نصيحة صريحة
1
أخي
المذنب : قلبك من الذنوب مجروح ، ولا تبكي ولا تنوح ، كأنك جسد بلا روح ، الحمام
يبكي على الأغصان ، من فقد الخلاّن ، ، وقلبك قاسي ، كما الصخر الراسي ، لا تدمع
لك عين ، ولا يؤثر فيك الفراق والبَيْن ، ولا يردعك حياء ولا دِين .
اعلموا أن
للذنوب كَفّارات ، وإن الحسنات يذهبن السيئات ، وأنه لا أنفع من الصالحات ، ولا
أضر من الموبقات . ولن ينقذكم من النار ، إلا طاعة العزيز الغفار ، واتباع المختار
واعلموا
أن شرفكم صدق اللسان ، ونسبكم الإحسان ، وكنـزكم الإيمان .فاطلبوا الكفاف،
واستتروا بالعفاف ، وخذوا وأعطوا الإنصاف ، فإن الحق كاف واف . واسلكوا من الطرق
الوسط ، ودعوا الغلو والشطط ، والتهور والغلط .
2
يا باغي الخير أقبل ، فالباب غير
مقفل ، يا من أذنب وعصى ، وأخطأ و عتى ، تعال فلعل وعسى ، يا من بقلبه من الذنوب
جروح ، تعال فالباب مفتوح ، والكرم يغدو ويروح ، يا من ركب مطايا الخطايا ، تعال
إلى ميدان العطايا ، يا من اقترفوا فاعترفوا ، لن تنسوا ] قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا [ ، يا من بذنب باء ، وقد أساء ، تذكر : ((
يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء )) .
من الذي ما أساء قط ، ومن له
الحسنى فقط ، ومن هو الذي ما سقط ، وأين هو الذي ما غلط ، يا كثير الأخطاء : أنسيت
: كلكم خطّاء ، كم يقتلك القنوط كم ، وأنت تسمع : (( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا
لذهب الله بكم )) .
3
اعلم أن من صحب الفسّاق ، ونقض الميثاق ،
ابتلاه الله بالنفاق .ولا تقولوا نحن في عصر الصبا ، وكم من سيف نبا ، وجَواد كبا
، فهذا كلام من غره بالله الغرور ، حتى فاجأته قاصمة الظهور ، وطرح في القبور ،
وتذكروا ليلة صبحها يوم القيامة ، فما أكثر الأسف فيها والندامة .
وتذكروا أول ليلة في القبر ، فلا إله إلا الله
ما أعظمه من أمر ، ليلة ليس فيها جليس ولا أنيس ، يرتجف لها القلب ، ويذهب من
هولها اللب ، ليس معكم فيها صديق ولا رفيق . تخلى عنكم الأحباب وترككم الأصحاب ،
وجردوكم من الثياب ، ووسدوكم التراب .
وإذا سهر الناس على الأغاني ، فاسهر على
المثاني ، وإذا وقع القوم في الملذات ، وأدمنوا الشهوات ، فاعكف على الآيات
البينات ، والحكم البالغات ، وإذا احتسى العصاة الصهباء فاكرع من معين الشريعة
الغراء ، وإذا سمعت اللاهين يسمرون ، وعلى غيهم يسهرون ، فصاحب الكتاب ، فإنه أوفى
الأصحاب ، وأصدق الأحباب
4
اسمعوا مني نصيحة . اعلموا أن الدنيا لا تساوي تسبيحة ، ولو كانت مليحة ،
لجعلها الله لأوليائه مريحة . فصونوا أنفسكم من سؤال الناس ، واستغنوا عما في
أيديهم باليأس . واطلبوا العلم فإنه أجل المطالب ، وأعظم المواهب ، وهو أرفع من
المناصب ، وأكرم من كل المراتب . وزينته العمل ، وخوف الأجل ، والاعتصام بما نزل .
ومن سالم الناس سلم ، ومن صمت غنم . والناس لا يطلبون منكم الأرزاق ، وإنما يطلبون
جميل الأخلاق .
قلوبنا بالذنوب مريضة ، وأجنحتنا
بالخطايا مهيضة ،لأننا قد أدمنّا الذنوب ، وعصينا علاّم الغيوب ، حتى قست منا
القلوب ، واحرّ قلباه ، واكرباه ، يا ربّاه ، يا ابن آدم تذنب ولست بنادم ،
الأنبياء يبكون ، والصالحون يشكون ، تتابع المعاصي ، وتستهين بمن أخذ بالنواصي . ألا
إن أحسن ماء دموع التائبين ، أعظم حزن حزن المنيبين ، وأهنأ نعاس نعاس المتهجدين.
5
أيها المسلم المفرط : كيف تريد نصر الإسلام
، وأنت لا تحافظ على تكبيرة الإحرام ، مع الإمام ؟ هذه أوهام . السلف الصالح ،
والجيل الناصح ، أعطوا الإسلام الأموال والدماء ، فأصبحت هاماتهم في السماء ، وأنت
ماذا أعطيت؟ وماذا لدِينك أهديت ،
ولأمتِّك أسديت ؟ حي كَمَيْت ، عشت بين لعلّ وليت، وما دريت، بأنك في الخسار هويت
.
ما شاء الله ما تحضر صلاة الفجر ، ولا تطمع
في الأجر ، ما تهتز فيك ذرة ، والموت يناديك في كل يوم مائة مرة ، والله لو أن في
الخشب قلوب لصاحت ، ولو أن للحجارة أرواح لناحت ، يحن المنبر للرسول الأزهر ،
والنبي الأطهر ، وأنت ما تحن ولا تئن ، ولا يضج بكاؤك ولا يرن. لو مُتَّ لعذرناك ،
وفي قبرك زرناك ، ولكنك حيُّ تأكل وتشرب ، وتلهو وتلعب .
6
ابن آدم :
أين كنوز قارون ؟ أين ما مضى من القرون ؟ أين ما جمعوا ، وأودعوا ، وشيدوا
وأبدعوا ؟ لا قصور ، لا دور ، لا أنهار ، لا أشجار . ذهبت الأبدان والأرواح . وبلي
القفل والمفتاح , أين المباني والمغاني ،
أين الغواني والأغاني , أين الأفراح والتهاني ، أين من شاد وساد ، أين ثمود وعاد ،
أين ساسان ، و قحطان ، وعدنان ، وفرعون وهامان ، أين مُلْك سليمان ، أين أصحاب
الأكاليل والتيجان ، ) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا
فَانٍ , وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ( ، والطَّول والإنعام .
أما زرت المقابر ، أما هالتك تلك المناظر ،
أما رأيت القوم صرعى، والدود في عيونهم يرعى ، عن الحديث سكتوا ، وعن السلام صمتوا
، فالـمَلِك في جوار المملوك ، والغَنِيُّ في حفرة الصعلوك ، والقَوِيُّ مع الضعيف
، والوضيع مع الشريف , و الظالم بجانب المظلوم ، والمنتصر بجانب المهزوم ، والمعظم
بجانب المحتقر ، قد اجتمع بها المخبر ، والخبر ، وتغيرت بها تلك الصور . ذهب
الحُسْن والجمال ، والجاه والمال ،وبقيت الأعمال .فهل من مدكر .وبالموت معتبر .
7
أشرف تاج تاج الديانة ، والصدق
والأمانة ، والوقار والرزانة . وثوب
الرياء ثوب مخرق ، ورداء الكبر رداء ممزق . والعمل بالسُّـنَّة أقرب طرق إلى الجنة . مرافقة الأشرار ومصاحبة
الفجار هي الخسار والبوار ، لأنهم الدعاة إلى النار . ومن ألان كلامه ، ووصل
أرحامه ، وبذل طعامه ، ونشر سلامه ، أكرم الله في الجنة مقامه .
خلوة بكتاب ، ودمعة في محراب ،
وتواضع للأصحاب ، خير من القصور والقباب . وما أقبح ممن ناداه ربه إلى المسجد ،
فتبلد وتردد ، ومن عود لسانه الذكر ، وقلبه الشكر ، وعقله الفكر ، وبدنه
الصبر ، نال أعظم الأجر ، وحط عنه الوزر . المأسور من أسره هواه ، والمخذول من عصى
مولاه ، والمفلس من خاب مسعاه .
8
أجمل الكلمات ، وأحسن العبارات ، لدى رب الأرض والسموات ، قول العبد :
يا رب أذنبتُ ، يا رب أسأتُ ، يا رب أخطأتُ ، فيكون الجواب منه سبحانه : عبدي
قد غفرت وسامحت ، وسترت وصفحت .
تأوّه المذنبين التائبين ، أحب من تسبيح المعجبين ، من قضى ليله وهو نائم
، وأصبح وهو نادم ، أحب ممن قضاه وهو مسبّح مكبّر ، وأصبح وهو معجب متكبّر .
ما أحوج الجيل ، إلى آخر ساعة من الليل ، لأنها ساعة الهبات ، والأعطيات
والنفحات ، إمام الموحدين جعل غاية مناه ، أن تغفر خطاياه ، وأنت تُصِرّ ، ولا
تُقِرّ ، وتحسو كأس الذنب وهو مُرّ ، فأفق من سبات اللهو ولا تكن من الغافلين
.
9
أين عقلك يا مغرور ، هل نسيت يوم العبور ،
وساعة المرور ، هذا أبو بكر الصديق انتفض من خوف الحساب كالعصفور ، وصار صدره
بالنشيج يفور ، وسقط الفاروق من خشية الله على الرمال ، حتى حُمِل على أكتاف
الرجال ، وبقي ذو النورين ، من منظر القبر يبكي يومين ، وهذا علي بن أبي طالب , دموعه
من التذكر سواكب .أما إبراهيم الخليل ،
وهو النبي الجليل، فقد بكى ذنبه ، ودعا ربه , فكيف بنا نحن المذنبين . فاغفر لنا اللهم
جمعين .
ابن آدم : كيف تنهض إلى عصيان أمر الله ، مع علوِّ قدره ، وعظيم قهره ، وقد كسر ظهور
الأكاسرة ، وقصّر بالموت آمال القياصرة ، وأرغم بالجبروت أنوف الجبابرة . ألم تعلم
العمر قصير ، والشيب نذير ، والدار جنة أو سعير . هو الذي خلقك فسوّاك ، وأطعمك
وسقاك، وآواك وكساك ، ومن كل بلاء حسنٍ أبلاك، ثم تعصيه وهو يراك !!
10
أوصيكم ببر الآباء والأمهات ، وأنهاكم
عن منعٍ وهات ، وتضييع الصلوات ، واتباع الشهوات . والله الله في تدبر المثاني ،
وهجر الأغاني ، وترك الأماني . وأوصيكم بتوقير شعائر الدين ، فإنها تقوى رب
العالمين . واستعدوا للرحيل ، إلى الملك الجليل ، فإنكم قادمون إليه عما قليل .
وإذا سمعتم الأذان ، فأجيبوا داعي الرحمن ، فليس بعد الأذان أعمال ولا أشغال ، بل
ذهاب إلى بيت ذي الجلال .
وأجيبوا الداعي ، بقلب واعي ، فإني
أخشى على من تهاون بتكبيرة الإحرام ، مع الإمام ، أن يحرم التوفيق على الدوام ،
وأن لا يبلغه الله المرام .ارقعوا بالاستغفار ما مزقته أيادي الذنوب الكبار .
واغسلوا بدمع العيون غبار الذنوب ، وتولوا إلى علام القلوب .
إن سلامة الصدور من الآثام ، وإطابة الطعام ،
وحسن الخلق مع الأنام ، عربون صادق لدار السلام . فطهروا القلوب من الإحن ،
وألزموا السنن ، وفروا من الفتن ، تجدون عونه عز وجل وقت المحن .
من مقامات القرني


خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء