pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


تاريخ السرقة فى مصر

تاريخ السرقة فى مصر


مــقــدمــة:
السرقة هى جريمة تحرمها الأديان و تستحقرها الأمم فى كل زمان و مكان . فنجد أن الله يقول لموسى فى الوصايا العشر فى التوراة (لا تسرق) [سفر الخروج 20 : 15] .
كما نجد فى إنجيل متى أن شاب قد أتى إلى المسيح ليسأله عن العمل الصالح الذى يجعله يحصل على الحياة الأبدية (أى الجنة) فنجد أن المسيح ينصحه بأن يعمل بالوصايا فلما يسأله الشاب عن الوصايا , يرد المسيح قائلاً (لا تقتل , لا تزن , لا تسرق , لا تشهد بالزور , أكرم أباك و أمك , و أحب قريبك كنفسك) [إنجيل متى 9 , 18 : 19]
أما فى القرآن الكريم فنجد أن الله سبحانه و تعالى يقول : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ) [المائدة: 38]
فليس هناك دين يحض على السرقة أو يبيحها فالسرقة محرمة فى كل الأديان .
و فى الأدب المصرى القديم نجد قصى الفلاح الفصيح "خون إنبو" الذى تقدم بشكوى إلى المدير العظيم للبيت "رنزى" يشتكى فيها من "تخوت نخت" الذى سرق منه حماره و بضاعته . و أخذ الفلاح يعرض شكواه الأولى بفصاحة بالغة , فأعجب المدير العظيم من هذه الفصاحة لهذا الفلاح البسيط , و قام الكاتب بكتابة هذه الشكوى فأخذها المدير العظيم للبيت إلى الفرعون , فأمره الفرعون أن يؤجل الحكم فى القضية , لا لكى لا يرد للفلاح حقه , و لكن حتى يحصلون من هذا الفلاح على عدد كبير من تلك الشكاوى ذات الفصاحة الأدبية , و بعد الشكوى التاسعة أمر المدير العظيم للبيت بإحضار هذا الفلاح , و كذلك أمر بإحضار "تخوت نخت" و أمر بإحصاء كل ممتلكات "تخوت نخت" , و قام المدير العظيم للبيت بإعطائها للفلاح .و بذلك يكون قد أعطى الفلاح ما سرق منه و كافأه على فصاحته بأن أعطاه كل ممتلكات سارقه "تخوت نخت" , و هنا نجد أن المدير العظيم للبيت قد عاقب السارق "تخوت نخت" بأن أخذ كل ممتلكاته بما فيها بيته و قام بإعطائها للفلاح المسروق .
إن السرقة هو التعدى على ملكية الأفراد , و هو ما يستوجب العقاب المناسب الذى يمنع السرقة و يقلل منها .

البحث:
قبل أن نتعرض للسرقة لابد نعرض لبعض النقاط الهامة عن أنواع الملكية و ما إلى ذلك .
تنقسم الملكية إلى نوعين :

ملكية فردية :
و هى التى يكون المالك فيها فرداً معيناً بذاته أو أفراداً معينون بذاتهم .

ملكية جماعية :
و هى التى لا يكون المالك فيها فرداً معيناً بذاته أو أفراداً معينون بذاتهم , و إنما يكون شخصاً معنوياً كالقبيلة و النقابة و الجمعية و الدولة و الحكومة .. و ما إلى ذلك .

السارق :
هو الشخص الذى يسرق ملكية شخص آخر خفية و بسهولة ، وبدون إستعمال القوة أو العنف . كسرقة تليفون محمول موضوع على مقعد فى جامعة أو مدرسة , أو سرقة بضاعة صغيرة الحجم يمكن إخفائها فى الملابس أثناء التجول فى محل أو سوبر ماركت .

أما النشال :
فهو الشخص الذى من يهاجم ويسرق المال من شخص آخر فى مكان عام معتمداً على خفة يده و سرعة الإبتعاد عن المكان الذى قام فيه بالنشل , و ذلك كنشل محفظة نقود من شخص فى موقف أو أتوبيس , أو سرقة حقيبة أو سلسلة ذهبية من رقبة إمرأة و الجرى بها بعيداً .
و يختلف عن السارق بالجرأة فى السرقة ، ومن ثم فقد سمي باسم خاص . فلفظ السارق يختلف بعض الشئ عن النشال ، والوسيلة لإزالة هذا الإختلاف هي البحث والاجتهاد، فإن رأي القاضي أن اللفظ يتناولهما ولو بمفهوم الدلالة يتم تطبيق حكم السرقة ، وإن رأى أن اللفظ لا يتناولهما بأي طريق من طرق الدلالة لم يطبق عليهما حكم السرقة. والذي يحدث في هاتين الحالتين بالذات أن المجتهدين أجمعوا على اعتبار النشال سارقاً .
والسرقة اعتداء على نظام الملكية الفردية، ولو لم يعاقب عليها لكان لكل إنسان أن يستولى على طعام غيره وشرابه وكسائه ومسكنه ، وكانت الغلبة آخر الأمر للأقوياء ، وكان الجوع والعري والحرمان للضعفاء ، فإباحة السرقة معناها الاستغناء عن نظام الملكية الفردية، وعجز الأفراد عن الحصول على ضروريات الحياة، وسقوط الجماعة بعد سقوط أهم الدعامات التي قامت عليها.

تاريخ النشل و السرقة :
فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر إزداد النشل فى مصر , مع تزايد حركة السياحة , بل إن مصر إشتهرت بذلك عند السائحين , و حتى منتصف القرن العشرين كانت توجد على شاطئ النيل بالقاهرة إعلاناً كتب عليه فيه ما مضمونه "إحترس من النشالين" و بصفة خاصة أمام المراكب التى تؤجر للسياحة .
و إشتهرت القاهرة مثلاً قبل الحرب العالمية الأولى بنوع من النشل يقوم به نشالو أمريكا فى أوروبا , حيث يتوجهون إلى أماكن حفلات الرقص مثلاً مرتدين ملابس السهرة الفاخرة و يحلون بخواتم و ساعات ذهبية و يمارسون عملهم ! و هكذا لعبت المدينة دورها و إستوحى اللصوص المصريين من الأفلام الأوروبية و الأمريكية التى كانوا يشاهدونها الكثير من الوسائل الماهرة مثل إستخدام الأقنعة و تزييف النقود .
و فى أوائل أربعينيات القرن العشرين ضبطت أجهزة الأمن عدة مدارس لتعليم الإجرام , ومن بين مضبوطات تلك المدارس مانيكان من الخشب المكسو بالقماش تعلق عليه جاكته خيطت بها من الداخل أجراس صغيرة , و يتدرب الطالب على نشل حافظة من الجاكتة دون أن يدق أحد الأجراس , و من بين الدروس التى يتعلمها الطالب أيضاً إستخدام الموس لقطع ورقة على سطح الماء فى حوض دون أن يبتل وجهها .
كذلك إستخدمت المدينة جرائم خاصة مثل الإحتيال عن طريق لعبة الثلاث ورقات و النشل من الترام و الأتوبيس و القطار , و النشل الذى تكون وسيلته الأساسية حسن المظهر .
و قد إشترك اللصوص المصريين مع اللصوص الأجانب فى عمليات مشتركة مثلما حدث يوم 18 مايو 1944 حوالى الساعة التاسعة , حينما دخل ثلاثة أشخاص يرتدون الملابس الأوروبية فرع البنك الأهلى بمصر الجديدة و هم يصوبون مسدساتهم لموظفى البنك و سرقوا 6810 جنيهات من أحد الأدراج و لاذوا بالفرار فى سيارة , و عندما توصلت أجهزة الأمن للصوص تبين أنهم : الجندى سعيد أبو طالب الهارب من الجيش المصرى , و الجندى جورج كاتسوس الهارب من الجيش اليونانى و الجندى بطرس ميشيل الهارب من الجيش اليونانى .
إن النشل لم يكن يزيد فى مصر أولاً عن سرقة حقائب السيدات أو شق جيوب الرجال فى الزحام . إلا أنه قد جاءت إلى مصر أساليب حديثة فى النشل مع الجيوش التى إزدحمت بها القاهرة فى زمن الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) , أما سر بقاء النشل و إنتشاره فى مصر بعد إنتهاء الحرب فيرجع إلى إلى أسباب إقتصادية أولها فشل نظام الأسرة و تفاقم مشكلة البطالة للكبار و التشرد للأحداث , فلم يحدث أن أصبح شخص نشالاً بالفطرة أو نشالاً مريضاً نفسياً بالنشل , أو يدفعه أى دافع غير الفقر لإرتكاب جريمة النشل .
و حقيقة الأمر لم تكن مصر أسوأ حالاً من بلاد أوروبية أخرى إحترف بعض أفرادها طرق للنصب و الإحتيال و النشل و مارسوا أعمالاً ما أطلق عليه بالمافيا , و لكن الشئ الذى يميز النشالين فى مصر : خفة الدم و المهارة الممتازة فى النشل حتى ليستطيع مهرة النشالين أن ينشلوا من غير أن يحس المنشول , بل قد ينشلون ضباط المباحث , فإذا لم يستطيعوا أخذ الشئ شقوا الجيوب أو فتحوا حقائب يد السيدات و أخذوا ما فيها , كما أن لهم حيل و ألاعيب , خصوصاً على من أحسوا بأنه فلاح مغفل أو غريب عن المكان , و بعضهم يستخدمون الأطفال و يعلمونهم طرق النشل , و كثيراً ما يكون لهم رئيس و هو شيخ المنصر الذى يسلمونه ما ينشلونه , فيعطيهم القليل و يأخذ منهم الكثير .
لقد أدخل النشالون أساليب النشل الحديثة المتبعة فى أمريكا و أوروبا , و أصبح من السهل أن تفقد حافظتك أو ساعتك دون أن تشعر بشئ .
و الشئ المثير للدهشة هو تخصص قرى بأكملها فى أنواع معينة من السرقة مثل قرية طهواى التى تبعد 16 كيلو متراً من مدينة السنبلاوين و يقطنها النساء الغجر الذين تخصصوا فى سرقة الماشية . و يتميزون برفضهم لمصاهرة الفلاحين و تعلوا قيمة الفتاة عندهم بقدرتها على السرقة و التفوق فيها , و عادة ما يكون هذا التفوق هو جواز مرورها السريع للزواج , و لا يعمل رجال طهواى فى السرقة , فهذا عمل النساء على وجه الحصر , إنهن يعملن فى السرقة فقط , و بالتحديد السرقة بالحيلة و ليس بالهجوم على الضحية أو السرقة بالإكراه , لذلك فإن القرية بكاملها مسالمة و لا تستخدم العنف مطلقاً !!
فى مطلع القرن العشرين صدر فى مصر القانون رقم 2 لسنة 1908 الخاص بتشرد الأحداث (الأطفال) و اعتبر أن جرائم تشرد الأحداث أولاً و السرقة ثانياً , و اعتبر جرائم النشل و السرقة هما فى الواقع أحد نتاج حالة التشرد و التى تكاد تكون محصورة فى العواصم و المدن الكبرى دون الريف , فقد إستغلت فئة من كبار اللصوص المحترفين أولئك الصغار الضالين فكونت منهم عصابات منظمة للنشل و السرقة تحت ستار التظاهر بالحاجة أو بيع أوراق اليانصيب مثلاً , بل بلغ الأمر بالبعض منهم أن أنشأ لهذا الغرض مدارس فى الخفاء حيث يجمعون الصغار بطريق خطفهم و إرهابهم و إغرائهم بالنقود أو أنواع الحلوى و يدربونهم على إستعمال المشارط لشق الجيوب و تسلق عربات الترام و غيرها , و الإندساس بين الجماهير فى الزحام و خطف الحقائب و سرقة الدراجات و غير ذلك , و قد بلغ بهم الأمر من المهارة فى هذه الأساليب حداً يثير الدهشة و العجب.
و قد بلغ عدد قضايا النشل عام 1951 فى القاهرة 945 قضية تم الحكم فيها بالسجن على 334 نشالاً .
و هذه الأرقام تتواضع كثيراً أمام أرقام عام 1944 مثلاً – خلال الحرب – فقد بلغت قضايا النشل التى حكم فيها بالسجن فى ذلك العام 1179 قضية و كان عدد النشالين 1270 نشالاً بينهم 429 نشالة .

طرق النشل :
ليس الهدف من ذكر هذه الطرق هو تعليم السرقة , و لكن للتنبيه إلى وجود هذه الطرق حتى لا يقع فيها أحد , و ذلك بالرغم من أن معظمها طرق قديمة كان يتم إتباعها فى الأربعينيات و الخمسينيات , إلا أن بعض هذه الطرق ما زال العمل بها جارياً حتى الآن .

طريقة النشل الإنجليزى :
و من أطرف طرق النشل الإنجليزى أن يصادفك شخص ما ثم يسلم عليك بإشتياق و يشد على يديك فإذا ما وجدك سهلاً أخذك بالأحضان و فى لمح البصر يكون قد إستولى على نقودك , حيث يكون قد راقبك قبل ذلك ليعرف أين تحتفظ بنقودك .

طريقة النشل الأمريكية :
أما طريقة النشل الأمريكية فهى أكثر الطرق إتباعاً فى مصر , و هى تتلخص فى أن يجذبك شخص فى الطريق إلى التحدث معه ثم يستوقفكما ثالث و يسألكما هل رأيتما ظرفاً به نقود ؟! و طبعاً يسبقك الصديق الدخيل و ينفى ذلك ثم يطلب منكما هذا الشخص أن يقوم بتفتيشكما , و مرة أخرى يسبقك هذا الدخيل ليوافق و ليعرض عليك أنت شخصياً أن تقوم بتفتيشه أمام الرجل المتسائل , و فى خلال تفتيشه تعثر فى جيبه على كمية كبيرة من النقود فتطمئن لشخصه ثم يقوم هو بتفتيشك فيسرق ما معك من نقود .

طريقة النشل الفرنسية :
و هى تعتمد على مغازلة إحدى الفتيات لك و ما إن تذهب إليها حتى تقوم بسرقة نقودك , بينما أنت منشغلاً بمغازتها لك .

طرق أخرى للنشل :
فى إحدى هذه الطرق تجد من يلوث ملابسك بمادة قذرة و أنت سائر فى الطريق دون أن تشعر بذلك , ثم يلفت نظرك إليها و يتطوع و من معه بإزالة هذه القذارة التى على ملابسك , فينصرف إهتمامك إلى تنظيف ملابسك بينما إحدى أيديهم تسرق مالك دون أن تدرى .
و فى طريقة أخرى تجد من يلقاك فى زحام عند صعودك أو نزولك من الأتوبيس أو القطار و يرفع إحدى يديه أمام وجهك حتى يلفت نظرك إليها , بينما يده الأخرى تمتد لتسرق حافظة نقودك .
و فى طريقة أخرى قد تجد غلامان يتظاهران بالتشاجر أمامك , و إذ برجل تظنه بأنه أباهما قد جاء و أخذ فى ضربهما بقسوة , فتتقدم لتبعده عنهما و تنصحه بعدم ضربهم بهذه القسوة بينما يستغيث الغلامان بك و يتعلقان بثيابك , فإذا ما إنتهت هذه المشاجرة و مشيت تجد أن حافظة نقودك أو ساعتك لا أثر لهما . فتبحث عن الرجل و الغلامان فلا تجد لهم أثراً .

من آداب النشل :
من آداب النشل التى يحرص عليها بعض النشالين المعاصرين , أن يرد النشال إلى ضحيته ما لا حاجه له به من أوراق و مستندات تخص صاحبها وحده , كالبطاقة الشخصية و أوراق الإشتراكات و المستندات الخاصة و الأوراق العائلية و ما إلى ذلك .
و النشال الذى يشق الجيوب يحرص على ألا يتعدى السلاح إلى جسم المنشول فيجرحه .

الضوابط التى يتبعها النشالين :
أولاً : دقة تنظيم عملية النشل من بداية إختيار الزبون و تضييق الخناق عليه و بدء عملية النشل و أثناء ذلك يتم معرفة الزبون أهو معدم فقير أم غنى ثرى .
ثانياً : مراعاة توقيت عملية النشل و التى تعتمد أساساً فى أغلب الأحوال على الزحام .
ثالثاً : يخضع النشالون لتنظيم خاص بهم , ويكون على رأس هذا التنظيم رئيس أو شيخ منصر يأتمرون بأمره و يعطونه ما نشلوه خاصة الذهب , و يدفع لهم مالاً قليلاً فى المقابل , ذلك أن النشال لا يستطيع عرض الذهب للبيع فى السوق خوفاً من إفتضاح أمره , كما أن هناك من يقوم بتخطيط عملية النشل و هناك من يقوم بالمراقبة للتنبيه عند مجئ الشرطة , كما أن هناك من يشاغل الشرطة و الناس بعيداً عن السرقة .
رابعاً : هناك درجة من التخصص فى السرقة و نشل أشياء معينة لإعتياده على طرق الوصول إليها , كما أن هناك فارق فى الأداء بين النشال الماهر و بين النشال غير الماهر أو المبتدئ .

عقوبة السرقة :
أولاً : عقوبة السرقة فى الشريعة :
عقوبة القطع :
تعاقب الشريعة على السرقة بالقطع لقوله تعالى: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ) [المائدة: 38]. فهذا النص يحرم السرقة ويحدد عقوبتها.
ومن المتفق عليه بين الفقهاء أن لفظ أيديهما يدخل تحته اليد والرجل , فإذا سرق السارق أول مرة قطعت يده اليمنى , فإذا عاد للسرقة ثانية قطعت رجله اليسرى , وتقطع اليد من مفصل الكف, وتقطع الرجل من مفصل الكعب ، وكان علي رضي الله عنه يقطعها من نصف القدم من معقد الشراك ليدع للسارق عقباً يمشي عليه .
و لم يتشدد الرسول عليه الصلاة و السلام فى تنفيذ حد مثلما تشدد فى تنفيذ حد السرقة . فقد جاءه فى إحدى المرات أسامة بن زيد , و كان من أحب الناس إليه , يشفع فى فاطمة بنت الأسود المخزومية , و كان قد وجب عليها حد السرقة لسرقتها قطيفاً و حلياً , فأنكر الرسول صلى الله عليه وسلم شفاعة أسامة على حبه له , و إنتهره قائلاً : "أتشفع فى حد من حدود الله ؟" ثم قام فخطب الناس فقال : "إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه , و إذا سرق الوضيع أقاموا عليه الحد . و إيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".
صحيح أن عقوبة القطع لا توقع إلا بشروط كثيرة , يتعلق بعضها بمادة الشئ المسروق , و بعضها بقيمته , و بعضها بالمكان الذى سرق منه , و بعضها بالسارق نفسه , و بعضها بالمالك , و بعضها بعلاقة أحدهما بالآخر و قرابته منه , و بعضها بالشهود . و صحيح أن هذه الشروط لا تتوافر فى كثير من الحالات , و صحيح أنه لا توقع عقوبة القطع إلا حيث تنتفى جميع الشبهات , فإن قامت شبهة ما , مهما كانت تافهة , لا يصح توقيع هذه العقوبة , لقوله عليه الصلاة و السلام : "إذرؤا الحدود بالشبهات" , حت أن السارق إذا إدعى أن العين المسروقة ملكه إعتبر هذا الإدعاء فى نظر بعض المذاهب الإسلامية , شبهة تسقط عنه القطع , و إن لم يقم أية بينة على صحة إدعاؤه.
و لكن سقوط عقوبة القطع لعدم توافر الشرط أو لقيام شبهة ما , فإن ذلك لا يعفى السارق من العقوبة , فالشريعة الإسلامية تقرر عقوبة التعزيز , فى كل حالة يسقط فيها الحد متى ثبتت الجريمة بأى طريق آخر من الطرق العادية لإثبات الجرائم , و التعزيز عقوبة يقدرها القاضى أو يقدرها القانون الوضعى فى صورة تتفاوت شدتها حسب درجات الجريمة و و درجة خطورتها و إختلاف المجرمين أنفسهم و ما يكفى لردعم , و يكون بالحبس و الجلد و التأنيب . و ما إلى ذلك.
فالشريعة الإسلامية بتقديرها عقوبة القطع دفعت العوامل النفسية التي تدعو لارتكاب الجريمة بعوامل نفسية مضادة تصرف عن جريمة السرقة , فإذا تغلبت العوامل النفسية الداعية للسرقة على الإنسان وارتكب الجريمة مرة كان في العقوبة والمرارة التي تصيبه منها ما يغلب العوامل النفسية الصارمة فلا يعود للجريمة مرة ثانية.

عقوبة التعويض :
أنقل هذا الحديث من مسند الإمام الشافعى من الباب الخاص بحد السرقة و الذى يقول فيه : أخبرنا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أبيهِ، عن يَحيَ ابن عبد الرَّحمن بن حَاطب : أنَّ أرِقَاءَ لِحَاطب سَرقُوا ناقَةً لِرَجُل مِنْ مُزَيْنَةَ فانْتَحَرُوهَا فَرُفِعَ ذلِكَ إِلى عُمرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ فأَمَرَ كَثِيرَ ابنَ الصَّلْتِ أَنْ يَقْطَعَ أيدِيَهُمْ ثُمَّ قَالَ عُمرُ: أن أراك تجيعهم واللَّه لأغرمنك غرماً يشق عليك ثم قال لِلْمُزَنّي: كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِكَ؟ قَالَ: أربَعُمائة دِرهم قَالَ عُمرُ: أعْطِه ثمانمائة درهم.
وفى هذه الرواية نجد أن الخليفة عمر بن الخطاب قد أمر بالتعويض بدلاً من القطع , و هو هنا قد قام بالتغريم بتعويض أكبر من ثمن الناقة التى سرقها أرقاء حاطب . فكأنه أراد من ذلك أن يجعلهم يدفعون ثمن الناقة التى سرقوها و فوقها مبلغ من المال عقوبة لهم على السرقة .

ثانياً : عقوبة السرقة في القانون :
تجعل القوانين الحبس عقوبة للسرقة . و هى عقوبة قد تجعل السارق يتوب عن السرقة بعد ذلك , و قد لا تجعله يتوب عنها .

و الرأى الأفضل لعقوبة السرقة أن يتم جعل عقوبة السرقة هى الحبس للمرة الأولى فقط فإن عاد السارق إلى السرقة تم عقابه بعقوبة القطع التى نصت عليها الشريعة . أو الآخذ بما أخذ به الخليفة عمر بن الخطاب و هو رد ثمن الشئ المسروق مع زيادة فى المال كعقوبة على الإتيان بفعل السرقة.

التعزير للمصلحة العامة
يشترط في التعزير للمصلحة العامة أن ينسب إلى الجاني أحد أمرين:
(1) أنه أرتكب فعلاً يمس المصلحة العامة أو النظام العام.
(2) أنه أصبح في حالة تؤذي المصلحة العامة أو النظام العام.
فإذا عرضت على القضاء قضية نسب فيها للمتهم أنه أتى فعلاً يمس أو يؤذى المصلحة العامة أو النظام العام، وثبت لدى المحكمة صحة ما نسب إلى المتهم لم يكن للقاضي أن يبرئه، وإنما عليه أن يعاقب على ما نسب إليه بالعقوبة التي يراها ملائمة من بين العقوبات المقررة للتعزير، ولو كان ما نسب إلى الجاني غير محرم في الأصل ولا عقاب عليه لذاته.
ويستدل الفقهاء على مشروعية التعزير للمصلحة العامة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس رجلاً اتهم بسرقة بعير، ولما ظهر فيما بعد أنه لم يسرقه أخلى الرسول سبيله ، ووجه الاستدلال أن الحبس عقوبة تعزيرية ، وهذا العقاب الذي فرضه الرسول بعمله تبرره المصلحة العامة و الحرص على النظام العام؛ لأن ترك المتهم مطلق السراح قبل التحقيق فيما نسب إليه قد يؤدي إلى هربه ، فأساس العقاب هو حماية المصلحة العامة وصيانة النظام العام.

شكرا لتعليقك