pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


* مقامات أدبية   *

* مقامات أدبية   *
السعودية :
    السعودية أرض التوحيد ، والمجد التليد ، والنهج الرشيد . وهي أرض البيان الخلاب ، والأدب الجذّاب ، واللغة الحية ، والموهبة الأدبية . منها أرسل الإيمان إلى العالم أنواره ، وبعث إلى الدنيا قصصه وأخباره . وهي مهبط القرآن به نزل جبريل ، على المعلم الجليل ، بآيات التنـزيل .
    منها بعث محمد المحمود ، رسول الجود ، وفيها ولد أبو بكر ، طيب الذكر ، صاحب الشكر . ومنها عمر ، جميل الخبر ، وناشر العدل في البشر . ومنها عثمان ، جامع القرآن ، ومكرم الضيفان . ومنها علي ، البطل الولي ، والسيف الجلي . ومنها خالد بن الوليد ، وأسامة بن زيد ، وعائشة أم المكرُمات ، المبرَّأة من فوق سبع سموات ، وفاطمة البتول ، بنت الرسول ، طيبة الأصول .
    لا تلمني في حب بلادي ، فإنها سر أنسي وإسعادي ، وفي بلادي حضارة فاخرة ، وصحراء زاخرة ، ودنيا وآخرة .عمار وبناء فوق الأرض ، وثروات وخيرات تحت الأرض . ليس فخرنا أننا بلد البترول ، أننا بلد الرسول ، ولا أننا بلد الزيت , بالمقام والبيت ، لا أننا بلد البنـزين والغاز , إنما الفخر بالإنجاز و الإعجاز .
المدينة المنورة:
   إذا أتيت طيبة ، فأعط قلبك من الذكرى نصيبه ، وتذكر صاحب الملّة السمحاء ، والطريقة البيضاء ، هنا مسكنه ومنامه ، وممشاه وقيامه ، ورمحه وحسامه ، وشرابه وطعامه . ومن المدينة خرج لبدر بجنوده ، وزحف إلى أحد في حشوده ، ومن المدينة بعث للملوك رسائله ، وعلم الناس فضائله . فهي بيت ضيافته ، ودار خلافته .
      يكفي المدينة فخراً ، أن أجلّ البشر ، وسيد البدو والحضر ، شرب ماءها ، واستنشق هواءها ، وارتدى سماءها ، وصافح ضياءها . وأعظم منقبة للمدينة أن رسول الله r يسكن في سويداء قلبها ، ويستولي على حبِّها ، وهذا سر مكانتها وقربها  .
     ناداك منادي الذكريات ، يقول للأحياء والأموات : هنا محمد سجد، هنا محمد رقد ، جلس في هذا المكان ، عبر هذه الوديان ، نظر إلى هذه الجبال ، رقى هذه التلال ، شرب من هذا الماء الزلال ، نام تحت هذه الأشجار ، مضى من فوق هذه الأحجار . صلى الله عليك وآله وسلم تسليما كثيرا .




مكة  المكرمة :
   مكة قلب المعمورة ، على الحسن مقصورة ، وفي حجال المجد مستورة ، أذن بها الخليل ، وسُحق بها أصحاب الفيل ، بالطير الأبابيل ، اختارها علام الغيوب ، فهي مهوى القلوب ، وملتقى الدروب ، وقبلة الشعوب ، ، منها ارتفع الإعلان والأذان والقرآن والبيان ، وهي أول أرض استقبلت الإسلام ، وحطمت الأصنام  .
وهي أرض السلام ، وقبلة الأنام ، يفد إليها المحبون ، على رواحلهم يخبون . ويتجه إليها المصلون ، ويقصدها المهلّون ، فهي قبلة القلوب ، وأمنية الشعوب ، وراحة الأرواح ومنطلق الإصلاح .على ثراها نزلت الهداية ، ومن رباها كانت البداية ، ومن جبالها هبت نسائم الحريّة ، ومن وهادها كان فجر الإنسانية . وإذا ذكرت مكة ذكر غار حراء ، والشريعة الغراء ، والوحي والإسراء .
 مكة ملاعب الصبا والشباب ، لصاحب السنة والكتاب ، فيها مسقط رأسه ، وفضاء أنفاسه ، فيها مراتعه ، ومرابعه ، ومهاجعه . هنا المحل الأسعد ، والحجر الأسود ، هنا المقام الكريم ، والمطاف العظيم ، وزمزم والحطيم ، هنا العابدون والساجدون ، والعاكفون ، والقائمون ، والمستغفرون . هنا تغسل النفس من الأدران ، ويتخلّص القلب من الأحزان ، وتنطلق الروح من العصيان ، هنا ترمى الجمرات ، وتحط الغدرات ، وتغسل السيئات ، هنا تناخ المطايا ، وتحط الخطايا ، وتكثر العطايا ، هنا السرور قد تم ، والشمل قد التم ، وذهب الهم والغم . فحبذا هذه الرحاب ، وطوبى لهذه الشعاب

القلم
 يا أيها الذي جمع الحكم ، أما سمعت نون والقلم ، إن القلم شأنه عجيب ، ونبؤه غريب ، نحيف الجسم ، عظيم الاسم ، جميل الرسم ، إن خط في القرطاس ، أنصت له الناس ، بالقلم توثق العقود ، وتحل العهود، إن شاء فمداده سم الحيات ، وأم النكبات ، وسبب البلايا الموجعات ، وإن أراد جعل سطوره نورا ، وصيرها سرورا ، وملأها حبورا ، ونمقها حسناً منشورا .
 هو رسول القرون الأول ، وخادم الدول ، وحافظ الملل والنحل ، إذا سال لعابه ، كثر صوابه ، وحضر جوابه ، لا تسمع له كلاما ، ولكنه صار للحكمة إماما ، وللمعارف قائدا هماما .
     إذا تشجع ملأ الصفحات ، وعبأ المجلدات ، وبسط المختصرات ، وإذا جبن ألغز وأوجز ، وطلسم وأعجز ، وإن تحامل همز ، وغمز ونبز ،  تخاطب به الملوك أهل الآفاق ، وتقطع به الجبابرة الأعناق ، وهو الذي كتب رسائل الصفاء ، وهو دبّج أسطر الوفاء ، ودون السؤال والجواب ، والشكوى والعتاب ، والخطأ والصواب، وما كنت تتلو من قبله من كتاب



الجمال
الله جميل يحب الجمال ، موصوف بالجلال ، خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وأبدع الكائنات في تصوير مستقيم ، رسم الجمال في الكائنات ، وخط الحسن في المخلوقات .جمال في كواكب السماء ، وحسن يكسو الأشياء ، نجوم زاهرة ، وبحار زاخرة ، الأرض مكسوة بأحسن نسيج ، والحدائق فيها من كل زوج بهيج . ماء يسكب ، ونسيم يكتب ، حسن باهي ، وإبداع إلهي .
 الجمال في الليل إذا عسعس ، وأقبل في هدوء يتوجس ، يقبل بردائه الأسود ، وشعره المجعد ، فيستر الأحياء بثيابه ، ويضع الأشياء تحت جلبابه ، له هيبة في العيون ، كأنه كتيبه تحمل المنون . وفي الصبح إذا تنفس ، فسبحان من صوره وتقدس ،  تسرح النفس في مهرجان عرسه ، وتنصت الروح لهمسه وجرسه .
  الجمال في الروض الجذاب ، بجماله الخلاب ، وفي الطيور حين تلقي قصائد الحنان ، على منابر الأغصان .  و في النجوم اللاّمعة ، والكواكب الساطعة ، ، مهرجان حي من الحسن الباهر ، وحفل بهيج من الجلال الظاهر ، في مشهد عجيب ، وصمت رهيب ، آلاف النجوم تجمل هذا الفضاء الكبير ، بتقدير اللطيف الخبير .  

الفصاحة
      إن من أعظم المتع التي عاشها الصحابة ، تلك الفصاحة ، والبراعة ، والنجابة ، التي كانوا يسمعونها من سيد الفصحاء ، وإمام البرعاء ، وأبين العرب العرباء ، كان إذا تكلم ملك المشاعر ، واستولى على الضمائر ، واستمال السرائر ، فلا يريدون بعده كلام خطيب ولا شاعر .  إذا نطق عليه الصلاة والسلام  وتدفق ، فكأنه الفجر أشرق ، والماء ترقرق ، والنور في الأرواح ترفق .
     إن من النعيم ، عند ذاك الجيل العظيم ، سماع ذلك النبي الكريم، في منطق سليم ، وصوت رخيم ، وقول قويم ، ونهج مستقيم . ثم درج خطباء الأمة على منواله ، وسبكوا أقوالهم على أقواله ، فمن مقلٍّ ومكثر ، ومن مُؤثّرٍ ومتأثر .
    فأحسن الخطباء من جعل القرآن معينه ، وملأ بنور الحديث عينه ، وجعل البيان خدينه ، ثم أكثر من التدريب ، وأدمن التجريب ، وأخذ من كل فن بنصيب ، فترى له من البراعة ، ومن الجرأة والشجاعة ، ما يخلب ألباب الجماعة ، جمالاً في بيان ، وحسناً في إتقان ، مع عذوبة لسان ، وثبات جنان.


العلمـــاء
العلماء ورثة الأنبياء ، وسادة الأولياء ، تستغفر لهم حيتان الماء ، وطيور السماء ، وتدعو لهم النملة ، وتستغفر لهم النحلة  . كلامهم محفوظ منقول ، وحكمهم ماضٍ مقبول ، بهم تصلح الديار ، وتعمر الأمصار ، ويكبت الأشرار .
 وهم عز الدين ، وتاج الموحدين ، وصفوة العابدين . مجالسهم عبادة ، وكلامهم إفادة ،العلم في صدورهم ، والله يهدي بنورهم ، وينـزّل عليهم الرضوان في قبورهم .
يذودون عن حياض الشريعة ، ويزجرون عن الأمور الفظيعة ، وينهون عن المعاصي الشنيعة ، وهم خلفاء الرسول ، ثقات عدول ، ينفون عن الدين تأويل المبطلين ، وتحريف الجاهلين ، وأقوال الكاذبين .
وهم زينة المحافل ، بهم تقام الجماعات والجمع ، وبهم تقمع البدع ، هم الكواكب في ليل الجهل ، وهم الغيث يعم الجبل والسهل .  وعالِمٌ واحد ، أشد على الشيطان من ألف عابد .  الناس يتقاسمون الدرهم والدينار ، وهم يتوزعون ميراث النبي المختار ، فهم أهل العقول الصحيحة ، وأرباب النصيحة

العـــلم
العلم أشرف مطلوب ، وأجل موهوب ، و العلم شرف الدهر ، ومجد العصر ، ذهب الملك بحراسه ، وبقيت بركة العالم في أنفاسه ، فنِيَ السلاطين ، ووُسِّدوا الطين ، وخلد ذكر أهل العلم أبدا ، وبقي ثناؤهم سرمدا . وهو أعلى من المال ، و أهيب من الرجال ، به عُبِدَ الديّان ، وقام الميزان ، و به نزل جبريل ، على صاحب الغرة و التحجيل ، و به عرفت شرائع الإسلام ، ومُيِّز بين الحلال والحرام ، وبه وُصلت الأرحام ، وحُلَّ كلُّ نزاع وخصام .
بالعلم قام صرح الإيمان ، وارتفع حصن الإحسان ، وبيّنت العبادات ، وشرحت المعاملات ، وفَقِه الناس به الفرائض والنوافل ، والآداب والفضائل ، وهو الذي سحق الوثنية ، وهدم كيان الجاهلية , وهو من العلل دواء ، والشكوك شفاء ، يصلح القلوب ، ويرضي علاّم الغيوب ، وهو شرف الزمان ، وختم الأمان .
العالم   يجلس على الكواكب، وتمشي معه المواكب ،  وتكتب أقواله ، وتقتفى أعماله ، وتحترمه الخاصة والعامة ، ويدعى للأمور العامّة ، مرفوع الهامة ، ظاهر الفخامة ، عظيم في الصدور ، غني بلا دور ولا قصور . فمن طلب العلم بصدق ، وحرص عليه بحق ، فهو مهاجر إلى الله ورسوله ، تفتح له أبواب الجنة عند وصوله .


الحــب
الحب هو بسِاط القربى بين الأحباب ، و سياج المودة بين الأصحاب . بالحب يفهم الطلاب كلام المعلم ، وبالحب يسير الجيش وراء القائد ويتقدم ، وبالحب تذعن الرعيّة . بالحبِّ تُرضعُ الأم وليدَها ، وتروم الناقة وحيدَها . بالحب يقع الوفاق ، والضم والعناق ، وبالحب يعم السلام ، والمودّة والوئام , بالحب ترتسم على الثغر البسمة ، وتنطلق من الفجر النسمة ، وتشدو الطيور بالنغمة .
عين بلا حب لا تبصر ، وسماء بلا حب لا تمطر ، وروض بلا حب لا يزهر ، وسفينة بلا حب لا تبحر . أرض بلا حب صحراء ، وحديقة بلا حب جرداء ، ومقلة بلا حب عمياء ، وأذن بلا حب صماء .
ولكن أعظم الحب عند أهل السنة , حب الجنة , التي هي أعظم منة . و أجمل كلمة في الحب قول الرب : ) يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ( . فلا تطلب حباً دونه .

الهمـــة :
السلام على أهل الهمم ، فهم صفوة الأمم ، وأهل المجد والكرم ، طارت بهم أرواحهم إلى مراقي الصعود ، ومطالع السعود ، ومراتب الخلود .
من أراد المعالي هان عليه كل همّ ، لأنه لولا المشقة ساد الناس كلهم ، نصوص الوحي تناديك ، سارع ولا تلبث بناديك ، وسابق ولا تمكث بواديك . واعلم أن الهمة توقد القلب ، ووتسهل الصعب ، ومن عنده همة عارمة ، وعزيمة صارمة ، اقتحم بها أسوار المعالي ، وصار تاريخه قصة الليالي .
و صاحب الهمة ما يهمه الحرّ ، ولا يخيفه القرّ ، ولا يزعجه الضرّ ، ولا يقلقه المرّ ، لأنه تدرع بالصبر . صاحب الهمة ، يسبق الأمة ، إلى القمة ، فالحياة عقيدة وجهاد ، وصبر وجلاد ، ونضال وكفاح ، وبر وفلاح، لا مكان في الحياة للأكول الكسول ، ولا مقعد في حافلة الدنيا للمخذول .


========================

من مقامات الشيخ عائض القرني ( بتصرف )
شكرا لتعليقك