القصف المغولي التتري على بغداد
لم ينتظر هولاكو وقتاً طويلاً.. ولم يعط لصديقه الخليفة ما يريده من الوقت للتفكير المتعمق، ولكنه قرر أن يجبره على سرعة التفكير، وذلك عن طريق بدأ إطلاق القذائف النارية والحجرية على بغداد، مستخدماً في ذلك أحدث التقنيات العسكرية في ذلك الزمان.. وبدأ القصف التتري المروع لأسوار وحصون وقصور وديار بغداد، وبدأت المدينة الآمنة تُروع للمرة الأولى تقريباًً في تاريخها
لم ينتظر هولاكو وقتاً طويلاً.. ولم يعط لصديقه الخليفة ما يريده من الوقت للتفكير المتعمق، ولكنه قرر أن يجبره على سرعة التفكير، وذلك عن طريق بدأ إطلاق القذائف النارية والحجرية على بغداد، مستخدماً في ذلك أحدث التقنيات العسكرية في ذلك الزمان.. وبدأ القصف التتري المروع لأسوار وحصون وقصور وديار بغداد، وبدأت المدينة الآمنة تُروع للمرة الأولى تقريباًً في تاريخها
بدأ القصف التتري في الأول من صفر سنة
656هـ، واستمر أربعة أيام متصلة.. ولم تكن هناك مقاومة تذكر.
مصرع عرفة
يذكر ابن كثير -رحمه الله- في البداية
والنهاية موقفاً "بسيطاً" لا يعلق عليه، ولكنه حمل بالنسبة لي معاني
كثيرة..
قول ابن كثير: "وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب، حتى أصيبت جارية كانت "تلعب" بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت تسمى "عرفة"، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي "ترقص" بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك، وفزع فزعاً شديداً، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب: "إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم"، فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز، وكثرت الستائر على دار الخلافة!
قول ابن كثير: "وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب، حتى أصيبت جارية كانت "تلعب" بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت تسمى "عرفة"، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي "ترقص" بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك، وفزع فزعاً شديداً، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب: "إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم"، فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز، وكثرت الستائر على دار الخلافة!
مفاوضات النهاية
ظل التتار على قصفهم مدة أربعة أيام من
أول صفر إلى الرابع منه سنة 656 هجرية، وفي يوم الرابع من صفر بدأت الأسوار
الشرقية تنهار.. ومع انهيار الأسوار الشرقية انهار الخليفة تماماً. هنا لجأ الخليفة إلى صديقه الخائن مؤيد الدين
العلقمي، وسأله ماذا يفعل؟ وأشار عليه الوزير أن يخرج لمقابلة هولاكو بنفسه لكي
يجري معه المفاوضاتوذهبت الرسل إلى هولاكو تخبره بقدوم الخليفة، فأمر هولاكو أن
يأتي الخليفة، ولكن ليس وحده، بل عليه أن يأتي معه بكبار رجال دولته، ووزرائه،
وفقهاء المدينة، وعلماء الإسلام، وأمراء الناس والأعيان، حتى يحضروا جميعاً
المفاوضات، وبذلك تصبح المفاوضات ـ كما يزعم هولاكو ـ ملزمة للجميع وجمع الخليفة كبار
قومه، وخرج بنفسه في وفد مهيب إلى خيمة هولاكو خارج الأسوار الشرقية لبغداد.. خرج
وقد تحجرت الدموع في عينيه، وتجمدت الدماء في عروقه، وتسارعت ضربات قلبه، وتلاحقت
أنفاسه.. وكان الوفد كبيراً يضم سبعمائة من أكابر بغداد، وكان فيه بالطبع وزيره
مؤيد الدين بن العلقمي، واقترب الوفد من خيمة هولاكو، ولكن قبل الدخول على زعيم
التتار اعترض الوفد فرقة من الحرس الملكي التتري، ولم يسمحوا لكل الوفد بالدخول
على هولاكو، بل قالوا: إن الخليفة سيدخل ومعه سبعة عشر رجلاً فقط، أما الباقون
فسيخضعون - كما يقول الحرس - للتفتيش الدقيق.. ودخل الخليفة ومعه رجاله، وحجب عنه
بقية الوفد.. ولكنهم لم يخضعوا لتفتيش أو غيره.. بل أخذوا جميعاً....... للقتل!!!. قُتل الوفد بكامله إلا الخليفة والذين كانوا معه..
قُتل كبراء القوم، ووزراء الخلافة، وأعيان البلد، وأصحاب الرأي، وفقهاء وعلماء
الخلافة العباسية.. ولم يُقتل الخليفة؛ لأن هولاكو كان
يريد استخدامه في أشياء أخرى.
وبدأت الأوامر الصارمة تخرج
من السفاح هولاكو:
1ـ على الخليفة أن يصدر أوامره لأهل بغداد بإلقاء أي سلاح، والامتناع عن
أي مقاومة .. وقد كان ذلك أمراً سهلاً؛ لأن معظم سكان المدينة لا يستطيعون حمل
السلاح، ولا يرغبون في ذلك أصلاً..
2ـ يقيد الخليفة المسلم، ويساق إلى المدينة يرسف في أغلاله، وذلك لكي يدل
التتار على كنوز العباسيين، وعلى أماكن الذهب والفضة والتحف الثمينة، وكل ما له
قيمة نفيسة في قصور الخلافة وفي بيت المال..
3ـ يتم قتل ولدي الخليفة أمام عينه!! فقُتل الولد الأكبر "أحمد أبو
العباس"، وكذلك قُتل الولد الأوسط "عبد الرحمن أبو الفضائل".. ويتم
أسر الثالث مبارك أبو المناقب، كما يتم أسر أخوات الخليفة الثلاث: فاطمة وخديجة
ومريم.
4ـ أن يستدعى من بغداد بعض الرجال بعينهم، وهؤلاء هم الرجال الذين ذكر ابن
العلقمي أسماءهم لهولاكو، وكانوا من علماء السنة، وكان ابن العلقمي يكن لهم كراهية
شديدة، وبالفعل تم استدعاؤهم جميعاً، فكان الرجل منهم يخرج من بيته ومعه أولاده
ونساؤه فيذهب إلى مكان خارج بغداد عينه التتار بجوار المقابر، فيذبح العالم كما
تذبح الشياه، وتؤخذ نساؤه وأولاده إما للسبي أو للقتل.!!. لقد كان الأمر مأساة بكل
المقاييس
تدمير بغداد!
وبعد أن ألقى أهل المدينة السلاح، وبعد
أن قتلت هذه الصفوة، وبعد أن انساب جند هولاكو إلى شوارع بغداد ومحاورها
المختلفة.. أصدر السفاح هولاكو أمره الشنيع "باستباحة بغداد عاصمة الخلافة
الإسلامية".. والأمر بالاستباحة يعني أن الجيش التتري يفعل فيها ما يشاء..
يقتل.. يأسر.. يسبي.. يرتكب الفواحش.. يسرق.. يدمر.. يحرق.. كل ما بدا لهؤلاء
الهمج أن يفعلوه فليفعلوه! وفعل التتار في المدينة ما لا يتخيله
عقل! لقد بدأ التتار يتعقبون المسلمين في كل شارع أو ميدان.. في كل بيت أو
حديقة.. في كل مسجد أو مكتبة.. واستحر القتل في المسلمين.. والمسلمون لا حول لهم
ولا قوة، فكان المسلمون يهربون ويغلقون على أنفسهم الأبواب، فيحرق التتار الأبوب
أو يقتلعونها، ويدخلون عليهم، فيهرب المسلمون إلى أسطح الديار، فيصعد وراءهم
التتار، ثم يقتلونهم على الأسطح، حتى سالت الدماء بكثرة من ميازيب المدينة
(والميازيب هي قنوات تجعل في سقف المنازل لينزل منها ماء المطر، ولا يتجمع فوق
الأسطح) ولم يقتصر التتار على قتل الرجال
الأقوياء فقط.. إنما كانوا يقتلون الكهول والشيوخ، وكانوا يقتلون النساء إلا من
استحسنوه منهن؛ فإنهم كانوا يأخذونها سبياً.. بل وكانوا يقتلون الأطفال.. بل كانوا
يقتلون الرضع!!.. وجد جندي من التتار أربعين طفلاً حديثي
الولادة في شارع جانبي، وقد قُتلت أمهاتهم، فقتلهم جميعاًومر اليوم الأول والثاني
والثالث والعاشر.. والقتل لا يتوقف.. والإبادة لا تنتهي ولا دفاع.. ولا مقاومة..
فقد دخل في روع الناس أن التتار لا يهزمون.. ولا يجرحون.. بل إنهم لا يموتون!!
الخليفة المستعصم بالله
والموت رفسًا!!..
وسيق
الخليفة "المستعصم بالله" إلى خاتمته الشنيعة.. بعد أن رأى كل ذلك في
عاصمته، وفي عقر دار خلافته، بل وفي عقر بيته. أصدر السفاح هولاكو الأمر بالإجهاز على الخليفة
المسكين.. ولكن أشار على هولاكو بعض أعوانه بشيء عجيب..! لقد قالوا: لو سالت دماء
الخليفة المسلم على الأرض، فإن المسلمين سيطلبون ثأره بعد ذلك، ولو تقادم الزمان،
ولذلك يجب قتل الخليفة بوسيلة لا تسيل فيها الدماء.. ولا داعي لاستعمال السيف لكن هولاكو استمع
لهم.. وسبحان الله!!.. كأن الله U قد أراد ذلك، حتى يموت الخليفة بصورة
مخزية ما حدثت مع خليفة قبله، وما سمعنا بها مع أي من ملوك أو أمراء الأرض..
مسلمين كانوا أو غير مسلمين.. لقد أمر هولاكو أن يقتل الخليفة
"رفساً بالأقدام"وبالفعل وضع الخليفة العباسي على الأرض، وبدأ التتار يرفسونه بأقدامهم.. وكان ذلك في اليوم العاشر من فتح بغداد لأبوابها..
في يوم 14 صفر سنة 656هـ..
ولم تنته المأساة بقتل الخليفة.. وإنما أمر هولاكو - لعنه الله - باستمرار عملية
القتل في بغداد.. فهذه أضخم مدينة على وجه الأرض في ذلك الزمان.. ولابد أن يجعلها
التتار عبرة لمن بعدهاواستمر القتل في المدينة أربعين يوماً كاملة منذ سقوطها.. لقد قتل هناك ألف ألف مسلم (مليون مسلم..!!) ما
بين رجال ونساء وأطفال!!!.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء