pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


 كعب بن زهير بن أبي سلمى

                                   كعب بن زهير بن أبي سلمى
*
موجز عن سيرته الذاتية *
كعب بن زهير بن أبي سلمى أحد الفحول المخضرمين ومادح النبي الأمين، كان كعب قد بلغ من الشعر والشهرة حظاً مرموقاً حين دعا نبيَّ الله إلى الإسلام، وإذا أسلم أخوه بجير وبّخه واستحثه على الرجوع عن دينٍ لم يكن عليه أحد من أبائه، فهجاه كعب ثم هجا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فسمع النبي شعره فتوعده وأهدر دمه، فهام كعب يترامى على القبائل أن تجيره فلم يجيره أحد، فنصحه أخوه بالمجيء إلى النبي مسلماً تائباً، فرجع بعد أن ضاقت الأرض في وجهه، وأتى المدينة وبدأ بأبي بكر ودخل المسجد وتوسل به إلى الرسول فأقبل به عليه وآمن وأنشد قصيدته المشهورة (بانت سعاد)، فعفا عنه النبي، وخلع عليه بردته فسميت قصيدته بـ (البردة). ثم حسن إسلامه وأخذ يصدر شعره عن مواعظ وحكم باهتداء من القرآن الكريم وظهرت المعاني الإسلامية في شعره من أن الله هو رازق لعباده وغير ذلك.
قال الفاخوري حول البردة: ((ما زالت البردة في أهله حتى اشتراها معاوية منهم، وتوارثها الخلفاء الأمويون فالعباسيون حتى آلت مع الخلافة إلى بني عثمان)). قال الهاشمي أيضاً حول ما آلت إليه بردة النبي عليه الصلاة والسلام: ((بقيت في أهل بيته حتى باعوها لمعاوية بعشرين ألف درهم، ثم بيعت للمنصور العباسي بأربعين ألفاً)). وبذلك وضح أثر الإسلام الذي يدعو إلى الصفح الجميل والابتعاد عن التوعد والتهديد.
ورث موهبة الشعر عن والده فهو شاعر موهوب ابن شاعر فحل أجمع النقاد والأدباء على أنه من أعظم شعراء عصره. إنه كعب بن زهير، أبوه زهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي الكبير الذي كان شعره موضع التقدير في عصره وما بعد عصره، وكان عمر بن الخطاب لا يقدم شاعراً على زهير، وكان يقول: أشعر الناس الذي يقول: ومن ومن ومن، مشيراً بذلك إلى مجموعة من الحكم في معلقة زهير المشهورة بدأ كلاً منها بكلمة "من" مثل قوله:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ***** وإن يرق أسباب السماء بسلم
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ***** على قومه يستغن عنه ويذمم
ولقد كان طبيعياً أن تكون نشأة كعب في أحضان والده الشاعر الكبير ووسط أسرة تقرض جميعها الشعر، سبباً في أن ينظم الشعر وهو صغير، كما أثرت هذه النشأة في أخيه "بجير" الذي أخذ الشعر أيضا عن أبيه
*
إسلام كعب *
لإسلام كعب قصة ترويها كل كتب التاريخ العربي وتراجم الأدباء العرب فعندما جاء الإسلام أسلم بجير، وبقي كعب على وثنيته، ووقف في الجبهة المعادية للرسول ولرسالته وللمؤمنين به، ولم ينج بجير بسبب إسلامه من لسان كعب، فهجاه لخروجه على دين آبائه وأجداده ورد عليه بجير وطالبه باتباع طريق الهدى لينجو بنفسه من نار جهنم، لكن كعباً عاند وظل على وثنيته إلى أن فتحت مكة فكتب إليه بجير يخبره بأن الرسول قد أهدر دمه، وقال له: "إن النبي قتل كل من آذاه من شعراء المشركين وإن ابن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب قد هربا، وما أحسبك ناجياً، فإن كان لك في نفسك حاجة فأقدم على رسول الله فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا"، وعندما قرأ كعب كتاب أخيه ضاقت به الدنيا، وأشفق على نفسه، فلجأ إلى قبيلته مزينة لتجيره من النبي فأبت عليه ذلك، وعندئذ استبد به الخوف وأيقن انه مقتول.
*
الشاعر والرسول *
يقول الشاعر الإسلامي صلاح الدين السباعي: في تلك اللحظات العصيبة شاءت إرادة الله أن يشرح قلبه للإسلام فاتجه إلى المدينة ونزل على رجل يعرفه من جهينة، فأتى به الرجل إلى المسجد، ثم أشار إلى رسول الله قائلا: “هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه” فتلثم كعب بعمامته، ومضى نحو الرسول حتى جلس بين يديه، ووضع يده في يده، ثم قال: "يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً، فهل أنت قابل منه إن جئتك به" قال رسول الله: "نعم"، وعندئذ كشف كعب عن وجهه وقال: "أنا يا رسول الله كعب بن زهير" وما إن قال ذلك حتى وثب عليه رجل من الأنصار قائلا: "يا رسول الله دعني وعدو الله اضرب عنقه" ، فقال الرسول: "دعه عنك فإنه قد جاء تائباً نازعاً" ، وبين يدي الرسول وقف كعب ينشد لاميته الرائعة "بانت سعاد" فأعجب بها الرسول وكافأه عليها حيث كساه بردة كانت عليه، ويروى أن:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ***** متيم إثرها لم يفد مكبول
وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ ***** لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ
فَقُلتُ خَلّوا سبيلي لا أَبا لَكُمُ ***** فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ ***** يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني ***** وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال ***** قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم ***** أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
مازِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعاً ***** جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ
حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ ***** في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ
إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ ***** مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ
*
حكمة أصيلة *
وإلى جانب هذه القصيدة الشهيرة التي حققت له شهرة كبيرة فإن لكعب بن زهير إنتاجاً شعرياً
متنوعاً جمع بعضه أو معظمه في ديوان يحمل اسمه، أما موضوعات شعره فهي كغيرها من موضوعات الشعر الجاهلي، تتراوح بين الفخر والمدح والهجاء والرثاء والغزل والوصف وبعض الحكم، لكن النقاد يفرقون في شعره بين اتجاهين متباينين لأن إسلام كعب قد غير في نهج شعره وأمده بكثير من الصور، ورقق ألفاظه ومعانيه حيث كان كعب في الجاهلية يميل إلى الشدة والتقعر وخاصة في وصف الصحراء وحيوانها، بينما بعد الإسلام نراه كما يقول النقاد يميل إلى إرسال الحكمة والى الابتعاد عن الموضوعات الجاهلية.
يقول محمد علي الصباح في كتابه "كعب بن زهير: حياته وشعره" : الحكمة في شعر كعب ليست أمراً طارئاً عليه أو هي مستبعدة من أن تصدر عن مثله، فهو ابن زهير بن أبي سلمى الشاعر الذي زخرت معلقته بكثير من المواعظ والحكم، فليس غريباً أن يشتمل ديوان كعب على حكم كثيرة مبثوثة هنا وهناك في ثناياه، وأكثرها يمثل مقطوعات صغيرة مستقلة يبدو عليها اثر الإسلام واضحاً، إذ استفاد كعب من تعاليم دينه ولذلك فإن إنتاجه بعد إسلامه كان مشبعاً بتعاليم المدرسة الإسلامية فحين يقول كعب:
لو كنت اعجب من شيء لأعجبني ***** سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها ***** والنفس واحدة والهم منتشر
والمرء ما عاش ممدود له أمل لا ***** تنتهي العين حتى ينتهي الأثر
فالتعاليم الإسلامية في هذا الشعر واضحة كل الوضوح وهي تشعرنا كيف يسلم كعب بقضاء الله وقدره، كما تشعرنا بمدى تغلغل الإسلام في روح كعب ونفسه، والذي استطاع أن يقضي فيها على نزعاتها الجاهلية ويحول نقمتها على الحياة إلى أمل، بعطاء الله وفرج قريب من رحمته الواسعة.
وهكذا نرى كعباً في كل أشعاره الحكيمة يستمد زادها من الإسلام حيث يوكل أمره إلى الله الذي وحده يتكفل بالعباد، ويمن عليهم بالرزق والنعمة والأفضال، يقول كعب:

أعلم أني متى ما يأتني قدري ***** فليس يحسبه شح ولا شفق
بينا الفتى معجب بالعيش مغتبط إذ ***** الفتى للمنايا مسكم غلق
والمرء والمال ينمي ثم يذهبه ***** مر الدهور ويفنيه فينسحق
فلا تخافي علينا الفقر وانتظري ***** فضل الذي بالغنى من عنده نثق
إن يفن ما عندنا فالله يرزقنا ***** ومن سوانا ولسنا نحن نرتزق
ففي هذه الأبيات يقترب كعب من أن يكون واحداً من زهاد المسلمين الذين كانوا يكرهون أن يفكر الشخص منهم في رزق غد، بل كان منهم من يرى أن ذلك خطيئة لا تغتفر لأن رب العباد متكفل برزقهم، وليس عليهم إلا أن يسلموا أمرهم له فهو القادر على أن يرزقهم وسواهم من الناس قاطبة. ويمضي كعب في أشعاره الحكيمة محملاً لها ما شاء من تعاليم الإسلام التي تدعو إلى التوكل على الله في كل أمر والسعي الدائم الذي لا يقعد المرء عنه خوفاً من أذى أو مكروه، لأن كل شيء يحدث للمرء بمشيئة من الله وأمر من قضائه العادل.
**
مواقف من حياته **
1
ـ منع كعب من قول الشعر :-
قال حماد الرواية: تحرك كعبٌ وهو يتكلم بالشعر فكان زهير ينهاه مخافة أن يكون لم يستحكم شعره، فيروى له ما لا خيرٌ فيه، فكان يَضرِبه في ذلك. فكلما ضربه تزيد فيه، فطال عليه ذلك فأخذه فحبسه فقال: والذي أحلف به، لا تتكلم ببيت شعرٍ إلا ضربتك ضرباً ينكّلك عن ذلك. فمكث محبوساً عدّة أيام. ثم أخبر أنه يتكلم به. فدعاه فضربه ضرباً شديداً ثم أطلقه وسرّحه في بهمه وهو غلَيِّم صغير. فانطلق فرعى، ثم راح عشية وهو يرتجز:
أَنَّمَا أَحْدُو بِبَهْمِي عِيرَا ***** مِنَ القُرَى مُوقَرَةً شَعِيرَا
فخرج إليه زهير وهو غضبان. فدعا بناقته فكفلها بكسائه، ثم قعد عليها حتى انتهى إلى ابنه كعب. فأخذ بيده فأردفه خلفه. فقال زهير حين برز إلى الحي:

إني لتعديني على الهمِّ جَسرةٌ ***** تَخُبُّ بوصَّالٍ صرُومٍ وتُعنِقُ
ثم ضرب كعباً وقال له: أجز يا لُكَعُ. فقال كعب:
كبُنيانَةِ القَرئِيِّ موضِعُ رَحلها ***** وآثارُ نِسعيها من الدَفِّ أبلَقُ
فأخذ زهير بيد ابنه كعب ثم قال له: قد أذنت لك في الشعر يا بني.
2
ـ الرسائل الشعرية بين كعب وأخيه :-
لما قدم رسول الله من منصرفه عن الطائف كتب بجير بن زهير إلى أخيه كعب بن زهير يخبره أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قتل رجالاً بمكة، ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقي من شعراء قريش، قد هربوا في كل وجه، فإن كانت لك في نفسك حاجة، فطِر إلى رسول الله، فإنه لا يقتل أحداً جاءه تائباً، وإن أنت لم تفعل فانجُ إلى نجائك من الأرض؛ وكان كعب قد قال:
ألا أبلغا عني بُجيراً رسالةً ***** فهل لك فيما قلتَ بالخيفِ هل لكا
شربتَ مع المأمونِ كأساً رويةً ***** فانهلك المأمونُ منها وعلَّكا
وخالفت أسبابَ الهدى وتبعتهُ ***** على أيِّ شيءٍ وَيْبَ غَيْرِك دَلَّكَا
على خلقٍ لم تلفِ أمًّا ولا أباً ***** عليه ولم تدرك عليه اخاً لكا
وبعث بها إلى بُجير، فلما أتت بُجيراً كره أن يكتمها على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأنشده إياها، فقال الرسول لما سمع (سقاك بها المأمون): صدق وإنه لكذوب، أنا المأمون. ثم قال بجير لكعب:
مَن مُبلِغ كعبا فهل لكَ في التي ***** تلوم عليها باطلا وهيَ أحزَمُ
إلى الله لا العُزَّى ولا اللاتِ وحده ***** فتنجو إذا كان النَّجاء وتَسلمُ
لَدَى يَومِ لا ينجُو وليس بمُفلِتٍ ***** من النَّاس إلا طاهرُ القَلب مُسلِم
فدينُ زُهير وهو لا شيءَ دينُه ***** ودين أبي سُلمى عليَّ مُحرَّمُ



شكرا لتعليقك