تاريخ الغجر فى مصر
عندما نسمع كلمة غجر أول
ما يتبادر إلى الأذهان الصورة التقليديّة الراسخة عن تلك المجموعات الموسيقيّة
الراقصة، أو هؤلاء القوم الذي يرتحلون من بلدٍ إلى آخر بحثاً عن لقمة عيشهم في
الموالد الشعبية، لكن الاستمتاع بأشعارهم وقصصهم وموسيقاهم المميزة، لم يبدد عنهم الصورة
النمطية التي تلاحقهم: أشخاصٌ همجيون، فوضويون، خارجون عن القانون لكونهم يعيشون
على السرقة والترحال، ويكسبون قوت يومهم من السحر والشعوذة وقراءة الطالع، وغيرها
من الصور السلبية التي ساهمت في تعزيزها الدراما والسينما العربية.
من أين أتى الغجر؟ تعتبر
الكاتبة الأميركية "ايزابيل فونسيكا"
بأن وطنهم يكمن في أيّ مكانٍ في العالم: "كل مكان يمكن أن يكون وطناً
لهم".
هناك عدة روايات مرتبطة
بأصل الغجر وانتشارهم في العالم، ويرجّح البعض أن تكون هذه الجماعات قد زحفت من
الهند إلى شتّى بقاع الأرض، كما يذكر المؤرخ والباحث "جمال حيدر"
في كتابه "الغجر
ذاكرة الأسفار وسيرة العذاب"، وذلك بعدما تعرّضت مناطق الغجر في جبال هندكوش
وعلى سفح جبل بامبر، للغزو الممنهج والاضطهاد الدامي في مطلع القرن الثامن عشر.
بشكلٍ عام، ينقسم الغجر
إلى قسمين أساسيين: "الدومر" الذي يعيش معظمهم في سوريا والأردن ولبنان
وفلسطين ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب والعراق وإيران والهند وتركيا
وأفغانستان القوقاز وروسيا وجورجيا وأذربيجان وأرمينيا، و"الرومن"
الذين يتركّزون في أوروبا الشرقية، وفي حين أن ديانات الغجر في أوروبا وأميركا
وأفريقيا هي المسيحية، فإن ديانتهم في آسيا هي الهندوسية وفي المنطقة العربية
والبوسنة والهرسك هي الإسلام، بمعنى آخر فإن ديانة الغجر تختلف بحسب المجتمعات
التي استقرّوا بها.
هاجر الغجر من الهند
قاصدين مناطق متنوعة في قارات العالم الست، بعضهم فرّ إلى أوروبا ووسط آسيا،
وبعضهم الآخر قصد إفريقيا والمنطقة العربية، وتقاسموا تفاصيل الحياة مع الكثير من
الشعوب، أثروا فيها وتأثروا بها، وفي حين نجح البعض منهم في عملية الاندماج، فضّل
البعض الآخر العزلة عن المجتمع، خاصة بعد سلسلة الأحداث الأليمة التي تعرض لها الغجر
خلال السنوات الماضية، فالمجموعة التي عاشت في ألمانيا تعرّضت لانتهاكاتٍ من
النازيين على يد "هتلر"، والذي قيل أنه قتل أكثر
من 220 ألف غجري حرقاً في أفرانٍ شبيهة بمحرقة "الهولوكست".
عادات وتقاليد
يعيش الشاب الغجري
"أشرف نوري" في منزلٍ لا يشبه بيوت الغجر، كان قد أقامه على أطراف حيّ
العمرانية في الجيزة، يؤكد أن الإعلام يحاول تشويه سمعة الغجر باستمرار: "نحن
بشر عاديون ولسنا كائناتٍ فضائية هبطت على هذه الأرض، مصر فيها العديد من الأعراق
والأديان والثقافات، فيها المسلم والمسيحي واليهودي وحتى البهائي، هذه البلاد
تحترم معابد اليهود وكنائس الأقباط وجوامع المسلمين وترحب بجميع الأفكار، مصر
احتضنت الروم والفرس والمماليك والعثمانيين والانجليز والفرنسيين، لكنها رفضت
الغجر، رغم أننا مجتمع مسالم لا نريد سوى العيش بسلامٍ اجتماعي، لا نسبّب أزمات
ولا ندخل في أي صراعاتٍ ونعتبر أنفسنا ضيوفاً في هذه البلاد".
وعن حياة الغجر ومشاكلهم في مصر، يقول
"نوري" لرصيف22: "نعاني بعض المشاكل في العزلة، لكن هذا ليس
اختيارنا، وإنما واقع فرضته علينا الظروف والمجتمع الذي يضطهدنا، نتزوج من بعضنا
ونمنع الزواج من خارج الغجر لأننا مرفوضين من المجتمع، لا نشارك في الحياة
السياسية لأننا مهمّشين، أما أولادنا فيخبئون أصلهم الغجري عن زملائهم في المدرسة
خوفاً من التنمّر، ناهيك أن 98% من الغجر يعيشون في خيمٍ من القماش، يتنقلون فيها
على أطراف القرى والمدن، ولا يهتمون بالتعليم ولا بالثقافة ولا بالفن الذي يمارسه
هذا المجتمع، إذ لنا تعليمنا وثقافتنا وفننا الخاص والذي يلهث وراءه الجميع".
بالنسبة إلى مراسم الزواج عند الغجر فهي مختلفة
وغريبة ومليئة بالطرائف، فالزواج قد يتم بين شابٍ وفتاة لم يبلغا بعد الرابعة عشر
من العمر، إذ ليس هناك سنّ قانوني للزواج، بل يُفضل الغجر الزواج المبكر.
ومن شروط الزواج أن تحصل الفتاة على مهرٍ يكون
عبارة عن قطعٍ ذهبيةٍ تعادل ما تتمتع به من مواهب، مثل الغناء والرقص وفن الحكاية
وكشف الطالع والحرف اليدوية التي تجيدها، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية، وينتهي
حفل الزفاف بعد آذان الفجر، أما الزوج فلا يقترب من زوجته إلا بعد ليلة العُرس
بأربعين يوماً، حتى لا يُصاب العروسان بمكروهٍ بحسب معتقداتهم عن اللعنة.
على أطراف مركز فاقوس في محافظة الشرقية في دلتا
مصر، تواصلنا مع "نيرمين"، وهي فتاة غجرية سُميت بهذا الإسم تيمناً
بالفنانة "نيرمين الفقي"، بحيث أنها ولدت في العام نفسه من عرض مسلسل
"الليل وآخره" للفنان يحيى الفخراني، والذي جسّدت فيه الممثلة
"الفقي" دور الراقصة "حسنات" التي يشبه أسلوب حياتها الغجر
لكونها تترحّل بين الموالد والأفراح.
وبالعودة إلى الشابة "نيرمين" فقد تزوجت
العام الماضي من شابٍ غجري مثلها، وتكشف لرصيف22 عن بعض العادات الغريبة للغجر
ونمط حياتهم: "المرأة الغجرية تحترف الفنّ أو السرقة أو تجيد أعمال الحرف
اليدوية، لو احترفت السرقة تسمّى "قصاصة"، ولو أتقنت الرقص والغناء تسمى
"ربابة"، ولو أجادت الحرف اليدوية وصناعة الزخارف تسمى
"خزانة".
وتؤكد "نيرمين" أن المرأة الغجرية تلتزم
بالعادات والتقاليد التي أقرّها الغجر، فلا مجال للحديث عن الزنا والخداع والغدر،
أما السرقة فقد فرضتها طبيعة الحياة والترحال الدائم وليست مستباحة دائماً، إذ أوضحت
أن السرقة عند الغجر لها قواعد صارمة، بحيث لا يمكن للرجل أن يسرق، على اعتبار أن
هذا "العمل" من اختصاص المرأة لحين بلوغها سن الثلاثين، "ولهذا
يفضّل الغجر إنجاب البنات أكثر من الصبيان"، على حدّ قولها.
وتشير "نيرمين" إلى أن قانون السرقة
يخضع لحكم أسياد الغجر في القبيلة، فإذا سرقت المرأةُ غجريةً مثلها أو سرقت فقيراً
أو عاجزاً، أو سرقت وهي ليست بحاجة للمال، تُعاقب بمعرفة كبار القبيلة، شارحةً ذلك
بالقول: "في عُرْفِنا السرقة حلال لأن الكون كله ملك لله، وبالتالي لنا في
هذا الكون مثل ما للجميع، ونعتبر كغجر السرقة تطبيقاً لمفهوم العدالة
الاجتماعية".
وللغجر عادات اجتماعية غريبة من بينها أن يمرّ جسد
الشخص المتوفى على حيوانٍ تم ذبحه لإطعام الأهالي، وبعدها يُدفن الميّت في رمال
الصحراء، وفي الزواج يتعيّن على العريس أن يحلق شعره قبل التقدم لعروسته، هذا ولا
يمكن رفض أي عريس تقدم لفتاة ما دام غجرياً، أما في النزاعات وعند الاحتكام لكبار
القبيلة فإن الفائز يكون الطرف الأكثر ثراءً وليس صاحب الحق.
أماكن تركزهم
انتشر
الغجر في قرى مصر وصحاريها، وتتركز أعداد ملحوظة منهم في حي غبريال بالإسكندرية،
وقرى طهواي بالدقهلية وكفر الغجر بالشرقية وحوش الغجر بسور مجرى العيون بمصر القديمة وقرية سنباط والمقطم وأبو النمرس ومنشية ناصر.[2]
يستوطن
محافظة الدقهلية أكثر من 4 آلاف غجرى، حيث يسكن قرية طهواي التابعة لمركز السنبلاوين نحو ألفي غجري، ويسكن نحو 1500 قرية العصيا بطلخا، إضافة إلى 500 غجري متفرقين في المنصورة والجمالية وميت سلسيل يعرفون بالغجر الرحالة.
طهواجية: ويطلق هذا الاسم
على جماعات نور إحدى المناطق وذلك نسبة إلى طهواج التي يعتقد أنها الوطن الأصلي
للأسر التي تسكن هذه المنطقة والتي تضم جمعًا غجريًا كبيرًا. وبنفس الطريقة نجد أن
غجر طهواج يطلق عليهم أحيانًا (الهنجرانية) نظرًا لأنه يعتقد أنهم وفدوا أساسًا من
المجر، وقد ذكر أحد الإخباريين أن الأسر النَّوَرية الموجودة في كل من محافظتي
القاهرة والجيزة تعرف أحيانًا بهذا الاسم.
توزيع التجمعات
الغجرية في مصر اليوم:
يعيش
الغجر في مصر اليوم في شكل تجمعات حيث يضم كل تجمع عددًا من الأسر. وهناك بعض
الأسر الغجرية التي تعيش حياة مستقلة، وتتباين أعداد الغجر في كل تجمع تبايًنًا
شديدًا، فهناك التجمعات الكبيرة التي تضم مئات الأسر، وهناك التجمعات المتوسطة تضم
عشرات الأسر، وهناك تجمعات صغيرة تتراوح فيها الأسر بين أسرتين وعشرات الأسر. ففي
إحدى القرى يعيش ما يزيد عن 500 نوَّرَي في شكل تجمع يضم عدد كبير من الأسر. ويسكن
نوَّرَ هذه القرية في منطقة يفصل بينهما وبين بقية المنطقة السكنية شارع رئيسي،
وتسمى المنطقة التي تضم تجمع غجري (عزبة الغجر). كما يقطن شبين القناطر ما يقرب من
خمسين أسرة غجرية، بخلاف الغجر القاطنين بالقرى التابعة، وهم يقطنون منطقة وسط
المدينة وتسمى “النعناعية”. أما مركز طَمِّية بالفيوم فيضم عددًا صغيًرا من الأسر
يتراوح بين سبع وثماني أسر تربط بينهم روابط قرابية ويعيشون في شارع واحد. وبالمثل
فإن التجمعات الموجودة في المحلة الكبرى وبياهمو وسنورس بالفيوم وقرية بني غني
بالمنيا تضم كلها تجمعات تقترب من العشرة أسر. وهناك قرى كثيرة تضم أسرة أو أسرتين
على الأكثر مثل قرية “طمبضي”و “آبة الوقف” بمغاغة، وعزبة الأهالي بالقناطر الخيرية
ومنطقة جامع المرادني بالفيوم.
وقد أكدت دراسة د/
أحمد المجدوب عن مجتمع (النَّوَر) في طهواي (طهواج) على انتشار ظاهرة الحراك بين
الجماعات النورية. فقد هاجرت من البلد منذ فترة طويلة بعض الأسر مكونه أماكن بكل
من:
– قرية الراهبين – مركز سمنود، وبوريج – مركز قطور، شفاقرون – مركز
بسيون – محافظة الغربية.
– مدينة كفر الدوار – محافظة البحيرة.
– حي دمنه وغربال بمدينة الإسكندرية.
وذلك
بقصد إقامة أوكار جديدة لإخفاء متحصلات جرائمهم أو اختفاء المطلوبين منهم عن عين
السلطات ووجود مراكز تجمع جديدة في أماكن متفرقة تسهل لهم نشاطهم في مساحات أوسع
وأبعد عن مكان توطنهم وشهرتهم الإجرامية. ويشير
التراث المتوافر عن أعمال النَّوَر أن هذه الجماعة قد اشتهرت بالسرقة بطرق متنوعة.
ويحاول النور إخفاء نشاطهم الأساسي بالتظاهر بالانشغال في أي عمل تجاري أو بيع بعض
الأدوات البسيطة، وقد أدى ارتباط هذا الاسم بهذه الجماعة إلى أن اكتسب هذا الاسم
معنى اللصوصية والاحتيال في اللغة العربية، فلفظ (نَّوَري) يعني لص أو محتال حتى
لو أطلق على أي شخص من غير الغجر.
وفي الدراسة
السابق الإشارة إليها التي أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية
والتي نشرت تحت عنوان (دراسة لظاهرة الجريمة في قرية طهواي) أشار الدكتور أحمد
المجدوب إلى أن الأحصاءات أبرزت ارتفاع نسبة جرائم السرقة التي أبلغت للشرطة في
محافظة الدقهلية وبعض المحافظات المجاورة دون أن يتم التعرف على مرتكبيها، مما جعل
رجال الشرطة بها يعترفون بأنهم أوشكوا أن يعلنوا عجزهم عن مواجهة الموقف بالغ
التعقيد الناشئ عن وجود من يسمون بالغجر الذين يرتكبون جرائم السرقة حيث يتخذون من
السرقة حرفة لهم، وقد أجادوا هذه الحرفة إلى حد جعل ضبطهم من الصعوبة بمكان.
وهناك بعض الملاحظات التي نود أن نبديها
في مجال مهن الغجر:
1.
أن هناك تداخلًا بين المهن والحرف التي يقوم بها الغجر
وتلك التي يقوم بها الحلب. وقد وضح ذلك من العرض السابق لمهن الجماعتين وقد كان
ذلك عاملًا أساسيا من عوامل الخلط بين جماعة الغجر وجماعة الحلب.
2.
الظاهرة الشائعة بين الغجر هو عدم الرغبة في الارتباط
بأعمال حكومية. وحتى أن هؤلاء الذين هاجروا المهن الغجرية التقليدية حاولوا
الارتباط بمهن حرة معظمها لها الطابع التجاري، وربما يكون ذلك بسبب إدراكهم
للفائدة المرتبطة بهذه المهن. وتبدو هذه الظاهرة واضحة حتى مع من أمضوا فترة
الخدمة العسكرية وحاولت الحكومة توظيفهم، إذ رفض بعضهم الوظيفة.
3.
على الرغم من شيوع انتشار المهنة الواحدة بين أفراد
الأسرة الواحدة لدى الغجر غير أنه قد وجدت نماذج للتنوع المهني داخل الأسرة
الواحدة، ففي إحدى الأسر الغجرية بالفيوم كان أحد الأشخاص يحترف الغناء والضرب على
الرق في حفلات الزواج بينما يعمل أخوه عربجيًا.
4.
إذا كانت ظاهرة السرقة مرتبطة بالنَّوَر بصفة خاصة إلا
أن المفهوم الاجتماعي السائد، عن الغجر بصفة عامة يتضمن أن تصور الناس للغجر يرتبط
بالسرقة ولو بدرجات متفاوتة. فبعض الناس يشعرن أن الحلبية يمكن أن تسرق دجاجة من
حواري القرية إذ وافقتها الفرصة.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء