حرب داحس والغبراء
لقد كثر النزاع بين القبائل العربية في الجاهلية بسبب الخلاف
على السيادة أو التسابق على موارد الماء ومنابت الكلأ.. فوقعت بينهم الحروب الكثيرة
حيث أريقت فيها الدماء دون سبب منطقي. لذا فقد أطلق العرب على تلك الحروب والمناوشات
اسم (أيام العرب).. وأيام العرب كثيرة اغلبها صدامات ومناوشات قليلة الأهمية لا تشترك
فيها القبائل. هذا وتمدنا أخبار هذه الأيام التي دونت اغلبها في الشعر الجاهلي والنثر
الرصين بمعلومات قيمة عن أحوال العرب قبل الإسلام.. وتمكننا كذلك من الوقوف على روح
الفروسية التي سيطرت على المحاربين العرب القدامى عبر أشعار مثل عنتر بن شداد العبسي
وعروة بن الورد وزهير بن أبي سلمة والنابغة الذبياني وغيرهم
داحس والغبراء :هي حرب من حروب الجاهلية وقعت في اليمامة
بين عامي (583 – 587 ميلادية) كانت بين قبيلتي بين عبس وذبيان. عبس وذيبان عبس هو اسم
لعدة قبائل عربية شمالية فرع من غطفان من قبائل قيس عيلان بن مضر، وكانت مواطنها في
وادي الرمة في نجد، وكان في جوارها بنو أسل شرقا وبنو كلاب غربا، وقد نشبت في منتصف
القرن السادس الميلادى حروب الجأت قبيلة أو
قبائل عبس إلى الرحيل. ومن مشاهيرهم قيس بن زهير، والربيع بن زياد، وعنترة أبو الفوارس،
وعروة بن الورد. أما قبيلة ذيبان فهي من غطفان من العدنانية، فقد ارتدوا مع عبس وأسد
وطئ بعد إسلامهم!! لكن المسلمين انتصروا عليهم بقيادة أبو بكر الصديق في حروب الردة
المعروفة.
و داحس والغبراء: هما اسما فرسين و قد كان " داحس"
حصانا لـ قيس ابن زهير ، و " الغبراء" فرسا لـ حمل ابن بدر .
وقبيلتا عبس وذيبان في الأساس هما أولاد عمومة.. والقصة من
بدايتها هو أن قيس العبسي من بني عبس وحمل الذيباني من بني ذيبان قد تجادلا حول أي
الخيلين أسرع وأقوى: الحصان (داحس) أم الفرس (الغبراء) فاتفقا على إجراء سباق ورهان
على ذلك.. وأي الخيلين يسبق يفوز صاحبه بـ(100مائة ) بعير.. فقاما بالتحضير لذلك ووضعا
شروط ومكان ومسافة السباق المنتظر.. وكانت المسافة التي تستغرق هذا السباق هي لعدة
أيام تقطع خلالها الفرس والحصان شعاب صحراوية كثيرة وغابات..الخ وقبل السباق كان الغش
والغدر من حمل بن بدر الذبياني صاحب الغبراء إذ انه أوعز لأفراد من قبيلته واتباعه
المخلصين ان يذهبوا بعيدا ويختبئوا في تلك الشعاب قائلا لهم: اذا وجدتم (داحس) متقدما
على (الغبراء) في السباق فردوا وجهه وأخروه وخوفوه كي تسبقه الغبراء.. فلما فعلوا ذلك
أي نصبوا لداحس وفارسها كمينا مرعبا سقط داحس وفارسه أرضا وتأخر فترة عن السباق.. فازت
الغبراء في السباق وصلت نهاية السباق قبل داحس.
وحينما انكشف الأمر بعد ذلك وعُرفت الخديعة التي تعرض لها
داحس وصاحبه قيس العبسي اشتعلت نار الفتنة بين قبيلتي عبس وذبيان فتطاول (حذيفة الذبياني)
على (قيس العبسي) فهجم قيس العبسي على حذيفة فأرداه قتيلا.. فثارت قبيلة ذبيان على
قبيلة عبس وقتلوا منهم (مالك العبسي) وهو شقيق (قيس العبسي).. وهكذا امتدت نار الفتنة
وبدأت الحرب بينهما تلك الحرب التي عرفت باسم (حرب داحس والغبراء).
ودامت هذه الحرب من أيام وحروب العرب مدة 40 سنة حيث أظهرت
القدرات القتالية والشعرية لكل من فرسان وشعراء القبيلتين: استمرت حرب داحس والغبراء
لنحو أربعين سنة ، وأشترك فيها العديد من القبائل العربية من بني ذبيان مثل هوازن و
قبيلة طيئ التي كان لها ثأر لإغارة عبس عليهم ، ولاعتقاد عبس بأنهم سبب مقتل زعيمهم
زهير ومن قبله ابنه شأس بن زهير ، فقد قامت الحرب التي ظهرت فيها قدرات عنترة بن شداد
القتالية ، ومات فيها عن عمر جاوز الثمانين عاما إثر سهم مسوم أطلقة فارس يدعى الليث
الرهيص ، وكان عم عنترة في تلك الحرب التي انتهت بهزيمة عبس وانقضاء سطوتهم على يد
جيش حذيفة بن بدر الذي دخل ديار عبس بعد هروب زعيمهم قيس بن زهير . ومع استمرار هذه
الحرب دارت رحى معارك حرب داحس والغبراء في اليمامة:
معركة الهباءة 583 م انتصرت عبس على ذبيان
معركة السليل 584 م انتصرت عبس على ذبيان
معركة ذات الرموم 585 م انتصرت ذبيان على عبس
معركة الفروق 586 م انتصرت عبس على ذبيان
معركة السوبان 587 م انتصرت عبس على ذبيان
نهاية المعركة :
لكل أمر نهاية ومع كل هذه الخسائر والقتلى الذين خلفتهم هذه
الحرب ، فقد انتهت بتدخل شرفاء ذبيان ودفعهم ديات القتلى ، وإخماد نيران هذه الحرب
التي قضت على الأخضر واليابس ، وقد مدح الشعراء المعاصرون لها هذا العمل الجليل في
أجود شعرهم وهو المعلقات وبالتحديد معلقة زهير بن أبي سُلمى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء