*
مقامات أدبية *
السعودية :
السعودية أرض التوحيد ، والمجد التليد ،
والنهج الرشيد . وهي أرض البيان الخلاب ، والأدب الجذّاب ، واللغة الحية ،
والموهبة الأدبية . منها أرسل الإيمان إلى العالم أنواره ، وبعث إلى الدنيا قصصه
وأخباره . وهي مهبط القرآن به نزل جبريل ، على المعلم الجليل ، بآيات التنـزيل .
منها بعث محمد المحمود ، رسول الجود ، وفيها
ولد أبو بكر ، طيب الذكر ، صاحب الشكر . ومنها عمر ، جميل الخبر ، وناشر العدل في
البشر . ومنها عثمان ، جامع القرآن ، ومكرم الضيفان . ومنها علي ، البطل الولي ،
والسيف الجلي . ومنها خالد بن الوليد ، وأسامة بن زيد ، وعائشة أم المكرُمات ،
المبرَّأة من فوق سبع سموات ، وفاطمة البتول ، بنت الرسول ، طيبة الأصول .
لا تلمني في حب بلادي ، فإنها سر أنسي
وإسعادي ، وفي بلادي حضارة فاخرة ، وصحراء زاخرة ، ودنيا وآخرة .عمار وبناء فوق
الأرض ، وثروات وخيرات تحت الأرض . ليس فخرنا أننا بلد البترول ، أننا بلد الرسول
، ولا أننا بلد الزيت , بالمقام والبيت ، لا أننا بلد البنـزين والغاز , إنما
الفخر بالإنجاز و الإعجاز .
المدينة المنورة:
إذا أتيت طيبة ، فأعط قلبك من الذكرى
نصيبه ، وتذكر صاحب الملّة السمحاء ، والطريقة البيضاء ، هنا مسكنه ومنامه ،
وممشاه وقيامه ، ورمحه وحسامه ، وشرابه وطعامه . ومن المدينة خرج لبدر بجنوده ،
وزحف إلى أحد في حشوده ، ومن المدينة بعث للملوك رسائله ، وعلم الناس فضائله . فهي
بيت ضيافته ، ودار خلافته .
يكفي المدينة فخراً ، أن أجلّ البشر ، وسيد
البدو والحضر ، شرب ماءها ، واستنشق هواءها ، وارتدى سماءها ، وصافح ضياءها . وأعظم
منقبة للمدينة أن رسول الله r يسكن في سويداء
قلبها ، ويستولي على حبِّها ، وهذا سر مكانتها وقربها .
ناداك منادي الذكريات ، يقول للأحياء والأموات :
هنا محمد سجد، هنا محمد رقد ، جلس في هذا المكان ، عبر هذه الوديان ، نظر إلى هذه
الجبال ، رقى هذه التلال ، شرب من هذا الماء الزلال ، نام تحت هذه الأشجار ، مضى
من فوق هذه الأحجار . صلى الله عليك وآله وسلم تسليما كثيرا .
مكة
المكرمة :
مكة قلب المعمورة ، على الحسن
مقصورة ، وفي حجال المجد مستورة ، أذن بها الخليل ، وسُحق بها أصحاب الفيل ،
بالطير الأبابيل ، اختارها علام الغيوب ، فهي مهوى القلوب ، وملتقى الدروب ، وقبلة
الشعوب ، ، منها ارتفع الإعلان والأذان والقرآن والبيان ، وهي أول أرض استقبلت الإسلام
، وحطمت الأصنام .
وهي أرض السلام ، وقبلة الأنام ، يفد إليها المحبون
، على رواحلهم يخبون . ويتجه إليها المصلون ، ويقصدها المهلّون ، فهي قبلة القلوب
، وأمنية الشعوب ، وراحة الأرواح ومنطلق الإصلاح .على ثراها نزلت الهداية ، ومن
رباها كانت البداية ، ومن جبالها هبت نسائم الحريّة ، ومن وهادها كان فجر الإنسانية
. وإذا ذكرت مكة ذكر غار حراء ، والشريعة الغراء ، والوحي والإسراء .
مكة ملاعب
الصبا والشباب ، لصاحب السنة والكتاب ، فيها مسقط رأسه ، وفضاء أنفاسه ، فيها مراتعه
، ومرابعه ، ومهاجعه . هنا المحل الأسعد ، والحجر الأسود ، هنا المقام الكريم ،
والمطاف العظيم ، وزمزم والحطيم ، هنا العابدون والساجدون ، والعاكفون ،
والقائمون ، والمستغفرون . هنا تغسل النفس من الأدران ، ويتخلّص القلب من
الأحزان ، وتنطلق الروح من العصيان ، هنا ترمى الجمرات ، وتحط الغدرات ، وتغسل السيئات
، هنا تناخ المطايا ، وتحط الخطايا ، وتكثر العطايا ، هنا السرور قد تم ،
والشمل قد التم ، وذهب الهم والغم . فحبذا هذه الرحاب ، وطوبى لهذه الشعاب
القلم
يا أيها الذي جمع الحكم
، أما سمعت نون والقلم ، إن القلم شأنه عجيب ، ونبؤه غريب ، نحيف الجسم ، عظيم
الاسم ، جميل الرسم ، إن خط في القرطاس ، أنصت له الناس ، بالقلم توثق العقود ،
وتحل العهود، إن شاء فمداده سم الحيات ، وأم النكبات ، وسبب البلايا الموجعات ،
وإن أراد جعل سطوره نورا ، وصيرها سرورا ، وملأها حبورا ، ونمقها حسناً منشورا .
هو رسول القرون الأول ،
وخادم الدول ، وحافظ الملل والنحل ، إذا سال لعابه ، كثر صوابه ، وحضر جوابه ،
لا تسمع له كلاما ، ولكنه صار للحكمة إماما ، وللمعارف قائدا هماما .
إذا تشجع ملأ الصفحات ، وعبأ المجلدات ،
وبسط المختصرات ، وإذا جبن ألغز وأوجز ، وطلسم وأعجز ، وإن تحامل همز ، وغمز ونبز
، تخاطب به الملوك أهل الآفاق ، وتقطع به
الجبابرة الأعناق ، وهو الذي كتب رسائل الصفاء ، وهو دبّج أسطر الوفاء ، ودون
السؤال والجواب ، والشكوى والعتاب ، والخطأ والصواب، وما كنت تتلو من قبله من كتاب
الجمال
الله جميل يحب الجمال
، موصوف بالجلال ، خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وأبدع الكائنات في تصوير مستقيم ،
رسم الجمال في الكائنات ، وخط الحسن في المخلوقات .جمال في كواكب السماء ، وحسن
يكسو الأشياء ، نجوم زاهرة ، وبحار زاخرة ، الأرض مكسوة بأحسن نسيج ، والحدائق
فيها من كل زوج بهيج . ماء يسكب ، ونسيم يكتب ، حسن باهي ، وإبداع إلهي .
الجمال في الليل إذا عسعس ، وأقبل في هدوء يتوجس
، يقبل بردائه الأسود ، وشعره المجعد ، فيستر الأحياء بثيابه ، ويضع الأشياء تحت
جلبابه ، له هيبة في العيون ، كأنه كتيبه تحمل المنون . وفي الصبح إذا تنفس ،
فسبحان من صوره وتقدس ، تسرح النفس في
مهرجان عرسه ، وتنصت الروح لهمسه وجرسه .
الجمال في الروض الجذاب ، بجماله الخلاب ، وفي
الطيور حين تلقي قصائد الحنان ، على منابر الأغصان . و في النجوم اللاّمعة ، والكواكب الساطعة ، ،
مهرجان حي من الحسن الباهر ، وحفل بهيج من الجلال الظاهر ، في مشهد عجيب ، وصمت
رهيب ، آلاف النجوم تجمل هذا الفضاء الكبير ، بتقدير اللطيف الخبير .
الفصاحة
إن من أعظم المتع التي عاشها الصحابة ، تلك
الفصاحة ، والبراعة ، والنجابة ، التي كانوا يسمعونها من سيد الفصحاء ، وإمام
البرعاء ، وأبين العرب العرباء ، كان إذا تكلم ملك المشاعر ، واستولى على الضمائر
، واستمال السرائر ، فلا يريدون بعده كلام خطيب ولا شاعر . إذا نطق عليه الصلاة والسلام وتدفق ، فكأنه الفجر أشرق ، والماء ترقرق ،
والنور في الأرواح ترفق .
إن
من النعيم ، عند ذاك الجيل العظيم ، سماع ذلك النبي الكريم، في منطق سليم ، وصوت
رخيم ، وقول قويم ، ونهج مستقيم . ثم درج خطباء الأمة على منواله ، وسبكوا أقوالهم
على أقواله ، فمن مقلٍّ ومكثر ، ومن مُؤثّرٍ ومتأثر .
فأحسن الخطباء من جعل القرآن معينه ، وملأ
بنور الحديث عينه ، وجعل البيان خدينه ، ثم أكثر من التدريب ، وأدمن التجريب ،
وأخذ من كل فن بنصيب ، فترى له من البراعة ، ومن الجرأة والشجاعة ، ما يخلب ألباب
الجماعة ، جمالاً في بيان ، وحسناً في إتقان ، مع عذوبة لسان ، وثبات جنان.
العلمـــاء
العلماء ورثة
الأنبياء ، وسادة الأولياء ، تستغفر لهم حيتان الماء ، وطيور السماء ، وتدعو لهم
النملة ، وتستغفر لهم النحلة . كلامهم
محفوظ منقول ، وحكمهم ماضٍ مقبول ، بهم تصلح الديار ، وتعمر الأمصار ، ويكبت
الأشرار .
وهم عز الدين ، وتاج الموحدين ، وصفوة العابدين
. مجالسهم عبادة ، وكلامهم إفادة ،العلم في صدورهم ، والله يهدي بنورهم ، وينـزّل
عليهم الرضوان في قبورهم .
يذودون عن حياض
الشريعة ، ويزجرون عن الأمور الفظيعة ، وينهون عن المعاصي الشنيعة ، وهم خلفاء
الرسول ، ثقات عدول ، ينفون عن الدين تأويل المبطلين ، وتحريف الجاهلين ، وأقوال
الكاذبين .
وهم زينة المحافل ،
بهم تقام الجماعات والجمع ، وبهم تقمع البدع ، هم الكواكب في ليل الجهل ، وهم
الغيث يعم الجبل والسهل . وعالِمٌ واحد ،
أشد على الشيطان من ألف عابد . الناس
يتقاسمون الدرهم والدينار ، وهم يتوزعون ميراث النبي المختار ، فهم أهل العقول
الصحيحة ، وأرباب النصيحة
العـــلم
العلم أشرف مطلوب ، وأجل موهوب ، و العلم شرف الدهر
، ومجد العصر ، ذهب الملك بحراسه ، وبقيت بركة العالم في أنفاسه ، فنِيَ السلاطين
، ووُسِّدوا الطين ، وخلد ذكر أهل العلم أبدا ، وبقي ثناؤهم سرمدا . وهو أعلى من
المال ، و أهيب من الرجال ، به عُبِدَ الديّان ، وقام الميزان ، و به نزل جبريل ،
على صاحب الغرة و التحجيل ، و به عرفت شرائع الإسلام ، ومُيِّز بين الحلال والحرام
، وبه وُصلت الأرحام ، وحُلَّ كلُّ نزاع وخصام .
بالعلم قام صرح الإيمان ، وارتفع حصن الإحسان ،
وبيّنت العبادات ، وشرحت المعاملات ، وفَقِه الناس به الفرائض والنوافل ، والآداب
والفضائل ، وهو الذي سحق الوثنية ، وهدم كيان الجاهلية , وهو من العلل دواء ،
والشكوك شفاء ، يصلح القلوب ، ويرضي علاّم الغيوب ، وهو شرف الزمان ، وختم الأمان .
العالم يجلس على الكواكب، وتمشي معه المواكب ، وتكتب أقواله ، وتقتفى أعماله ، وتحترمه الخاصة والعامة ،
ويدعى للأمور العامّة ، مرفوع الهامة ، ظاهر الفخامة ، عظيم في الصدور ، غني بلا
دور ولا قصور . فمن طلب العلم بصدق ، وحرص عليه بحق ، فهو مهاجر إلى الله ورسوله ،
تفتح له أبواب الجنة عند وصوله .
الحــب
الحب
هو بسِاط القربى بين الأحباب ، و سياج المودة بين الأصحاب . بالحب يفهم الطلاب
كلام المعلم ، وبالحب يسير الجيش وراء القائد ويتقدم ، وبالحب تذعن الرعيّة .
بالحبِّ تُرضعُ الأم وليدَها ، وتروم الناقة وحيدَها . بالحب يقع الوفاق ، والضم
والعناق ، وبالحب يعم السلام ، والمودّة والوئام , بالحب ترتسم على الثغر البسمة ،
وتنطلق من الفجر النسمة ، وتشدو الطيور بالنغمة .
عين
بلا حب لا تبصر ، وسماء بلا حب لا تمطر ، وروض بلا حب لا يزهر ، وسفينة بلا حب لا
تبحر . أرض بلا حب صحراء ، وحديقة بلا حب جرداء ، ومقلة بلا حب عمياء ، وأذن بلا
حب صماء .
ولكن
أعظم الحب عند أهل السنة , حب الجنة , التي هي أعظم منة . و أجمل كلمة في الحب قول
الرب : ) يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ ( . فلا تطلب
حباً دونه .
الهمـــة :
السلام على أهل الهمم ، فهم صفوة الأمم ، وأهل
المجد والكرم ، طارت بهم أرواحهم إلى مراقي الصعود ، ومطالع السعود ، ومراتب
الخلود .
من أراد المعالي هان عليه كل همّ ، لأنه لولا
المشقة ساد الناس كلهم ، نصوص الوحي تناديك ، سارع ولا تلبث بناديك ، وسابق ولا
تمكث بواديك . واعلم أن الهمة توقد القلب ، ووتسهل الصعب ، ومن عنده همة عارمة ،
وعزيمة صارمة ، اقتحم بها أسوار المعالي ، وصار تاريخه قصة الليالي .
و صاحب الهمة ما يهمه الحرّ ، ولا يخيفه القرّ ،
ولا يزعجه الضرّ ، ولا يقلقه المرّ ، لأنه تدرع بالصبر . صاحب الهمة ، يسبق الأمة
، إلى القمة ، فالحياة عقيدة وجهاد ، وصبر وجلاد ، ونضال وكفاح ، وبر وفلاح، لا
مكان في الحياة للأكول الكسول ، ولا مقعد في حافلة الدنيا للمخذول .
========================
من مقامات الشيخ عائض القرني (
بتصرف )


خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء