط وتذمر داخل صفوف الجيش ولكن لم يؤخذ الأمر مأخذ الجد فإن الكلام أو التحاليل الإنجليزية ذهبت كلها إلى احتمالات عودة الوفد مرة ثانية إلى الحكم بدون الإشارة ولو من بعيد إلى احتمال تكرار أحداث عراي في عام 1882 ولكن من 20 يوليو أرسلت السفارة البريطانية في القاهرة بتقرير سري للغاية إلى وزارة الخارجية البريطانية في لندن تتحدث فيها عن بعض الشائعات غي المؤكدة حول تحرك عدد من وحدات الجيش في اتجاه الإسكندرية وما يقال حول رفض عدد من ضباط الجيش المصريين إطاعة الأوامر ثم يتحدث التقرير عن احتمال قيام تمرد عسكري وتكون هذه أول مرة يشار فيها إلى مثل الاحتمال وما سيؤدي إليه من فوضى لا محالة ثم تتوالي التقارير بعد ذلك صبيحة أو فجر 23 يوليو.
قامت الثورة على مبادئ ستة كانت ههي عماد سياسة الثورة و هي:
القضاء على الاقطاع
القضاء على الاستعمار
القضاء على سيطرة راس المال
بناء حياة ديمقراطية سليمة
بناء جيش وطني
مميزات ثورة يوليو
ثورة بيضاء لم ترق فيها الدماء.
قيام الثورة بجيل جديد من الضباط والشبان بقيادة جمال عبد الناصر وكان امرا جديدا في عالم الانقلابات العسكرية التي كان يقوم بها عادة قادة الجيوش واصحاب الرتب الكبيرة.
كان تشكيل الضباط الاحرار ذا طبيعة خاصة لا تنفرد باتجاه معين ولا تنتمي لحزب سياسي واحد فلقد كانوا من مختلف الاتجاهات السياسية.
اكتساب الثورة تأييد شعبي جارف من ملايين الفلاحين وطبقات الشعب العاملة الذين كانوا يعيشون حياة تتسم بالمرارة والمعاناة.
لتخاذ قرار حل الاحزاب والغاء دستور 1923 بعد ستة اشهر من قيام الحركة والالتزام بفترة انتقال محددة هي ثلاث سنوات يقوم بعدها نظام جمهوري جديد.
تميزت الثورة بالمرونة وعدم الجمود في سياستها الداخلية لصالح الدولة حيث لم تجمد سياسة الثورة الخارجية في مواجهة الاستعمار بعد رفض امريكا امدادها بالسلاح وسحب عرضها في بناء السد العالي واتجهت الثورة الى اطراف اخرى من اجل تنفيذ المشروعات القومية.
وفي المجال السياسي تبنت الثورة فكرة القومية العربية ، وسعت إلى مساندة الشعوب العربية المحتلة للتخلص من الاستعمار ، وحققت الوحدة مع سوريا واليمن ، كما سعت إلى محاربة الاستعمار بكافة صوره وأشكاله في أفريقيا وآسيا ، وكان لمصر دور رائد في تأسيس جماعة دول عدم الانحياز. [2]
خطة ثورة يوليو
كانت الأخبار قد وصلت الى جمال عبد الناصر بنية القصر بالقبض على 13 من الضباط المنتمين للتنظيم والاتجاه لتعيين حسين سري وزيرا للحربية فاجتمع مجلس قيادة حركة الجيش او ثورة الثالث والعشرين من يوليو كما سميت فيما بعد لاقرار الخطة التي وضعها زكريا محي الدين بتكليف من جمال عبد الناصر ومعاونه عبد الحكيم عامر حيث تقوم الكتيبة 13 بقيادة احمد شوقي المكلف بالسيطرة على قيادة القوات المسلحة في سرية كاملة وقرروا ان تكون ساعة الصفر –الساعة الواحدة -ليلة الاربعاء 23 يوليو 1952واتفق الضباط ايضا على ان يكون مركز نشوب الثورة في منطقة ثكنات الجيش من نهاية شارع العباسية الى مصر الجديدة واتفقوا على الترتيبات الاخيرة.
غير ان خطا في ابلاغ يوسف صديق قائد ثان الكتيبة 13 بساعة الصفر تسبب في نجاح الثورة حيث تحرك صديق بقواته في الساعة الحادية عشرة واستطاع السيطرة على مجلس قيادة القوات المسلحة في كوبري القبة واعتقال كل من قابلهم في الطريق من رتبة قائم مقام فما فوق كما كانت تقضي الخطة ومراكز القيادة بالعباسية والاستيلاء على مبنى الاذاعة والمرافق الحيوية بالقاهرة واعتقال الوزراء. [3]
بيان ثورة يوليو
إنطلق صوت أنور السادات يلقي البيان الأول من اللواء محمد نجيب الى الشعب المصري ونصه:
(اجتازت مصر فترة عصبية في تاريخها الاخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم وقد كان لكل هذه العوامل تاثير كبير على الجيش وتسبب المرتشون المغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين واما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتامر الخونة على الجيش وتولى امرهم اما جاهل او خائن او فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير انفسنا وتولى امرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم ولابد ان مصر كلها ستلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب اما عن راينا في اعتقال رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب واني اؤكد للجيش المصري ان الجيش كله اصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجردا من اية غاية وانتهز هذه الفرصة واطلب من الشعب الا يسمح لاحد من الخونه بان يلجا لاعمال التخريب او العنف لان هذا ليس في صالح مصر وان أي عمل من هذا القبيل يقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقي فاعله جزاء الخائن في الحال وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاونا مع البوليس واني اطمئن اخواننا الاجانب على مصالحهم وارواحهم واموالهم ويعتبر الجيش نفسه مسئولا عنهم والله ولي التوفيق اللواء اركان حرب محمد نجيب).
ترحيل الملك فاروق
المقالة الرئيسية: فاروق الأول
وتم تكليف علي ماهر باشا بتشكيل الوزارة بعد اقالة وزارة الهلالي باشا التي لم يكن قد مضى على تشكيلها يوم واحد ثم قام الثوار صباح الثالث والعشرين بالاتصال بالسفير الامريكي لابلاغ رسالة الى القوات البريطانية بان الثورة شان داخلي وكان واضحا في البيان الاول للثورة التاكيد على حماية ممتلكات الاجانب لضمان عدم تدخل القوات البريطانية الى جانب القصر ثم واصل الثوار بعد ذلك اتخاذ خطواتهم نحو السيطرة على الحكم وطرد الملك واجبروه على التنازل عن العرش الى ولي عهده ابنه الرضيع احمد فؤاد وقد تم ترحيل الملك واسرته الى ايطاليا على متن يخت المحروسة.
جمال عبد الناصر
المقالة الرئيسية: جمال عبد الناصر
ظاهريا كان قائد الحركة التي سميت فيما بعد بالثورة هو اللواء محمد نجيب ولكن الخلاف بينه وبين جمال عبد الناصر جعل الأخير يزيحه عام 1954 و يحدد اقامته محمد نجيب في منزله لفترة من الوقت تولى جمال عبد الناصر بعد ذلك حكم مصر من 1954 حتى وفاته عام 1970.
ساند عبد الناصر حركات التحرر العالمي ساند عبد النصر حركات المد القومي العربي من اجل هدف الوحدة العربية فدخل في وحدة مع سوريا تعتبر الوحدية من نوعها في تاريخ العرب المعاصر من عام 1958 إلى عام 1961 تاريخ الانفصال كما ساند جبهة التحرير في الجزائر و ساند ثورة اليمن ضد الحكم الملكي بقوات عسكرية وصلت إلى حد ان الجيش المصري كان مشاركا فعليا في حرب اليمن.
قام عبد الناصر باتباع المنهج الاشتراكي في الحكم فقام بتاميم المصانع و الشركات الكبرى في عام 1961
كانت من اهم منشآت الثورة السد العالي الذي حمى مصر من الفيضانات و موجات الجفاف المتتالية و من اجل بناء السد العالي امم عبد الناصر قناة السويس في عيد الثورة الرابع في 1956 مما كان سببا في قيام اسرائيل بالتعاون مع فرنسا و بريطانيا بالهجوم على مصر في الحرب التي اشتهرت بالعدوان الثلاثي.
و في عام 1967 قامت اسرائيل بالهحوم على مصر و سوريا و الاردن و سحقت الجيوش العربية في تلك الحرب التي اشتهرت بالنكسة او حرب الايام الستة و استولت على سيناء و الجولان و الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد توفي عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 و تولى بعده نائبه وأحد أعضاء تنظيم الضباط الاحرار السلطة و هو انور السادات و بنهاية عهد عبد الناصر يعتبر انه قد انتهى عصر ثورة يوليو.
أعضاء مجلس قيادة الثورة
اللواء محمد نجيب
البكباشي جمال عبد الناصر
أنور السادات
عبد الحكيم عامر
يوسف صديق
حسين الشافعي
صلاح سالم
جمال سالم
خالد محيي الدين
زكريا محيي الدين
كمال الدين حسين
عبد اللطيف البغدادي
عبد المنعم أمين
حسن ابراهيم
انجازات الثورة
الانجازات المحلية
الانجازات السياسية
تأميم قناة السويس
استرداد الكرامة والاستقلال والحرية المفقودة على ايدي المستعمر المعتدي
السيطرة على الحكم في مصر وسقوط الحكم الملكي
اجبار الملك على التنازل عن العرش ثم الرحيل عن مصر الى ايطاليا
الغاء النظام الملكي وقيام الجمهورية
توقيع اتفاقية الجلاء بعد اكثر من سبعين عاما من الاحتلال
بناء حركة قومية عربية للعمل على تحرير فلسطين
انجازات ثقافية
أنشأت الثورة الهيئة العامة لقصور الثقافة وقصور الثقافة والمراكز الثقافية لتحقيق توزيع ديموقراطي للثقافة وتعويض مناطق طال حرمانها من ثمرات الابداع الذي احتكرته مدينة القاهرة وهو ما يعد من أهم وأبرز انجازاتها الثقافية.
انشاء أكاديمية تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والاوبرا والموسيقى والفنون الشعبية.
رعاية الاثار والمتاحف ودعم المؤسسات الثقافية التي انشاها النظام السابق ثقافي.
سمحت بانتاج افلام من قصص الادب المصري الاصيل بعد ان كانت تعتمد على الاقتباس من القصص والافلام الأجنبية.
انجازات تعليمية
قررت مجانية التعليم العام واضافت مجانية التعليم العالي.
ضاعفت من ميزانية التعليم العالي.
اضافت عشرة جامعات انشئت في جميع انحاء البلاد بدلا من ثلاث جامعات فقط.
انشاء مراكز البحث العلمي وتطوير المستشفيات التعليمية.
انجازات اقتصادية واجتماعية
تعتبر الثورة العصر الذهبي للطبقة العاملة المطحونة الذين عانوا اشد المعاناة من الظلم وفقدان مبدأالعدالة الاجتماعية.
أسفرت الثورة عن توجهها الاجتماعي وحسها الشعبي مبكرا عندما اصدرت قانون الملكية يوم 9 سبتمبر 1952.
قضت على الاقطاع وانزلت الملكيات الزراعية من عرشها.
مصرت واممت التجارة والصناعة التي استاثر بها الاجانب.
الغاء الطبقات بين الشعب المصري واصبح الفقراء قضاة واساتذة جامعة وسفراء ووزراء واطباء ومحامين وتغيرت البنية الاجتماعية للمجتمع المصري.
قضت على معاملة العمال كسلع تباع وتشترى ويخضع ثمنها للمضاربة في سوق العمل.
حررت الفلاح باصدار قانون الاصلاح الزراعي.
قضت على السيطرة الراسمالية في مجالات الانتاج الزراعي والصناعي.
الإصلاح الزراعي
المقالة الرئيسية: الإصلاح الزراعي في مصر
وبعد أن تم القضاء على الملك، أهم ركائز السياسة الإنجليزية في مصر كانت الخطوة التالية للثورة هي القضاء على الركيزة الثانية للاحتلال الإنجليزي وهم ما أسمته الثورة بالإقطاع أي كبار ملاك الأراضي الزراعية الذين كانوا يحتكرون الأرض والحياة السياسية في البلاد وقد قيل الكثير عن سوء توزيع الملكية الزراعية في البلاد، وما كان يعني ذلك من خلل اجتماعي رهيب بدأت أثاره تظهر في شكل مصادمات بين الفلاحين وكبار الملاك والسلطات المحلية في بعض القرى.
ورغم تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلا أن كبار الملاك الذين شكلوا النخبة السياسية الحاكمة وقتئذ قد أصموا أذانهم عن أي دعوة للإصلاح والتغيير حتى بدأ قمة كبار الملاك الزراعيين أنفسهم من الإنجليز يقلقون من تفاقم الأوضاع وقصر نظر الطبقة الحاكمة مما كان يعني ليس فقط ضياع كبار الملاك بل حماتهم أيضا.
وكان طبعا الخطر الذي يخشاه الإنجليز أكثر من غيره هو خطر انتشار الشيوعية، وليس هناك تربة أكثر خصبا لانتشار الشيوعية من سوء توزيع الثروة القومية حيث يستفحل الفقر والجهل والمرض في حين تزداد الطبقة الحاكمة ثراء وتزداد الطبقة المحكومة فقرا وهذا ما كان يحدث في مصر عشية قيام الثورة في 23 يوليو عام 1952 وهنا نجد أن موقف الإنجليز أنفسهم كان مذبذبا إلى حد كبير منهم من جهة يعلمون علم اليقين أنه لا بديل عن الإصلاح الزراعي إذا أرادوا تجنيب البلاد الشيوعية ولكن في نفس الوقت كان السؤال أي إصلاح زراعي؟ ولا شك أنهم ما كانوا يودون تطبيق إصلاح زراعي راديكالي لإنقاذ البلاد من الشيوعية فإن أي إصلاح زراعي جذري كان بالنسبة للإنجليز لعدم تطبيق الشيوعية دون الإعلان عنها وهذا ما كان لا يرضى عنه الإنجليز بطبيعة الحال.
ليس أدل على موقف الإنجليز هذا من تعليق الخارجية البريطانية على مذكرة رئيس الوزراء البريطاني بشأن مصر في 26 أغسطس عام 1952 أي قبل إصدار قانون الإصلاح الزراعي في 9 سبتمبر من ذلك العام حين كتبت الخارجية الإنجليزية تقول أنه يجب تأييد جهود محمد نجيب للإصلاح الزراعي وإعادة كسب ثقة الشعب المصري في الحكومة الجديدة وعدم تأييد كبار الملاك ولا شك في نية علي ماهر الصادقة في الإصلاح لكن حماس الضباط من أجل اكتساب شعبية قد يدفعهم إلى اتخاذ خطوات غير عملية مثال ذلك الإعلان عن استصلاح مساحات شاسعة من الصحراء في حين أن وزير المالية أعلن أن نجيب قد استقطع 40 مليون جنيه من ميزانية العام القادم من أجل إنقاذ مصر من الإفلاس وحزب الوفد يعارض مثل هذا البرنامج وبالتالي فإن فرص اعتماد الجيش على جماعات متطرفة مثل الإخوان ستكبر وفي نفس المذكرة يكتب سيتم توزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين وإلا سقطت مصر في أيدي الشيوعيين وأملنا الوحيد في تلك اللحظة هو علي ماهر.
فخلاصة القول كانت في رأي الإنجليز هو أنه يجب عليهم تأييد علي ماهر ونجيب وخطة الإصلاح ولكن بشكل دستوري ولا يجب عليهم أن يظهروا بمظهر الحماة لكبار الملاك فسياستهم تقوم منذ أيام كتشنر على مساعدة الفلاحين وأنه يجيب إدخال الولايات المتحدة في خطة إنجاح نجيب وبذلك رست السياسة الإنجليزية في مصر في ذلك الوقت عند تأييد الإصلاح الزراعي ولكن في إطار رسوم ترضى عنه بريطانيا وفي 26 أغسطس يصف تقرير إنجليزي أخر موقف علي ماهر بأنه ضعيف وكيف كان يجب عليه أن يكون أقوى من ذلك وأن يظهر بمظهر المدافع عن الإصلاح وكيف أن دور انجلترا في هذه اللحظة هو في كيفية جعل هذا الإصلاح ناجحا وكان الصراع بين أعضاء مجلس الثورة من جانب وعلي ماهر الذي شكل أول وزارة بعد الثورة من جانب أخر قد بدأت أثاره تظهر على السطح فعلي ماهر كان في النهاية من ينتمون إلى العهد السابق وكانت نظرة الضباط الشبان وكان على السفارة البريطانية لما لها من وزن في مصر خاصة وسط السياسيين القدامى من أمثال علي ماهر أن تحدد موقفها.
وكان لقرار الإنجليز بتأييد جهود الإصلاح الزراعي وإشراك الولايات المتحدة معهم وانعكاسات ظهرت أثارها بعد ذلك بين انجلترا نفسها والولايات المتحدة فيأتي السفير البريطاني في 20 أغسطس أن السفير الأمريكي قد قابل محمد نجيب وأعضاء مجلس قيادة الثورة في عشاء وحذر من المغالاة في الإصلاح الزراعي ثم يقابل السفير البريطاني علي ماهر بعد ذلك ويحمل نفس رسالة السفير الأمريكي وكان على ماهر قد اقترح في ذلك الوقت بتحديد الملكية الزراعية بـ 500 فدان وترك الباقي للتخلص منه خلال 5 سنوات على أن يكون الإيجار 21 جنيها طالما بقيت الضريبة 3 جنيهات ثم يخلص السفير البريطاني بعد ذلك إلى أنه من الأنسب ترك علي ماهر يحل مسألة الإصلاح الزراعي بطريقته وأن يقتصر دور الإنجليز على تقديم أي مساعدة فنية تطلب منهم.
وقد نشرت جريدة الديلي إكسبرس اللندنية خبر لقاء السفير البريطاني مع علي ماهر في صورة تحذير ضد تسلل الشيوعية تحت دعوى الإصلاح وقد اشتكى علي ماهر للسفير البريطاني من تدخل الجيش في تشكيل وزارته ومن برنامج الإصلاح الزراعي الذي يدعو إلى تحديد الملكية الزراعية بحد أقصى مائتا فدان، وأن ذلك سيكلف خزانة الدولة سندات بـ220 مليون جنيه وسيربك مالية البلاد ويحبط رأس المال الأجنبي كما اشتكى من أن اتصالات الجيش مع الأمريكان قد أعطت الجيش ثقة بأنهم مؤيدون تماما من قبل أمريكا التي ستحميهم من أي تدخل إنجليزي وقد بدأت أثار التدخل الأمريكي تظهر وتأتي بمفعولها حين أخبر السفير الأمريكي زميله البريطاني أن مجلس قيادة الثورة بدأ يفقد صبره لتأجيل برنامج الإصلاح الزراعي وأن المجلس قد أوضح للسفارة الأمريكية أنه إذا لم يتم تحقيق أي تقدم سريع في برنامج الإصلاح الزراعي فإن المجلس سيستغني عن علي ماهر كرئيس للوزراء ويحل محله السنهوري الذي يتمشى مع هواهم تماما وقد نصح السفير الأمريكي أعضاء المجلس بالاعتدال والصبر ونجح في الحصول على وعد منهم بأنهم لن يتخذوا أي إجراء ضد علي ماهر دون إعطاء السفير الأمريكي فكرة قبلها على الأقل بأربع وعشرين ساعة بناء على ذلك أرسل السفير الأمريكي فكرة إلى علي ماهر يحذر فيها من مخاطر التأخير في تنفيذ برنامج الإصلاح الزراعي ويعلق السفير البريطاني في تقريره أنه طبقا لما جاء بصحف صباح ذلك اليوم (5سبتمبر 1952) فقد استقبل علي ماهر مندوبين عن ملاك الأراضي الزراعية في اليوم السابق (4 سبتمبر 1952) الذين وافقوا من حيث المبدأ على تحديد الملكية الزراعية على أن يقدموا اقتراحاتهم حول طرق تنفيذ ذلك من خلال 48 ساعة ثم يذكر السفير الإنجليزي أنه سيقابل علي ماهر في اليوم التالي وسيثير معه نفس الموضوع الذي أثاره من قبل السفير الأمريكي وسيعرض مساعدته في تقديم المشورة والنصح حول توزيع الأراضي الزراعية ذاكرا له خبرة بريطانيا في ها المجال من قبل في كل من ألمانيا الاتحادية وتجربة التعاونيات.
وفي تقرير مطول عن الأوضاع الداخلية في مصر يؤكد السفير البريطاني أن علي ماهر قد وافق على إصلاح زراعي جذري كما يطالب به من أسماهم بالمتطرفين ونجح في تثبيت أعضاء حكومته حين أعيد تشكيلها (المقصود هنا 6 سبتمبر 1952) ولكن إذا قدم علي ماهر تنازلا ضد إرادته أي في اتجاه الإصلاح الزراعي فمن غير المحتمل في رأي السفير البريطاني أولا أن يلتزم به لفترة طويلة ثانيا لأن الضغوط التي على علي ماهر من قبل المتطرفين ستستمر لو سار في طريق الإصلاح الزراعي وأن علي ماهر أن يسير بشكل أسرع لو أراد الاحتفاظ بثقة الجيش ويكون من صالح بريطانيا أن تحذره من مخاطر التردد فلو أزيح علي ماهر من مكانة كرئيس للوزراء فقد يحل محله السنهوري رئيس مجلس الدولة أو سليمان حافظ الذي يرى الجيش أنهما أكثر التزاما بخطة من علي ماهر، وذلك يعني أن ميزان القوى قد انقلب أكثر من الحكومة إلى صالح الجيش وأن الحكومة قد أصبحت مجرد واجهة مدنية لتطبيق الإجراءات المتطرفة التي يريدها الجيش وأن الحكومة قد أصبحت مجرد واجهة مدنية لتطبيق الإجراءات المتطرفة التي يريدها الجيش وكثير من هؤلاء المتطرفين في الجيش قصيري النظر وعديمي الخبرة ولذلك ستشهد الساحة صراعا بين الإصلاحيين الحزبيين من أمثال علي ماهر وهؤلاء المسيطرون على مجلس قيادة الثورة الذين يدركون مدى حدود إصلاحاتهم المرتقبة ويشعرون بالمسئولية تجاه الأمن العام للبلاد والتطور الطبيعي للاقتصاد وعلى الجانب الآخر هناك المترفون في الجيش والإخوان المسلمون والوفد الذين يريدون الإسراع عن انهيار اقتصادي وهذه المجموعة من المتطرفين تنشر في جميع الأوساط والجماعات السياسية واحتمالات توحدها ليست بعيدة وتزداد الصورة تعقيدا إذا أخذنا في الاعتبار المؤامرات والانقلابات والقوى المضادة للإصلاح الزراعي ويكمل السفير تحليله للموقف بأنه لا يعول كثيرا على مقاومة مسلحة من قبل كبار ملاك الأراضي الزراعية واتباعهم تجاه برنامج الإصلاح الزراعي فهو لا يعتقد أن كبار ملاك الأراضي الزراعية قد ضيق الخناق عليهم وأنهم سيؤيدون أي معركة مناهضة للجيش تستطيع إخراجهم من مأزقهم هذا ويكمل السفير قائلا أنه يظهر أنه لو طبقت إجراءات جذرية فإن ذلك يؤدي إلى تداعي الإجراءات الأكثر راديكالية التي ستظل موجودة ويطالب بها المتطرفون أما عن الفلاحين فإن أمالهم في الإثراء السريع ستصاب بإحباط والعمال سينتظرون ثورة اجتماعية بعد الإصلاح الزراعي أسوة بما حدث للفلاحين في النهاية فإن الضباط المسيطرين على مجلس قيادة الثورة قد أظهروا اعتدالا حتى هذه اللحظة في المسائل الداخلية وأن حركة الجيش قد أفرزت نوعية من الرجال لم يتوقعه أحد والخطر أن هؤلاء المعدلين داخل مجلس قيادة الثورة والجيش سيفقدون مواقعهم إذا فشل برنامج الإصلاح الزراعي لصالح العناصر المتطرفة الذين سيتحولون إلى الهجوم على بريطانيا لتغطية فشلهم الداخلي لذلك فالنظام الجديد بحاجة ملحة إلى إثبات نجاحه في محاولته الإصلاحية الأولى لذلك يجب نصح رئيس الوزراء بعدم التشدد ويجب على انجلترا أن تدرس مساعدات عملية ممكن أن تقدمها للمعتدلين كالإفراج عن احتياطي الاسترليني الخاص بمصر في بنوك لندن حتى تستطيع البلاد أن تستمر لموسم الحصاد مع تقديم الخبراء اللازمين في مجال الإصلاح الزراعي أو غيره إلخ وإذا لم يفشل الإصلاح الزراعي بشكل عنيف فمن الممكن أن نرى أن عودة تدريجية للحياة الدستورية فقد أعلن مجلس قيادة الثورة عن انتخابات نيابية خلال أشهر قليلة ومع موقف الجيش المدعم للإصلاح الزراعي بدأت تظهر أثار ذلك بصدور قانون معدل للانتخابات كل هذه العوامل مجتمعة قد تفرز مجلسا نيابيا مختلفا عن المجالس السابقة التس سبقت حركة الجيش وهذا بالقطع لا يعني اعتزال الجيش بالكامل ولكن تأثيره سيكون بشكل غير مباشر من خلال رشاد مهنا مثلا في مجلس الوصايا فالأمر الواضح هو أن الجيش قد حل محل الملك في التدخل في الحياة السياسية حين يستدعي الأمر ذلك طالما أن المعتدلين والجيش كليهما تحت السيطرة فالأغلب أن ذلك ليس بالشيء السيئ.
هنا ينتهي التقرير البريطاني الذي كتبه السفير والملاحظ عليه نقطتان في غاية الأهمية.
أولا أن الموضوع خرج عن حيز الإصلاح الزراعي هل يطبق أم لا، إلى كيف يطبق وأصبح الإصلاح الزراعي هو محور الصراع بين من أسماهم السفير بالمعتدلين ويضعف من نفوذ المتطرفين ثانيا أن السفير كان لا يزال يأمل في الاحتفاظ بالإطار الدستوري للنظام السابق من قيام حكومة مدنية مدعومة من مجلس نيابي منتخب تحت ظل نظام ملكي وهو في ذلك لم يتمسك بالنظام القديم كاملا، فهو يعلم علم اليقين أن النظام القديم بفساده كان السبب أصلا في قيام الثورة وهو إلا أنه رأى بعض الإصلاحات وعدم تأييد الملك السابق إلا أنه كان يرى استمرار النظام السابق مع الاعتراف بالدور الجديد للجيش الذي حل محل الملك فبدلا من أن يحل الملك البرلمان أو يقيل الوزارة كما كان يحدث في الماضي يعلب مجلس قيادة الثورة نفس الدور ولا شك أن السفير البريطاني كان مخطئا وواهما في كتلا الحالتين وما زال أسير عصر الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس ولم يدرك المعنى الكامل لحركة الجيش حيث أن هذه الحركة لم تكن مجرد تحرك وحدات عسكرية تحت قيادة ضباط يطمعون في الاستيلاء على الحكم فقط أو تحركهم بعض النوازع المثالية المرتبطة بالإطار السياسي القديم بل كانوا انعكاسا لتطور وانقلاب اجتماعي في المجتمع المصري ظل يتفاعل طيلة أكثر من ربع قرن حين اشترك الأفندية ولأول مرة في تاريخ مصر في حكومة الشعب تحت قيادة الوفد برئاسة سعد زغلول عام 1924 إلى السيطرة الكاملة لهؤلاء الأفندية على الحكم من خلال أكثر فئات هذه المجموعة تنظيما وقوة أي الجيش جيش معاهدة 1936 الذي توسع في قبول الأفندية به فكانت ثورة الأفندية العسكرية عام 1952 يما يعني ذلك من سقوط النظام القديم ليس بشقه السياسي والدستوري فقط بل أيضا بشقه الاجتماعي والاقتصادي.
بعد يوم واحد من كتابة التقرير السابق عزل علي ماهر وشكل محمد نجيب ممثلا عن مجلس قيادة الثورة الوزارة بنفسه في 7 سبتمبر وفي 9 سبتمبر أعلن عن قانون الإصلاح الزراعي وتنظيم الأحزاب في نفس الوقت.
الانجازات العربية
توحيد الجهود العربية وحشد الطاقات العربية لصالح حركات التحرر العربية.
اكدت للأمة من الخليج الى المحيط ان قوة العرب في توحدهم وتحكمها اسس اولها تاريخي وثانيها اللغة المشتركة لعقلية جماعية وثالثها نفسي واجتماعي لوجدان واحد مشترك.
اقامت الثورة تجربة عربية في الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير 1958 .
قامت الثورة بعقد اتفاق ثلاثي بين مصر والسعودية وسوريا ثم انضمام اليمن.
الدفاع عن حق الصومال في تقرير مصيره.
ساهمت الثورة في استقلال الكويت .
قامت الثورة بدعم الثورة العراقية.
اصبحت مصر قطب القوة في العالم العربي مما فرض عليها مسئولية والحماية والدفاع لنفسها ولمن حولها
ساعدت مصر اليمن الجنوبي في ثورته ضد المحتل حتى النصر واعلان الجمهورية * ساندت الثورة الشعب الليبي في ثورته ضد الاحتلال.
دعمت الثورة حركة التحرر في تونس والمغرب حتى الاستقلال.
الاتجازات الدولية
لعبت قيادة الثورة دورا رائدا مع يوغسلافيا بقيادة الزعيم تيتو ومع الهند بقيادة نهرو في تشكيل حركة عدم الانحياز مما جعل لها وزن ودور ملموس ومؤثر على المستوى العالمي .
وقعت صفقة الاسلحة الشرقية عام 1955 والتي اعتبرت نقطة تحول كسرت احتكار السلاح العالمي.
دعت الى عقد أول مرتمر لتضامن الشعوب الافريقية والاسيوية في القاهرة عام 1958. [4]
ردود الفعل
الثورة والوفد
بعد أن تم القضاء على الملك ثم كبار ملاك الأراضي الزراعية من خلال قانون الإصلاح الزراعي بدأ النظام القديم يتهاوى تحت ضربات القوى الجديدة ممثلة في حركة الجيش وإذا كان النظام الملكي والدستوري قد استمر من خلال مجلس الوصاية إلا أن أسس ذلك النظام كان يتم القضاء عليها الواحد بعد الآخر وكان الدور الآن على القوى السياسية التقليدية ممثلة في الأحزاب القديمة بصفة عامة وحزب الوفد بصفة خاصة فليلة قيام الثورة كان مصطفى النحاس زعيم حزب الوفد ونائبه فؤاد سراج الدين يصطافان في أوربا لذلك فإن كل علي زكي العرابي رئيس مجلس الشيوخ حينئذ أن يقابل رجال الثورة إلى حين وصول زعيم الوفد من رحلته الأوربية ويبدو أن د. محمد صلاح الدين قد تحمس للثورة فطالب بالتطهير ليس فقط داخل القصر الملكي إنما أيضا داخل الأحزاب السياسية وقد عاد النحاس وسراج الدين ليلة 27 يوليو أي بعد عزل الملك ليجدا نفسيهما في وضع سياسي مختلف تماما عما ألفاه من قبل.
وقد بدأت الثورة أول أعمالها بإحياء قانون من أين لك هذا؟ وشكلت لجان التطهير ولا شك أن خبرة الوفد مع مثل هذه اللجان ما كانت تدعوهم إلى استقبالها بالطمأنينة والترحاب خاصة أن رئيس الوزراء الجديد الذي اختارته الثورة لم يكن سوى علي ماهر عدو الوفد اللدود وكان الوفد بطبيعة الحال متشككا في شخصه وبالتالي وزارة علي ماهر ونفوذ الإخوان المسلمين وسط ضباط الجيش وعندما ظهر بكل وضوح عدم رغبة كل من الإنجليز والأمريكان في التدخل ضد الوضع الجديد انهارت تدريجيا أي آمال كانت تراودهم في ضغوط انجليزية أو أمريكية على قيادة الجيش الجديدة من أجل عودة الوفد إلى الحكم مرة ثانية ووسط تلك الأحداث المتلاحقة والكلام عن التطهير وبداية عهد جديد بدأت أسهم صلاح الدين ترتفع كخير مرشح يحل محل مصطفى النحاس الذي كان يبلغ من العمر 73 عاما وقتئذ حيث كان المرشحان الآخران زكي العرابي أو عبد السلام فهمي جمعة رئيسا مجلس النواب السابقان يبلغان من العمر 71و 67 عاما بالتوالي لذا كان د. صلاح الدين يحبذ تطهير الوفد على أن يشمل ذلك فؤاد سراج الدين وعثمان محرم لا أن سراج الدين عارض ذلك تحت دعوى الحفاظ على وحدة الوفد وكان الجيش يؤيد صلاح الدين في ذلك ويود أن يحل عبد السلام فهمي جمعة محلا لنحاس وبرغم ذلك فإن الوفد كان أول من استجاب لنداء محمد نجيب بأن تنشر الأحزاب برامجها فنشر برنامجا في أغسطس وقام بحملة تطهير صغير داخله أسفرت عن طرد حامد زكي وزير الاقتصاد السابق لخلاف بينه وبين سراج الدين و 11 آخرين أقل أهمية وكانت لجنة التطهير داخل الوفد مكونة من د. صلاح الدين ومحمود سليمان غنام وعبد الفتاح حسن وعبد المجيد الرميلي تحت رئاسة زكي العرابي الذي كان يلح على تعيين فنسه نائبا للنحاس ود. صلاح الدين محل فؤاد سراج الدين وفي 11 أغسطس قابل كل من زكي العرابي وصلاح الدين اللواء محمد نجيب وكانا يتصوران أن جيب كان لا يعارض في بقاء النحاس مما دفع النحاس إلى عدم إجراء أي إصلاحات داخل الوفد مما أدى بالتالي إلى تقوية مركز فؤاد سراج الدين تمشيا مع ذلك قام النحاس وسراج الدين بشن حملة هجوم ضد النظام السابق وقامت جريدة المصري بإيحاء من سراج الدين على حسب اعتقاد الجيش بنشر وثائق مزورة بهدف إحراج النظام فقام الجيش باحتلال الجريدة لفترة قصيرة وغادر بعدها محمود أبو الفتح مصر إلى أوربا ومما زاد من شقة الخلاف بين الجيش والوفد اتقاد الجيش أن الوفد كان ضالعا في أحداث كفر الدوار الشهيرة 12و 13 أغسطس أما داخل قيادة الوفد فكانت الأغلبية تنادي بالإصلاح وانتشرت فكرة اختيار النحاس باشا شرفيا وزكي العرابي رئيس فعليا ولكن الأخير رفض لإيمانه بالنحاس زعيما فعليا وقد قام عدد من شباب الوفد بتقديم مذكرة إلى محمد نجيب بعدم صلاحية النحاس والقيادة القديمة لقيادة الحزب ووافق صلاح الدين على أن يكون المتحدث باسمهم وقابل محمد نجيب ورشح عبد السلام فهمي جمعة لرئاسة الحزب الذي قام بدوره بمقابلة محمد نجيب في 20 أغسطس واتفقا على عزل النحاس وفؤاد سراج الدين ولكن النحاس رفض التحرك من مكانه ورفض تقرير لجنة التطهير الحكومية التي أدانت عثمان محرم وفي آخر شهر أغسطس أعلن حزب الوفد أن سيكون من حق الأعضاء في المستقبل إبداء الرأي في اختيار القيادة وأن ميزانية الحزب ستوضع في حساب بأحد البنوك وفي 5 سبتمبر أعلن سراج الدين أن التطهير وظيفة القضاء وليس لجان الحكومة وأن الوفد له أفكاره الخاصة عن الإصلاح الزراعي وفي اليوم التالي أعلن علي ماهر رئيس الوزراء أنه سيتخذ إجراءات ضد النحاس لأنه لم يعلن عن أصل ثروته وفي 7 سبتمبر تم اعتقال فؤاد سراج الدين ضمن آخرين.
عندما حل محمد نجيب محل علي ماهر كرئيس للوزراء ودخل أعضاء الحزب الوطني الجديد المعروف عنهم العداء الشديد للوفد في الحكومة أصبح الإعلان عن حل الأحزاب مسألة وقت ففي 9 سبتمبر تم الإعلان عن حل الأحزاب لإنشاء أحزاب جديدة تتقدم إلى وزارة الداخلية موضحة تنظيمها ومصادرها المالية وأسماء المؤسسين وبعد موافقة وزارة الداخلية عليها يعقد الحزب اجتماعا وينتخب رئيسه وتوضع حسابات الحزب في البنك التي يجب أن تقدم للجمعية العمومية وأي شخص سبق اتهامه بالفساد يحرم من عضوية الحزب وتبعا لذلك فقد أعلن فؤاد سراج الدين استقالته من الحزب وظل رهن الاعتقال حتى بداية ديسمبر وفي 16 سبتمبر أعلن عن حل الحزب وتكوين لجنة طبقا لقانون الأحزاب الجديد من أجل إنشاء حزب وفدي جديد وتم استبعاد هؤلاء الذين كانوا رهن الاعتقال حتى تثبت براءتهم ولكن الوفد ما كان يتخلى عن زعيمه مصطفى النحاس باشا وبسبب هجوم سليمان حافظ وفتح رضوان عليه فقد عقدت اللجنة العليا لحزب الوفد اجتماعا يوم 27 سبتمبر وقررت فيه عدم تقديم أي أخطار لوزارة الداخلية لتكوين حزب جديد وقرر مصطفى النحاس تهدئة للأمور أن يتقدم بمرشحين مستقلين في حالة إجراء انتخابات عامة والعمل على إحراج النظام من خلال القضية الوطنية لذلك قرر النظام نقل أرض المعركة إلى داخل الوفد فقام محمد نجيب بجولة في البلاد ومن بينها بلدة النحاس.
في نفس الوقت الذي نشط فيه الوسطاء مثل بهي الدين بركات ورشاد مهنا ونجحا في الحصول على موافقة محمد نجيب وسليمان حافظ على تكوين حزب الوفد الجديد تحت الرئاسة الشرفية للنحاس وأن لا يدخل اسم النحاس وبعض الوفديين الآخرين في قائمة المؤسسين وكان ذلك العرض لمدة أربع وعشرين ساعة فقط وكان د. طه حسين من المحبذين لقبول ذلك العرض حتى لإنقاذ الأموال على أضعف الإيمان، وقد فشلت محاولة سابقة لسحب هذه الأموال حيث ظلت مجمدة تحت حجة أن الأحزاب لم تعلن بعد.
وفي 5 أكتوبر من عام 1952 نجح محمد الوكيل وزكي العرابي وأحمد حمزة في إقناع النحاس بقبول عرض الحكومة وفي 7 أكتوبر أعلنوا في الصحف عن نيتهم على تقديم مذكرة إلى وزارة الداخلية وكان عبد السلام فهمي جمعة وزكي العرابي وعبد الفتاح الطويل ومحمد الوكيل من ضمن أسماء المؤسسين أما النحاس فقد احتفظ بلقب الرئيس الشرفي للحزب مدى الحياة هنا اعترض وزير الداخلية على اسم النحاس كرئيس شرفي وعلى عبد الفتاح الطويل كأحد المؤسسين فقدم حزب الوفد اعتراضا في مجلس الدولة وعقدت جلسة في يوم 20 نوفمبر.
وحتى ذلك الوقت كان لا يزال شباب وقادة الحزب على إيمانهم بأنه من الممكن التوصل إلى صيغة تفاهم من حركة الجيش وبسبب المفاوضات التي كانت تجرى مع الإنجليز والوضع الاقتصادي الحرج الذي كانت البلاد تمر به في ذلك الوقت بدأ النظام الجديد يمد أغصان الزيتون من جديد إلى حزب الوفد على حسب تعبير التقرير البريطاني فتم الإفراج عن المعتقلين في الفترة من 23 نوفمبر إلى 5 ديسمبر وحاول النظام استمالة أحمد أبو الفتح في غياب شقيقه وفي 6 ديسمبر قام محمد نجيب بزيارة النحاس فقام الأخير برد الزيارة.
وبسبب تفسير النحاس الخاطئ لموقف الجيش الذي فسره على أنه ينم عن ضعف فقد رفض النحاس التعاون في مسألة الدستور وانتقد سياسة مجلس الثورة من السودان لذلك فإنه عندما أعلن عن تغيير وزاري في 7ديسمبر وظل محمد نجيب رئيسا للوزارة وسليمان حافظ نائبا للرئيس ووزيرا للداخلية كان فؤاد سراج الدين هو الوحيد الذي فهم أن الجيش كان يلعب من أجل كسب مزيد من الوقت ففي 14 ديسمبر تم الإعلان عن هيئة التحرير وفي 21 من نفس الشهر تم إصدار قانون جديد ضد الفساد قدم على أثره جميع الوزراء حتى عام 1939 لمحكمة خاصة لا تستأنف إحكامها وغالبية أعضائها من الضباط تلك المحكمة كانت بمثابة الإعلان عن إنهاء أي علاقة بين الحكومة والوفد والتي واكب بداية ظهور أعمال لجان التطهير وقد حاول الوفد ترشيح عبد الفتاح الطويل نقيبا للمحامين ولكنهم فشلوا أما على ساحة الجامعات فقد نشب صراع بين تحالف وفدي يساري من جهة ضد الإخوان المسلمين ومؤيدي الثورة من جهة أخرى وحين تقرر عمل احتفال لتسليم سلاح كتائب التحرير لعبد الناصر في الجامعة يوم 12 يناير عمل على إفشال ذلك الحفل إلا أن ذلك لم يمنع النظام من أن يضم بعض العناصر الوفدية مثل د. صلاح الدين وعبد السلام فهمي جمعه وطه حسين زكي العرابي في لجنة الدستور.
في ذلك الوقت حاول الوفد إقامة صلة من جديد مع السفير البريطاني اعتقادا منه أن النظام أصبح ضعيفا إلا أنه في 15 يناير عام 1953 تم اعتقال فؤاد سراج الدين مرة أخرى وخمسة وعشرين ضابطا وثمانين شيوعيا في نفس الوقت وفي اليوم التالي تم الإعلان عن حل الأحزاب وفترة انتقالية 3 سنوات وقد نجحت هذه الإجراءات في تحطيم معنويات حزب الوفد وإحداث انقسام بين صفوفه فصلاح الدين وطه حسين وعبد السلام فهمي جمعه وأحمد أبو الفتح أعربوا عن تأييدهم للنظام ولهيئة التحرير بشكل اقل هنا تنتهي عرض تقرير بريطاني كتبه السفير عن تطور الأحداث بين الثورة والوفد والملاحظ طبعا أن السفير يرجع محالة الوفد إقامة علاقة معه إلى اعتقاد الوفد أن النظام الجديد أصبح ضعيفا مما يحتم على الوفد العودة مرة ثانية إلى القوة التي ظلت مهيمنة على البلاد من قبل أن بريطانيا العظمى ولكن من الواضح تماما من سياق عرض الأحداث من خلال رؤية الجانب البريطاني أن السفارة كانت تدرك تماما أن أيام الوفد قد ولت وأن النظام الجديد وأن كان يبدو ضعيفا أحيانا إلا أنه من الذكاء بحيث يلعب من أجل كسب الوقت ولو إلى حين حتى يستطيع أن يكشف عن قوته مرة أخرى تماما كما فعل حين اعتقل قادة الوفد وأعلن حل الأحزاب وفي تقرير السفير إلى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل أنه من الصعب تصور أن الوفد قادر على تحطيم الجيش أو العكس ولكن الجيش سيحتاج إلى الوفد في المستقبل في حالة افتقاده إلى الشعبية إذا حدث شقاق في التحالف بين الجيش والإخوان المسلمين وأن ذلك سيكون في مصلحة نجيب أولا أو قد يكون من الأفضل له أن يتحالف مع الإخوان المسلمين.
أما إذا حدث انشقاق داخل الجيش فهل يؤيد الوفد نجيب أم يشجع الشقاق بهدف القضاء على الجيش بأكمله أيضا إذا تجددت أعمال العنف في القناة ضد القوات البريطانية فمن الصعب على الوفد ألا يلبي نداء الوطنية لكن في حالة الفشل فسيكون أول من يطعن النظام من الخل وينهار الجيش حينئذ عندئذ ويكون المؤنس الوحيد للوفد هم الإخوان المسلمين بعد أن ذهب نفوذ القصر ويؤكد السفير أما ما هو أكيد هو أن الوفد لم ينته بعد وأنه له نفوذه الذي يمكن إحياؤه وسط رجال الإدارة والعمد وأنه مما لا شك فيه أن قانون الإصلاح الزراعي قد أثر على كبار الملاك الزراعيين الذين يعتمد عليهم الحزب إلا أن ذلك قد يؤدي إلى أن يكون ما يسمى بالجناح اليساري في الحزب له اليد الطولى داخل الحزب.
بريطانيا
تحمل برقية أرسلت على وجه السرعة في الساعة السابعة إلا خمس دقائق من صباح يوم 23 يوليو النبأ التالي قوات متمردة تحت قيادة ضابط شاب في سلاح الطيران استولت على القاهرة وتطيعها قوات الشرطة وأرسلت (القوات المثمرة) رسالة خلال أحد أعضاء السفارة الأمريكية أنهم سيقاومون أي تدخل بريطاني وأن هدفهم هو محاربة الفساد فقط وليس لهم أي أهداف خارجية اللافت للنظر هنا ملحوظتان: الملحوظة الأولى هي تعاون رجال الشرطة مع رجال الجيش تعاونا كاملا بحيث بدا الأمر وكأن الشرطة كانت تترقب هي الأخرى عملا ما فما أن تحركت قوات من الجيش حتى تحركت معها الشرطة خاصة إذا وضعنا في الاعتبار إضراب رجال الشرطة في عام 1948 ثم مذبحة الإسماعيلية ضد قوات بلوكات النظام في يناير من نفس العام والملحوظة الثانية دور السفارة الأمريكية التي لعبت دور الوسيط من خلال أحد أفرادها بين القوات المتمردة والإنجليز فالملاحظ أن القوات المتمردة اختارت الاتصال بالسفارة الأمريكية حتى تنفي عن نفسها تهمة معاداة الغرب أولا ثم العمل على كسب ود الأمريكان واستخدامهم من أجل تخفيف الضغط عليهم من قبل الإنجليز من ناحية أخرى وهو ما اشتكى منه الإنجليز بعد ذلك مر الشكوى.
نعود إلى نفس البرقية التي حددت موقف الإنجليز من الأحداث الجارية بقولها: وجهة نظر الخارجية كانت دائما تقوم على عدم التدخل لحماية الملك ولكن قادة القوات البريطانية في قاعدة القناة يودون اتخاذ بعض الإجراءات لحماية قواتهم. وهكذا سقط الملك بلا حماية وهو الذي يظن أن الإنجليز لن يسمحوا قط للعرش أن يسقط مثلما فعلوا في عام 1882 ولكن توفيق كان غير فاروق وعام 1882 كان غير عام 1952 وخطر الثورة العرابية كان غير خطر انتشار الشيوعية.
ففي نفس اليوم في برقية أرسلت الساعة الخامسة إلا عشر دقائق ترسل السفارة البريطانية إلى لندن قائلة نحن نرحب بأية حركة في مصر تهدف إلى القضاء على الفساد كخير سلاح لمقاومة الشيوعية أي حتى لو اضطر إلى التضحية بالعرش والقبول بثورة عسكرية على نمط ثورة عرابي لأن هذه الثورة وقد أظهرت وحسن نواياها حتى ولو عن طريق إظهار أن لها صلة بالأمريكان وليس الإنجليز إلا أنها ما زالت تتبع المعسكر الغربي، ولن تفتح الطريق أمام الشيوعية مثلها كانت سياسات العهد السابق تهدد بذلك.
بل أن السفارة ترسل برقية أخرى في نفس اليوم في الساعة الحادية عشرة وست دقائق صباحا تتحدث فيها عن الملك فاروق الذي اتصل بالسفير الأمريكي في الثامنة صباحا طالبا منه التدخل من أجل حمايته هو وأسرته وأن كان الملك فاروق لم يطالب بالتدخل البريطاني تحديدا، إلا أن السفارة البريطانية كانت تعتقد أن ذلك كان هو المقصود لأن السفير الأمريكي اتصل بالسفارة البريطانية وطلب رأيهم فكانت الإجابة واضحة تماما والتي طلب نقلها إلى الملك وهي أن الحكومة البريطانية لن تستخدم قواتها لمثل ذلك الغرض (أي التدخل لحماية الملك) وأن كان سيتم نقل رسالة الملك إلى الخارجية البريطانية في لندن رغم معرفتهم مسبقا بالرد عليها واللافت للنظر هنا أيضا هو التجاء الملك أيضا إلى السفارة الأمريكية لكي تتوسط له بالأعمال في السفارة البريطانية برقيته قائلا أنه في اعتقاده الشخصي أن الضباط الثائرين لن يقدموا أي طلبات خاصة بالملك وأنه (أي الملك) لو التزم بالهدوء فمن الممكن أن يخرج من تلك الأزمة كملك دستوري يكرر كلمة دستوري.
تأكيدا لمغزاها وأن رسولا من نجيب أول مرة يذكر فيها اسم نجي ذهب إلى السفارة البريطانية وقال أن المسألة داخلية هدفها محاربة الفساد وهكذا نرى أن رأي القائم بالأعمال كانت أن هذه الحركة مجرد حركة تمرد من بعض وحدات الجيش وأنه لو أحسن الملك التصرف فإنه قد يستطيع الحفاظ على عرشه مع تقييد سلطته بقيود دستورية جديدة وقد ردت الخارجية البريطانية في لندن على برقية القائمة بالأعمال الإنجليزي وأقرته على ما ذكره في برقيته السابقة وتمنت وأن لا يتصرف الملك بواقع من الخوف ونصحت القائم بالأعمال أن يظل على اتصال بها أي الخارجية الإنجليزية في لندن وأن يصل إلى اتفاق مع نجيب وفي برقية أخرى من الخارجية البريطانية في نفس اليوم قالت أن الموقف مازال غامضا ولا يجب علينا (أي بريطانيا) أن نقف بجانب أي طرف، فنجيب قد يكون حاكم مصر ويجب تفادي دكتاتورية عسكرية وير حل هو تحول الملك إلى ملك دستوري أن أمكن لذلك يجب تطهير القصر من كريم ثابت وإلياس أندراوس لذلك فالخارجية البريطانية تقر نصيحة السفير الأمريكي للملك فاروق بالتزام الهدوء والتضحية ببعض المستشارين الفاسدين ولكن لن نتدخل عسكريا أكرر لن نتدخل عسكريا.
وهكذا نرى أن الخارجية البريطانية كانت ترى أن أفضل حل كان في أن تتمخض هذه الحركة عن تقييد سلطة الملك وأنه في أسوأ الاحتمالات قد يسفر الموقف عن دكتاتورية عسكرية أيا كان الأمر فإن من الواضح أن الإنجليز قد اتخذوا قرارا لا رجعة فيه بعد التدخل عسكريا تحت أي ظرف من الظروف.
وتبدأ الصورة تتضح للسفارة البريطانية حين يذهب مرتضى المراغي وزير الداخلية الأسبق إلى السفارة البريطانية في نفس اليوم ليقول لهم أن علي ماهر الذي كلفه الثوار أن يشكل الحكومة الجديدة مع الضباط المنشقين تحت زعامة كامل صدقي هم الذين قاموا بالانقلاب مدفوعين من قبل الشيوعيين والإخوان المسلمين وأن لهم ثلاثة مطالب هي:
1- حكومة تحت رئاسة علي ماهر
2- انتخابات فورية
3- إلغاء الأحكام العرفية.
وأن الملك فاروق قد انتهى ولا أحد يرى أن نفع منه وأن الانقلاب الأخير يستهدف الملك شخصيا وناشد مرتضى المراغي بريطانيا أن تتدخل وأنه لو سمح الإخوان والشيوعيين بإكمال عملهم (في رأي المراغي) فستجري انتخابات على الفور ويتم إصدار قوانين ثورية معادية للرأسمالية ويعقب مستر كرزويل القائم بالأعمال البريطانية على كلام مرتضي المراغي قائلا غالبا أن كلام المراغي مبالغ فيه لكن أخشى أن يكون جزءا من الحقيقة أن المنشقين مدفوعون بأفكار متطرفة للرأسمالية وتأتي بعد ذلك الخارجية البريطانية في نفس اليوم 23 يوليو إلى السفارة الإنجليزية في القاهرة ترج فيها أن يكون كلام المراغي هي محاولة لحمل الإنجليزي على التدخل ضد الثورة بحجة الخطر الشيوعي بعد أن ثبت أنهم لن يتدخلوا لحماية الملك وبعد أن رئيس الملك فاروق من تدخل الإنجليز يطلب من السفير الأمريكي أن يساعده على مغادرة البلاد ويحاول كانري السفير الأمريكي أن تمنع الملك بالبقاء من أجل منع قيام جمهورية متطرفة يؤيده في ذلك القائم بالأعمال البريطاني وأن ذلك يمكن أن يحدث إذا لم يقع تدخل عسكري مباشرة ضد الملك وهو ما لم يحدث حيث ينهار الملك ويغادر البلاد بعد محاصرة قوات الجيش الثائرة لقصر الملك في المنتزه بالإسكندرية وقد حدد الأمريكان حالتين فقط للتدخل في حالة وقوعهما أما الحالة الأولى فهو أن يثبت لديها أن الحركة القائمة حركة شيوعية والحالة الثانية أن تتعرض حياة الملك شخصيا للخطر، وهو ما لم يحدث وبعد أن تستقر الأمور برحيل الملك في 26 يوليو يكتب السفير البريطاني معربا عن مخاوفه من انزلاق مصر إلى الفوضى بعد عزل الملك الذي كان أحد أعمدة الاستقرار في البلاد، وبدأ في التساؤل عن مدي نفوذ الإخوان المسلمين والعناصر المتطرفة الأخرى في حركة الجيش ويقول أن المطلوب الآن من وجهة نظرة هو تقوية مجلس الوصاية من أجل تفادي فراغ دستوري وأن يكون أحد أفرادها من العائلة المالكية واعتبار حكومة على ماهر هي السلطة الدستورية وأن كان يحدد في برقية أخرى أن الدستور لم يحدد ماذا يحدث في حالة اعتزال الملك الحكم رغم إنه حدد مثلا ماذا يحدث في حالة وفاة الملك ويشيد السفير بنجاح على ماهر في تعيين الأمير عبد المنعم في مجلس الوصاية مقابل قبول رشاد مهنا من الجيش أما الثالث فهو السياسي القديم بهي الدين بركات على حد تعبير السفير البريطاني ونرى من البرقيات التي أرسلها السفير ومن قبله القائم بالأعمال أن بريطانيا رغم أنها كانت قد اتخذت قرارا بعد التدخل العسكري، إلا أنها كانت تتمنى استمرار الملك في الحكم كملك دستوري من أجل الحفاظ على قدر من الاستقرار في البلاد والحيلولة دون انزلاق مصر إلى الغرض حيث تكون لقمة سائغة في أيدي المتطرفين سواء من الشيوعيين أو الإخوان المسلمين.
تتابعت الأحداث بعد ذلك بسرعة فبعد الإعلان عن الإصلاح الزراعي وإلغاء الأحزاب أصبح وجود النظام الملكي نفسه أمرا لا معنى له وأصبح الحديث عن الجمهورية وقرب الإعلان عنها مسألة وقت أن لم تكن أمرا محتوما ومن الجدير بالذكر هنا أن علي ماهر قد عارض في البداية إلغاء الملكية وأعرب لرجال الثورة عن رفضه في أن يستمر كرئيس للوزراء في ظل نظام جمهوري إلا أنه في نفس الوقت أعلن عن استعداده لقبول رئاسة الجمهورية إذا عرضت عليه وكان الكلام يدور حول الإعلان عن الجمهورية منذ شهر سبتمبر عام 1952 وقد كتب السفير البريطاني معربا عن رأيه في ذلك الوقت بأنه من غير الحكمة أن تعرض البلاد إلى من الإثارة مرة أخرى في ذلك الوقت وأنه ينوي أن يتحدث مع زميله الأمريكي حول هذا الموضوع من أجل دراسة إمكان معالجة ذلك الموضوع بأكبر قدر ممكن من الكياسة وبعد ذلك بفترة قصيرة يكتب السفير مرة أخرى أن الشائعات تتحدث عن بيان يلقيه اللواء محمد نجيب يوم 23 أكتوبر سيتم الإعلان فيه عن عزل الملك أحمد فؤاد ومنع أحفاد فاروق من عرش مصر وأن بذلك سيتبعه أما الإعلان عن الجمهورية أو تعيين الأمير عبد المنعم ملكا على عرش مصر ويعقب السفير أنه يميل إلى الإشاعات الثانية وأن كان ليس الآن وهنا نرى أن السفير البريطاني كان لا يزال متمسكا بالنظام الملكي حتى أخر لحظة رغم أن الإعلان عن الجمهورية لم يحدث إلا بعد ذلك بعدة أشهر في 18 يونيو عام 1953 وليس أدل من تعلق السفير بالنظام الملكي السائد من تفسيره لعزل رشاد مهنا من مجلس الوصاية فأولا كان عزله بمثابة المفاجأة الكاملة له باعترافه هو شخصيا بذلك قد أرجع ذلك إلى وجود خلاف بين رشاد مهنا ومحمد نجيب حيث كان رشاد مهنا يؤيد الإعلان عن جمهورية أو الخلافة وكان محمد نجيب يعارض ذلك ويذكر السفير بيان مجلس الثورة حول عزل رشاد مهنا الذي اتهمه بمعارضة الإصلاح الزراعي والتدخل في شئون الحكومة وأنه على اتصال بالصحافة الأجنبية ففي حديث مع مراسل الإذاعة البريطانية تحدث رشاد مهنا الذي اتهمه بمعارضة الإصلاح الزراعي والتدخل في شئون الحكومة وأنه على اتصال بالصحافة الأجنبية ففي حديث مع مراسل الإذاعة البريطانية تحدت رشاد مهنا عن السودان والجلاء عن مصر وأيد الوحدة بين مصر والسودان ثم أرسل نص الحديث إلى محمد نجيب على أن يذاع كبيان صادر عنه وكانت تلك الحادثة هي الفيصل في العلاقة بين مجلسا لثورة ورشاد مهنا فهو لم يكن من مجلس قيادة الثورة ويشك أصلا في انتمائه إلى الضباط الأحرار وعلى الرغم من عدم كونه من الإخوان المسلمين إلا أنه قد أظهر تعاطفا معهم وكان يعمل على تحويل الإخوان المسلمين إلى حزب سياسي ليحظى بتأييدهم له ويخلص السفير إلى نتيجة مؤداها أن عزل مهنا سيضعف من الاتجاه نحو الجمهورية.
وبعد عدة أشهر من قيام الثورة بدأت الخارجية البريطانية في تكوين تصور عام عن النظام الجديد بعد أن كانت تتحسس طريقها في البداية وتتساءل عن الأسلوب الأمثل في التعامل مع هذا النظام فانتهت إلى أن الثورة قد قام بها عدد من الضباط الصغار وعلى الرغم من توافر المعلومات عن وجود حالة سخط داخل الجيش إلا أن هذه المجموعة من الضباط قد نجحت في إخفاء نشاطها عن السفارة الإنجليزية ومعظم المصريين وكان نجاحهم السريع يعود إلى حسن التخطيط من جانبهم وافتقاد النام السابق إلى أي تعاطف شعبي وقد تعاملت بريطانيا مع النظام الجديد من البداية بحرص وحيطة كاملة خاصة وأن بعض أعضا الثورة كان لهم علاقات مع الجماعات المتطرفة وخاصة الإخوان المسلمين على الأقل في الماضي كان رأي بريطانيا أنه حفاظا على الصالح العام والاستقرار الداخلي فإن كان من الأفضل أن تستمر حكومة مدنية على أسس دستورية وعلى أساس أيدت بريطانيا وزارة علي ماهر في نفس الوقت كان اللاحتياطات والإجراءات العسكرية التي اتخذتها بريطانيا وسط قواتها في قاعدة القناة أثرها في الحد من اندفاع مجلس الثورة نحو اتخاذ إجراءات عنيفة أو متطرفة وبحلول شهر سبتمبر ظهرت على السطح مجموعة من الأحداث كان أبرزها الإعلان عن كشف مؤامرة داخل الجيش اضطرابات فلاحيه وعمالية ظهور الوفد كقوة سياسية من جديد، اعتقال أربعين من قيادات الأحزاب والنظام السابق مما دفع محمد نجيب إلى تشكيل الوزارة بنفسه في 7 سبتمبر عام 1952 قد رأت بريطانيا في الوزارة الجديدة دخول ثلاثة من العناصر المتطرفة مثل فتحي رضوان والشيخ حسن الباقوري في نفس الوقت الذي أصدرت فيه الولايات المتحدة قبل ذلك بعدة أيام بيانا تؤيد فيه برنامج الإصلاح الزراعي المرتقب وتشيد به.
وطبقا لمصادر المعلومات البريطانية السرية منها والعلنية فإن الاعتقاد الذي تولد لديهم هو أ،ه رغم أن سياسة النظام الجديد في حقيقتها سياسية إصلاحية إلا أن هدفها النهائي في الأغلب كان بناء القوة الذاتية المصرية حتى تستطيع استئناف المعركة الوطنية ضد بريطانيا في نفس الوقت الذي يستطيع فه مصر أن تحقق هدفها القومي هذا عن طريق استخدام أمريكا كأداة ضغط ضد بريطانيا لقبول المطالب المصرية.
ولكن بعد ثلاثة أسابيع من تشكيل محمد نجيب للوزارة تشير الدلائل إلى عكس ذلك فمحمد نجيب الذي كان يبدو صنيعة الضباط الصغار أصبح أكثر ثقة بنفسه مسيطرا على الأمور وإن كانت تقارير السفارة البريطانية والأمريكية في القاهرة تقول أن العناصر المعتدلة هي التي تسيطر على مجلس قيادة الثورة إلا أن ذلك لم يمنع من وجود خطرين قائمين: أولا أن هذه المجموعة ممكن أن تخضع لعناصر أو أفكار متطرفة فذلك ممكن أن يحدث عندما تشعر العناصر المتطرفة بالثقة نفسها فتبدأ في الظهور على السطح ثانيا في حال الفشل الداخلي فستلجأ نفس المجموعة إلى التطرف والشيوعية والعداء للغرب ها على افتراض استمرار النظام الحالي ولكن أيضا من الممكن أن يحدث انقسام في القيادة الحاكمة أو انقلاب جديد من قبل الوفد أو الإخوان المسلمين أو أي عناصر أخرى معادية للنظام ويخلص تقرير الخارجية البريطانية إلى الاتفاق مع السفارة الأمريكية في القاهرة على تأييد نظام محمد نجيب حيث أنه من الواضح أنه لا توجد أي حكومة بديلة تحول دون انتشار الفوضى وأن سياسة بريطانيا ممكن أن تعمل على الحفاظ على الاستقرار وتنمية الاتجاه نحو الاعتدال خاصة في السياسة الخارجية لذا تطلب وزارة الخارجية إمداد مصر بمساعدات مالية واقتصادية ومساعدة عسكرية في شكل عتاد أو تدريب أو خبراء على أن ترتبط هذه المساعدات بأسلوب أداء الحكومة المصرية.
ونقطة الضعف الأساسية في هذه السياسة القائمة على تأييد الاتجاه المعتدل هو أنها من الممكن أن تتحول إلى أداة ابتزاز في يد بعض العناصر من وجهة نظر الخارجية البريطانية حيث أنه من الممكن أن تكثر المطالب المصرية تحت حجة الحفاظ على الاتجاه المعتدل ويبدو أن الولايات المتحدة كانت موافقة تماما على هذه السياسة في محمد نجيب التي نتج عنه خلاف دائم مع السفارة الأمريكية في كل خطوة تؤخذ لأن المصريين أدركوا ذلك تماما بالنسبة إلى الولايات المتحدة كانوا على استعداد تام لاستغلال ذلك لمصلحتهم وبالتالي فعلى الحكومة البريطانية أن تصر على أن يكون هناك مقابل لكل خطوة تخطوها بريطانيا ويبدو من التقرير أن بريطانيا ما كانت تأمل في استقطاب النظام الجديد عن طريق إغراقه بالامتيازات كما كانت تفعل الولايات المتحدة بل كانت تفضل الأسلوب القديم في تقديم سياسة العصا قبل سياسة الجزرة بدافع عدم الثقة في النظام الجديد من ناحية خاصة وأنها بدأت تدرك أنه حتى لو أن النظام الجديد ليس شيوعيا كما كانت تخشى فإن أي نظام مهما كان معتدلا معاديا للشيوعية فهو في نهاية المطاف يجب عليه أن يكون معاديا لبريطانيا بحكم احتلال الأخيرة لبلاده وأنه من الاستحالة على أي نظام ليس فاسدا أو عميلا مثل النظام السابق أن يقبل بالوجود البريطاني وهنا كان تناقض موقف بريطانيا التي ما كانت ترضي بالنظام القديم لعلمها بأنه فاسد وسيؤدي إلى الشيوعية وما كانت ترضى بنظام آخر لأنه في النهاية سيكون وطنيا يطالبها بالجلاء فمن يرضى به بريطانيا لن يرضى بها ومن يرضى بحماية بريطانيا لن ترضى هي به، ومن هنا كان الدور الأمريكي المتزايد الذي عملت بريطانيا في البداية على تشجيعه ثم بدأت تشكون منه
الولايات المتحدة
بدأ السفير البريطانية في مصر يشكو أن السفير الأمريكي يسرق منه الضباط أو رجال الثورة فالخلاف الحقيقي في رأي السفير البريطاني يرجع إلى أن السفارة الأمريكية كانت تظن أن بإمكانهم أن يستخدموا نفوذهم الذي يحاولون أن يبدوه في صفوف الجيش في اتجاه الاعتدال وكان من الصعب التنبؤ بالمستقبل في ذلك الوقت لأن الخلافات بين الضباط بدأت في الظهور فقد كان المشكوك فيه القول أن البلاد بأكملها تقف موقفا صبا وراء حركة الجيش وفي ذلك الوقت فالإصلاح الزراعي والمشاكل بدأت تظهر في الجيش مثل المؤامرة التي كشف عنها أخيرا وكانت لا شك ليست الوحيدة والضباط المتطرفون الذين يطالبون بنصيبهم في الثورة ثم أخيرا الاتجاه الواضح لمجلس قيادة الثورة فيلعب دور أكبر في المسائل السياسية وأخذ الأمور بين أيديهم وليس أدل على ذلك من عدد الضباط الذين تركوا الجيش من أجل تولي مناصب إدارية في الحكومة مما سيؤثر دون شك في درجة كفاءة الجيش القتالية خاصة مع إعادة تنظيم الشرطة وعدائهم ضد الجيش مما سيؤثر على حفظ الأمن والنظام ويقول التقرير أن الجيش إذا أحس بضعفه فسيشعر بالحاجة إلى عمل شيء ما يجذب الأنظار لإقناع الرأي العام الداخلي في مصر أن حركة الجيش لم تفقد قوة دفعها وأنه إذا كان ذلك حتما فإن الأغلبية أن ذلك سيدفع مجلس قيادة الثورة إلى مواقف أكثر تشددا. وأن القيد الوحيد على المجلس هو خوفهم من احتمال تدخل بريطانيا بشكل سافر إلا أنه يبدو أن الولايات المتحدة فعلت ما بوسعها لإزالة مثل هذا الخوف لدى مجلس قيادة الثورة فالبيان الذي أصدرته أمريكا في 3 سبتمبر 1952 ثم البيان الأخر وصفه التقرير البريطاني أنه محاولة من كافري (السفير الأمريكي في القاهرة) لنهاية محمد نجيب وزمرته العسكرية على حسب وصف التقرير الإنجليزي وخلق انطباعا أن الولايات المتحدة ستساند النظام في مصر مهما فعل طالما أنهم لن يدخلوا عناصر شيوعية في الحكم، وأنه النظام في مصر ممكن أن يعتمد على الولايات المتحدة في منع أي تدخل بريطاني ورغم تفهم بريطانيا لدوافع أخرى لزيادة نفوذه عند الجيش إلا أن ذلك لا يجب أن يكون على حساب زيادة نفوذ المتطرفين في مصر الذين يعتقدون أنهم من الممكن أن يلعبوا بورقة أمريكا ضد بريطانيا ومن المفهوم أن الولايات المتحدة لا تملك وسائل التهديد بالعنف في الخف مثل بريطانيا ولكن ذلك لا يعني أن يستخدما العسل حسب تعبير التقرير مع المصريين دون أن يدركوا أن ذلك لا ينفع وأن بريطانيا لا تهتم بذلك مادام لا يؤثر ذلك على مركزها ونفوذها في مر وهو ما حدث فعلا بدفعنا إلى التساؤل عن دور أمريكا في ذلك الوقت فالواضح من كلام السفير الإنجليزي أن أمريكا كانت على استعداد تام لتأييد النظام الجديد طالما لا يضم أي عناصر شيوعية فهل انتهز عبد الناصر فرصة أزمة مارس بعد ذلك ليتخلص من الضباط الشيوعيين في مجلس الثورة من أمثال خالد محيي الين وقبل ذلك يوسف صديق وبذلك يطمئن الأمريكان حتى ينجح في استخدامهم ضد بريطانيا على نحو ما حدث بالفعل.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء