خطبة (الشيخ محمد حسان حفظه الله) احداث النهاية الموت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانه وبلغ الرساله ونصح للأمه وعبد ربه حتى لبى داعيه وعاش طوال أيامه ولياليه يمشي على شوك الأسى ويخطو على جمر الكيد والعنت ، يلتمس الطريق لهداية الضالين وإرشاد الجائرين حتى علم الجاهل وقوم المعوج وأمن الخائف وطمئن القلق ونشر أضواء الحق والخير والتوحيد والإيمان كما تنشر الشمس ضيائها في رابعة النهار..
فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن امته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلي اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين،،
أما بعد ،، حياكم الله جميعاً أيها الإخوة الفضلاء الأعزاء وأيتها الأخوات الفاضلات وطبتم وطاب سعيكم وعملكم وقولكم وممشاكم تبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله الحليم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذه الساعة الطيبة المباركة على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاه وإمام النبيين في جنته ودار مقامته إنه ولي ذلك ومولاه..
أحبتى فى الله.. أحداث النهاية
سلسلة علمية منهجية جديدة تجمع بين التأصيل العلمى والمنهج التربوى والأسلوب الدعوى ، يسعدني ويشرفني أن أقدمها للمسلمين في أنحاء الأرض عبر شاشة قناة الناس الفضائيه فما أحوج المسلمين الآن إلى فقه هذه المرحلة ، إلى هذه الموضوعات لعل الله سبحانه وتعالى أن يخرجنا من غفلتنا وأن يردنا إليه ردا جميلا..
لا أقدم الآن هذه السلسلة هروبا من الواقع بل أقدمها تصحيحا للواقع لأن كثيرا من الناس يعيشون الآن في هذه الحياة الدنيا وهم يتوقعون أن الحياة ستنتهي بالموت.. نسي كثير من الناس أنهم سيبعثون نعم سيبعثون وسيقفون بين يدي الحق تبارك وتعالى للسؤال عن كل ما فات { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة/7-8] وقال جل جلاله { وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإسراء/13-14] ستتغير معالم الحياة تماما إذا انطلق الناس في كلامهم وأفعالهم وحركتهم وبنائهم وحبهم وبغضهم من هذه الأساس ألا وهو أنهم سيقرأون هذه القوله وهذه الفعله في كتاب عند ربي { لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى } [ طه/52] وسيحاسبون عليه وسيسألون بين يدي الله تبارك وتعالى عن الأقوال والأفعال وإن قلت { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة/7-8] لو انطلق الناس من هذه الأساس لتغيرت صورة هذه الحياه التي يتعامل فيها الإنسان مع أخيه الإنسان بصورة وحشيه ربما تستحيي الوحوش الضارية أن تتعامل بها مع بعضها البعض في عالم الغابات فكثير من الناس تناسى هذا اليوم الذي سيقف فيه بين يدي الحق تبارك وتعالى فأنا لا أقدم أحداث النهايه هروبا من واقعنا الذي نعيشه بمشاكله وأزماته وجراحه وآلامه وإما أقدم أحداث النهاية لأوقظ نفسي وإخواني وأخواتي لأذكر نفسي وإخواني وأخواتي لنصحح الحياه لنصحح الأقوال والأفعال والأحوال والنيات ليعلم الجميع أن الدنيا مهما طالت فهي قصيره ومهما عظمت فهي حقيره لأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر ولأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر ، لأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر ولأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر..
أيا مَنْ يَدَّعِيْ الفَهْمْ إِلَى كَمْ يَا أَخَا الوَهْمْ *** تُتبعَ الذَّنْبَ وَالـَّذمّْ وُتُخْطِيْ الخَطَـأَ الجَمّْ
أَمَا بَانَ لَـكَ العَيْبْ ! أَمَا أَنْذَرَكَ الشَّيْبْ *** وَمـَا فِيْ نُصْحِهِ رَيْبْ
أَمَا نَادَى بِكَ المَوْتْ أَمَا أَسْمَعَكَ الصَّوْتْ *** أَمَا تَخْشَى مِنَ الفَوْتْ فَتَحْتَاطَ وَتَهْتَــمّْ
فَكَمْ تَسْيَرُ في السَّهْوْ وَتَخْتَالُ منَ الزَّهْوْ *** وَتَنْصَبُّ إِلَى اللَّهْـوْ كَأَنَّ المَوْتَ مَا عَـمّْ
كَأَنِّيْ بِكَ تَنْحَــطّْ إِلَى اللَّحْدِ وَتَنْغَـطْ *** وَقَدْ أَسْـلَمَكَ الرَّهْطْ إِلَى أَضْيَقَ مِنْ سَمْ
هُنَاكَ الجِسْمُ مَمْدُوْدْ لِيَسْـتَأْكِلَهُ الدُّوْدْ *** إِلَى أَنْ يَنْخَرَ العُوْدْ وَيُمْسِيْ العَظْمُ قَدْ رَمّْ
فَزَوِّدْ نَفْسَكَ الخَيْرْ وَدَعْ مَا يَعْقُبُ الضَّيْرْ *** وَهَيِّءْ مَرْكَبَ السَّيْرْ وَخَفْ مِنْ لُجَّةِ اليَّمّْ
بِذَا أُوْصِيْكَ يَاصَاحْ وَقَدْ بُحْتُ كَمَنْ بَاحَ *** فَطُوْبَى لِفَـتَىً رَاحْ بِآدَابِ محمد يَأْتَمّْ
صلى الله عليه وآله وسلم ، نعم أيها الأحبه.. أحداث النهايه تبدأ بالموت وتنتهي إن شاء الله جل وعلا بالجنه ، أسأل الله جل في علاه أن يجعلني وإياكم جميعاً أيها الفضلاء أيتها الفاضلات.. أسأل الله أن يجمعنا جميعاً في جنات النعيم مع سيد النبيين وإمام المرسلين إنه ولي ذلك والقادر عليه..
الحياة تمضي مسرعه الحياة تمضي مسرعه ومعظم أهلها في غفله عما هو آت إلا من رحم رب الأرض والسماوات ، الحياة تمضي مسرعه يااااه سبحان الله لو عدت إلا الوراء قليلاً لقلت رمضان الماضي أستشعر أنه كان في الشهر الفائت فقط ، اليوم لو عدت إلى اليوم الذي كان يقابله في الاسبوع الماضي لاستشعرت أنه كان قبل ساعه.. الحياة تمضي مسرعه والأعمار تجري والأيام تمر والأشهر تجري وراءها تسحب معها السنيين وتجر خلفها الأعمار وتطوى حياة جيل بعد جيل بعد جيل وبعدها سيقف الجميع بين يدي الملك الجليل للسؤال عن الكثير والقليل { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة/7-8] الحياة تمضي مسرعه ومعظم أهلها في غفلة عما هو آت ، مثلهم كمثل أمواج البحر المتدفقة المتلاطمه كلما انكسرت على الشط موجه تبعتها موجة وموجة وموجة ، مثلهم كمثل المياه المتدفقة في الأنهار والبحار والمحيطات والبحار ليقوم الجميع بعد ذلك للوقوف بين يدي العزيز الغفار ، قال سبحانه { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ إبراهيم/48]
تغير كل شئ وانتهى كل شئ في هذه الحياة الدنيا وتوقف الوجود الإنساني كله ، قف مع هذه اللحظه فساعتك أنت أيها الحبيب اللبيب تبدأ فعلاً بموتك وساعتي تبدأ فعلاً بموتي وقيامتك تبدأ بموتك ، ستنتقل من عالم الدنيا إلى عالم آخر إلى عالم آخر يختلف تماماً عن عالمك الذي تعيش فيه وقد بين لنا ربنا سبحانه وتعالى الغاية التي من أجلها خلقنا وحقيقة الدنيا التي فيها وجدنا – خلي بالك معايا – أنا أخاطب عقلك وقلبك الآن لم أركز على العاطفة فحسب ولم أركز على العقل فحسب فقد تعمدت أن تكون السلسلة مبنية على تأصيل علمي ومنهج تربوي وأسلوب دعوي لأخاطب قلبك عقلك في آن واحد لتتفكر في كل لفظه لتتدبر في كل كلمه ، أخاطبك بقلبي وكياني فأشهد الله أنني أحبك في الله وأرجو لك من الخير ما أرجوه لنفسي وولدي وأهلي وأسأل الله أن يحيي قلبي وقلوبكم وأن يملئ قلوبنا بحبه وجلاله وعظمته إنه ولي ذلك والقادر عليه..
أقول لقد بين لنا ربنا جلا وتعالى حقيقة الغاية التي من أجلها خلقنا وبين لنا في الوقت ذاته حقيقة الدنيا التي فيها وجدنا فقال سبحانه { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات/56] هي دي الغايه ، هذه الغاية التي من أجلها خلقت أنت وخلقت أنا .. هذه الغاية التي من أجلها خلق الله السماء والأرض والجنة والنار هذه هي الغاية التي من أجلها أنزل الله الكتب والصحف وأرسل جميع الأنبياء والرسل ، الكون كله خلق من أجل هذه الغايه.. من أجل أن يفرد الخلق الحق بالألوهية والعباده من أجل أن يفرد الخلق الحق تبارك وتعالى بالألوهية والعباده من أجل أن نعبد الله عز وجل وحده لا شريك له.. تعرف على الغايه أوعى أوعى تقول :
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت
وسأمضي في طريقي شئت هذا أم أبيت
كيف جئت كيف أبصرت طريقي
لست أدري
لا ، حاش لله.. المسلم يدري المؤمن يدري .. من عرف الله جل وعلا يدري يدري أنه خلق ، خلقه الحق سبحانه وتعالى وخلقه في الدنيا وخلقه لغايه (لغايه) بل وحدد له المصير فريق في الجنه وفريق في السعير ، أسأل الله سبحانه وتعالي أن يجعلني وإياكم من أهل الجنان إنه ولي ذلك والقادر عليه.
المؤمن يعلم أن الله خلقه وأن الله أوجده في هذه الحياة الدنيا لهذه الغايه ألا وهي العباده وحدد له المصير الجنه أو النار أعاذني الله وإياكم من النار وجعلني الله وإياكم من أهل الجنه ورزقني وإياكم صحبة النبي المختار إنه ولي ذلك وهو العزيز الغفار ، إيه الغايه ؟ العباده { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات/56] طيب أين أنا في هذه الحياة الدنيا ؟ ما حقيقتها ؟ ما حقيقتها ؟ ، قال الله سبحانه { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ } والمراد بالكفار هم الزراع { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّار نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } [ الحديد/20] يا الله ، والله تعيش كده مع الآيه تاني وتالت وفكر في القرآن وتدبر القرآن جعلني الله وإياكم من أهل القرآن الربانيين..
انظر إلي حقيقة الدنيا لتعلم حقيقة الدار التي جعلها الحق تبارك وتعالى لنا محط ابتلاء وامتحان واختبار { .. وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } [ الأنبياء/35] { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [ الملك/2] للإختبار وللإمتحان للتمحيص فأنت هنا في بوتقة اختبار وفي دار ابتلاء وامتحان ، الشر فتنه الخير فتنه ونبلوكم – نختبركم – بالشر والخير فتنه ، ابتلاءٌ وامتحان واختبار ، فالدنيا دار اختبار وليست دار قرار والدنيا دار ممر وليست دار مقر إنما الليل والنهار إلى الجنة طريق ، الدنيا طريق ٌ إما إلى الجنة وإما إلى النارومزرعه إما أن تحصد ثماراً تكون سبيلاً لك إلى الجنه أو إلى النار – أعاذني الله وإياك من النار..
قال الله سبحانه { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } [ الكهف/45-46] ويبين لنا حبيبنا ونبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم حقيقة الدنيا فيقول في رواية جميلة رقراقه في سنن الترمذي بسند صحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، قال المصطفى الطادق : لو كانت الدنيا – انت متصور الدنيا بكل ما فيها من زخارف وبهرجه – لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضه – ذبابه – ما سقى كافراً منها شربة ماء.. شايف الدنيا هينه أد إيه على الله عز وجل… لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضه -جناح ذبابه – ما سقى كافراً منها شربة ماء ، الدنيا للكافر وللمؤمن كل يأخذ منها بقدر أخذه بالأسباب يعني لا تتصور أن الكافر لو زرع أرضاً والأرض هنا في الدنيا ، لو زرع أرضاً حرثها وزرعها ورواها واعتنى بها لا تتصور أن الأرض لن تعطي للكافر الثمر بدعوى أنه كفر بالله جل وعلا الذي خلق الأرض وخلق الثمر .. لا ، ولا تتصور أن المؤمن الموحد بالله جل وعلا لو بذر البذر في الأرض دون أن يحرث الأرض ودون أن يرعاها ودون أي يروي البذر أو الثمر ، لا تتصور أنها ستعطيه الثمر لأنه مؤمن بالله ، الله خلق الكون وخلق الأرض وأودع الكون الأسباب والقوانين والنواميس وهو رب الكافر والمؤمن على السواء ، يرزق الكافر ويرزق المؤمن بل لو أخذ الكافر بالأسباب لأخذ ثمرة الأخذ بالأسباب ولو عطل المؤمن الأسباب بقلبه وجوارحه ما أعطته الأسباب شيئاً على الإطلاق.
فحقيقة التوكل على الله صدق اعتماد القلب على الله مع الأخذ بالأسباب ، لا ينبغي أن ترفض الأسباب لا قلباً لا باطناً ولا بجوارحك يعني ظاهرا ، فالدنيا هينة على الله سبحانه لا تساوي عند الله جناح ذبابه ولما علم الفطناء والعقلاء حقيقة الدار زرعوها وحرثوها وفي الآخرة تجنى الثمار – لأ تاني والله الكلمتين دول – أقول لما علم الفطناء .. جعلني الله وإياكم منهم .. لما علم الفطناء حقيقة الدارحرثوها وزرعوها وفي الآخرة تجنى الثمار.
إن لله عباداً فطنــا ** طلقوا الدنيا وخافوا الفتــــن
نظروا فيــها فلما علموا** أنها ليست لحــي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا ** صالح الأعمال فيها سفنا
الله ، اللهم اجعلنا من هؤلاء.. اسمع مني الكلمات دي تاني ما اجملها وأروعها:
إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتن ، نظروا فيها -أي في الدنيا -فلما علموا** أنها ليست لحي وطنا ، جعلوها لجة – نهراً أو بحراً – واتخذوا ** صالح الأعمال فيها سفنا – ليعبروا بهذه السفن الأعمال الصالحه وسط هذه الأمواج المتلاطمه من أمواج الفتن فتن الشهوات والشبهات ليعبروا بهذه الأعمال الصالحه إلى جنة رب الأرض والسماوات ، الدنيا يا إخواني ويا أخواتي الفضليات الطاهرات ليست مذمومة على الإطلاق وهذا من التأصيل العلمي الذي أود أن أركز عليه لأنني أخاطب جميع العقول بجميع مستوياتها ، وأسأل الله أن يرزقنا الفهم عنه سبحانه وتعالى.. أقول الدنيا ليست مذمومة على الإطلاق يعني مفيش ذم للدنيا في القرآن وفي السنه لذات الدنيا اطلاقاً لا لزمانها ألا وهو الليل والنهار ولا لمكانها ألا وهي الأرض ولا لخيراتها وما أودع الله سبحانه وتعالى الدنيا من نعيم اطلاقاً اطلاقاً .
الذم الوارد في القرآن والسنة للدنيا ليس إلا زمنها وهو الليل والنهار كيف وهو القائل جل وعلا { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } [ الفرقان/62] الليل والنهار آيتان من آيات العزيز الغفار والليل { وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } [ يس/37] فالليل آيه من آيات الحق تبارك وتعالى { وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ – آيه – نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ.. { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } [ يس/38-39] هذه آية من آيات الله تبارك وتعالى التي تستحق التفكر والتدبر والأرض آية أخرى من آيات الله عز وجل { وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ } آيه من آيات الله { وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } [ يس/33] الآيات ، فالأرض من آيات الله { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ } [العنكبوت/20] { .. فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } [ الملك/15] الجبال الأنهار البحار الأشجار الثمار الخيرات كلها نعم الله سبحانه وتعالى على عباده في هذه الأرض { ..وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ إبراهيم/34] أما الذم الوارد في القرآن في شأن الدنيا ما موضعه ؟
تدبر معي ، الذم الوارد في القرآن والسنة في حق الدنيا إما هو منصب فقط على كل ما يرتكب في الدنيا من معصية لا ترضي الحق سبحانه وتعالى ، إنما الليل آيه النهار آيه النعم آيه البحار آيه الأشجار الثمار .. كلها آيات للعزيز الغفار كلها آيات كريمه تستحق منا التدبر والشكرإنما الذم على كل معصيه ترتكب في الدنيا بدءاً من الشرك بالله وهو أخطر المعاصي وأكبر المعاصي إلي أقل معصيه إلي أن تلقي حجراً على الطريق يعوق حركة الناس أو حتى أن تلقي مخلفاتك وأنت في سيارتك الخاصه مع أهلك وأولادك في الطريق العام لا يجوز ولا يليق ولا شك أن المعاصي متفاوته ، فهناك كبائر وهناك صغائر إلا أننا نعلم جميعاً أن الله سبحانه وتعالى جعل في الدين أصولاً وأركاناً وسنناً إلى غير ذلك فكل ما يرتكب في الدنيا من معصية لله سبحانه مع معصية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ينصب حينئذٍ الذم الوارد في القرآن والسنه عليها على المعاصي على الذنوب أما الدنيا في زمنها في مكانها والأرض في خيراتها ونعمها لا ينسب الذم أبداً على هذا فهذا من آيات الله ومن فضل الله سبحانه وتعالى على خلقه وعباده لذلك يقول علي رضي الله عنه وعلي آل بيت الحبيب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول – تدبر هذا الفهم الراقي .. يا سلام – يقول علي رضي الله عنه – لأنني أرى بعض أحبابنا حين يتكلمون عن الدنيا يتحدثون عن الدنيا بطريقة تشعر الآخرين بالتقصير أو بالخجل فترى الإنسان إن تكلم عن الدنيا ربما بصورة تجعل من يستمع إليه يضع رأسه هكذا ويطأطأ الرأس وكأنه قد ارتكب شيئاً محرما ، لا أنت في الدنيا ما عليك فقط إلا أن تجتنب ما حرم الله سبحانه واستمتع بما أحل الله عز وجل لك كيفما شئت المهم المهم ألا تعصي الله تبارك وتعالى وإن عصيت وذلت قدمك لبشريتك فما عليك إلا أن تجدد الأوبة والتوبه وأنت على يقين بأنه جل وعلا سيفرح بتوبتك وهو الغني عن العالمين.
اسمع لعلي رضي الله عنه – يا الله – يقول : الدنيا دار صدق لمن صدقها – الله عباره عاليه جداً جداً – الدنيا دار صدق لمن صدقها.. اصدق أنت مع ربك في هذه المزرعه ، احرث وازرع زرعاً على منهج الله ورسوله ، لا تزرع أي زرع لا ازرع زرعاً على منهج الله ورسوله بفهم الصحابة رضوان الله عليهم ودع النتائج بعد ذلك إلى الله واجني الثمار بين يدي العزيز الغفار { يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الشعراء/88-89] ، ارجع معي لعليٍ رضي الله عنه : الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار غنيً لمن تذود منها ودار نجاه لمن فهم عنها فهي مهبط وحي الله ومصلى أنبياء الله ومتجر أولياء الله ربحوا فيها الرحمه واكتسبوا فيها الجنه.. يا الله يا الله كلام غالي عاوز تسمعه تاني أكيد ، استشعر حلاوة كل لفظه وما أدراك ما علي فهو الخطيب المفوه والبليغ المؤثر الذي كانت تخرج الكلمات من بين شفتيه كأنها النور وتهتز لكلماته أعواد المنابر بل تهتز لكلماته الأرض ويزول عجبك إذا علمت أن الذي ربى علياً هو المصطفى وكفى صلى الله عليه وآله وسلم.
يقول عليٍ رضي الله عنه : الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار غنيً لمن تزود منها ودار نجاه لمن فهم عنها فهي مهبط وحي الله – هنا نزل الوحي ، نزل الوحي في الدنيا نزل الوحي من السماء على رسول الله في الدنيا في الأرض يا له من شرف ويا لها من كرامه أن تشهد الأرض وحي السماء وأن يربط رسول الله وإخوانه من النبيين والمرسلين الأرض بالسماء بأعظم رباط وأشرف صله ألا وهي صلة الوحي..كرامه كبيره – يقول فهي مهبط وحي الله ومصلى أنبياء الله – صلى في هذه الدنيا وعلى هذه الأرض محمد صلى الله عليه وسلم وجميع اخوانه من النبيين والمرسلين فهي مصلى أنبياء الله – ومتجر أولياء الله – اللهم اجعلنا منهم – ومتجر أولياء الله ربحوا فيها الرحمه واكتسبوا فيها الجنه.. الله ما انت لن تحصل الجنه في الآخرة إلا إن غرست هنا في الدنيا ، إلا إن عبرت هذه القنطره ألا وهي الدنيا عبورا إما أن يوصلك إلا جنات النعيم أو إلى الأخرى أسأل الله أن يعيذني وإياكم من الأخرى.
نعم أيها الأفاضل اسمع للنبي عليه الصلاة والسلام والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث انس روايه في غاية الرقه والجمال يقول سيد الرجال عليه الصلاة والسلام : ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعا فيأكل منه انسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقه..
لأ تاني تاني الروايه دي: ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعا فيأكل منه انسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقه.. تصور حضرتك ممكن تبقى في البيت وعندك مزرعه وأكل من هذه المزرعه انسان أو طير التقط شيئاً من مزرعتك أو بهيمه التقتط شيئاً من مزرعتك تصور أنك يوم القيامه بين يدي الله تبارك وتعالى ترى هذا في صحيفة حسناتك وأنت في بيتك لا تدري عنه أي شئ ، انظر إلى حقيقة الدنيا.. أنا أود أن اركز تماما على هذه الجزية حتى لا تنظر إلى الدنيا نظرة خاطئه بل ابدأ الحياه ولا تيأس ولا تقنط ولا تحزن واعلم أنك هنا في أيام إن وظفتها توظيفاً صحيحاً لخيري الدين والدنيا فأنت في جنة وأنت في هذه الحياه والله إن لم تدخل جنة الدنيا لن تدخل جنة الآخره ، والله إن لم تدخل جنة الدنيا لن تدخل جنة الآخره يا أخي المؤمن عايش في جنه هنا في جنه والله.. عايش في سعاده عايش في رضا يعلم تماما حقيقة الدنيا وحقيقة الآخره معندوش تمزق داخلي معندوش تشتت { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } هي دي جنة الدنيا هذه جنة الدنيا { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النحل/97] هي دي السعاده الحقيقيه الإيمان والعمل الصالح عمل صالح للدين وللدنيا على السواء ، جدد النيه حتى وأنت في عملك الدنيوي جدد النية لتؤجر عليه جدد النية أنك تعمل امتثالاً لأمر الله ورسوله وجدد النية لتحصل أجر الآخره ولن تحرم على الإطلاق ثمرة عملك في هذه الحياة الدنيا (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى فمن هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه انسان أو طير أو بهيمه إلا كان له به صدقه فتعرف على حقيقة الحياة الدنيا إذا عرفت ذلك أيها الحبيب اللبيب فاعلم يقينا أن الحياة الدنيا محدوده بأجل فتش عن حياتك أنت ، لا تنظر إلي الحياة الدنيا من خلال نظرتك إلى الأمم والقرون السابقة واللاحقه لكن انظر إلا الحياة الدنيا لتتعرف على زمنها المحدود من خلال حياتك أنت فحياتك الدنيا مدة بقائك في هذه الأرض هذه حياتك هذه مدة حياتك في هذه الدنيا في هذه الأرض فالحياة على ظهر الأرض بالنسبة لك وبالنسبة لي موقوتة محدودة بأجل وكذلك بالنسبة للحياة الدنيا وإن طالت فهي موقوتة محدودة بأجل وستنتهي هذه الحياة الدنيا حتما بصفة عامة وبصفة خاصه بالنسبة لي ولك إن طالت فهي قصيره وإن عظمت فهي حقيره لأن الليل مهما طال لا بد من طلوع الفجر ولأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر فالحياة موقوتة محدودة بأجل ثم تأتي نهايتها حتما فيموت الصالحون ويموت الطالحون ويموت المجاهدون ويموت القاعدون ويموت المعتزون بالعقيده ويموت المستذلون للعبيد ويموت الشركاء الحريصون على الحياة في عزة وكرامه ويموت الجبناء الحريصون على الحياة بأي ثمن ، يموت أصحاب الإهتمامات الكبيره والأهداف العاليه ويموت التافهون الذين لا يعيشون إلا من أجل شهواتهم الحقيره ونزواتهم الرخيصه الكل يموت { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } [ الرحمن/26-27] قال جل وعلا {..كلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ..} [ القصص/88] إنها الحقيقة الكبيره التي تصبغ الحياة البشرية كلها بصبغة الذل والعبودية لقهار السماوات والأرض ، إنها الحقيقة التي تنادي في اذن كل سامع وعقل كل أديب وكبير ومفكر أنه لا بقاء إلا للحي الذي لا يموت إنها الحقيقة التي شرب كأسها الأنبياء والمرسلون بل والعصاة والطائعون إنها الحقيقة التي يسر بها طوعاً أو كرها كل انسان على وجه هذه الأرض وفي هذه الحياة.
كل باك فسيبكى وكل ناع فسينعى
وكل مذخور سيفنى وكل مذكور سينسى
ليس غير الله يبقى من علا فالله أعلى
***
كل باك فسيبكى وكل ناع فسينعى
وكل مذخور سيفنى وكل كل مذكور سينسى
ليس غير الله يبقى من علا فالله أعلى
***
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
والروح منك وديعة اودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب
وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاه يذهب
الليل فاعلم والنهار كلاهما انفاسنا فيهما تعد وتحسب
لقي الفضيل بن عياض رجلاً فقال له الفضيل كم عمرك ؟ قال الرجل ستون سنه ، قال الفضيل إذاً انت منذ ستين سنه تسير إلى الله يوشك لأن تصل فقال الرجل إنا لله وإنا إليه راجعون قال الفضيل هل تعرف معناها ؟ قال نعم أعرف أنني عبد لله وأني إليه راجع فقال الفضيل يا أخي من عرف أنه لله عبد وأنه إلى الله راجع فليعلم أنه موقوف بين يديه ومن علم أنه موقوف بين يديه فليعلم أنه مسئول ومن علم أنه مسئول فليعد للسؤال جوابا.. فليعد للسؤال جوابا ، فبكى الرجل وقال يا فضيل وما الحيله قال الفضيل يسيره قال ما هي يرحمك الله قال اتق الله فيما بقي من عمرك يغفر الله لك ما قد مضى وما بقى من عمرك.
وسأل سليمان بن عبد الملك ابا حازم العالم الزاهد العابد وقال يا أبا حازم ما لنا عند الله ، لماذا نحب الدنيا ونكره الموت فقال أبو حازم لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم اخراكم فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب فقال سليمان بن عبد الملك فما لنا عند الله يا أبا حازم ، قال اعرض نفسك على كتاب الله لترى ما لك عند الله جل وعلا فقال وأين أجد ذلك يا أبا حازم قال في قول الله تعالى { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [ الإنفطار/13-14] قال سليمان فأين رحمة الله يا أبا حازم قال إن رحمة الله قريب من المحسنين { إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف/56] فقال سليمان بن عبد الملك فكيف العرض على الله تبارك وتعالى غداً فقال أبو حازم أما المؤمن فكالغائب يرجع إلى أهله وأما المسئ فكالعبد الآبق يرجع إلى سيده…
تدبر هذه الحقيقة.. أعرف أنك تعرفها وأنا أعرفها لكننا نغفل عنها نتناساها لا نذكرها إلا ربما ونحن نحمل جنازه بل وربما يتغافل عنها بعض من يسيرون في الجنازه فتراهم يتحدثون في أمر من أمور الدنيا وهم يرون الموت أمام أعينهم بل ويحملونه على أكتافهم وقد انشغلوا حتى في هذه اللحظات عن هذه الحقيقة التي ذكرنا بها رب الأرض والسماوات وذكرنا بها نبينا عليه أفضل السلام وأزكى الصلوات { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } [ ق/19] وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ – الموت له سكرات له كربات حتى قال رسول رب الأرض والسماوات والحديث في صحيح البخاري وغيره من حديث أم المؤمنين عائشه : كان يمد النبي يده في قدح به ماء ويمسح العرق عن جبينه الأزهر الأنور ويقول لا إله إلا الله إن للموت لسكرات وتقول عائشة رضي الله عنها والحيد في صحيح البخاري وغيره : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي – يعني رأسه على صدرها – مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي ولا أكره شدة الموت لأحدٍ بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. اشتد الموت على الحبيب وقال لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ، وآه ثم آه لو وجدت شيطاناً عند رأسك أعاذني الله وإياكم من ذلك يعرض عليك ديناً آخر غير دين الإسلام في هذه الكربات وفي هذه السكرات وفي هذه الغمرات قد ترى شيطانا يجلس ليعرض عليك دينا آخر في هذا الوقت وقد استدل بعض أهل العلم على قضية عرض الأديان على بعض الناس أثناء الموت بحديث في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : يحضر الشيطان أحدكم في كل شئ من شأنه.. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيميه عن قضية عرض الأديان على من يموت وهو على فراش الموت فقال كما في المجلد الرابع في الصفحة الخامسة والخمسين بعد المئتين من مجموع الفتاوى قال من الناس من تعرض عليه الأديان ومنهم من لا تعرض عليه الأديان وهذا في الجملة من فتنة المحيا والممات التي أمرنا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أن نتعوذ بالله منها في كل صلاة (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال)
قال عبد الله بن الإمام أحمد ابن إمام أهل السنه : حضرت وفاة أبي فسمعت أبي يقول لا بعد لا بعد لا بعد فلما أفاق قلت له يا أبي ماذا تقول قال وماذا أقول يا بني قال تشير بيدك وتقول لا بعد ، قال يا ولدي شيطان جالس بمحاذاة رأسي يقول لي لقد فتني يا أحمد وأنا أقول لا بعد لا بعد حتى أموت الدين على التوحيد ، إمام أهل السنه لحظه من أشد اللحظات لحظات السكرات والكربات { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } [ ق/19] هل تعلم ما هو الحق ؟ الحق أنك تموت وأنا أموت والله حي لا يموت { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } [ ق/19] والحق أن ترى عند موتك ملائكة الرحمه أو ملائكة العذاب { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } [ ق/19] والحق أن يكون القبر روضة من رياض الجنه وحفرة من حفر النيران رغم أنف المنكرين جعلني الله وإياك من المؤمنين المصدقين لرب العالمين ولسيد النبيين صلى الله عليه وآله وسلم { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } [ ق/19] يعني تهرب تجري تفر تحيد إلى الطبيب تجري على الطبيب إذا جاءك المرض خوفا من الموت وتحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع خوفا من الموت وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ خوفا من الموت ثم ماذا أيها القوي الفتي أيها الذكي العبقري يا أيها الكبير يا أيها الكبير ويا أيها الصغير يا أيها الغني ويا أيها الفقير يا أيها الصحيح ويا أيها المريض..
كل باك فسيبكى وكل ناع فسينعى
وكل مذخور سيفنى وكل مذكور سينسى
ليس غير الله يبقى من علا فالله أعلى
انظر إليه لترى ضعفه في هذه اللحظات ، قال جل وعلا { كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ } [ القيامة/26-30] وفتح السجل وفتح الملف وفتح الكتاب وإذا به { فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى } [ القيامة/31] لا حول ولا قوة إلا بالله { فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى } [ القيامة/31-32] أعرض كذب بآيات الله وكذب بأحاديث رسول الله { وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى } [ القيامة/32] أعرض عن طريق الحق فحاد عن الطريق { كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } قال ابن عباس رضي الله عنهما وقيل من راق أي من يرقى بروحه إلى السماء ، هل ترقى بروحه ملائكة الرحمه أم ملائكة العذاب ؟ يا رب سلم سلم.
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } [ فصلت/30-32] إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا أهل الإيمان أهل التوحيد أهل الإستقامه تتنزل عليهم ملائكة من الله جل وعلا ملائكة التثبيت – الله أكبر – ملائكة التثبيت ، يقول لك سبحان الله فلان كان على فراش الموت بيضحك وكان يكلم أناساً لا نراهم – إنه يرى الملائكة إنه يرى ملائكة التثبيت – يا لها من لحظات ، ربما يعاين ما أعده الله عز وجل له في جنات النعيم.. نعم في هذه اللحظات تحضر الملائكة ، يقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجه وغيره بسند حديث أبي هريرة : تحضر الملائكة – أي تحضر عند الموت وسأفصل ذلك في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى – تحضر الملائكة فإذا كان الرجل صالحا تقول الملائكة – أي لروحه – اخرجي أيتها الروح الطيبه كانت في الجسد الطيب اخرجي حميده وأبشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان – يا رب يا رب اجعلنا من هؤلاء الأصفياء الأولياء الأتقياء – وإن كانت الأخرى يقول لروحه أيتها الروح الخبيثه اخرجي إلى سخط من الله وعذاب – ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم –
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } من أنتم ؟ { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا } أي في الجنه { مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } ما تريدون وما تشتهون وما تطلبون { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } [ فصلت/30-32] النزل هو ما يعد ويهيئ للضيف من كرامه ، ارجو أن تتخيل أنت وأن تتخيلي أنت ، تخيلوا أيها الأفاضل نزلاً يهيئه لنا ربنا جل وعلا الكريم الحنان المنان ، { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } ، { كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } أي من يرقى بروحه ملائكة الرحمه أم ملائكة العذاب ؟ قال قتاده والضحاك {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } أي.. نتعرف على هذه الكلمات في الحلقة القادمة إن شاء رب الأرض والسماوات.
أسأل الله جل وعلا أن يختم لي ولكم بالتوحيد والإيمان وأن يرزقني وإياكم حسن الخاتمه وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء