pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


أبو فراس الحمداني الشاعر الفارس

 

أبو فراس الحمداني الشاعر الفارس


 

أبو فراس الحمداني، من أشهر أعلام الدولة الحمدانية وأمرائها وفرسانها وشعرائها، ولد سنة 932م، ونشأ على العلم والفروسية في كنف أمراء الدولة، ووقع أسيرًا بيد الروم مرتين، وكتب أشعارا في أسره عرفت بالروميات، وقتل سنة 968 في حمص أثناء تصديه لجيش المولى فرغويه

المولد والنشأة

ولد الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي الملقب بأبي فراس الحمداني سنة 320هـ -932م، وفقد أباه وهو في حدود الثالثة من عمره، فنشأ في عنفوان الدولة الحمدانية تحت رعاية خاصة من ابن عمه الأمير سيف الدولة

أجاد الفروسية والرماية وشارك في مجالس الأدب مذاكرا الشعراء ومنافسا لهم، فشب على الفروسية والشعر، حتى وسم بالشجاعة والحنكة

تميز شعره بسلاسة الألفاظ وجسامة المعاني وصدق العاطفة بعيدا عن الابتذال والمجاملة والتكسب. سكن منبج وهي منطقة بين حلب والفرات، وكان يتنقل في بلاد الشام

وقد تأسست الدولة الحمدانية في صدر القرن العاشر الميلادي إبان ضعف الدولة العباسية، وشملت بعض الشمال السوري وجزءا من العراق، متخذة من حلب عاصمة لها

حياته السياسية والعسكرية

كان لأعضاء بلاط سيف الدولة من كتاب وشعراء ولغويين الأثر البالغ في تربية أبي فراس وتهذيبه، فنشأ قائدا يدافع عن إمارة ابن عمه ضد الروم وهجمات جيش قائدها الدمستق  

وقع أسيرا في أيدي الروم مرتين، كانت أولاهما في أعقاب معركة مغارة الكحل سنة 347هـ – 959م، حين أصيب بسهم بقي نصله في فخذه، فأُسر وحُمل إلى قلعة خرشنة الواقعة على الفرات وسجن بها ليخرج منها بعد سنوات بطريقة اختلف المؤرخون فيها، فقيل إنه هرب وقيل افتداه سيف الدولة

وكانت نقطة التحوّل في حياة أبي فراس حين ولّاه سيف الدولة على منبج وما حولها من القلاع بعد خروجه من السجن، وهو ابن 16 سنة، لِمَا عُرف عنه من الذكاء والفطنة والنجابة وتحمل المسؤولية

وكان يقدم في المعارك ويشارك فيها، ويكره القعود عن منازلة الروم، ويقاتل جنبًا إلى جنب مع سيف الدولة، وكان حريصًا على حضور المعارك، لا ترهبه شدتها، ولا يهاب وطيسهار

 

وبعد هدنة بين الروم والحمدانيين، عاد القتال بعنف فحاصر الروم أبا فراس في منبج حتى سقطت قلعته وأُسر ثانية سنة 350هـ -962م ثم نقلوه إلى القسطنطينية وأقام في سجونها سنوات، وقد عبر بالشعر والنثر عن عتبه على ابن عمه وتذمره من مماطلته في تخليصه من أيدي العدو

ولم يكن أبو فراس حينها يدرك الصعوبات التي حلّت بالإمارة والمصاعب التي أحاطت بالدولة الحمدانية، والتي اضطرت سيف الدولة إلى الانسحاب مؤقتا من محيط عاصمته حلب لاستعادة أنفاسه وترتيب أوراقه حتى يعيد الكرة على الروم من جديد وينتصر عليهم سنة 354هـ- 966م، مستعيدا عاصمته حلب وآسرا أعدادا من الروم قايض بهم بعض أسراه وافتدى البقية ومن بينهم ابن عمه أبو فراس، إلا أن أمد سيف الدولة لم يطل بعد هذا الانتصار، فتوفي بعده بسنة واحدة عام 355هـ- 967م

وقد تأخر سيف الدولة في فدائه، وقيل في هذا الأمر الكثير قديمًا وحديثًا، فقد أرجعه البعض لعدم تمكنه من دفع الفدية لأنها كانت كبيرة، وقال آخرون إن السبب هو تخوفه من انقلاب أبي فراس عليه، وأرجع آخرون ذلك إلى شرط سيف الدولة أن يكون الفداء عامًا يشمل جميع الأسرى

وبعد وفاة سيف الدولة نشأ خلاف بين وريثه أبي المعالي وبين أبي فراس، انتهى إلى استقلال أبي فراس بحمص عن سلطة إمارة حلب، فأرسل إليه أبو المعالي جيشا لإجباره على الاستسلام، وكان ذلك برأي من مولاه فرغويه، الذي تولى قيادة هذا الجيش وقاومه أبو فراس حتى النهاية

شعر أبي فراس الحمداني

يعد أبو فراس من الشعراء المجيدين، إذ خلف زهاء 70 نصا شعريا في مختلف بحور الشعر العربي وجل أغراضه، حتى إن الصاحب بن عباد صنفه خاتمة الشعراء، فقال عنه "بدأ الشعر بملك وانتهى بملك" ويقصد أن الشعر بدأ بامرؤ القيس وانتهى بأبي فراس

وقد جمع ابن خالويه بعض شعره، كما جمع الثعالبي البعض فطبع ديوانه في بيروت مرتين أواخر القرن الـ 19، لتكتمل طباعته في دمشق سنة 1944م، كما ترجم الديوان إلى بعض اللغات الأجنبية

وكان لمعاصرته للمتنبى واحتكاكه به الأثر البالغ في شعره، كما أن تجنبه التكسب والمجاملات بشعره جنبه التفاهة والابتذال

 

روميات أبي فراس الحمداني

وهي القصائد التي كتبها أبو فراس الحمداني فترة أسره عند الروم في سجن خرشنة، وعرفت باسم الروميات نسبة لمكان أسره، وقد تميزت هذا القصائد بجزالتها وقوتها ورصانتها، وصدق عاطفتها

وتعد قصيدته الشهيرة "أراك عصي الدمع شيمتك الصبر" مثالا حيا على شعر الروميات، فقد صنفها عدد من النقاد ضمن الآداب العالمية الخالدة، لقوة شاعريتها وصِدق عاطفتها وتجرد الشاعر فيها بأناه الخاصة للتعبير عن عواطفه ومشاعره وقناعاته ومبادئه وما يتبناه من حكم وقيم. يقول في مطلعها

أراك عصي الدمع شيمتك الصبر                       أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمر؟

بلى أنا مشتاقٌ وعندي لوعة ٌ                           ولكن مثلي لا يذاع له سر!

إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى                     وأذللت دمعاً منْ خلائقه الكبر

ومن رقيق الغزل وجيد العبارة قوله فيها

وفيت وفي بعض الوفاء مذلة              لإنسانة في الحي شيمتها الغدر

وقور وريعان الصبا يستفزها              فتأرَن أحيانا كما أرِن المهر

تسائلني من أنت وهي عليمة               وهل بفتى مثلي علی حاله نكر

فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى          قتيلك قالت أيُّهم فهمُ كثر

فقالت لقد أزرى بك الدهر بعدنا           فقلت معاذ الله بل أنت لا الدهر

ومن سامي قيم الشجاعة وصفات الفروسية قوله

وإني لجرار لكل كتيبة                          معودة أن لا يخل بها النصر

وإني لنزال بكل مخوفة                        كثير إلى نزالها النظر الشزر

فأظمأ حتى ترتوي البيض والقنا             وأسغب حتى يشبع الذيب والنسر

ويا رب دار لم تخفني منيعة                   طلعت عليها بالردى أنا والفجر

وتعبيرا عن تمسكه بمسلماته ومبادئه ومكانته يقول

ولا راح يطغيني بأثوابه الغنى                    ولا بات يثنينى عن الكرم الفقر

وما حاجتي بالمال أبغي وفوره                  إذا لم أفر عرضي فلا وفر الوفرُ

ولكن إذا حُم القضاء على امرئ                 فليس له بر يقيه ولا بحر

وقال أُصيحابي الفرار أو الردى                 فقلت هما أمران أحلاهما مر

ولكنني أمضى لما لا يعيبنى                      وحسبك من أمرين خيرهما الأسر

سیذکرني قومي إذا جد جدهم                     وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

ونحن أناس لا توسط عندنا                       لنا الصدر دون العالمين أو القبر

وما هذه الأيام إلا صحائف                      لأحرفها من كفّ کاتبھا بشر

ومن رومياته مناجاته لحمامة كانت تقف على نافذة السجن الذي يقبع فيه، فيقول لها

أقول وقد ناحت بقربي حمامة                        أيا جارتا هل تشعرين بحالي

معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى                    ولا خطرت منك الهموم ببال

أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا                      تعالي أقاسمك الهموم تعالي

أيضحك مأسور وتبكي طليقة                        ويسكت محزون ويندب سال

لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة                      ولكن دمعي في الحوادث غال

وفاته

رفض أبو فراس الاستسلام لأوامر خلف سيف الدولة وابنه أبي المعالي، وتعرض بمقاومة شرسة لجيش المولى فرغويه حتى قتل ببلدة صدَد على الجنوب الشرقي من حمص في ربيع الأول سنة 357هـ – 968 م، مخلفا وراءه ذكرا وبطولات وشعرا حفظها التاريخ عبر الأجيال

شكرا لتعليقك