pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


      سابق البربري 

                                      سابق البربري 

هو أبو أمية سابق بن عبد الله البربري الرقي ونسبته الى البربر كانت لقبا له وليس أصولية فيه كما ورد في بعض المصادر العربية فهو من أصول عربية . 
كني بكنى كثيرة منها أبو المهاجر وابوسعيد وأبو أمية :وهو  فقيه وزاهد ومحدث واحد شعراء العصر الأموي .
ولد الشاعر في المغرب العربي ونشأ هناك ثم هاجر الى الشام حيث الخلافة الإسلامية ولما كان البربر يسكنون في المغرب العربي . لذا سمي سابق البربري وربما كان من أصول بر برية أو من أصول عربية فلم نجد مايشير إلى نسبه بمعرفة تامة فهو شاعر عابد زاهد .
هاجر من المغرب إلى الشام مهتما بالحديث النبوي الشريف وروايته
حيث كان علماء الحديث يهاجرون من بلد الى اخر للبحث عن رواة الحديث والأخذ منهم وربما لأخذ حديث واحد. وحدث فيه وقيل كان راوية للحديث اخذ عن مكحول الدمشقي المتوفي \112 هجرية .
وأصبح إماما للحديث وقد روى عنه الإمام الاوزاعي المتوفي سنة \ 157 هجرية .
وقيل من تلاميذه الشاعر أبو العتاهية .
وبعد أن اشتهر واستقامت سيرته عين قاضيا في الرقة وفي خلافة عمر بن عبد العزيز أصبح إماما لمسجد الرقة لذا فيصح إن نقول انه كان قاضيا وإماما وواعظااضافة حتى قيل ان الخليفة عمر بن عبد العزيز كان قد استمع إلى وعظه إلى كونه شاعرا مجيدا. 
من المعلوم والمعروف إن الخليفة عمر بن عبد العزيز كان لا يقرب أحدا من الشعراء ولا يقربهم إلا انه تقرب منه كونه اغلب شعره كان في الوعظ فكان من جلساء الخليفة عمر وشعرائه حيث كان الخليفة متحققا من صدقه وواثقا من زهده وورعه لذا اتخذه واعظا وشاعرا له . فكان الشاعر يلقي عليه شعره فيبكي الخليفة حتى يخر مغشيا عليه يقول :
فكم من صحيح بات للموت آمنا        أ تته المنايا بغتة بعدما هجع 
فلم يستطع إذ جاءه الموت بغت          فرارا ولا منه بقوته امتنع  
تبكيه النساء مقنعا أصبح               ولا يسمع الداعي وإن صوته رفع 
وقرب من لحد فصار مقيله و          وفارق ما قد كان بالأمس قد جمع
فلا يترك الموت الغني لماله            ولا معدما في المال ذا حاجة يدع 
شعر سابق البربري ملئ بالحكمة والوعظ والزهد في الحياة الدنيا كما حذر من اتباع الهوى ودعا إلى الإيمان بالقدر خيره وشره من الله كما ذكر في شعره الموت والقبر والساعة والحساب والجنة والنار كثيرا .
استشهد النحاة واللغويون بشعر سابق البربري وهذا يعني أن شعره كان سليما من شوائب اللغة ومما استشهدوا به هذا البيت في معاني اللام:
وللموتِ تغذو الوالداتُ سِخالَها    كما لخرابِ الدهرِ تُبْنى المساكنُ
ومن شعره الذي أنشده للخليفة عمر بن عبد العزيز وفيه زهد وموعظة قوله: 
النفسُ تَكلَفُ بالدنيا وقد عَلِمَت         أن السَّلامةَ منها تَركُ ما فيهَا
واللَّهِ ما قَنَعَت نَفسِي بما رُزِقَت       من المَعيشَة إلا سوفَ يكفيها
أموالُنا لِذَوي المِيراثِ نَجمَعُها         ودُورُنا لِخَرَابِ الدَّهرِ نَبنيها
واللَّهِ ما غَبَرت في الأرضِ ناظِرةٌ     إلا ومرُّ الليالي سَوف يَفنِيها
أينَ المُلُوكُ التي عن خَطبِها غَفَلَت     حتى سَقَاها بكأسِ المَوتِ ساقيها
غَرَّت زَمانا بِمُلكٍ لا دوامَ له           جَهلا كَما غَرَّ نفسا من يُمَنِّيها
كم من عزيزٍ سيَلقَى بعد عِزَّتِه         ذُلاً وضاحكةٍ يوما ستَبكِيها
وللحُتُوفِ تُربِّي كلُّ مُرضِعَةٍ          وللحِسَابِ بَرَى الأروَاحَ باريها
لا تَبرَحُ النفسُ تُنعَى وهي سالمةٌ       حتى يقومَ بنادي القَوم ناعيها
ولن تزالَ طوَالَ الدَّهرِ ظاعِنةً          حتَّى تُقيمَ بِوَادٍ غَيرِ واديها

ومن هنا يتبن ان سابق البربري انشد شعره في الحكمة والزهد المثل ولم يتطرق الى كل الفنون الشعرية الأخرى إنما اقتصر على القول في الزهد والمواعظ والحكم . 
لقد لقي شعر سابق البربري قبولاً وتميزا عند علماء الحديث ورواته والزهاد وتناقلوه في محافلهم لدعاتهم وطلابهم لذا انتشر سريعا بينهم وبين طبقات المجتمع الفقيرة الا ان النقاد رأوا في شعره رأياً آخر فهذا الجاحظ وهو شيخهم يقول في كتابه ( البيان والتبيين)

لو كان شعر صالح بن عبد القدوس وسابق البربري مفرقاً في أشعار كثيرة لصارت تلك الأشعار أرفع مما هي عليه بطبقات ولصار شعرهما نوادرَ سائرةً في الآفاق ولكن القصيدةَ إذا كانت كلُّها أمثالاً لم تسِرْ ولم تجْرِ مجرى النوادر ومتى لم يخرجِ السامعُ من شيء إلى شيء لم يكنْ لذلك النظامِ عنده موقع
وما نفهمه من كلام الجاحظ ومن خلال مدارسة شعره نجد انه يطابق ما ذكرناه حيث أن أغراض شعره معروفة وتمثل حالة معينة وهي الحكمة والوعظ والمثل ورغم انها من الشعر الجيد في ذاتها من حيث النظم و الرقي الموضوعي إلا أنها لاترقى الى ما كتبوه الشعراء ولا ترفع مكانة الشاعر كثيراً إذ ثمة أغراض أخرى للشعر لم يخض بها لم يخض بها والشاعر المجيد هو الذي ينظم في اغلب الفنون الشعرية كي يُحكم له بالتفوق وفي هذا المجال اود ان اذكر هناك شعراء انشدوا واشتهروا في فن شعري واحد إلا إنهم لم يقتصروا على الإنشاد فيه فخاضوا غمار فنون شعرية كثيرة وغلب على شعرهم نوع معين فاعتبروا من رواد هذا الفن أو ذاك . 







وقيل إن الخليفة عمر بن عبد العزيز أرسل إلى الشاعر سابق البربري يدعوه لوعظه فأرسل الشاعر له بهذه القصيدة الرائعة :
باسم الذي أُنزِلت من عِندِه السُّوَرُ          والحَمدُ للَّهِ أمَّا بَعدُ يا عُمَرُ
إن كنتَ تَعلَمُ ماتأتي وما تَذَر               فَكُن على حَذر قد يَنفَعُ الحَذَرُ
واصبِر على القَدَرِالمَجلُوبِ وارضَ به      وإن أتاك بِمَا لا تَشتَهِي القَدَرُ
فَما صَفا لامرِئٍ عَيشٌ يُسَرُّ به             إلا سيتبَعُ يوما صَفوَه كَدَرُ
واستَخبِرِ الناسَ عمّا أنت جَاهِلُه           إذا عَمِيتَ فقد يَجلو العَمَى البَصَرُ
قَد يَرعَوِي المرءُ يوما بعد هَفوَته        وتحكُم الجاهلَ الأيامُ والعِبَرُ
إن التُّقَى خَيرُ زادٍ أنت حامِلُهُ            والبرُّ أفضلُ شيءٍ نَالَه بَشَرُ
مَن يَطلُبِ الجَورَ لايَظفَر بحاجَتهِ         وطالِبُ الحقِّ قد يُهدَى له الظَّفَرُ
وفي الهُدَى عِبَرٌ تَشفَى القلوبُ بها        كالغَيثِ يَنضِرُ عن وَسمِيِّه الشَّجَرُ
وليسَ ذُوالعِلم بالتَّقوى كَجاهِلِها          ولا البَصيرُ كأعمَى ما له بَصَرُ
والرُّشدُ نافلةٌ تُهدَى لصاحِبِها            والغَيُّ يُكرَه منه الوِردُ والصَّدَرُ  
قد يُوبِقُ المرءَ أمرٌ وهو يَحقِره          والشيءُ يا نَفسُ يَنمَى وهو يُحتَقَرُ
ورُبَّما جاءني ما لا أؤملُه               وربَّما فاتَ مأمُول ومُنتَظَرُ
لا يُشبِعُ النفسَ شيءٌ حين تُحرِزُهُ       ولا يزالُ لها في غَيرِه وَطَرُ
ولا تزالُ وإن كَانت لهاسَعَةٌ             لَهَا إلى الشيءِ لم تَظفَر به نَظَرُ
وكلُّ شيءٍ له حالٌ يغيِّرُهُ                كما تُغَيِّرُ لونَ اللمّةِ الغِيَرُ   
والذِّكرُ فيه حَيَاةٌ لِلقُلُوبِ كما            يُحيِي البِلادَ إذا ما ماتَت المَطَرُ
والعِلمُ يَجلُو العَمَى عن قلبِ صاحبِه     كما يُجلي سوادَ الظُّلمةِ القَمَرُ
لا ينفعُ الذِّكرُ قَلباً قَاسِياً أبدَاً             وهَل يَلِينُ لِقَولِ الوَاعِظِ الحَجَرُ
والمَوتُ جِسرٌ لِمَن يَمشِي على قَدَم       إلى الأمور التي تُخشَى وتُنتَظَرُ
فهم يَمُرُّونَ أفواجاً وتَجمَعُهم             دَارٌ إليها يَصيرُ البَدوُ والحَضَرُ
مَن كَان في مَعقِل للحِزرِ أسلَمَه          أو كانَ في خَمرٍ لم يُنجِه خَمَرُ
حتَّى مَتَى أنَافي الدُّنيا أخو كلَفٍ         في الخدِّ مني إلى لَذَّاتِها صَعَرُ 
وَلا أرى أثَراً للذِّكرِ في جَسَدي         والماءُ في الحَجَرِ القاسي لَهُ أثَرُ
لَو كَانَ يُسهِرُ عيني ذِكرُ آخرَتِي         كَمَا يؤرِّقُني لِلعَاجِلِ السَّهَرُ
إذاً لَدَاويتُ قَلباً قد أضَرَّ بِهِ              طُولُ السِّقَام ووهنُ العَظم يَنجَبرُ
ما يَلبَثُ الشيءُ أن يَبلَى إذا اختَلَفَت       يَوماً عَلَى نَقضِه الرَّوحَاتُ والبُكَرُ
والمَرءُ يَصعَدُ رَيعَانُ الشَبَابِ به         وكُلُّ مُصعدَةٍ يَوماً ستَنحَدِرُ
وكلُّ بيتٍ خَرَاب بَعدَ جِدَّتِه              ومن وراء الشبابِ المَوتُ والكِبَرُ
بَينَا يُرَى الغُصنُ لَدناً في أرومَتِه        ر َيَّانَ أضحَى حُطاماً جَوفُه نَخِرُ
كَم مِن جَمِيعٍ أشتَّ الدَّهرُ شَملَهُمُ         وكلُّ شيءٍ جَمِيع سَوفَ يَنتَثِرُ
ورُبَّ أصيدَ سَامِي الطَّرفِ مُعتَصِب      بالتَّاجِ نِيرَانُه لِلحَربِ تَستَعِرُ
يَظَلُّ يَفتَرِشُ الدِّيبَاجَ مُحتَجِبا             عليه تُبنَى قِبَابُ المُلكِ والحُجَرُ
قد غادرتهُ المَنَايا وهو مُستَلَبُ           مجَدَّ لُتَربُ الخدين مُنعَفِرُ 
أبَعدَ آدمَ تَرجُونَ البَقَاءَ وَهَل             تَبقَى فروعٌ لأَصلٍ حين يَنعَقِرُ
لهم بيوتٌ بِمُستَنّ السُّيولِ                وهي لي َ بقَى على الماءِ بَيتٌ أُسُّه مَدَرُ
إلى الفَنَاءِ وإن طالت سَلامتُهم          مَصيرُ كلِّ بَنِي أُنثَى وإن كَثُروا
إنَّ الأُمورَ إذا استقبلتَها اشتَبَهَت         وفي تَدَبُّرِها التِّبيانُ والعِبَرُ
والمَرءُ ما عاشَ في الدنيا له أملُ        إذا انقَضى سَفَر منا أتَى سَفَرُ
لَهَا حَلاوةُ عَيشٍ غَيرُ دَائِمَةٍ             وفي العَوَاقِبِ مِنهَا المُرُّ والصَّبِرُ
اذا انقضت زُمَرٌ آجالُها نَزَلت          على مَنَازِلِها مِن بَعدِها زُمَرُ
وليسَ يَزجُرُكم ما تُوعَظُونَ بِهِ         والبَهمُ يَزجُرها الرَّاعِي فَتَنزَجِرُ
أصبَحتُمُ جَزَرا للموتِ يَقبِضُكم          كما البَهَائمُ في الدنيا لها جَزَرُ
لا تَبطِروا واهجُروا الدنيا فإنَّ لها       غِبَّا وَخِيما وكفرُ النعمةِ البَطَرُ
ثم اقتَدُوا بالأولى كانوا لكم غُرَرا        ولَيسَ من أُمَّةٍ إلا لها غُرَرُ
حتَّى تكونوا على مِنهَاجِ أوَّلِكُم          وتَصبِروا عن هَوَى الدنيا كَما صَبَروا
ما لي أرى الناسَ والدنيا مُوَلِّيةٌ        وكلُّ حَبلٍ عليها سوف يَنبَتِرُ
لا يَشعُرونَ بِمَا في دِينهم نَقَصُوا        جَهلاً وإن نقصت دُنياهُمُ شَعَروا
مَن عاشَ أدرك في الأعداءِ بُغيَتَهُ        ومَن يَمُت فَلَهُ الأيَّامُ تَنتَصِرُ

شكرا لتعليقك