pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


اذا كنت في كل الامور معاتبا  قصيدة للشاعر بشار بن برد

قصيدة للشاعر بشار بن برد

اذا كنت في كل الامور معاتبا                   صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحدا او صل اخاك فأنه                  مقارف ذنب مرة ومجانبه
اذا انت لم تشرب مرارا على القذى           ظمئت واي الناس تصفو مشاربه
اذا الملك الجبار صعر خده                    مشينا اليه بالسيوف نعاتبه
وجيش كجنح الليل يزحف بالحصى            وبالشوك والخطى حمر ثعالبه
غدونا له والشمس في خدر امها              تطالعنا والطل لم يجر ذئابه
بضرب يذوق الموت من ذاق طعامه        وتدرك من نجى الفرار مثالبه
كأنه مثار العنق فوق رؤسنا                  واسافنا ليل تهاوى كواكبه
بعثنا لهم موت الفجاءة اننا                   بنو الملك خفاق علينا سبائبه
فراحو:فريقا في الاسار ومثله                قتيله ومثله في البحر هاربا
وأرعن يخشى الشمس لونه حديده                  وتخلس ابصار الكمائة كتائبه
تغص به الارض  الفضاء اذا غدا               تزاحم اركان الجبال مناكبها

معاني الكلمات

مقارف     :مرتكب
القذى     غبار يصيب العين والمقصود به هنا مايعكر صفو الماء مما يقع عليه
الضرا    غم :الاسود
الحدث     اسم قلعه في بلاد الروم ووصفها بالحمرة لأنها تلطخت بدماء الروم الذين تحصنو بها
الغز:    ذوات البرق
القنا     :جمع قناة وهي الرمح
الجياد :الخيل
البيض:السيوف
خميس: جيش عظيم يتكون من خمس اقسام

النص:
إذا كـنت فـي كـل الأمور معاتبًا صـديقك لـم تلقى الذي لا تعاتبه
فـعش واحـدا أو صل أخاك فإنه مـقـارف ذنـبٍ مـرة ومـجانبه
أذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظـمئت وأي الناس تصفو مشاربه
أذا الـملك الـجبار صـعر خـده مـشينا إليه بـالسيوف نـعاتبه
وجيش كجنح الليل يزحف بالحصى وبـالشوك، واخـطي حمر ثعالبه
غـدونا له والشمس في خدر أمها تـطالعنا والـطل لـم يـجر ذائبه
بضرب يذوق الموت من ذاق طعمه وتـدرك مـن نـجى الفرار مثالبه
كـأن مـثار الـنقع فوق رؤوسنا وأسـيافنا لـيل تـهاوى كـواكبه
بـعثنا لـهم مـوت الـفجأة إنـنا بـنو الـملك خـفاق علينا سبائبه
فـراحوا فـريقاً في الأسار ومثله قـتيلٌ ومـثل لاذ بـالبحر هاربه
وأرعـن يغشى الشمس لون حديده وتـخلس أبـصار الـكماة كتائبه
تـغص به الأرض الفضاء إذا غدا تـزاحم أركـان الـجبال مـناكبه

- التعريف بالشاعر:
91- 168هـ / 713 - 783 م

بَشّارِ بن بُرد بن يرجوخ العُقيلي، يكنى أبا معاذ، أشعر المولدين على الإطلاق. أصله من طخارستان غربي نهر جيحون ونسبته إلى امرأة عقيلية قيل إنها أعتقته من الرق. ولد مكفوفا لأب يعمل طيانا، نشأ في البصرة وقدم بغداد، وأدرك الدولتين الأموية والعباسية، قال الشعر في سن مبكرة، فما كاد يبلغ العاشرة حتى تفجَّرت موهبة الشعر عنده، ونزعت نفسه للهجاء، وهو شاعر مجيد أمسك زمام اللغة وسخَّرها في شعره بإتقان، كان لعوبًا بالمعاني والألفاظ، أتقن جميع أبواب الشعر، فيَّاض الموهبة، غزير المادة، لا يتكلَّف النظم، فهو من الشعراء المطبوعين.
وشعره كثير متفرق من الطبقة الأولى، جمع بعضه في ديوان، اتهم بالزندقة فمات ضرباً بالسياط، ودفن بالبصرة.

- مناسبة النص:

قالها يمدح مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، ويمدح قبيلة قيس عيلان، وهي قبيلة من مُضر، أشار فيها إلى بعض وقائع مروان مع خصومه، وانتصاره عليهم، وقد بدأها بمطلعه المشهور الذي اشتهر لما فيه من حكمة عظيمة يقول في مطلعها:
جفا ودُّه فازورَّ أو ملَّ صاحبه وأزرى بـه ألاَّ يـــزال يعاتــبــــــه

- شرح الأبيات:

- الفكرة الأولى من الأبيات : ( 1: 3).

- الرفيق الحقيقي وكيفية التعامل معه.
في سلاسة مترابطة ينتقل الشاعر من الحديث عن الحبيبة التي جفاها إلى الحديث عن الصديق، وذلك في بيتين يضع فيهما منهجًا للتعامل مع الإنسان المتقلب المتلون ويستوي في ذلك الحبيبة والصديق كالإنسان الذي من هذا الصنف الذواق، الذي ينبغي فراقه، حيث يقول:
إذا كان ذواقًا أخوك من الهوى موجهـة في كلِّ أربٍ ركــائـبـه
فخـلي له وجه الفراق ولا تكــن مـطـيّـَة رحّــالٍ كـثـير مذاهـبه
أي إذا كان رفيقك من ذلك النوع المتقلب الذي لا يدوم على وده فصوَّر عواطف هذا الرفيق ركائب ( أي الدواب التي توجه في كل طريق فتنطلق فيه )، فعليك بفراقه ولا تكن مطية مذللة لهذا المتقلب الذي لا يثبت على حال.
ثم يرسم الشاعر ملامح الرفيق الحقيقي الصادق الذي يلين عند العتاب وإن رأى منك ما يريبه لم يفضحك ولم يقطعك وإن تدعه إلى الملمات يحبك ويعينك مثل هذا الرفيق يستحق خصوصية في المعاملة، إذا كنت في كل الأمور إي إذا كنت في كل الأمور فعليك لا تكثر عتابه على كل أمر، لأنه بشر وله أخطاء ولذا أنت أمام خيارين: إما أن تعيش وحيدًا بلا صديق، وإما أن تتحمل ما قد يصدر من رفيقك من زلات يقع فيها حينًا ويتجنبها حينًا آخر، ويصور ذلك:
إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
ويصور ذلك بالماء الذي منه للحياة ولكن القذى الذي على الماء يجب ألا يمنعك من الشرب، وإلا ظمئت فشرب الماء على القذى خير من الظمأ، وما أنذر اللذين تصفو مشاربهم.

- الفكرة الثانية: ( 4 ):

- منهجية التعامل مع العدو، والملك الغاشم ( 4 ):
يبدأ الشاعر بيته ذاكرًا بداية المعركة وواصفًا العدو الظالم، فهو وقومه لا يعاتبون الملك الغاشم المتجبر بالكلام، لأن العتاب معه لا يجدي نفعًا، ولا يؤدي لنتائج إيجابية، وإنما يكون ذلك بحدِّ السيوف وبالحرب، وهو هنا يعلن وبكلِّ اعتزاز أنهم أباة على الضيم يردون بكل قوة من يحاول الانتقاص منهم ولو كان من الملوك فمن تجبر منهم كان عقابه السيف دون سواه.

- الفكرة الثالثة: ( 5 : 12 ):

- ( الحرب )، وتشتمل على الأفكار التالية:
1- وصف حال الجيش عند خروجه للمعركة ( 5 : 6 ):
يصف الشاعر هنا الجيش الذي خرج للقاء العدو ويشبهه بظلام الليل في سواده وشموله، وهو يزحف بعدده الكثير الجرار وسلاحه القوي ورماحه الحمر الثعالب، هذا الجيش المخيف بعدده وعدته، خرج للقاء العدو منذ الغداة الباكرة، وهنا يرسمُ الشاعر لوحة كاملة لمشهد الطبيعة، فالشمس مازالت في ابتداء الشروق، وقطرات الندى لم تسقط بعد على أوراق الأشجار، وهذا دليل واضح على استعدادهم الكامل للحرب ورغبتهم الشديدة في قتال العدو.

1. اللحظات الأولى للحرب و احتدام المعركة ( 7 : 8 ):
يبدأ تلاحم الجيشان، فالطعن والضرب الذي يورد ذائقه مورد الموت، أما الفار فتدركه مذلة الهزيمة وعار الفرار، ويقف بشار في حومة الوغى ( كأن مثار النقع فوق رؤوسنا )، وقد ارتفع الغبار فوق رؤوسهم لعنف الحركة والسيوف تتهاوى من هنا وهناك، وهذا التشبيه من أبدع التشبيهات (تشبيه تمثيلي)، بفخره بشدة بلاء قيس عيلان.

2. الهزيمة النكراء ( 9 : 10 ):

يزداد فخر الشاعر في البيت التاسع بقبيلة قيس عيلان، فيقول: إننا بنو الموت بنو الملك تخفق علينا راياته، هذا المجد وهذه البطولة كانت نتيجتهما نصرًا مؤزَّرًا على الأعداء حيث جاء بتقسيمه الرائع لما انتهى إليه أمر الأعداء، فهم إما أسرى، أو قتلى، أو هارب لائذ بالبحر.

3. الزهوُّ بالنصر ( 11 : 12 ):
ويأخذ النصر مأخذه لدى الشاعر فيعود ذاكرًا وواصفًا هذا الجيش المنتصر فما معه من سلاح وحديد وعدة يغطي الشمس لكثرته، ويلمع في أشعة تختلس أبصار الشجعان وتسلبها، ولكثرة عدده الذي ملأ الآفاق ضاقت به الأرض عن استيعابه فراح يزاحم الجبال بجوانبه ونواحيه.
- وقفات فنية:
يقوم شعر بشار على الموازنة الدقيقة بين العناصر التقليدية والعناصر التجديدية، ولذا يعدو زعيم المجددين، وقصيدته هذه مثال واضح على ذلك، فهو يفتتحها بالنسيب ووصف سُرى الليل في الفيافي، ثم يصف حمار الوحش، ثم يمدح، ويفخر بالقيسية وبحسن بلائها في الحرب، وهو في كلِّ ذلك ينزع منزع القدماء، حين كانوا يمدحون سادة عشائرهم، ورغم كل هذا الاحتداء للقديم، فقد أدخل الشاعر في نسيج قصيدته خيوطًا جديدة نلمسها في النواحي التالية:
أولا: في أفكاره:
- بشار ربيب بيئة المتكلمين كان يجالس واصل بن عطاء رئيس المعتزلة، فأخذ عنهم قدرتهم في بسط الأدلة، وتفصيل الأفكار وتفريعها، فنجد في النص الأفكار المنطقية والمحاججة والاقتناع وهي تخاطب عقلكِ ووجدانكِ، ويبدو ذلك خاصة في جزئية الصديق الذي إن عاتبته في كل الأمور لم تلق صديقًا لا يستحق العتاب، وحينها فأنت مضطرٌ إلى أحد الأمرين: إما أن ترضى بالوحدة، وإما أن تصل أخاك وهو قد يقارف الذنب مرة، ويجانبه أخرى، وليزيد المعنى رسوخًا ولكي يزيل ما ظلَّ عالقًا ما في أنفسنا من عدم الاقتناع يقدمُ دليلاً منطقيًا من الحياة في قوله:
إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
وقد فصل بشار في المعنى واستقصى جميع أطرافه وتعمق في معانيه، فجاءت أبياته عن الصديق فلا تجدي مناصًا من التسليم برأيه والاقتناع بحجته.
ولا يخفى على أحد ما في هذا البيت من إطناب التذييل ويقصد بالتذييل: ( تعقيب الجملة بجملة أخرى تشتمل على معناها لإفادة التوكيد )، فقول: ( وأي الناس تصفو مشاربه)، تذييل أتى به لتأكيد الجملة قبله، وهو جارٍ مجرى المثل بمعنى أن الجملة الثانية مستقلة بمعناها عن الجملة الأولى، وجارية على الألسنة كما تجري الأمثال التي كثُر استعمالها وفشا، فهي لا تحتاج في إفادة معناها إلى الجملة السابقة.
- وانظري إلى التقسيم في قوله:
فعش واحدً أو صل أخاك فإنه مقـــارف ذنب مـــرة ومـــجــانبــه
فهو يضع أمامه كلَّ الاحتمالات والفروض ويناقشها بمنطق ومحاججة، وهذا نتاجٌ طبيعي لثقافته العصرية، ونرى ذلك التقسيم الرائع في البيت السابع:
بضربٍ يذوقُ الموت من ذاق طعمه وتدرك من نجى الفرار مثـــــالبــه
فإما حياة الذل والعار ولا ثالث لهما، ويبلغ التقسيم روعته واستيفائه لكل عناصره في البيت العاشر:
فراحوا: فريقًا في الإسار ومثلُه قتيلٌ ومثل لاذ بالبــحر هـــاربـــه
فقد صار الأعداء ثلاثة أقسام: أسيرًا، وقتيلاً، وهاربًا، قال ابن رشيق صاحب العمدة: ( فاستقصى جميع الأقسام ولا يوجد في ذكر الهزيمة على ما ذكر).
والتقسيم ليس باللون الجديد في الأدب، كقول زهير:
فإن الحق مقطعه ثلاث يمين أو نفار أو جلاء
وفي القرآن الكريم : ( وهو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا..)
وأيضًا: ( اللذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم )
ولكن الجديد هو إكثاره منه، فقد ورد في عدة مواضع من نصٍ واحد، وهذه سمة من سمات شعر العصر، وهو ما يمكن أن نسميه بروز العنصر العقلي في الشعر.
وكان كذلك متأثرًا بأمثال الفرس وحكمهم، في حديثه عن الصديق وكأنه كان يستلهم ما ورد من الحكم عند ابن المقفع في (الأدب الكبير).
ومن لمحات التجديد الفكرية التي نراها في النص غير التقسيم:
- الميل أحيانًا إلى المبالغة ومجاوزة القصد بتأثير مزاجه الفارسي الذي يهوى المبالغة، وهذا يظهر في البيت الرابع، في قوله:
إذا الملك الجبار صعَّر خـدَّه مشينا إليه بالسيوف نـــقاتله
وهذا البيت مثال واضح على التقليد والتجديد، لأن هناك بيتًا للمتلمس (شاعر جاهلي)، يقول فيه:
وكنَّا إذا الجبار صعَّر خدَّه أقــــمنـــا له مــــيـــلة فــــتقوَّما
وهذا يردُّ التهمة التي قيل بأن بشارًا سرق بيت المتلمس، فاحتداء بشار للمتلمس واضح في الشطر الأول، ولكن المزاج الفارسي الذي يميل للمبالغة دفعه إلى صريح القول بالتهديد حين قال بالسيوف، بينما جاء التهديد مبطنًا عند المتلمس محتملاً التقويم بالقول أو الفعل.
- ثانيًا: تجديده في الألفاظ:

ألفاظ بشار واضحة ليست بالغريبة التي يُستعصى فهمها، ولا بالمبتذلة الشائعة، ففيها جزالة ورصانة تناسب الأغراض التي يتناولها، بينما نلمس عند القدماء ميل إلى الغريب حين يمدحون، أما بشار فقد نجح في الإتيان بالمدح الجزل دون حاجة إلى الغريب من الألفاظ.
ونجد أيضًا أن ألفاظ القصيدة مناسبة لغرض الفخر وجو المعركة مثل استخدامه ( صعر خده/ الجبار/ يزحف/ بالخطي/ نجَّ الفرار/ مثار النقع )، وهي ألفاظ موحية تناسب الصاخب، والحروب الطاحنة التي لا تُبقى ولا تذر، فيعيش الناس خلال هذه الفترة في جوٍّ يسود الخوف والذعر.

- ثالثًا: صوره:

حرصًا من بشار على التميز والاتيان بالجديد جاء بيته الرائع:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأسـيافنا لـيل تـهاوى كـواكبه
وهو من أولياته البديعة وهو أول من جاء بهذا المعنى ولم يسبق به أحد، وقد اقتفى الشعراء من بعده أثره، ولكن لم يبلغوا شأوه في هذا البيت، وقد قارن الشيخ عبدالقاهر الجرجاني بين بيت بشار هذا وبيت المتنبي حيث قال:
يزور الأعادي في ســماء عـــجاجة أســـنته في جــانبيه الكـــواكب
وبيت كلثوم بن عمرو، حيث يقول:
تبني سنابكها من فوق أرؤسهم سقفًا كواكبه البيض المباتــيــرُ
فكلهم شبهوا لمعان السيوف بالغبار في الكواكب بالليل، ألا أنك تجد لبيت بشار من الفضل ومن كرم الموقع ما لايمكن إنكاره، وذلك لأنه راعى ما لم يراعه قبله وهو أن جعل جعل الكواكب ( تهاوى)، فأتم الشبه وعبر عن هيئة السيوف وقد سُلَّت من الأغماد، وهي تعلو وترسبُ، وتجيء وتذهب، ولم يقتصر على أن يريك لمعانها في أثناء العجاجة فأتى بتفصيل بعد تفصيل فـالصورة لأجسام بيضاء لامعة مستطيلة تتحرَّك في كل الاتجاهات، فكلمة تتهاوى نقلت صورة لاستطالة الحركة والانتشار في كلِّ الاتجاهات، أما بيت المتنبي فليس فيه إشارة إلى حركة الكواكب ولا استطالتها وكذلك بيت كلثوم بن عمرو لا حركة ولا استطالة.
وهذا التشبيه تشبيه تمثيلي حيث شبه الهيئة المركبة من الغبار المثار والسيوف المتحركة حركات سريعة مضطربة وإلى جهات مختلفة بالهيئة المكونة من الظلام والكواكب تتهاوى وسطه وقد تداخلت واستطالت أشكالها، ووجه الشبه فيه هو : الهيئة الحاصلة من تهاوي أجرام مشرقة مستطيلة متناسبة المقدار متحركة في جوانب شيء مظلم مركب حسي، وقد انتزع من طرفين مركبين حسيين.
ومن الصور في أبيات بشار:
البيت الخامس:
وجيش كجنح الليل يزحف بالحصى وبالشوك، والخطِّي حُمْرٌ ثعالبه
حيثُ شبه الجيش الضخم في عدته وعدده بظلام الليل الكثيف ليبالغ في كثرته وقوته.
وهو كناية عن كثرة العدد، أما قوله: (ويزحف بالحصى ...)، كناية عن كثرة عتادهم وعدتهم، وقد وفق الشاعر في اختياره لدال : يزحف)، فالزحف لا يكون إلا بتباطؤ لثقل فيهم، وهم يزحفون لكثرة ما يحملون من أسلحة ورماح.


والبيت السادس:
غدونا له والشمس في خدر أمها تطــالعنا والطل لم يجرِ دائبه
نجده هنا يشبه الشمس المختفية والتي لم يظهر منها إلا شيئٌ يسير، بالفتاة المستترة وراء الخدر.
وفيه كناية عن إبكارهم.
والبيت السابع:
بضربٍ يذوق الموت من ذاق طعمه وتـــدركُ من نجَّـــى الفرار مثالــبه
فالشاعر يجعل للموت طعمًا يذاق حيث صور المعنوي بصورة الحسي الذي يذاق وله طعم، كالشيء المأكول.
ونجد في البيت الأخير:
تغُصُّ به الأرضُ الفضاء إذا غدا تُزاحمُ أركان الجـبـال مـنـاكـبـه
كناية عن كثرة عدد الجيش، إضافة إلى ماتوحيه الصورة الاستعارية من جمال يوضح المعنى.

- رابعًا: العاطفة:

العاطفة قوية ثائرة تناسب وصف المعارك، مشوبة بالفخر المُنساب من مقدرة شعرية فريدة، وقد تحوَّلت هذه العاطفة الثائرة في نهاية القصيدة إلى عاطفة فرح وهَزَج بانتصار الجيش على عدوه.

وأخيرًا:
تعدُّ هذه القصيدة من أروع ما قيل في الوصف، لما تمتاز به من وضوح المعاني، وروعة التصوير، وسلاسة العبارات، ولذا فهي غُرر الشعر في العصر العباسي.


______________________________________________


الشرح الثاني ///




القصيده

إذا كنت في كل الأمـور معاتباً ......صديقك لم تلق الذي لاتعاتبه
فعش واحداً أو صل أخـاك فإنه....... مقارف ذنب مـرةً ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى...... ظمئت ، وأي الناس تصفو مشاربه
إذا الملك الجبار صعر خده........... مشينـا اليه بالسيـوف نعاتبه
وجيش كجنح الليل يزحف بالحصى............ وبـالشوكـ ،، والخطَّي حُمر ثعالبه
غدونـا له والشمس في خدر امها............ تطالعنــا والطل لم يجر ذائبه
بضرب يذوق المـوت من ذاق طعمه........... وتدرك من نجى الفرار مثالبه
كـأن مثـار النقع فوق رؤوسنـــا.............. وأسيافنـا ليل تهاوى كواكبـه
بعثنـا لهم مـوت الفُجـاءة اننـــا............ بنـو المُلك خفاق علينـا سبائبه
فراحـوا : فريقاً في الإسـار ومثله............... قتيل ومثـل لاذ بـالبحر هاربه
وأرعـن يغشى الشمس لون حديده................... وتخلس ابصــار الكُمـاةِ كتائبه
تغص به الأرض الفضـاء إذا غدا............... تُزاحـــم أركـان الجبـال مناكبه


--------------------------------



إذا كنت في كل الأمور معاتبا ** صديقك لم تلق الذي تعاتبه
فعش واحدا أو صل أخاك فإنه ** مقارف ذنب تارة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ** ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه


هذه الأبيات كما قلت للشاعر بشار بن برد الشاعر العباسي ، ‏وهي في وصف أحد الجيوش الذاهبة لساحة القتال بدأها بذكر بعض الحكم الرائعة فيقول : لا داعي لكل العتاب والشكوى لإخواننا وأصدقائنا حتى ولو خابت ظنوننا في بعضهم .. وإذا ظللنا نشكو ونعاتب فسنفاجأ قريبا بأنه ليس حولنا أحد ؛ لإنه لا يوجد شخص على وجه هذه الأرض لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل سالما من العيوب والنقائص، فكلُ بني آدم خطاء، وإذا أردت أخاً بلا عيب بقيت بلا أخ ، فعليك أن تتقبل صديقك على ما فيه من العيوب ، وأن تغفر لصاحبك ما دام قد أخطأ عن غير عمد، ثم يقول : وإذا أردت أخاً بلا عيب فعش وحيدا أو عليك أن تصل أخاك فهو يحسن مرة ويسيء أخرى ، وفي البيت الثالث يصور حقيقة لايختلف عليها اثنان وهي أن الحياة مليئة بالكدر والعناء والهموم ،لا تصفو لأحد فهي تارة حلوة وتارة مرة

اذا الملك الجبار صـــعر خـــــده ** مشينا اليه بالسيوف نعاتبه
وجيش كجنح الليل يزحف بالحصى ** وبالشوك والخطي حمر ثعالبه
غدونا له والشمس في خدر امها ** تطالعنا والطل لم يجري ذائبه


في هذه الأبيات شرع الشاعر بذكر ووصف المعركة حيث يقول : نحن لانعاتب الملك الجبار الظالم با لكلام بل بحد السيوف وبالحرب ثم أخذ يصف الجيش قائلا هو جيش جرار شاكي السلاح ، مشرعا الرماح يهجم ، كقطعة من الليل في كثرة عدده وعظمته ، هذا الجيش الذي خرج للقاء العدو مبكرين قبل طلوع الشمس ، والطل لم يذب بعد من على ورق الأشجار.

التعليق على النص :
=========
أولا : الفكرة " سهلة واضحة حيث وصف قدوم الجيش إلى ساحة القتال وقد اشتملت على القصيدة في بدايتها على حكم رائعة نابعة من تجربة .

ثانيا : الألفاظ " عبر عن هذه الفكرة بألفاظ قوية جزلة بعيدة عن التعقيد اللفظي فصيحة مناسبة لغرض الفخر ووصف المعارك مثل استخدامه لـ " جبار ، صهر ، يزحف ، الخطى " وهي ألفاظ موحية تناسب المعارك.


ثالثا: الأسلوب والعبارات : " أسلوب الشاعر جزل قوي ورصين

4 التعليقات

انقر هنا لـ التعليقات
شكرا لتعليقك