الشاعر العباسى ابن الرومى
ابن الرومي من
شعراء القرن الثالث الهجري في العصر العباسي.إنه کان من الشعراء المولّدين، قد برع
في نظم الشعر بقريحته الوقادة وفکره العميق. ويمتاز شعره بالسلامة والرقة والسهولة
والعذوبة والإطناب ونری في هجائه أسلوباً خاصاً في ساحة الشعر العربي والعباسي.
وأنَّ فضيلة الهجاء عند ابن الرومي تقوم في خلق الصورة الکاريکاتورية. إذن ابن
الرومي شاعر فذ في إنشاد الشعر.
الکلمات الدلیلیة :القرن الثالث_العصر العباسی-ابن الرومی-الهجاء-السخریة.
أصله ونشأته:
الکلمات الدلیلیة :القرن الثالث_العصر العباسی-ابن الرومی-الهجاء-السخریة.
أصله ونشأته:
«هو أبوالحسن علي بن العباس بن
جريج،وقيل جورجيس، المعروف بابن الرومي وکانت ولادته يوم الأربعاء بعد طلوع الفجر
لليلتين من رجب سنة 221 ببغداد في الموضع المعروف بالعقيقة.»
[1]
[1]
قدأکد ابن الرومي في مواضع شتی إلی أصله الرومي من ناحية الأب، وإلی
أصله الفارسي من ناحية الأم،فإنَّه يتذکر في مطاوي أشعاره:
«کَيفَ أُغـضي علی الدَّنَّـيـة والـفـرس خَــؤولــي وَالــرُّوم أعـمـامــي»
[2]
«کَيفَ أُغـضي علی الدَّنَّـيـة والـفـرس خَــؤولــي وَالــرُّوم أعـمـامــي»
[2]
بدأ ابن الرومي حياته في العصر العباسي الأول ومضی أکثر عمره في
العصر العباسي الثاني.إنه عاصر تسعة من الخلفاء العباسيين: المعتصم والواثق
والمتوکل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدی والمعتمد والمعتضد. حينما کان طفلاً
صغيراً توفي أبوه « فکفله أخوه وأمه ويبدو أن أخاه کان يعاشرالأدباء والظرفاء
ويحضر مجالسهم ويقضي أيامه في جلسات الشرب واللهو في بساتين بغداد،فکان يصحب أخاه
إلی کل ذلک،و قد کان أخوه هذا ظريفاً حاضر النکتة والبديهة وکان يجمع بين الإمعان في
اللهو وحُبَّ الأدب ومجالس العلماء وهکذا نری أنَّ شاعرنا قد بدأ بداية مترفة بين
أخيه وأمه.أيضاً کان في الجو الَّذي اختلط فيه الاضطراب السياسي والرفاه
الاجتماعي،في العلم والثقافة والثورات،وليس ،في يديه سلاح سوی الثقافة الواسعة
وشعره،إذ يبدو أنَّ أخاه قد أسرف في البذل علی الملّذات،فاستندکل ماله،فاتخذ ابن
الرومي الشعر وسيلة إلی العيش.أمّا علی صعيد الحياة الاجتماعية،فقدکانت بغداد ،حتی
ذلک الحين ،عاصمة الدنيا إذا جاز التعبير ،تنکسب فيها الأموال وحضارات الشعوب
قاطبة من کل جانب وکان الرخاء يکون عاماً. فالحياة فيها باذحة رغم الفروق
الطبقية،في ذلک الجو بدأ الشاعرشبابه،حيث الحانات منثورة في البساتين و الأحياء
ومفاتن الحياة شتّی، فالقيان الجواري منهن والمغنيات،کثیرة يتهاداهن الأمراء
والقادة وأصحاب الشأن و يتغزل بهن الشعراء.» [3]
صورته الظاهرية:
و أماخصائصه الظاهرية کما يصفها عقاد في کتابه: «فکان صغير الرأس
مستدير أعلاه وأبيض الوجه يخالط لونه شحوب في بعض الأحيان وتغير، وکان نحيلا بين
العصبية في نحو له، أقرب إلی الطول أو طويلاً غير مفرط،کث اللحية أصلع بادر إليه و
الشيب في شبابه،أدرکته الشيخوخة الباکرة،فاعتل جسمه وضعف نظره وسمعه ولم يکن قط
قوي البنية في شباب و لا شيخوخة ومشي اختلج في مشية ولاح للناظر کأنَّه يدور علی
نفسه أو يغربل،لاختلال أعصابه و اضطراب أعضائه، وکان علی حظ من وساقه الصلعة في
شبابه معتدل القسمات لايأخذ الناظر بعيب بارز ولاحسنة بارزة في صحة وجهه،أمَّا في
الشيخوخة فقد تبدلت ملامحه وتقوس ظهره و لحق به ما لابُدَّ أن يلحق من تغيير
السقام و الهموم.» [4]
أساتذته وثقافته:
کان مولعاً بالعلم « ينصرف إلی متابعة التحصيل و الحضور في مجالس
العلماء و الفقهاء و الأدباء والرواة و شارحي المتون والبلاغيين والتزود بزاد دسم
من ثقافة عصره.وکان قد رفعه في هذا الاتجاء منذ صغره. تتلمذ شاعرنا علی بن محمد بن
حبيب الرواية النسابة،صديق والده، و قد کان يرجع إليه دائماً في تفسير ما غلق عليه
من غرائب اللغة العربية.» [5]إنَّ ابن الرومي
تتلمذ أيضاً علی « أبي العباس ثعلب عن حماد بن المبارک عن حسين بن الضحاک و قد نشأ
علی تعاطي الفلسفة. يقول المسعودي: أن الشعر کان أقل آلاته لعلمنا ذلک من شواهد
شتي في کلامه.» [6] فقد أتيح لشاعرنا أن يتزود بثقافة واسعة ومکتثفة، لغةً ونحواً وأدباً
،کما نراه يتجه إلی الثقافة المعاصرة وإلی الشعر و رواية القديم و الحديث. « وأما
ميله إلی إتجاه الثقافة المارة لم يلبث أن جری علی لسانه، فتهادته النوادي و
المحافل في بغداد،کما تهاداه إلی الوزراء وکبار رجال الدولة، و لکن مع شيء من
التحفظ و الاحتياط .والحق أن الوارثة عند ابن الرومي ليست کل شيء في شعره إذ ينبغي
أن نضيف إليها الثقافة اليونانية الإسلامية، فعندابن الرومي يونانية أصيلة
ويونانية مکتسبة لعلها أهم من يونانية الأصيلة، وهناک أيضاً ثقافة إسلامية و عربية
مکتسبة، وإذن ففي شعر ابن الرومي عناصر ثلاثة يضاعف إليها عنصر رابع،و هو عنصر
شخصي خاص بمزاج ابن الرومي کان له تأثير هام في شعره.» [7] يشير ابن الرومي إلی عبقريته و ثقافته اليونانية في شعره حیث یقول:
«نـحنُ
بَنـواليـونان قَـومٌ لَنـا حـجـي
أسرته:
قد مضي ابن الرومي معظم أيامه في عزلة و إنزواء «نکب ابن الرومي
بجميع أفراد أسرته، بأبيه وأمه و أخيه وخالته،فبقي لا معين له في الدهر يعضده،ولا
ملاذ له في الشدائد يدخل العزاء علی نفسه وکان قد تزوّج ليجد راحة بعد
العناء،وأمناً بعد القلق،وأنساً يدفع الوحشه،فرزق أولاداً ثلاثة رأی فيهم نعمة
الإيراق بعد اليباس وإطلالة الأصل بعد اليأس .وأصغر هؤلاء هبة الله و أوسطهم
محمد،وأمَّا أکبرهم فلم يذکر اسمه، ولکن الدواهي لم تغفل عينها وعن إيذائه، فأقبل
الموت ينتزع من دنياه الواحد تلو الآخر من صبية ،حتی ثکلهم جميعاً فبکاهم،ثُمَّ
رزيء بأمهّم بعدهم فبکاها .». [9]
تدينه وتشيعه:
إنَّ ابن الرومي
کان یميل إلی طريق الحق و يعتمد علی أموره إلی الله (تعالی) کما ظهر في شعره:
«يَـشـهـدُ الله أنَّ دينــــي ديــن
يـرتـضـيـه شـهـادةَ ومـغيـبـــا
لَم أعـانِـد بِه الـطـريـقَ، و لا
أضــ حَـي لَـدين المَـعـانَـديـنَ نَسيـبـــا
وکـفـی شـاهَـداً
بِـذاک مـلـيـک لَم تـزل عَيـنـَه عَـليَّ رقيـبــــا».
کما نری « له في مودة ذی القربي من آل الرسول ،صلوات الله عليه و
عليهم، أشواط بعيدة ، ودفاعه عنهم من أظهر الحقائق الجلية. وابن الرومي متشيع،
بقصيدته القوية المتفجعة التي رثی بها الشهيد يحيي بن عمر العلوي الَّذي قام علی
العباسيين.فليس عجيباً أن يصرح ابن الرومي بعدائه لبني العباس و بتشيعه للعلويين
مع أن أباه کان مولی لرجل من بيت العباسيين، و قد جمع ابن الرومي إلی التشيع
الاعتزال،وفي شعره ما يدل صراحة علی ذلک،والمعتزلة يقولون باختيار الإنسان لأفعال
وخلقه لها،حتی يثبتوا الله العدل حين يحاسب الناس علی أعمالهم التي ارتکبوها بمحض
اختيارهم،لا بطريق الجبر عليهم. لقدکان ابن الرومي شاعراً،مسلماً، مومناً،
متديناً، وما عرف عنه أنَّه إتخذ لنفسه مذهب الفلاسفة أوکان ضعيف العقيدة مزعزع
الإيمان مثل بشاربن برد وسائر الشعراء.» [11]
مظاهر شخصیته:
يوصف أخلاق ابن الرومي« بأنَّه دقيق الحس،عصبي المزاج،تغلب عليه
السوداء ،فيثور، ويشتد غضبه ويسلط لسانه إذا عبث به عابث،ولکن سريع الرضی،صفوح إذا
استرضی. وکان يحب الحياة و ينتعشها مع ما لقي فيها من بؤس وشقاء والحياة عند لذة
يتطلبها و يستمتع بها و اللذة عند شهوة إلی الجمال يتعبه أينما بدأ له فيستعذبه في
وجوده الملاح، و في أصوات المغنين و القيان، و في الطبيعة و ما عليها من صور و
ألوان و اللذة عند شهوة إلی المآدب،فهو منهوم لا يشبع من طعام و فواکه و شراب و
طلبه لهذه الملذات علی فقره و حرمانه،جعله يحسدکل ذي نعمة، فيتمناها
لنفسه،ويستکثرها في صاحبها وجعله يلحف في السؤال يعاقب و يتذلل حتی يتبغض. وکان
علی حبه للتکسب يجبن عن ادراک رزقه، فقد يدعوه بعض الأمراء فما يجرؤ أن يصير إليه
لأنه يخشي الأسفار ويخفيه البّر والصيف والشتاء. فهو موسوس،ضعيف العقل، متشائم،
متطير. ومن صفاته الحسنة أنَّه کان صادق المودة لأصحابة،محباً لأولاده و أهله
عطوفاً علی الفقراء و المساکين». [12]
تشاؤمه وتناقضه:
کان علی بن العباس الرومي «مُفَرِط الطَّيرَة، شديد الغلوّ فيها. وقد
أکثر العرب من ذکر الطَّيَرة، والزَّجرِ،کانت تقتدی بذلک و تجري علی حکمه ،حتی ورد
النَّهي في سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: لا عَدوَی ولاطِيَرة. أيضاً
إنّ النبي صلی الله عليه وسلم يُحِبُّ الفأل ويُکرِه الطَّيَرة». [13] إنه کان يسرف في الطيرة،حتی کان ذلک يؤثر في حياته و مزاجه تأثيراً
شديداً،و کان يضطربه إلی أن يلزم بيته أياماً لايخرج منه. [14] و من مظاهر تشاؤمه: «فقد کانت الطيرة تجسيداً لموقفه العام من
الحياة،ولعجزه من الإيمان بجدواها وتعلقها ونظامها، فعينٌ حولاء، أو يدٌ مشلولة،أم
قدم عرجاء،إنَّما هي رمز للنقص والعاهة في العالم وهي تطالعه،إنّما تنذره بأنّ
خطباً ما يسلم به أو أنَّه سيصاب بضرب من ضروب النقص و الخسارة. لأنَّها هي بالذات
تولّدت عنهما وحيثما حلّت فإنَّها تمهئ لحلولها وهکذا فإنَّ الوجودکان بالنسبة
لإبن الرومي،رهينة العاهة والمصيبة،تراود أنَّه،تطيفان به وتطالعانه،فجأة في کلّ
مظهر أو لفظٍ أو حرکة». [15]
لعَّل شخصیة لم تجتمع لها طائفة من المتناقضات النفسية کشخصيته ابن
الرومي«فهو رجل غريب الأطوار،لا يستقر علی حالة واحدة من حالات النفس المستقره
الثابته. کما تراه يمدح اليوم إنساناً ثم لا يلبث أن يذَّمه غداً، و تراه يمدح هذا
الزهر ثم لا ينفک أن يذمه بعد اليوم.» [16] کما کان الشعور بالخوف،صفة ملازمة لحياة ابن الرومي الذي يصل به
الحياءُ إلی الدرجة التي تمنعه حتی من تنشق الهواء النقي. [17]
الحسد والحقد:
هما من أوصاف ابن الرومي في کتب الأدب. و لکن ليس الحسد و الحقد
وصفين متلازمين لإبن الرومي و لا يعتقد عباس محمود العقاد في کتابه مثل هذه الصفات
وينکر صفاته و يقول:«و أجهل الناس بالطباع الانسانية من يصف رجلاً کابن الرومي
بالحسد والضنيعة لأنَّه کان يألم الانسان لأنَّه محروم مذوذ عن النعم و يتذوقها و
يعرف معنی المتعة بها،ولا أن يری مصيباً أو مخطفئاً في رأية أنه أجدر بتلک النعم
ممن لا يحبسهم انداده في الفضل والذکاء وأقرانه في المناقب و المآثرة،کلا ليس هذا
هو الحسد المذموم في ردي الصفات،وإنَّما الحسد المذموم هو خلق کرهة يبتلی به المرء
فلا يطيق النعمة عند غيره و أن کانت عنده ولا يستريح إلی شعور الناس بالسعادة
لانقطاع ما بينه وبينهم من رحم العطف والمشارکة في الامزاج و الآلام. فالحسد نضوب
في العاطفة وابن الرومي أبعد الناس عن نضوب العاطفة». [18]
أيضاً يؤکد العقاد: «کان ابن الرومي ساخطاً و يکن حاقداً والبون بعيد بين السخط والحقد وإنَّ التسبت أعراض هذين الخلقين عن طلاب الظواهر،فهما خلقان متباینان وقد يکونان في بعض الأحيان متناقضين،فيسخط الانسان بل يذوم في قلبه من الحقدأثر،وقد تکون کثرة سخطه لکثرة استجابته للمؤثرات الجديدة الطارئة التي تتعاقب علی حسد،أي لقلة حقدة و قلة إصراره علی البغض القديم.» [19]
أيضاً يؤکد العقاد: «کان ابن الرومي ساخطاً و يکن حاقداً والبون بعيد بين السخط والحقد وإنَّ التسبت أعراض هذين الخلقين عن طلاب الظواهر،فهما خلقان متباینان وقد يکونان في بعض الأحيان متناقضين،فيسخط الانسان بل يذوم في قلبه من الحقدأثر،وقد تکون کثرة سخطه لکثرة استجابته للمؤثرات الجديدة الطارئة التي تتعاقب علی حسد،أي لقلة حقدة و قلة إصراره علی البغض القديم.» [19]
آراؤه في المجتمع و الحياة :
نشاهد في نفسيته
نقمة علی المجتمع الَّذي عاش فيه ويعبّر عنها بقصائده «فقد رأی غيره من الشعراء
والأدباء و الناس، ممّن لايتحلون بأية فضيلة، يحصلون علی المکانة العالية،والأموال
الوفيرة، و الشهرة الواسعة، بينما يری نفسه،وهو الشاعر المجيد،لا تقدر مواهبه و هو
يمنع عن أي منصب مرموق،ويحرم من التقرب إلی أصحاب المراتب العليا وکان ابن الرومي
_ في کلَّ يوم _يتأکدله،أن عصره کان عصر إختلال وتفرّق،لايحقق الإنسان فيه مراده
بقدرته وکفاءته،أوبإحتياله عليهم،وإتخاذ لسانه أداة تملّق يظهر عکس ما
يبطن،تحقيقاً لمصالحه وضافعه فثار علی المجتمع المشبع بالنفاق والخديعة،وقام يشکو
اختلال الزمان.لقد أشار ابن الرومي إلی انهيار القيم الحضارية والإنسانية في
عصره،وسقوط المثل العليا بين أبناء وطنه فمراد ابن ارومي أن يسمو الإنسان بعلمه
وعقله و فکره، وليس بمکره واحتياله ويوضع ذلک بنقمة لازعة ولسان شديد الوطأة.»
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء