pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


تنزيلات القرآن

تنزيلات القرآن



اختلف علماء المسلمين في طريقة نزول القرآن فمن الآيات ما يثبت نزول القرآن جملةً ومنها ما يثبت نزوله منجماً وعلى هذا فإن القرآن مر بعدة تنزيلات منها ماهو جملة ومنها ماهو منجم في مراحل تنزيله من الله إلى الرسول محمد :
نزل القرآن أولاً من الله إلى اللوح المحفوظ : ويقصد بهذا النزول ليس نزول علوٍّ وسفل بل يقصد به إثباته في اللوح المحفوظ واعتماده غير قابل للتغيير وحكمة هذا النزول ترجع إلى الحكمة من وجود اللوح نفسه، فإنه السجل الجامع لما كان وما سيكون إلى يوم القيامة ذكر العلماء الدليل على هذا النزول من القرآن  بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ  فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ 
نزل من اللوح المحفوظ إلى مكان يسمى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة في ليلة القدر: ودليله من القرآن  إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَوفي سورة القدر  إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ  ومن الأحاديث عن ابن عباس أنه قال: "فُصِّلَ القرآن من الذكر"-يعني اللوح المحفوظ- فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، فجعل جبريل ينزل به على النبي ". وقد نقل أبو شامة المقدسي في كتابة المرشد والوجيز عن هذا النزول فقال:«وقال جماعة من العلماء: نزل القرآن جملة واحدة في ليلة من اللوح المحفوظ إلى بيت يقال له بيت العزة، فحفظه جبريل  وغشي على أهل السموات من هيبة كلام الله، فمر بهم جبريل وقد أفاقوا فقالوا:  وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ  الحق يعني القرآن فأتى به جبريل إلى بيت العزة فأملاه جبريل على السفرة الكتبة، يعني الملائكة وهو قوله سبحانه وتعالى:  بِأَيْدِي سَفَرَةٍ   "نقلته من كتاب "شفاء القلوب" وهو تفسير علي بن سهل النيسابوري"».
ومن بيت العزة نزل به جبريل على قلب الرسول محمد منجَّمًا أي "مُفرَّقًا" في نحو ثلاث وعشرين سنة على حسب الوقائع والأحداث، ومقتضيات الأحوال: ودليل ذلك من القرآن  قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ   وهو الكتاب الوحيد من الكتب السماوية الذي نزل منجماً بدليل  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا   وقد أستنبط العلماء الحكمة من نزول القرآن بشكل متفرّق خلاف بقية الكتب السماوية وذكروا له عدة حكم منها:
تثبيت قلب النبي محمد لمواجهة ما يلاقيه من قومه، كما ورد في سورة الفرقان:  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ، ففي قول "ورتلناه ترتيلاً" إشارة إلى أن تنزيله شيءًا فشيءًا ليتيسر الحفظ والفهم والعمل بمقتضاه.
الرد على الشبهات التي يختلقها المشركون ودحض حججهم أولاً بأول:  وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا 
تيسير حفظه وفهمه على النبي محمد وعلى أصحابه.
التدرج بالصحابة والأمة آنذاك في تطبيق أحكام القرآن، فليس من السهل على الإنسان التخلي عما اعتاده من عادات وتقاليد مخالفة للقيم والعادات الإسلامية مثل شرب الخمر.
كان ينزل حسب الحاجة أي ينزل ليرد على أسئلة السائلين.
أما المقدار الذي كان ينزل من القرآن على النبي محمد فيظهر من الأحاديث النبوية أنه كان ينزل على حسب الحاجة. ويمكن تقسيم تاريخ القرآن إلى فترتين زمنيتين رئيسيتين: العهد النبوي، وهي فترة نزول الوحي عند المسلمين، وعهد الخلفاء الراشدين، وهي فترة حفظ القرآن وجمعه في مصحف واحد.
أول ما نزل من القرآن وآخره

أوّل ما نزل من الوحي على محمد كان في غار حراء على جبل النور الواقع بالقرب من مكة، وذلك في يوم الاثنين، 17 رمضان[ أو 24 رمضان، أو 21 رمضان، الموافق 10 أغسطس سنة 610م، أو 27 رجب عند الشيعة. وفي الرواية المنقولة عن عائشة بنت أبي بكر المؤكدة من قبل الإمامين البخاري ومسلم، والتي أنكر الشيعة معظمَ ما جاء فيها فإن أول ما نزل من الوحي كان:  اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ  خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ  اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ  الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ  عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ 
وبعد تلك الحادثة، فَتَر الوحي عن محمد مدة، قيل أنها ثلاث سنوات وقيل أقلّ من ذلك، ورجّح البوطي ما رواه البيهقي من أن المدة كانت ستةَ أشهر،حتى انتهت بنزول أوائل سورة المدثر. ثم بدأ الوحي ينزل ويتتابع مدة ثلاثة وعشرين عامًا حتى وفاته.فكان أول ما نزل من القرآن بعد أول سورة العلق، أوّل سورة القلم، والمدثر والمزمل والضحى والليل.وقد اختلف العلماء في تحديد أوّل ما نزل من القرآن كون سورة المدثر نزلت بكمالها قبل نزول تمام سورة العلق، التي نزل منها صدرها أولاً، على أن الرأي الأغلب والأرجح هو القائل بأن سورة العلق هي أوّل السور. وعبّر بعض العلماء للتوفيق بين الرأيين بقولهم أن أوّل ما نزل للنبّوة كان صدر سورة القلم، وأوّل ما نزل للرسالة كان سورة المدثر استمر الوحي ينزل على محمد في مكة طيلة ثلاث عشرة سنة، وبلغ عدد السور التي نزلت هناك ثلاثًا وثمانين سورة، وقيل خمس وثمانون، كانت أولها سورة العلق وآخرها سورة المؤمنون، ويُقال العنكبوت.ولمّا اشتد أذى قريش لمحمد وأتباعه من المسلمين، هاجروا شمالاً إلى مدينة يثرب، التي دُعيت منذ ذلك الحين بالمدينة المنورة، وهناك استمر الوحي ينزل عليه بصورة متتالية. وقد بلغ عدد السور التي نزلت بالمدينة إحدى وثلاثون سورة، وقيل تسع وعشرونكان أولها سورة المطففين وآخرها سورة التوبة، وفي شرح البخاري لابن حجر اتفقوا على أن سورة البقرة أول سورة نزلت بالمدينة، وفي تفسير النسفي عن الواقدي أن أول سورة نزلت بالمدينة هي سورة القدر.
بعد أن استقر المسلمون في المدينة المنورة، واعتنق أهلها الإسلام دينًا، طلب النبي محمد من بعض صحابته حفظ ما ينزل عليه من القرآن ونشره بين الناس وتعليمهم ما جاء فيه من الشرائع والحكم والفضائل. وكان كثير من الصحابة أميًا، بينما كان في الأوس والخزرج من أهل المدينة عدّة يكتبون بالعربية، والقليل ممن يكتب بالعبرانية التي تعلموها من اليهود. كذلك كان من أسرى الحرب من يكتب، ولا يملك المال ليفدي نفسه، فجعل الرسول فدية من يعرف الكتابة من سبعين أسيرًا في غزوة بدر تعليم كل واحد منهم عشرة من صبيان المدينة الكتابة،وبهذا تعلّم عدد كبير من المهاجرين والأنصار القراءة والكتابة، وقاموا بتدوين ما ينزل على محمد من الوحي، وقد وصف العلماء هؤلاء الأشخاص بكتّاب الوحي. وفقًا لمسند أحمد بن حنبل بسنده عن ابن عباس، أنه عندما كانت السور ذوات العدد تنزل على الرسول، كان يدعو بعض من يكتب عنده، يقول: "ضعوا هذا في السورة الّتي يُذكر فيها كذا وكذا"، وعندما تنزل عليه الآيات يقول: "ضعوا هذه الآيات في السورة الّتي يُذكر فيها كذا وكذا"،فكان الوحي، وفقًا للمصادر الإسلامية، يعين مكان الآيات في السور، ومن الأحاديث التي يُستند إليها في ذلك ما ورد في تفسير الدر المنثور: «أخرج أحمد، عن عثمان بن أبي العاص قال: "كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ جَالِسًا إِذْ شَخَصَ بِبَصَرِهِ ثُمَّ صَوَّبَهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُلْزِقَهُ بِالأَرْضِ قَالَ ثُمَّ شَخَصَ بِبَصَرِهِ فَقَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ  فَأَمَرَنِي أَنْ أَضَعَ هَذِهِ الآيَةَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  »كان الكتبة يدونون الوحي على ألواح من الخشب أو الطين المشوي، بالإضافة إلى العظام وسعف النخل العريضة،ولم يُدوّن الوحي على الورق ويُجمع في كتاب واحد إلا بعد وفاة الرسول سنة 632م.

اختلف العلماء حول آخر ما نزل من القرآن على النبي محمد، فقال فريق أن آخر آية نزلت هي آية الربا وهي:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  ، وقال آخر أنها الآية التالية:  وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ  وقال آخرون أنها آية الدين، أي الآية رقم 282 من سورة البقرةوقد جمع بين هذه الروايات الثلاث بأن هذه الآيات نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف، فروى كل واحد بعض ما نزل بأنه آخر ما نزل. أما أكثر الأقوال حول آخر ما نزل من القرآن شيوعًا بين الناس، فهو أنها الآية التالية: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً﴾وهنالك أقوال أخرى منها القائلة بآية الكلالة،وقد أفاد بعض العلماء أن هذه الأقوال ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي محمد، ويجوز أن يكون قاله قائله بضرب من الاجتهاد وغلبة الظن، ويحتمل أن كلاً منهم أخبر عن آخر ما سمعه من النبي محمد في اليوم الذي مات فيه أو قبل مرضه بقليل، ويحتمل أيضًا أن تنزل هذه الآية التي هي آخر أية تلاها الرسول مع آيات نزلت معها، فيؤمر برسم ما نزل معها بعد رسم تلك، فيظن أنه آخر ما نزل في الترتيب.
شكرا لتعليقك