pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


الغجر فى مصر

الغجر في مصر
كانت هناك محاولات مبكرة لدراسة غجر مصر. وتعتبر محاولة “سيتزن” أول هذه المحاولات. ففي سنة 1806م قدم لنا وصفًا اتسم بأنه قصير – لغجر مصر. فقد ذكر أن الغجر يوجدون في مصر وسوريا، وأنهم يوجدون في كل أنحاء المملكة العثمانية. وأشار إلى أنه قام بزيارة جماعة تقيم بخيامهم السوداء في بستان للزيتون، وقد تميز بعضهم ببشرة سوادء متسخة وشعر أسود متدلي على الجانبين في شكل ضفيرتين، وكانت شفاهم تشبه ملامح بقية المصريين. وقد وشمت النساء ذقونهن بلون أزرق قاتم، وكن يرتدين الأقراط أيضًا، وكان عمل هذه الجماعة هو صناعة المناخل من الجلد وشعر النخيل، وصناعة الأدوات الحديدية، وصناعة أباريق الشاي، وكان رجالهم شبه عرايا، ويبدو عليهم الفقر الشديد.
وفي بداية القرن العشرين صدرت عدة مقالات مهتمة بموضوع الغجر في مصر. وكان من بينها مقالة “وينستد” التي صدرت بعنوان (مشاعلية مصر) وكانت فكرة هذه المقالة تدور حول أن الرمادية والمشاعلية جماعات غجرية. وفي سنة 1928م كتب “سامبسون” مقالة بعنوان (غجر مصر: فصل في تاريخ هجرة الغجر) وفي سنة 1933م نشر جون ووكر مقالته القيمة بعنوان (غجر مصر الحديثة)، وأعقبتها المقالة التاريخية التي كتبها جوردون وارد بعنوان (الغجر في وادي النيل في القرن السادس عشر). بالإضافة إلى ذلك تضمنت دائرة المعارف الإسلامية بعض الفقرات التي أشارت إلى وجود الغجر في مصر، وإلى أعمالهم، كما قدمت الباحثة حكمت علي يوسف دارسة أنثروبولوجية لإحدى مستعمرات الغجر بمركز سيدي سالم (منشأة أبو علي) بمديرية كفر الشيخ. كما قام أحمد المجدوب بإجراء بحث متخصص لدراسة ظاهرة الجريمة في “طهواي” وقد ظهر حديثًا فقرة مستقلة في الدورية الفرنسية بعنوان (مصر) تضمنت بعض المعلومات المختصرة عن غجر مصر.
أولًا: مسميات الجماعات الغجرية في مصر وأعدادهم:
الاختلاف حول مصطلح الغجر:
كلمة غجر تعني كل جماعات الغجر في مصر. وقد كُتبت هذه الكلمة بعدة طرق مختلفة، على سبيل المثال كلمة “ججر” والتي كتبها فيليب وولف Gager والمفرد منها ججري. ويعتبر لين أول من ذكر الكلمة كما تذكر في العربية بطريقة صحيحة غجر ومفردها غجري، ونود أن ننوه أن كلمة غجر أكثر دقة لُغوية من كلمة ججر حيث أن الحرف G في اللغة الإنجليزية يقابله حرف ج في اللغة العربية، وعلى الرغم من وجود اتفاق بين الكُتاب على أن كلمة غجر تقابل في معناها اللغوي ومدلولها الاجتماعي كلمة Gypsies إلا أن مارتين في تعليقه على جويلان هوبر أشار إلى أنه من الصعب أن نجد في العربية مصطلحًا مقابلًا للكلمة الإنجليزية Gypsies، وافترض أن كلمة نَّوَر يمكن أن تكون أفضل من كلمة غجر لوصف هذه الجماعات. ولكن هذا الافتراض يجب أن يُرفض تمامًا فكلمة Buffoon أو نَّوَر لا يمكن أن تعطي معنى كلمة Gypsies، إذ أن كلمة Buffoon تعني مضحك أو مهرج، وهي لا تعطي نفس معنى كلمة Gypsies، بالإضافة إلى ذلك أن كلمة نَّوَر تطلق على جماعات غجرية في البلاد العربية مثل لبنان وفلسطين وسوريا، ولكنها تعني محتال أو لص لذلك فهي لا تعطي المعنى المقابل لكلمة Gypsies. ولكن في القواميس الأساسية ودوائر المعارف كلمة Gypsies تعني غجر، وهذا خطأ جسيم.
المظهر الفيزيقي للغجر:
في البداية يجب أن ننوه أنه لا يوجد دراسة علمية وافية تتناول الشكل الفيزيقي للغجر، وكتابات المؤلفين اقتصرت على إشارات مختصرة في هذا الموضوع، فقد ذكر ليلاند أن الحلب والغجر يتميزون في ملامحهم الفيزيقية عن بقية سكان مصر وخاصة شكل العينين، وتختلف ملامح نسائهم عن ملامح نساء الفلاحين والأقباط.
ووصف كريمر الشكل الفيزيقي للغجر الذين يطلقون على أنفسهم (صعايدة) بأن سماتهم هي سمات الآسيويين، فلونهم أخضر وعيونهم سوداء حادة، وشعرهم أسود، وتضع النساء الوشم على اليدين والثديين، ويلبسن أقراط من المعدن وعقود بها حبات حمراء وزرقاء. ولكن يوجد بعض الآراء المختلفة والمتعددة حول التشابه والاختلاف بين الغجر وغير الغجر في مصر، فقد ذكر لين أنه يمكن رؤية المرأة الغجرية في شوارع القاهرة، وهي تلبس نفس ملابس الطبقة الدُنيا من المصريين وتشبه النساء المصريات في ملابسهن خاصة من هذه الطبقة طبقًا لما قاله ليلاند، ولكن يمكن التمييز بينهم عن طريق الوشم.
أما بالنسبة لظاهرة الوشم فالملاحظ لغجريات مصر في هذه الأيام يجد أن هذه الظاهرة غير منتشرة بينهن بالصورة التي كانت عليها سابقًا، فبعض نساء الغجر اليوم يتميزن بوشم الصدر أو الوجه. ويتميز بعض الرجال أيضًا بوشم على أحد الساعدين أو كليهما بينما لا يتميز البعض الآخر بذلك ويرجع ذلك إلى:
1. محاولة التوحيد أو التظاهر بالتوحيد مع المجتمع:
فبعض الجماعات الغجرية تحاول إخفاء انتسابها إلى الغجر، وإذا كانت هذه الظاهرة قد ميزت الغجر في وقت معين، فإن محاولة التنصل من الأصل الغجري تطلبت هجر الظاهرة المميزة (الوشم). وإذا كان من الملاحظ أن بعض الغجر موشمون برسومات فقد بدأ الغجر يتشبهون بجيرانهم الريفيين الذين بدأ هجر هذه العادة.
2. عامل السن:
فنلاحظ أن الوشم ينتشر بين كبار السن أكثر مما ينتشر بين الصغار، فقد بدأت الأجيال الحديثة ترى أن الوشم لم يعد ضروريًا. وساهم في ذلك انتشار التعليم بين أبناء بعض الجماعات الغجرية المستقرة، وارتباط بعضها الآخر بمهن غير غجرية واختلاطهم بغير الغجر. ولهذا نجد أن الوشم ينتشر بين الغجر غير المستقرين أكثر من الغجر المستقريين.
وكما ذكرنا سابقًا فإن الغجر يتشابهون أحيانًا مع جيرانهم في الشكل الفيزيقي، ولكن هناك جماعات من الغجر قد تختلف عن المكان الذي تعيش فيه، فمعظم جماعات “النَّوَر” الذين يعيشون في القرى يرتدون الملابس الفاخرة ويتحلون بالذهب مما يجعلهم متميزين عن أبناء القرى التي يعيشون فيها. وإذا كانت نساء النَّوَر ترتدين الجلباب الأسود مثل سائر الفلاحات إلا أنهن يغيرن هذا الزي بزي المدن في حالة الانتقال إلى المدينة لأي غرض من الأغراض. وقد ذكر أحد رجال النَّوَر (أن بناتنا تستطعن أن تعلمن بنات العالم أصول الموضة). ويرجع ذلك إلى أن معظم المستوى المادي لمعظم جماعات النَّوَر مرتفع، ومع ذلك فأحيانًا يتعمد النَّوَر في عدم الظهور بهذا التميز فيرتدون نفس الملابس التي يرتديها غير الغجر وخاصة في المناطق الريفية. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها أن أنشطهم التي يمارسونها لا تتطلب أكثر من المستوى البسيط في الملبس، بجانب أن البعض يحاول إخفاء ثرائه لكي لا يلفت النظر إليه. أما “الحلب” الذين يمارسون الاستجداء في مناطق متفرقة من صعيد مصر فهم يرتدون نفس الزي الذي يرتديه فقراء هذه المناطق، فالرجل يرتدي الجلباب، والمرأة ثوب أسود طويلًا وطرحة، ويتصفون بعدم مراعاة النظافة الشخصية، في إحدى المقابلات مع بعض جماعات الحلب أكد أحدهم أنهم لا يستحمون إلا عندما تكون الترعة مليئة بالماء.
وقبل أن نختم هذا العنصر لابد أن ننوه على أن الاعتماد على الخصائص الفيزيقية للغجر للتفرقة بين الغجر وغير الغجر في مصر هو معيار لا يمكن الاعتماد عليه وحده في أي وقت، وخاصة في هذه المرحلة الراهنة التي لم تجر فيها دراسات علمية دقيقة. وتدل الملاحظة العامة على أن هناك اختلافات في المظهر الفيزيقي بين الجماعات الغجرية المختلفة، كما توجد تشابهات بينهم وبين جيرانهم غير الغجر سواء في الخصائص الجسمية أو في المظهر الخارجي.
ثانيًا: بداية الغجر (الأصل والتاريخ)
تعددت الآراء والأبحاث حول أصل الغجر ونشأتهم، فقد قام بعض العلماء بدراسة السمات المميزة لغجر مصر مثل “نيوبولد” وتوصلوا إلى أنهم من أصول أجنبية، وكان دليلهم على أن الغجر في مصر يعيشون متميزين ومعزولين ويتشابهون في العادات والشكل الفيزيقي، ولغتهم التي يرجع أصلها إلى الهند كذلك لغة واحدة، وهذا يدل على انتمائهم لعائلة واحدة،  وأرجع نيوبولد الاختلافات الموجودة في لغة الجماعات الثلاثة الغجرية في مصر إلى طول فترة تجوالهم بعد أن تركوا الهند. واستنتج من لغة الحلب أنهم قد قضوا في اليمن وقتًا طويلًا، وكذلك في شبه الجزيرة العربية. وأن الأعداد التي تستخدمها جماعة الحلب وجماعة الغجر تؤكد أصولهم الهندية والإيرانية.
وحاول بعض الكتاب أن يتناولوا تاريخ جماعة محددة من الجماعات الغجرية الثلاثة في مصر (الغجر – الحلب – النَّوَر) ويرى بعضهم أن الجماعة التي تدعى غجرًا في مصر كانت مجرد جماعة غجرية هاجرت من القسطنطينة منذ قرن مضى أو قرنين، وقد يكون هذا التفسير صادقًا نوعًا ما بسبب أن لغتهم أقل امتزاجًا باللغة الأجنبية على عكس باقي الجماعات في وادي النيل.
أما بالنسبة للنَّوَر فيحاول البعض الربط بين نَّوَر اليوم وبين الجماعات التي تسمى لوري والتي تنتشر في إيران وفي مناطق أخرى حتى اليوم أيضًا. وقد ذكر البعض أن النَّوَر معروفون منذ القرن العاشر، إلا أنه لا يوجد دليل يربط بين نَّوَر القرن العاشر والنَّوَر الذين يعيشون بيننا. ويوجدوا اليوم في سوريا والأردن وإسرائيل وفي أماكن أخرى وقد شوهد النَّوَر يدربون القطط والدببة في أوروبا وأمريكا في القرن التاسع عشر. وفي العام الماضي عبرت إحدى هذه الجماعات شمال إفريقيا إلى فرنسا وألمانيا. وقد كان “سيتزن” أول من سجل لغة النَّوَر سنة 1806م في ذلك الوقت كانت لغتهم تحتوي على كلمات مستعارة من اللغة العربية. غير أن قواعدها ما زالت القواعد الهندية.
أما الحلب فيرى كريمر أنهم من أصل يمني وحضر موت أي أنهم هاجروا من الغرب، وتاريخهم المبكر سُجل فيما يعرف بتاريخ الزير، وعلى حد وصف العلماء فهو تاريخ غامض وغير واف، ويقول نيوبولد أن قبائلهم قد طردت من اليمن مع اضطهاد الزير ملك جنس الTuba ، ومارسوا التجوال في سوريا ومصر وإيران وأوروبا. وحصل السبعة أخوة رؤساء القبائل التي هاجرت إلى مصر من الملك على إعفاء من الضرائب، وعلى حق التجوال في البلاد دون مضايقات أو تحرشات. وتعتبر مقابر السبعة أخوة الرؤساء أماكن مقدسة إلى هذا اليوم، ولكن لم توضح نتائج العمل الميداني وجود هذه المزارات المقدسة، ويقول نيوبولد في كتاباته أن اثنين من هذه المقابر تقعان في الصحراء البحرية وواحدة في القليوبية والباقي في Syud ولا يعرف هل إذا كان المقصود بهذه الكلمة أسيوط أم الصعيد. وإذا كان نيوبولد قد ذكر أن الحلب قد عجزوا عن أن يوضحوا عن سبب تسميتهم حلب أو عن أصول هذه الكلمة التي تطلق على سكان مدينة حلب أو سوريا، فقد كرر تشككه في وجود هذه العلاقة بقوله أن هذه الحالة تشبه حالة غجر فرنسا الذين اسمهم من البوهيميين، وغجر السويد والدانيمارك الذين أخذوه من التتر، ومع ذلك فإن أمر هجرتهم من هذه الأماكن موضع شك، غير أن بعضًا من غير الغجر يقرون أن الحلب وفدوا أصلًا من مدينة حلب بسوريا، ويرى فريق منهم أن الحلب وفدوا منذ أكثر من خمسمائة عام بسبب المجاعات التي كانت في سوريا، وأن الجيل الحالي هو الجيل العاشر. ويرى الفريق الآخر أن عملية حفر قناة السويس سببت عجزًا في الأيدي العاملة المصرية في مجال الزراعة مما استدعى هجرة بعض الأيدي العاملة الزراعية من سوريا.
ومع أن كلا الفريقين لا يعطي أية براهين أو أدلة تاريخية تؤيد آراءهما، فإن الرأي الثاني يبدو غير منطقي على الأطلاق، إذ يتعين لصحته أن يكون الغجر أكثر ارتباطًا بالعمل الزراعي الآن وهذا ما لا يتفق مع الواقع. أما الحلب أنفسهم فهم يؤكدون أنهم عرب بدو وأنهم ليسوا فلاحين وأن كلمة حلب قد أطلقت عليهم كمجرد لقب فقط.
 غجر مصر وغجر البلاد العربية:
هناك دلائل توضح وجود علاقة بين غجر مصر والغجر في المنطقة العربية ويمكن تحسس هذه العلاقة في ثلاث نواحي:
الأولى: أن غجر المنطقة العربية كانت بينهم صلات ويرجعون إلى أصول واحدة وهو ما تظهره المادة التاريخية المتوفرة. وقد وضح ذلك من خلال عرضنا السابق للزط، ومن افتراض هجرة غجر مصر من اليمن وحضر موت. كذلك هناك من يقرر أن الغجر كانوا أولًا يعيشون في بلد تسمى السند وكان لهم ملك يدعى مارامنجو وكان له أخوان، اسم الأول رومانو والآخر سينجان، وقد ترك الغجر وطنهم الأصلي تحت تأثير الحرب والاضطهاد وبدأوا يجوبون البلاد الأخرى كفقراء، وقد أخذ كل أخ من الأخوة الثلاثة اتباعه في طريق فالبعض ذهب إلى شبه الجزيرة العربية والبعض إلى بيزنطية والبعض الآخر إلى أرمنيا وإذا سلمنا بوفود غجر مصر من شبه الجزيرة العربية، فإن هذا يؤكد الصلة بين غجر مصر وغجر البلاد العربية، وكذلك الصلة بينهم وبين غجر العالم، بالإضافة إلى ذلك فإن بعض عناصر التاريخ الغجري المكتوب والمتناقل شفاهة يوجد بنفس تفاصيله لدى الغجر المقيمين في أكثر من بلد عربي، وعلى سبيل المثال، فإن قصة الزير سالم موجودة بنفس تفاصيلها لدى غجر مصر وغجر فلسطين.
الثانية: أن أسماء الغجر في البلاد العربية تتشابه مع تلك الأسماء الأساسية التي تطلق عليهم في مصر. في السودان يعرف الغجر بالحلب، وفي سوريا وفلسطين ولبنان بالنَّوَر، كما أن كلمة غجر كلمة معروفة في كل البلاد العربية مهما اتخذت الجماعات أسماء فرعية. حتى في لبنان التي تطلق عليهم كلمة نَّوَر نشر الكثير عنهم تحت اسم غجر.
الثالثة: أن هناك ظواهر مشتركة بين غجر مصر وغجر البلاد العربية، فالظواهر التي وصفها “فيلكن” عند غجر دارفور مثل المهن والأعمال، والملابس والرقص، والتسمية والظواهر المتعلقة بالنساء ونمو العلاقات مع غير الغجر تتشابه تمامًا مع تلك التي تسود بين كثير من الجماعات الغجرية في مصر.
ثالثًا: الجماعات الأساسية
لا توجد دراسات ولا كتابات تختص بموضوع الجماعات الأساسية للغجر ووجودهم في مصر، وكذلك لا يوجد تعريف شامل لهذه الكلمة، وهناك نوع من الخلط بين هذه الجماعات والبدو. وفي هذا العنصر يحاول الكاتب تقسيم جماعات الغجر في مصر نظرًا لما وجده من قصور في تعريف هذه الجماعات وتقسيمها في مصر وقد سبق الأشارة في العنصر السابق إلى أنواع الغجر الثلاثة في مصر (غجر – حلب – نوَّر) ولكن في هذا العنصر سيتم التحدث باستفاضة عن هذه العناصر وكذلك عرض مناقشة الكاتب لأسماء أخرى فرعية لبعض جماعات الغجر الموجود في مصر وأيضًا تعليقه عليها.
1)   جماعة الغجر:
تدل الكتابات المختلفة على أن هذه الجماعة ذات سمعة غير حميدة، ويرى بعض الكُتاب أن أهم ما يميز هذه الجماعة هو النقاء اللغوي، فيرى جالتيه أن وصولهم إلى وادي النيل كان أكثر حداثة من جماعات أخرى، ويذكر أنه من المحتمل أن يكونوا أصلًا قبيلة غجرية وفدت من القسطنطينية. ويرى جالتيه أنه يمكن التعرف على سمعة هذه الجماعة من مجرد التعرف على مدلول كلمة غجر بمعنى سوقي أو وقح. وقد ذكر ليلاند أن الخديوي أخبره بوجود بعض الجماعات الغجرية في مصر يسمون الغجريين، وذكر أنه بناءًا على رأي شيخ الغجر أن الجماعات الغجرية تنقسم إلى قبائل مثل المداحين والغرادين والبرمكية وأبو تنه والحملى وبيت الرفاعي وتنتشر هذه الجماعات في مصر اليوم انتشارًا واسعًا في مناطق متعددة، وتعمل بمهن متميزة وتعيش حياة اجتماعية خاصة.
2)  جماعة الحلب:
تنتشر هذه الجماعة في مناطق متفرقة من مصر، ولم يجد نيوبولد تفسيرًا لهذه التسمية حتى عند الحلب أنفسهم، إذ أنهم لا يعرفون لماذا سموا بهذا الاسم الذي يطلق على سكان منطقة حلب بسوريا ويفترض البعض وجود علاقة بين هذه الجماعات وهذه المنطقة المذكورة، ويُقال أنهم كانوا يطلقون على أنفسهم اسم محلبيش Mahlebish، ومن المرجح أن هذا الاسم الأخير الذي ذكره نيوبولد هو اشتقاق أو شكل آخر لكلمة حلب، أو هو الصياغة التي صاغها الغجر لكلمة حلب إذ أنه اتبع في صياغة هذه الكلمة نفس ما يتبعه الغجر من إضافة مقدمات أو نهايات للكلمات العربية. ويذكر نيوبولد أن قبائل هذه الجماعة قد تشتت في الحبشة تحت أسماء أخرى. ويذكر أن الاسم (كوستاني) يعتبر من الأسماء التي أطلقت عليهم، وأن شيخ الحلب في مصر قد ذكر له أن هذه الجماعة تتكون من أربع قبائل وكل قبيلة تضم حوالي خمسين أسرة منتشرة في مصر.
3)   جماعة النوَّر:
يطلق على هذه الجماعة اسم (النور) وأحيانًا (نورة). وقد ذكرت دائرة المعارف الإسلامية أن النطق الأكثر صحة هو (نوري) Nawari والجمع نوَّر، ولكن هناك بعض الآراء تقول أن نوري أصلها كلمة لوري ويعرف الغجر في إيران باسم اللور، غير أن كاترمير يرى أن الاسم (نور) مشتق من الكلمة العربية (نار)  والفعل العربي (نوَّر)، كما يرى أن هذا الاسم قد أطلق على هذه الجماعة لأنهم كانوا يشاهدون وهم يحملون الجمرة والفانوس. كما يرى أن ارتباط هذا الاسم بالنار يرجع إلى أن أفراد هذه الجماعة كانوا ومازالوا يكسبون معيشتهم من العمل في الحدادة، وبما أن الغجر معروفون بأنهم لصوص في أنحاء كثيرة من العالم فقد اكتسبت كلمة (نور) معنى اللصوصية، وصارت هذه الجماعات منبوذة حتى في الأمثال الشعبية.
وتعرف بعض جماعات الغجر  في مصر بأسماء أخرى غير الأسماء الثلاثة التي عادة ما تطلق على هذه الجماعات، وهناك بعض الأسماء الأخرى المحلية التي أطلقها الناس عليهم، وقد ارتبطت هذه الأسماء بأسباب وملابسات اجتماعية، وفيما يلي بعض الأسماء التي أمكن الاستدلال عليها وهي تطلق على جماعات غجرية في مصر:
– طوايفة: ويطلق هذا الاسم على بعض الجماعات الحلبية في قرى الصعيد ولا يعني انتساب هذه الجماعات إلى عائلة معينة، كما لا يتضمن إلا مدلول الترحال، فطوايفة تعني طوافين أو رحالة. وهذا الاسم يرتبط بحالة الترحال الدائم التي تعيشها جماعات حلبية كثيرة في صعيد مصر.
– شهاينة: يطلق هذا الاسم على جماعات حلبية أخرى، وهي تعني الانتماء للاسم العربي (شاهين)، وربما أطلقت بعض الجماعات هذا الاسم على نفسها لتتخلص من كلمة حلب والمعاني المرتبطة بها.
– هجالة: يطلق بعض أهالي الصعيد هذا اللفظ على نساء الغجر الفقيرات اللواتي يعشن في المنطقة. ويلاحظ أن هذه التسمية لا ترتبط بالغجر وحدهم إذ هي لفظ يطلق في صعيد مصر على الأرامل وعلى كل من تحترفن الاستجداء بصفة عامة، ولهذا فاننا لا نجد أن أهالي الصعيد يطلقون هذا اللفظ على الرجال الذين ينتمون إلى جماعة الغجر والذين يعيشون في مستوى معيشي مرتفع. ومن المرجح أن فقر نساء الحلب في صعيد مصر كان من أسباب إطلاق هذا اللفظ عليهن، إذ لم يطلق هذا اللفظ ليعني نساء ينتمين إلى جماعة إنثولوجية معينة والدليل على ذلك أن هؤلاء النساء يعرفن أيضًا بأنهن غجريات بجانب أنهن هجالة. وبصفة عامة يمكن القول بأن هذه التسمية ليست شائعة حتى في صعيد مصر حيث تستخدم هذه الكلمة بكثرة لتعني الأرامل.
– قرداتية: ذكر ليلاند أن الغجر الذين يدربون القرود يسمون (قرداتية) ويمكن القول أنه وإن كان المدرب يطلق عليه قرداتي، إلا أنه لا يجب أن تستخدم هذه الكلمة منفردة للتعبير عن الغجر، بل يجب أن تسبق بكلمة (الغجر) فتصبح (الغجر القرداتية)، والسبب في ذلك أنه ليس كل (القرداتية) غجرًا، كما أن كلمة قرداتي تصف شخصًا يقوم بمهنة معينة ولا تصفه كعضو في جماعة إثنولوجية، على نحو ما نجده في كلمة غجر .فضلًا عن ذلك فإن المعنى الذي يرتبط عند الناس بكلمة (قرداتية) لا يتضمن مفهوم الغجر.
– تتر: يطلق على غجر الصعيد. وقد ذكر ليلاند أنه عندما سأل امرأة غجرية عما إذا كان للغجر اسم خاص بهم ومعروف لديهم فقط، أجابت بالإيجاب، وقالت (إننا ندعو أنفسنا تتر في مصر). وأكدت الدراسات الميدانية أن بعض الأهالي يطلقون على التتر اسم حلب. ومن المرجح أنه لم يثبت انتساب (تتر) مصر إلى جماعات التتر خارج مصر التي أشار إليها ليلاند، ويمكن أن تؤدي البحوث في هذا المجال إلى تأييد وجود هذه العلاقة بين غجر مصر وبين جماعات غجرية أخرى في أوروبا، أو عدم وجودها، على أن نضع في الاعتبار أن هذا الاسم يمكن أن يكون له علاقة بالتتار.
– صعايدة: ذكر كريمر أن الغجر في صعيد مصر يسمون أنفسهم صعايدة، وهذا الاعتقاد خطأ فإنه من المعروف أن سكان صعيد مصر يدعون صعايدة وربما قابل كريمر أحد الصعايدة واعتبره من الغجر، أو أنه قابل غجر وأدعوا أنهم صعايدة، فالغجر يقولون على أنفسهم صعايدة وبدو وعرب وهذا تزييف منهم.
– طهواجية: ويطلق هذا الاسم على جماعات نور إحدى المناطق وذلك نسبة إلى طهواج التي يعتقد أنها الوطن الأصلي للأسر التي تسكن هذه المنطقة والتي تضم جمعًا غجريًا كبيرًا. وبنفس الطريقة نجد أن غجر طهواج يطلق عليهم أحيانًا (الهنجرانية) نظرًا لأنه يعتقد أنهم وفدوا أساسًا من المجر، وقد ذكر أحد الإخباريين أن الأسر النَّوَرية الموجودة في كل من محافظتي القاهرة والجيزة تعرف أحيانًا بهذا الاسم.
وللأسف فإن كل جماعة من الجماعات سالفة الذكر يطلق عليهم غجر أو حلب أو نور، وعلى الرغم من أن تقسيم غجر مصر إلى الجماعات الأساسية الثلاثة يعتبر أفضل تقسيم إلا أن هناك ملاحظتين:
  1. أن هناك أوجه شبه في الخصائص العامة التي تميز كل جماعة من هذه الجماعات، كما أن هناك تداخلًا في بعض مناشط الحياة الاجتماعية لهذه الجماعات، كما توجد عوامل مشتركة تجعل من الصعب – في بعض الأحيان – التميز بين جماعة وأخرى. فبعض الغجر والحلب يقومون بأعمال السمكرة، وأعمال الثعابين، وإصلاح الأقفال، وتقوم نساؤهم بالتسول والاستجداء، ورغم اشتهار النَّوَر بالسرقة إلا أن بعضًا من أفراد الحلب يمكن أن يقوموا بالسرقة، كذلك يقوم النَّوَر ونساؤهم بأعمال أخرى مثل الأعمال التي تمارسها جماعات الحلب كبيع الكبريت وتجارة الحمير.
  2. تقسيم الغجر غير فعال في المجتمع: كمفهوم يصف جماعة غجرية تميز عن جماعة غجرية أخرى مما ترتب عليه أن تطلق مجموعة من المجتمع لفظ غجر على أفراد الجماعة الواحدة بينما تطلق عليها مجموعة ثانية النَّوَر ، ومجموعة ثالثة الحلب، وسبب عدم وضوح هذا التقسيم هو العامل الجغرافي فيمكن أن تتغير نظرة المجتمع إلى هذه الجماعات بتغير المناطق التي يعيش فيها الغجر. وعلى سبيل المثال فإن الاسم الشائع الذي تعرف به أية جماعة غجرية في الصعيد سواء كانت حلب أو غجر أو نور هو (حلب)، بينما تطلق كلمة غجر على أي جماعة غجرية في الوجه البحري. كما تطلق كلمة غجر على جماعات نوَّرَية في بعض المناطق. فنَّوَر الدقهلية والإسكندرية يعرفون بالغجر. كما يعرف غجر شبين القناطر بالغجر بينما يطلقون هم على أنفسهم لفظ غجر وحلب، على أساس أن أصلهم يرجع إلى الصعيد. وبهذا يمكن القول بأن التسمية الاجتماعية السائدة تعطي للجماعة الواحدة أكثر من مفهوم.
رابعًا: البدواة والاستقرار
تشير معظم الكتابات المبكرة إلى أن نمط التجوال هو النمط المميز لغجر مصر. فمعظم الجماعات كانت تمارس التجوال، حيث حصلت على تصريح أو ترخيص بذلك من البوليس ومن شيخ الدراويش الرفاعية وقد كتب مستر “ريكاردز” عن مرسوم صدر عام 1847م كان له أثر على عملية تجوال الغجر في مختلف أنحاء البلاد. فقد أصدر أحد الباشوات مرسومًا استبداديًا يأمر فيه كل من لا يعيشون في قراهم الأصلية بالعودة إليها. وكانت الآثار الناجمة عن تنفيذ هذا المرسوم سيئة للغاية. فقد قاد العسكر الرجال والنساء والأطفال معًا من القاهرة إلى قرى بعيدة لا تتوفر فيها فرص للعمل، وبالتالي لم يتمكنوا من تزويد أنفسهم بالمؤن إلا بما يرد إليهم عن طريق الإحسان. ولقد أدى هذا إلى أن غادر الكثير من الغجر الأماكن المعتادة التي كانوا يعيشون فيها، إذ ربطوا خيامهم وأمتعتهم ليلًا واختفوا تمامًا.
وقد سجلت الكتابات المختلفة تجوال جماعات الغجر في الريف وفي المدن المصرية. وإذا كان ليلاند قد ذكر أنهم نادرًا ما كانوا يخاطرون بالدخول إلى المدن حتى لا يتعرضوا للإهانة والمعاملة السيئة من الناس، إلا أن كريمر ذكر أنهم يتجولون بخيامهم حول الأراضي الزرراعية في الصيف، ويلجأون إلى الحدود في فترة الشتاء، فهم كانوا يوجدون بجوار مدينة القاهرة في مواسم معينة خلال فترة الربيع والشتاء، والمكان المفضل لإقامتهم لعدة سنوات كان طريق شبرا – القاهرة. كما ذكر نيوبولد أن مكان إقامتهم كان قرية بعينها على يمين الطريق من القاهرة إلى شبرا. كما سجل أيضًا نيوبولد تواجدهم في المدن، فأوضح أنهم يعيشون في مكان قذر يطلق عليه (حوش الغجر) خلف جامع الحسين الشهير تحت صخرة القلعة، وفي مصر القديمة بجوار جامع عمرو بن العاص.
توزيع التجمعات الغجرية في مصر اليوم:
يعيش الغجر في مصر اليوم في شكل تجمعات حيث يضم كل تجمع عددًا من الأسر. وهناك بعض الأسر الغجرية التي تعيش حياة مستقلة، وتتباين أعداد الغجر في كل تجمع تبايًنًا شديدًا، فهناك التجمعات الكبيرة التي تضم مئات الأسر، وهناك التجمعات المتوسطة تضم عشرات الأسر، وهناك تجمعات صغيرة تتراوح فيها الأسر بين أسرتين وعشرات الأسر. ففي إحدى القرى يعيش ما يزيد عن 500 نوَّرَي في شكل تجمع يضم عدد كبير من الأسر. ويسكن نوَّرَ هذه القرية في منطقة يفصل بينهما وبين بقية المنطقة السكنية شارع رئيسي، وتسمى المنطقة التي تضم تجمع غجري (عزبة الغجر). كما يقطن شبين القناطر ما يقرب من خمسين أسرة غجرية، بخلاف الغجر القاطنين بالقرى التابعة، وهم يقطنون منطقة وسط المدينة وتسمى “النعناعية”. أما مركز طَمِّية بالفيوم فيضم عددًا صغيًرا من الأسر يتراوح بين سبع وثماني أسر تربط بينهم روابط قرابية ويعيشون في شارع واحد. وبالمثل فإن التجمعات الموجودة في المحلة الكبرى وبياهمو وسنورس بالفيوم وقرية بني غني بالمنيا تضم كلها تجمعات تقترب من العشرة أسر. وهناك قرى كثيرة تضم أسرة أو أسرتين على الأكثر مثل قرية “طمبضي”و “آبة الوقف” بمغاغة، وعزبة الأهالي بالقناطر الخيرية ومنطقة جامع المرادني بالفيوم.
تقسيم الجماعات السابقة إلى مستقرة وغير مستقرة:
الجماعات المستقرة:
تعتبر جماعة “غجر طمية” السابق الإشارة إليها نموذجًا لجماعات غجرية مستقرة من الجماعات في مصر، إذ يقيم أفراد هذه الجماعة إقامة دائمة وهم مسجلون بالسجل المدني على الرغم من أن مواطني المنطقة ينظرون إليهم على أنهم غجر. كما تعتبر جماعة غجر قرية “الروبيات” جماعة مستقرة أيضًا إذ أنهم اختاروا هذه القرية كمستقر أساسي لهم وذلك لوقوعها في وقع متوسط بين خمس قرى، والعودة إلى الروبيات بسهولة. وتقع منازلهم في هذه القرية في منطقة فسيحة ليست بعيدة تمامًا عن مساكن الأهالي، ومن الأمثلة الأخرى أيضًا أسر حلبية كثيرة استقرت في صعيد مصر. فغجر وحلب الصعيد يتكلمون جميعًا عن الحلب تجار الجمال الذين استقروا في مدينة المنيا ويعيشون حياة مستقرة محققين قدرًا كبيرًا من التكامل مع المجتمع. ويعيش في قرية (آبة الوقف) في مغاغة عدد من الأسر الحلبية معيشة مستقرة وتقطن منازل تقع بين منازل أهالي القرية، كما تعيش في قرية (بني غني) بالمنيا بصفة دائمة سبع أسر حلبية على قطعة أرض منحها لهم عمدة القرية.
أما عن التجمع النوَّرَي الكبير في الدقهلية فيعد نموذجًا للجماعات النوَّرَية المستقرة. فقد استقرت هذه الجماعات بهذه القرية منذ أكثر من مائتي عام، فمعظم الأجيال الحالية مولودة في القرية. وقد كان الغجر في القناطر الخيرية يقيمون قديمًا في خيام بجوار كوبري القناطر إلا أنهم استقروا بصفة دائمة في إحدى العزب على بعد كيلو مترين من وسط المدينة. ويتكون النور في هذه العزبة من عائلة كبيرة ممتدة تضم عددًا من الأسر الزواجية، ويضم التجمع كله حوالي عشرين فردًا يعيشون في منزل واحد كبير في طرف القرية.
ويعيش في قرية أخرى بالفيوم تجمع آخر مستقر يضم خمس أسر نورية تعيش كل أسرة منها في منزل مستقل مبني من الطوب الأحمر. وتوجد هذه المنازل عند مدخل القرية على أول الطريق الزراعي الموصل من هذا المدخل إلى منازل الأهالي والممتد بين الحقول. وقد كانت إحدى هذه الأسر تقيم وسط هذه القرية، إلا أنها انتقلت إلى خارج القرية بجوار بقية منازل النَّوَر بعد حدوث مشاجرات بين أفرادها وبين أهالي القرية. ويعيش في القرية المُقابلة لهذه القرية ثلاث أسر نَّوَرية أخرى لها صلة قرابة بأسر القرية الأولى. ويبلغ تعداد الغجر في هاتين القريتين حوالي 48 فردًا ويعتبر تجمعًا واحدًا فيما يتعلق بنمط المعيشة بسبب روابط القرابة.
ومن الأسباب التي ساعدت على استقرار هذه الجماعات بالقرية سماح السلطة في القرية لهم بالاستقرار. ويتوقف استقرارهم في القرى على رضى العمدة، فقد استقر الغجر في إحدى القرى لفترة طويلة، غير أنه بعد وفاة العمدة حذر الأهالي ابنه الذي أصبح عمدة من بعده من التساهل مع الغجر خشية حدوث أية متاعب منهم الأمر الذي ترتب عليه أن قام العمدة الجديد بطردهم من القرية وحرمانهم من المرور بها.
وقد تحايلت جماعات نَّوَرية على عمد بعض القرى فحاولت إقناعهم أنهم جماعة من الناس تنتمي إلى عائلات كبرى في مناطق أخرى. فمنهم من قال إنهم (الصقاروة) الذين يتبعون عائلة الصقر، أو (الشهابيون) الذين يتبعون عائلة شهاب وأنهم مهاجرون ويودون الاستقرار في القرية، وبعد ما سمح لهم بالاستقرار اتضح بعد ذلك أنهم نَّوَر.
وفي الغالب يعيش الغجر المستقرون في مساكن تتناسب مع المنطقة التي يعيشون فيها ومع مستواهم المادي. فبعضهم يملك المسكن الذي يعيش فيه، والبعض الآخر يستأجره، كما أن بعض هذه المساكن مشيدة من الطوب اللبن، والبعض الآخر من الطوب الأحمر. والظاهرة المميزة للغجر بصفة عامة هي الميل للسكني في أطراف القرى، فإن هذه الظاهرة تظهر بصورة واضحة لدى النور. ولعل السبب في ذلك هو عدم رغبتهم في الاختلاط بالأهالي، وإلى إبعاد النظر عن أنشطتهم وتحركاتهم، وهذا ما ذكرناه من قبل عن الغجر الواقعين على طريق القاهرة – شبرا.
الهجرة والحراك المكاني بالنسبة للجماعات المستقرة:
لقد ذكرت د/ حكمت يوسف في دراستها لمستعمرة الغجر بالشرقية أن الجماعة التي تعيش في هذه المنطقة وفدت من أماكن متفرقة بالقطر المصري وبصفة خاصة من مديرية كفر الشيخ والمديريات الغربية، وهناك عدد كبير من الغجر الذين يقيمون بصفة دائمة في محافظة الجيزة وفدوا أساسًا من محافظتي المنيا وبني سويف، وعلى الأخص محافظة بني سويف، وغجر شبين القناطر إلى مركزي بني مزار ومطاي. كما أن غجر سنورس بالفيوم لم يستقروا فيها إلا منذ عام 1951م.
وقد أكدت دراسة د/ أحمد المجدوب عن مجتمع (النَّوَر) في طهواي (طهواج) على انتشار ظاهرة الحراك بين الجماعات النورية. فقد هاجرت من البلد منذ فترة طويلة بعض الأسر مكونه أماكن بكل من:
– قرية الراهبين – مركز سمنود، وبوريج – مركز قطور، شفاقرون – مركز بسيون – محافظة الغربية.
– مدينة كفر الدوار – محافظة البحيرة.
– حي دمنه وغربال بمدينة الإسكندرية.
وذلك بقصد إقامة أوكار جديدة لإخفاء متحصلات جرائمهم أو اختفاء المطلوبين منهم عن عين السلطات ووجود مراكز تجمع جديدة في أماكن متفرقة تسهل لهم نشاطهم في مساحات أوسع وأبعد عن مكان توطنهم وشهرتهم الإجرامية.
الجماعات المتنقلة وشبه المستقرة:
هناك تجمعات كثيرة من غجر مصر مازالت تعيش حياة التنقل الدائم. ويتركز وجود هذه الجماعات في القرى المصرية، إذ أنها تجوب القرى بحثًا عن الرزق. وينتشر هذا النمط على وجه الخصوص في الوجه القبلي بين الجماعات الحلبية التي تنتشر في صعيد مصر، والتي تمارس الاستجداء كمهنة أساسية. غير أن هناك جماعات كثيرة تمارس التجوال أيضًا في الوجه البحري. وتنتمي الجماعات المتجولة بصفة خاصة إلى جماعة الحلب وجماعة الغجر، ومن أمثلة هذه الجماعات جماعة غجرية بالفيوم تمت مقابلتها في قرية الروبيات تضم سبع أسر يتراوح عدد أفراد كل أسرة بين سبعة وثمانية أفراد. وعلى الرغم من أن كل أسرة تحيا حياة شبه مستقلة إلا هناك نوعا من التعاون يتطلبه التنقل المشترك والظروف الواحدة التي يواجهونها، فهم يشعرون أنهم عائلة واحدة، وتحدد دائرة التجوال بالنسبة لبعض هذه الجماعات في حدود قرى مركز واحد. وهناك جماعات أخرى تتعدى حدود المركز لتتجول بين عدة مراكز داخل المحافظة الواحدة. ففي محافظة الجيزة وجدت أسر غجرية اتخذت دائرة تجوالها ابتداء من محافظة سوهاج حتى الجيزة. وهي تستجدي من القرى المختلفة وتستقر لفترة معينة في بعض القرى خاصة في فترات الحصاد أو في مناسبات الموالد. غير أن الملاحظة الميدانية لم تكشف عن أية جماعات غجرية تعيش في صعيد مصر وصلت في تجوالها إلى الوجه البحري، ولا عن جماعات تعيش في الوجه البحري وصلت في تجوالها إلى قرى الوجه القبلي.
وهناك جماعات شبه مستقرة تمارس التنقل الموسمي، ويطلق على القرى التي تمر بها هذه الأسر (قرى العبور) حيث يقضي الغجر في مداخلها ليلة أو ليلتين ثم يغادرونها إلى المكان الذي يقصدونه. وتختلف قرى العبور في هذه الحالة عن القرى التي يقضون فيها فترة طويلة بهدف العمل أو الاشتراك في الموالد فأهالي قرى العبور لا يختلطون بالغجر عادة.
خامسًا: جماعات شبه غجرية
  1. الغوازي:
تعددت الآراء في مسألة انتساب هذه القبيلة إلى الغجر. فقد ذكر كريمر أنها كثيرة العدد وأن نساءها ينتشرون في كل مدينة وقرية كبرى. وأنهن متمرسات في فنون الأغراء لدرجة أن هناك خطرًا على الناس من جمالهن، وتعني كلمة غازي (باللغة العربية) الشخص الذي يكافح من أجل الإيمان أو غازي الكفار. غير أن هذا الاسم يستخدم اليوم بمعنى مخالف، فيقول بورتون أن بعضًا ممن يعتبرون حجة في الموضوع يرون أن الغجر المصريين قد أخذوا هذا الاسم ليشبعوا رغبتهم في التعظيم والتفخيم. وأن هذا الاسم يعني باللغة الإيرانية راقصة شعبية.
و لا يتوفر لدينا وصف شامل للحياة الاجتماعية لهذه الجماعات خاصة وأن الوصف الذي قدمه لين للغوازي قد انصب أساسًا على وصف عملية الرقص مع بعض التنويهات إلى جوانب أخرى من حياتهم. كذلك فإنه لم يقم بدراستهم كجماعة غجرية. وكل ما لدينا هو بعض الإشارات المتفرقة إلى بعض الظواهر المرتبطة بهم، فقد ذكر كريمر أن أفراد هذه القبائل يعيشون حياة بدوية حيث يقيمون في الخيام ويتواجدون في الأسواق.
ويطلق الغوازي على أنفسهم اسم (البرمكية) ويقولون أنهم ينتسبون إلى عائلة برمكية التي كانت تشغل المناصب العليا لدى الخلفاء، وقام الخليفة هارون الرشيد بالقضاء عليهم. ويقال إن هذا المصطلح يرجع إلى أصل إيراني فبرمكي تعني سقا. ويقال أيضًا أن هذه الكلمة هي التي نطق بها جعفر البرمكي عندما تسبب خاتمه الممتلىء بالسم في وقوع الحجارة على ذراع الخليفة الأموي عبد الملك، فابتدأ يثرثر بالخرافة العامة والشعبية. كما يحتمل أن تكون هذه الأسرة منتمية إلى قبيلة غجرية معروفة في إيران. ويرى ابن خلكان أن الجد الأكبر كان هو رئيس أو مؤسس جماعة من الرهبان في بلخ في دير يسمى (نان بوهار) أي الربيع الصغير وتعني الدير الجديد بالسنسكريتية.
  1. المشاعلية:
يرى د. فينز أن هناك وجهًا للمقارنة بين الغجر وبين جماعة وجدت بمصر تسمى “المشاعلية”. وعلى الرغم من أن بعض الكُتاب قد ذكروا هؤلاء المشاعلية في كتاباتهم إلا أنهم لم يقدموا لنا الكثير عنهم إذ ذكروا أن هذه القبائل كانت تحترف المهن المحتقرة وكانوا يدفعون نسبة معينة للضرائب، كما كانوا يمارسون أشق الأعمال المخيفة. وعندما كان يصدر حكم المحكمة على المجرم بأن يجر في الشوارع وأن يثبت جسمه بمسامير على لوح خشبي يحمله جمل، كانت المشاعلية تمشي أمامه وهي تصيح (هذا هو العقاب العادل لمن يثور ضد إرادة السلطان). كما كان المشاعلية يحترفون مهنة المنادين العموميين. فقد كانوا مكلفين في بعض الأحوال بأن يجوبوا المدينة أثناء الليل وأن ينادوا بصوت عال على السكان لكي يخرجوا من منازلهم قبل طلوع النهار. وعند إبرام اتفاقية سلام كان عليهم أن يعلنوا ذلك في كافة أحياء المدينة.
ويرى فينز أن الأعمال التي يمارسها المشاعلية تشبه تلك التي يمارسها البوهيميون (جماعات غجرية) ولهذا فهو يعتقد أن كلا الأسمين (المشاعلية) و(البوهيمين)، إسمان يصفا نوعية واحدة من الأشخاص على مستوى إجتماعي واحد. ويرى أن العلاقة بين المشاعلية والغجر تكمن في أن كلمة مشاعلية مشتقة من (مشعل) وهو يرتبط بالنَّوَر أو النار.
  1. السماعنة أو السماعنية:
تعيش في مصر جماعة تعدادها حوالي 300 فردًا يطلق عليها هذا الاسم تتمثل في مجموعة من الأسر التي تربط بينهما روابط قرابية. وقد قرر بعض الأهالي المحيطين بهم أن هذه الجماعة تعتبر غجرًا. ويقال إنه أطلق على هذه الجماعة اسم (سماعنة) أو (سمعانية) لأنهم وفدوا من بلدة السمعانية بجهة فاقوس محافظة الشرقية حيث يوجد أكبر تجمع (للسماعنة)، ويذكر الأهالي أن أصول هذه القبيلة ترجع أصلًا إلى إحدى القبائل المهاجرة من الجزيرة العربية. وبعد أن تركزت هذه القبيلة في إحدى المناطق بمصر حاولت الدولة أن تمنحهم إحدى الأراضي في مقابل أن تحصل منهم على ضريبة مما أدى إلى هجرتهم من هذه المنطقة إلى مناطق متفرقة من مصر، كما هرب بعضهم إلى الشام. وقد زاول بعض ممن تفرقوا في مصر أنواعًا مختلفة من التجارة مثل تجارة الألومنيوم، كما عمل بعضهم في الزراعة والشتل وعمل البعض الآخر بالغناء والتسول. وقد تزوج بعضهم من بنات تلك المناطق.
  1. الرمادية:
يقول فينر: وجدت هذه القبيلة في مصر في عصر الفاطميين، وكان رجالها يمارسون نفس أعمال البوهيميين، كما كان لهم نفس مظهرهم. وقد شوهدوا في شوارع العاصمة وهم يلونون وجوههم بألوان متعددة ويقومون بكل أنواع التهريج والأحاديث الفاضحة القبيحة. وقد كانت هذه الحركات تؤدي إلى أن يصل المشاهدون إلى أقصى درجات السرور.
ويذكر أيضًا أنه لم يجد بين القبائل العربية من يحمل اسم (الرمادية) فمن ثم فالرمادية جزء من ذلك الشعب الغجري المتميز وذلك لأن أعمال التهريج التي يقومون بها هي إحدى المهن التي يمارسها البوهيمبون، ويمكن القول أن فينر في رأيه هذا والذي يحاول فيه الربط بين المشاعلية أو الرمادية وبين الغجر يماثل تلك الآراء العديدة التي تقرن بين الغجر وبين جماعات أخرى (خاصة في مجال دراسة أصول الغجر بصفة عامة)، وهو لم يقدم لنا دليًلا قويًا يمكن الاستناد إليه. فالاستناد إلى فكرة ارتباط كلمة النَّوَر وكلمة المشاعلية بالنور أو النار ليس دليلًا كافيًا، كما أن المقارنة بين المشاعلية والرمادية وبين الجماعات الغجرية التي تسمى البوهيميين لا تستند إلا إلى التشابه المهني وهذا ليس كافيًا.
سادسًا: الحرف والأعمال
يتضمن التراث المُدون عن جماعات الغجر في مصر بعض التقارير عن المهن والأعمال التي يمارسونها. فقد أشار سيتزن إلى أنهم كانوا يعملون في صناعة المناخل من شعر الخيل ومن الجلود، وعمل المسامير الحديدية الصغيرة، وأصلاح الغلايات والأباريق. ويذكر كريمر أن الغجر يعملون بالسمكرة، وتركيب الحداء للحمير، والرقص الشعبي، ويعملون حواه للثعابين. وتعمل نساءهم في السحر ورؤية الطالع، ويعملون بتجارة الخيول والحمير الصغيرة، ويذهبون للتجارة في القاهرة ويتواجدون مرتين في العام بطنطا، وفي المولد الكبير الذي يقام في العيد السنوي للشلقاني (مولد الشلقاني) في شهر مايو.
 وعلى الرغم من أنهم يكسبون مالًا وفيرًا إلا أن الأغنياء فيهم قليلون. وبينما يعمل بعض من أفراد القبيلة في التجارة يعيش البعض الآخر منها في القاهرة ويعملون في استخراج الثعابين من البيوت وهؤلاء يسمون (بالرفاعية) وهي فئة تتظاهر بأن لديها القدرة على شم الثعابين واستخراجها من الشقوق في البيوت. وطريقة الرفاعي هم أن يضرب بعصا في يده عدة ضربات على الأرض أو على الباب، ثم يعزف قطعة موسيقية على الآلة التي يحملها فتظهر الثعابين.
ويقوم كثير من الغجر أيضًا بتدريب القرود، وخاصة من يسكنون منهم منطقة الأزبكية كما يقدمون أشكالًا مختلفة من الألعاب كالمصارعة، وأعمال البهلوانات، ولهذا يأتون إلى القاهرة في أعداد كبيرة في عيد الأضحى، كذلك ذكر نيوبولد أن الغجر يمارسون أعمال السمكرة والحدادة، وبيع الأقراط والأحجبة والأساور والأدوات الحديدية والنحاسية، وخاصة الذين يسكنون منطقة (حوش الغجر) التي تقع خلف جامع الحسن الكبير أسفل القلعة بمحافظة القاهرة.
أما نساء الغجر فهم عادة ما يشاهدون في الدكاكين والموالد التي تقام بالمدن الكبرى وهن سافرات الوجه وقد زين وجوههن لون برونزي، كما أنهن يجلن من قرية إلى أخرى وهن يرددن عبارات (تعالى يالي عايز تشوف بختك)، وقد وصف ليلاند كيف تقوم المرأة الغجرية في الصعيد بالتنبؤ ورؤية الطالع. فهي تحمل بعض الأصداف في حقيبة جلدية على كتفها، وتتنبأ من خلال الطريقة التي يتجمع بها الأصداف، وتعيش هذه النساء في منطقة (حوش بردق) الذي يقع تحت القلعة في مواجهة جامع السلطان حسن. وينافس هؤلاء جماعة المغاربة المنجمون والعرافون الذين أتوا من داخل أفريقيا وخاصة من دارفور. ويمكن رؤيتهم جالسين على جانبي الطريق يحاولون التنبؤ عن طريق الكوتشينة والرمل.
سوف نتناول هنا الحرف والمهن التي تقوم بها كل جماعة غجرية على حدة، ثم نورد بعض المناقشات الضرورية.
يقوم بعض رجال الغجر بكي الحمير والجمال، ويقوم البعض الآخر – خاصة في الفيوم – باصطياد الثعابين لبيعها إلى كليات الطب وسلاح الصاعقة أو بعض الجهات الأخرى. وقد قيدت هذه المهنة في بعض البطاقات الشخصية أو العائلية التي يحملها الغجر تحت اسم (صياد حشرات). ويعتبر الغجر هذه المهنة من المهن المقبولة في المجتمع مثلها مثل أي مهنة أخرى. ويعمل البعض الآخر في استخراج الثعابين من منازل الفلاحين. فالغجري يدعي بأن قدرة على إخراج الثعابين المخبأة في شقوق حوائط المنازل عن طريق التعزيم عليها. وهناك من يرى أن هذه القدرة موروثة، إذ ذكر أحدهم بأنه ورثها عن جده السابع، وأن جده قد أخذ عليه عهدًا بألا يسلمها إلى غيره.
وهذه القدرة تتضمن القدرة على شم رائحة الثعبان إذا كان في المنزل وفي نفس الوقت استخراجه مهما كان الثعبان عاصيًا. وللغجري الذي يعمل في هذه المهنة قرى معروفة يمر بها دوريًا وتدعوه الفلاحات لتطهير المنازل من الثعابين. ومن الطبيعي أن هذه المهنة مرتبطة بالتواجد أو على الأقل ممارسة المهنة في مجتمع قروي. على أن هناك بعضًا ممن يصطادون الثعابين يقومون بتدريبهم وجمع المال ممن يشاهدونهم أثناء اللعب بالثعابين.
ويعمل بعض غجر طمية في بيع العطارة، كما أن بعضهم يتاجرون في الردة والملح. ويقوم البعض الآخر بأعمال حرفية مثل عمل البرادع وإصلاح مواقد الكيروسين (بوابير الغاز) أو الكوالين أو الغناء على الربابة في مقابل المال، والبعض من الرجال يستجدي.
وتمارس النساء أعمالًا متعددة فهن راقصات شعبيات. وتعمل الكثيرات منهن في ضرب الودع ورؤية الطالع أو العلاج الشعبي. وعلى سبيل المثال تدعى الغجرية أن سبب الصداع وجود دود في أذن المريض، وهي تعالجه بما لديها من قدرة على استخراج الدود من الأذن. كما تقوم بعض الغجريات ببيع الكحل والخيط والصابون، كما تمارس أخريات عملية الوشم وتمارس نساء الغجر أيضًا الاستجداء بصور متعددة. فمنهن من يستجدين بطريقة مباشرة ومنهن من يستجدين بطريقة غير مباشرة عن طريق الغناء على أبواب المنازل أو إرضاع أطفال غير الغجر مدعيات أن ذلك يطيل عمر الطفل.
أما الحلب الذين يوجدون في صعيد مصر فمنهم من يقومون بأعمال التجارة. فأغنياؤهم يتاجرون في الجمال والبقر والعجول، أما الأقل ثراء فيتاجرون في الأغنام والحمير، وهم متخصصون في إخفاء عيب الحمير وبيعها على أنها سليمة تمامًا، كما يمارسون تصليح الأقفال والأبواب والصناديق في القرى والأسواق، ورغم كل هذه المهن إلى أن الاستجداء هو الظاهرة الأساسية التي يشتهرون بها والتي يقوم بها الرجال  والنساء على السواء. غير أن هذه المهنة تعتبر عملًا خاصًا بالنساء بصفة أساسية. ومن المظاهر المألوفة في صعيد مصر ركوب الحلبية حمار يتدلى من على جانبية خرجان تضع فيهما الحبوب والغلال والطعام الذي تجمعه.
وهناك أسر حلبية تعتمد على استجداء المرأة كمصدر وحيد للدخل، ويلاحظ أن النساء يخرجن في الصباح للتسول بينما يظل الرجل في البيت ينتظر عودتها بالنقود والمؤن. وقد عبرت إحدى الغجريات عن اعتماد الأسرة على ما تأتي به من مؤن بقولها: (إحنا إن ما سرحناش ما ناكلش)، وينتشر بين بعض جماعات الحلب أن الرجل يفرض على المرأة حد معين من الغلال لا تعود إلا بعد أن تجمعه. ويفتخر الرجل إذا عادت الزوجة بنصف أردب من الغلال، ويعاشر أكثر زوجاته جمعًا للغلال.
ويشير التراث المتوافر عن أعمال النَّوَر أن هذه الجماعة قد اشتهرت بالسرقة بطرق متنوعة. ويحاول النور إخفاء نشاطهم الأساسي بالتظاهر بالانشغال في أي عمل تجاري أو بيع بعض الأدوات البسيطة، وقد أدى ارتباط هذا الاسم بهذه الجماعة إلى أن اكتسب هذا الاسم معنى اللصوصية والاحتيال في اللغة العربية، فلفظ (نَّوَري) يعني لص أو محتال حتى لو أطلق على أي شخص من غير الغجر.
ويعد كريمر الكاتب الوحيد الذي ذكر أن النَّوَر يعملون صياغًا حيث قال: (إن الغجر المتجولين الذين يعملون كصياغ يسمون نور) غير أن المصدر الذي استقى منه هذه المعلومة غير معروف.
وفي الدراسة السابق الإشارة إليها التي أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والتي نشرت تحت عنوان (دراسة لظاهرة الجريمة في قرية طهواي) أشار الدكتور أحمد المجدوب إلى أن الأحصاءات أبرزت ارتفاع نسبة جرائم السرقة التي أبلغت للشرطة في محافظة الدقهلية وبعض المحافظات المجاورة دون أن يتم التعرف على مرتكبيها، مما جعل رجال الشرطة بها يعترفون بأنهم أوشكوا أن يعلنوا عجزهم عن مواجهة الموقف بالغ التعقيد الناشئ عن وجود من يسمون بالغجر الذين يرتكبون جرائم السرقة حيث يتخذون من السرقة حرفة لهم، وقد أجادوا هذه الحرفة إلى حد جعل ضبطهم من الصعوبة بمكان.
وهناك بعض الملاحظات التي نود أن نبديها في مجال مهن الغجر:
  1. أن هناك تداخلًا بين المهن والحرف التي يقوم بها الغجر وتلك التي يقوم بها الحلب. وقد وضح ذلك من العرض السابق لمهن الجماعتين وقد كان ذلك عاملًا أساسيا من عوامل الخلط بين جماعة الغجر وجماعة الحلب.
  2. الظاهرة الشائعة بين الغجر هو عدم الرغبة في الارتباط بأعمال حكومية. وحتى أن هؤلاء الذين هاجروا المهن الغجرية التقليدية حاولوا الارتباط بمهن حرة معظمها لها الطابع التجاري، وربما يكون ذلك بسبب إدراكهم للفائدة المرتبطة بهذه المهن. وتبدو هذه الظاهرة واضحة حتى مع من أمضوا فترة الخدمة العسكرية وحاولت الحكومة توظيفهم، إذ رفض بعضهم الوظيفة.
  3. على الرغم من شيوع انتشار المهنة الواحدة بين أفراد الأسرة الواحدة لدى الغجر غير أنه قد وجدت نماذج للتنوع المهني داخل الأسرة الواحدة، ففي إحدى الأسر الغجرية بالفيوم كان أحد الأشخاص يحترف الغناء والضرب على الرق في حفلات الزواج بينما يعمل أخوه عربجيًا.
  4. إذا كانت ظاهرة السرقة مرتبطة بالنَّوَر بصفة خاصة إلا أن المفهوم الاجتماعي السائد، عن الغجر بصفة عامة يتضمن أن تصور الناس للغجر يرتبط بالسرقة ولو بدرجات متفاوتة. فبعض الناس يشعرن أن الحلبية يمكن أن تسرق دجاجة من حواري القرية إذ وافقتها الفرصة.
شكرا لتعليقك