مجرورات
الاسماء
. المجرور بحرف الجر :
(حروف الجر)
حروفُ الجرِّ عشرون حرفاً، وهي "الباء ومِن وإلى وعن
وعلى وفي والكافُ واللاَّمُ وواوُ القَسَمِ وتاؤهُ ومُذْ ومُنذُ ورُبَّ وحتى وخَلا
وَعدَا وحاشا وكي ومتى - لي لُغَةِ هُذَيل - ولَعَلَّ في لغة عُقَيل".
وهذهِ الحروف منها ما يختصّ بالدخولِ على الاسمِ الظاهر،
وهو "رُبَّ ومُذْ ومُنذُ وحتى والكافُ وواوُ القسمِ وتاؤهُ ومتى". ومنها
ما يدخلُ على الظاهر والمَضمَر، وهي البواقي.
واعلم أنَّ من حروفِ الجرِّ ما لفظُهُ مُشترَكٌ بينَ الحرفيّةِ
والاسميّة، وهو خمسةٌ "الكافُ وعن وعلى ومُذْ ومُنذُ". ومنها ما لفظُهُ مُشتركٌ
بينَ الحرفيّة والفعليّةِ، وهو "خلا وعدا وحاشا". ومنها ما هو ملازم للحرفيّة،
وهو ما بقي. وسيأتي بَيانُ ذلك في مواضعهِ.
وسُمّيت حروف الجرّ، لأنها تَجرُّ
معنى الفعل قبلَها إلى الاسم بعدَها، أو لأنها تجرُّ
ما بعدَها من الأسماءِ، أي تَخفِضُه. وتسمّى "حروفَ الخفض" أيضاً، لذلك.
وتُسمّى أيضاً "حروف الإضافة"، لأنها تُضيفُ معانيَ الأفعال قبلها إلى الأسماء
بعدها. وذلك أنَّ من الأفعال ما لا يَقوَى على الوصول إلى المفعول به، فَقوَّوه بهذه
الحروف، نحو "عجبتُ من خالدٍ، ومررتُ بسعيدٍ". ولو قلتَ "عجبتُ خالداً.
ومررتُ سعيداً"، لم يُجُز، لضعف الفعل اللازم وقُصورهِ عن الوصول إلى المفعول
به، إلا أن يَستعينَ بحروف الإضافة.
وفي هذا المبحث تسعةُ مَباحث.
2- الاستعانةُ، وهي الداخلةُ على المستعانِ به - أي الواسطة
التي بها حصلَ الفعلُ - نحو "كتبتُ بالقلم. وبَرَيتُ القلمَ بالسكينِ". ونحو
"بدأتُ عملي باسمِ الله، فنجحتُ بتوفيقهِ".
3- السّببيةُ والتَّعليلُ، وهي الداخلةُ على سبب الفعل وعِلَّتهِ
التي من أجلها حصلَ، نحو "ماتَ بالجوعِ"، ونحو "عُرِفنا بفلانِ".
ومنه قولهُ تعالى {فَكُلاُّ أخَذْنا بذنبه} ، وقولهُ {فبِما نقضِهم ميثاقَهمْ لَعنّاهم}
.
4- التّعديةُ، وتُسمّى باءَ النّقلِ، فهي كالهمزةِ في تصييرها
الفعلَ اللازمَ مُتعدِّياً، فيصيرُ بذلك الفاعلُ مفعولاً، كقوله تعالى {ذهبَ الله بِنُورهم}
، أي أذهبهُ، وقولهُ {وآتيناهُ من الكُنوزِ ما إنَّ مَفاتِحَهُ لتَنُوءُ بالعُصبة أُولي
القوّة} ، أي لَتُنيءُ العُصبةَ وتُثقلُها. وهذا كما تقول "ناءَ به الحملُ، بمعنى
أثقلهُ". ومن باءِ التّعدية قولهُ تعالى {سُبحانَ الذي أسرَى بعبدهِ ليلاً من
المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} . أي سيّرهُ ليلاً.
5- القسمُ، وهي أصلُ أحرُفهِ. ويجوز ذكرُ فعلِ القسمِ معها؛
نحو "أُقسم بالله". ويجوزُ حذفُهُ، نحو "باللهِ لأجتهدَنَّ". وتدخلُ
على الظاهرِ، كما رأيتَ، وعلى المُضَمرِ، نحو "بكَ لأفعلنَّ".
6- العَوَضُ، وتسمى باءَ المقابلةِ أيضاً، وهي التي تَدُلُّ
على تعويض شيءٍ من شيءٍ في مُقابلةِ شيءٍ آخرَ، نحو "بِعتُكَ هذا بهذا. وخُذِ
الدارَ بالفرسِ".
7- البدَلُ، وهي التي تدلَّ على اختيار أحدِ الشيئينِ على
الآخرِ، بلا عِوَضٍ ولا مقابلةٍ، كحديث "ما يَسُرُّني بها حُمْرُ النّعَم"،
وقولِ بعضهم "ما يَسُرُّني أني شَهِدتُ بَدْراً بالعقبة" أي بَدَلها، وقول
الشاعر [من البسيط]
فَلَيْتَ لِي بِهِمِ قَوْماً إذا رَكِبُوا ... شَنُّوا الإِغارةَ
فُرْساناً ورُكْبانا
8- الظرفيّةُ - أي معنى (في) - كقوله تعالى {لَقَد نَصرَكمُ
اللهُ بِبَدْرٍ. وما كنتَ بجانبِ الغربي. نجّيناهم بِسَحر. وإنَّكم لَتَمُرون عليهم
مصبِحينَ وباللّيلِ} .
9- المصاحبةُ، أي معنى "معَ"، نحو "بعتُكَ
الفَرَسَ بسرجهِ،
والدارَ بأثاثها"، ومنه قولهُ تعالى "إهبِطْ بسلام".
10- معنى "مِن" التَّبعيضيّةِ، كقولهِ تعالى
"عَيناً يشربُ بها عبادُ اللهِ"، أي منها.
11- معنى "عن"، كقولهِ تعالى {فاسأل به خبيراً}
، أي عنهُ، وقولهِ {سأل سائلٌ بعذابٍ واقعٍ} ، وقوله {يَسعى نورُهم بينَ أيديهم وبأيمانِهم}
.
12- الاستعلاءُ، أي معنى "على" كقوله تعالى
"ومن أهلِ الكتابِ مَن إن تَأمَنهُ بِقِنطارٍ يُؤدَّهِ إليكَ"، إي على قنطار،
وقولِ الشاعر [من الطويل]
أَرَبٌّ يَبُولُ الثُّعلُبانُ بِرَأْسِهِ ... لَقَدْ ذَلَّ
مَنْ بالتْ عَلَيْهِ الثَّعالِبُ
13- التأكيدُ، وهي الزائدةُ لفظاً، أي في الإعراب، نحو
"بِحَسبِكَ ما فعلتَ"، أي حَسبُك ما فعلتَ. ومنهُ قوله تعالى {وكفى باللهِ
شهيداً} ، وقولهُ {أَلم يعلم بأنَّ اللهَ يرى} ، وقولهُ {ولا تُلقوا بأيديكم إلى التّهلُكة}
، وقولهُ {أَليس الله بأحكمِ الحاكمين؟} وسيأتي لهذه الباء فضلُ شرح.
2- مِنْ
مِنْ لها ثمانيةُ مَعانٍ
1-
الابتداءُ، أَي ابتداءُ الغايةِ
المكانيّةِ أو الزمانيّةِ. فالأول كقوله
تعالى {سبحانَ الذي أسرى بعبدهِ ليلاً من المسجد الحرامِ
إلى المسجد الأقصى} . والثاني كقوله {لَمَسجدٌ أُسسَ على التّقوى من أوَّلِ يوم أَحَقُّ
أَن تقومَ فيهِ} . وتَرِدُ أَيضاً لابتداء الغاية في الأحداث والأشخاص. فالأول كقولك
"عَجبتُ من إقدامك على هذا العمل"، والثاني كقولك "رأيتُ من زهير ما
أُحبُّ".
2- التّبعيضُ، أي
معنى "بعض"، كقولهِ تعالى {لن تنالوا البرَّ حتى تُنفقوا ممّا تُحبُّونَ}
أي بعضَهُ، وقولهِ "منهم من كلّمَ اللهَ"، أَب بعضُهم. وعلامتُها أَن يَخلُفَها
لَفظُ "بعضٍ".
3- البيانُ، أي بيانُ الجنس، كقوله تعالى {واجتنبوا الرجسَ
من الأوثانِ} . قولهِ {يُحَلَّونَ فيها من أَساورَ من ذهبٍ} . وعلامتُها أَن يصحَّ
الإخبارُ بما بعدَها عمّا قبلها، فتقول الرجس هي الأوثانُ، والأساورُ هي ذهب.
واعلم أَن "من" البيانيّةَ ومجرورَها في موضعِ
الحال مما قبلَها، إن كان معرفةً، كالآية الأولى، وفي موضع النّعتِ له إن كان نكرة،
كالآية الثانية. وكثيراً ما تَقَعُ "من البيانيّةُ" هذهِ بعد "ما ومهما"،
كقوله تعالى {ما يَفتَحِ اللهُ للناسِ من رحمةٍ فلا مُمسِكَ لها} ، وقولهِ {ما ننْسَخْ
من آيةٍ} ، وقولهِ {مهما تأتِنا به من آية} .
4- التأكيدُ، وهي الزائدة لفظاً، أي في الإعراب، كقوله تعالى
{ما جاءنا من بشيرٍ} ، وقوله {هل تحس منهم من أحد} وقوله {هل من خالق غير الله} [فاطر:
3] . وسيأتي لـ "مِنْ" هذه فضلُ شرح
5- البدل: كقوله تعالى {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة}
أي
بدلها وقولهِ {لجعَلَ منكم ملائكةً في الأرضِ يَخلُفون} أي
"بَدَلكم"، وقولهِ {لن تُغنيَ عنهم أموالُهم ولا أولادُهم من الله شيئاً}
، أي بَدَلَ الله، والمعنى بَدَلَ طاعتهِ أو رحمتهِ. وقد تقدَّم معنى البدل في الكلام
على الباءِ.
6- الظَّرفيّة، أَي معنى (في) ، كقوله سبحانهُ {ماذا خَلقوا
من الأرض} ، أي فيها، وقولهِ {إذا نُوديَ للصّلاة من يومِ الجمعة} ، أي في يومها.
7- السّببيّةُ والتّعليلُ، كقوله تعالى {مِمّل خطيئاتِهم
أُغرِقوا} ، قال الشاعر [من البسيط]
يُغْضِي حَياءً، وَبُغْضَى مِنْ مَهابَتهِ ... فَما يُكَلَّمَ
إِلاَّ حِينَ يَبْتَسِم
8- معنى "عن"، كقولهِ تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ
قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله} [الزمر: 22] ، وقولهِ: {يا ويلنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ
مِّنْ هذا} [الأنبياء: 97] .
3- إِلى
إلى لها ثلاثة معانٍ
1- الانتهاءُ، أي انتهاءُ الغايةِ الزمانيّة أو المكانيّة.
فالأولُ كقولهِ تعالى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصيامَ إلى الليل} ، والثاني كقولهِ {من المسجد
الحرام إلى المسجد الأقصى} .
وترِدُ أيضاً لانتهاء الغاية في الأشخاص والأحداث. فالأولُ
نحو "
جئتُ إليك"، والثاني نحو "صِلْ بالتّقوى إلى رضا
الله".
ومعنى كونها للانتهاءِ أنها تكونُ منتهًى لابتداء الغاية.
أمّا ما بعدَها فجائزٌ أن يكون داخلاً جُزءٌ منه أو كلُّهُ
فيما قبلَها، وجائزٌ أن يكونَ غيرَ داخل. فإذا قلتَ "سرتُ من بيروتَ إلى دمَشقَ"،
فجائزٌ أن تكون قد دخلتَها، وجائزٌ أنك لم تدخلها، لأنَّ النهايةَ تشملُ أولَ الحدّ
وآخرَهُ. وإنما تمتنعُ مجاوزتُهُ. ومن دخول ما بعدَها فيما قبلَها قولهُ تعالى {إذا
قُمتُم إلى الصَّلاة فاغسِلوا وُجوهكُم وأيديَكُم إلى المَرافِق} . فالمَرافق داخلةٌ
في مفهوم الغسل. ومن عدم دُخولهِ قولهُ عَزَّ وجلَّ {ثمَّ أَتِمُّوا الصيامَ إلى الليل}
. فالجزءُ من الليل غيرُ داخلٍ في مفهوم الصيام. وقالت الشيعةُ الجعفريةُ إنه داخل.
والآية - بظاهرها - مُحتملة للأمرينِ.
فإن كان هناك قرينةٌ تدلُّ على دخول ما بعدَها فيما قبلَها،
دخل، أو على عدم دخوله لم يدخل. فإن لم تكن قرينةٌ تدلُّ على دخوله أو خورجهِ، فإن
كان من جنس ما قبلها جاز أن يدخل وأن لا يدخل، نحو "سرتُ في النهار إلى العصر"
وإلا فالكثير الغالبُ أنه لا يدخل. نحو "سرتُ في النهار إلى الليل". وقال
قوم يدخل مطلقاً، سواءٌ أكان من الجنس أم لا. وقال قومٌ لا يدخل مطلقاً. والحقّ ما
ذكرناه.
2- المصاحبةُ، أي معنى "معَ" كقوله تعالى {قال
مَن أنصاري إلى الله؟} أي معهُ، وقولهُ {ولا تأكلوا أموالَهم إلى أموالكم} ، ومنهُ
قولهم "الذَّوْدُ إلى الذَّوْدِ إبلٌ"، وتقولُ "فلانٌ حليمٌ إلى أدبٍ
وعلمٍ".
2- معنى "عند"، وتُسَمّى المُبَيّنَة، لأنها تُبينُ
أن مصحوبها فاعلٌ لما
3- قبلها. وهي التي تقعُ بعدَ ما يفيدُ حُباً أو بُغضاً من فعل
تعجّبٍ أو اسمِ تفضيلٍ، كقوله تعالى "قال رب السّجنُ أحَب إليَّ مِمّا يدعونني
إليه" [يوسف: 33] ، أي أحبُّ عندي. فالمُتكلم هو المُحِبُّ. وقولِ الشاعر [من
الكامل]
4- أَمْ لا سَبيلَ إلى الشَّباب، وذِكْرُهُ ... أَشهى إِلَيَّ
مِنَ الرَّحيقِ السَّلْسَلِ
5- 4- حَتَّى
6- حتى للانتهاء كإلى، كقوله تعالى {سلامٌ هيَ حتى مَطلَعِ الفجر}
. وقد يدخلُ ما بعدَها فيما قبلها، نحو "بَذَلتُ ما لي في سبيل أُمَّتي، حتى آخر
دِرهمٍ عندي". وقد يكون غيرَ داخلٍ، كقوله تعالى {كلوا واشربوا حتى يَتبيّن لكمُ
الخيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود من الفجر} ، فالصائم لا يُباحُ له الأكلُ متى بدا الفجر.
7- ويَزعُمُ بعضُ النحاةِ أنّ ما بعدَ "حتى" داخلٌ
فيما قبلها على كل حال. ويَزعُمُ بعضهم أنه ليس بداخلٍ على كل حال. والحقُّ أنه يدخلُ،
إن كان جزءًا مما قبلها، نحو "سِرتُ هذا النهارَ حتى العصرِ"، ومنه قولهم
"أكلتُ السمكة حتى رأسِها". وإن لم يكن جزءًا ممّا قبلها لم يدخلْ، نحو
"قرأتُ الليلةَ حتى الصَّباحِ" ومنه قولهُ تعالى {سلامٌ هيَ حتى مَطلَعِ
الفجر} .
8- واعلم أن هذا الخلافَ إنما هو في "حتى" الخافضة.
وأما "حتى"العاطفة، فلا خلاف في أن ما بعدَها يجبُ أن يدخلَ في حكم ما قبلها،
كما ستعلم ذلك في مبحث أحرف العطف.
9- والفرق بينَ غلى وحتى أنَّ "إلى" تجرُّ ما كان
أخراً لِما قبله، أو مُتّصلاً
بآخره، وما لم يكن آخراً ولا متصلاً به. فالأولُ نحو
"سرتُ ليلةَ أمسِ إلى آخرها" والثاني نحو "سهرتُ اليلةَ إلى الفجر"،
والثالثُ نحو "سرتُ النهارَ إلى العصر".
ولا تجرُّ "حتى" إلا ما كان آخراً لِما قبلها،
أو متّصلاً بآخره، فالأول نحو "سرتُ ليلةَ امسِ حتى آخرِها"، والثاني كقوله
تعالى {سلامٌ هيَ حتى مَطلَعِ الفجر} . ولا تجرُّ، ما لم يكن آخراً ولا متصلاً به،
فلا يقال "سرتُ الليلةَ حتى نصفها".
وقد تكونُ حتى للتَّعليل بمعنى اللام، نحو {إتَّقِ اللهَ
حتى تفوزَ برضاهُ} ، أي لتفوز.
5- عَنْ
عن لها ستة معانٍ
1- المجاوزةُ والبُغدُ، وهذا أصلُها، نحو "سرتُ عن البلدِ.
رَغِبتُ عن الأمر. رَمَيت السهمَ عن القوس".
2- معنى "بَعد"، نحو عن قريبٍ أزُورُكَ"،
قال تعالى {عمّا قليلٍ لَتُصبحُنَّ نادمين} ، وقال {لَتركبُنَّ طَبَقاً عن طبَقٍ} ،
أي حالاً بعدَ حالٍ.
3- معنى "على" كقولهِ تعالى "ومَن يَبخَلْ
فإنما بَبخَلُ عن نفسه"،أي عليها، ومنه قول الشاعر [من البسيط]
لاَهِ ابنُ عَمِّكَ! لاَ أُفْضِلْتَ في حَسَبٍ ... عَنِّي.
وَلا أَنتَ دَيَّاني فَتَخُزُوني
4- التَّعليلُ، كقولهِ سبحانه {وما نحنُ بتاركي آلهتِنا عن
قولك} ، أي من أجل قولك، وقولهِ {وما كان استغفارُ إبراهيمَ لأبيهِ إلا عن مَوعِدةٍ
وعَدَها إيّاهُ} .
5- معنى "مِن" كقوله سبحانه: {وَهُوَ الذي يَقْبَلُ
التوبة عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] ، وقولهِ: {أولئك الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ
أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ} [الأحقاف: 16] ، أَي: منهم.
6- معنى البَدَل كقولهِ تعالى {واتَّقوا يوماً لا تجزي نَفسٌ
عن نَفسٍ شيئاً} ، أَي بَدل نفس، وكحديثِ "صومي عن أُمك"، وتقولُ "قُمْ
عني بهذا الأمر"، أَي بَدَلي.
واعلم أنَّ "عن" قد تكونُ اسماً بمعنى "جانِبٍ"،
وذلك إذا سُبقت بِمن، كقول الشاعر [من الكامل]
فَلَقَدْ أَراني لِلرِّماحِ دَريئَةً ... مِنْ عَنْ يَميني
تارَةً وِشمالي
وقول الآخر [من الطويل]
وَقُلْتُ اجعَلي ضَوْءَ الفَراقِدِ كُلِّها ... يَميناً.
وَمَهْوى النَّجْمِ مِنْ عَنْ شِمالِكِ
6- عَلَى
على لها ثمانيةُ مَعانٍ
1-
الاستعلاءُ، حقيقةً
كان، كقولهِ تعالى {وعليها وعلى الفُلكِ
تُحمَلونَ} ، أو مجازاً، كقولهِ {وفَضّلناهم بعضَهم على بعض}
، ونحو "لفلانٍ عليَّ دَينٌ". والاستعلاءُ أصلُ معناها.
2- معنى "في"، كقوله تعالى "ودخلَ المدينةَ
على حين غَفلةٍ من أهلها" [القصص: 15] أي في حين غفلة.
3- معنى "عن"، كقول الشاعر: [من الوافر]
إذا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ ... لَعَمْرُ اللهِ
أَعْجَبَني رِضَاها
أي إذا رضِيت عني.
4- معنى اللام، التي للتعليل، كقوله تعالى {ولتُكَبّروا اللهَ
على ما هداكم} ، أي "لهِدايتهِ إيّاكم"، وقولِ الشاعر [من الطويل]
عَلامَ تَقولُ الرُّمْحُ يُثْقِلُ عاتِقي ... إِذا أَنا لَمْ
أَطعنْ، إذا الخَيْلُ كَرَّتِ
أي لِمَ تقول؟
5- معنى "مَعَ"، كقولهِ تعالى {وآتَى المالض على
حُبّهِ} ، أي معَ حُبهِ، وقولهِ {وإنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغفرةٍ للناسِ على ظُلمهم} ،
مع ظُلمهم.
6- معنى "من"، كقولهِ سبحانَهُ {إذا اكتالوا على
الناسِ يَستَوفونَ} أي اكتالوا منهم.
7- معنى الباءِ، كقولهِ تعالى {حَقيقٌ عليَّ أن لا أقولَ
إلاّ الحق} ، أي حقيقٌ بي، ونحو "رمَيتُ على القوس"، أي رميتُ مستعيناً بها،
ونحو "اركبْ على اسمِ الله"، أي مستعيناً به.
8- الاستدراكُ، كقولكَ "فلانٌ لا يدخلُ الجنةَ لِسوءِ
صنيعهِ، على أنهُ لا يَيأسُ من رحمة اللهِ"، أي لكنَّهُ لا ييأسُ. ومنه قولُ الشاعر
[من الطويل]
بِكُلِّ تَداوَينا. فَلَمْ يَشْفِ ما بِنا ... عَلى أَنَّ
قُرْبَ الدَّارِ خَيْرٌ مِنَ الْبُعْدِ
عَلى أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ لَيْسَ بِنافعٍ ... إِذا كانَ
مَنْ تَهْواهُ لَيْسَ بِذي وُدِّ
وقولُ الآخر [من الطويل]
فَوَاللهِ لا أَنسى قَتيلاً رُزِئتُهُ ... بِجانِبِ قَوْسى
ما بَقيتُ عَلى الأَرضِ
عَلى أنَّها تَعْفو الْكُلومُ، وإِنَّما ... نُوَكَّلُ بالأَدنى،
وَإِنْ جَلَّ ما يَمْضِي
وإذا كانت للاستدراك، كانت كحرف الجر الشبيهِ بالزائد، غيرَ
متعلقة بشيءٍ، على ما جنحَ إليه بعضُ المحقّقينَ.
واعلم أنَّ "على" قد تكونُ اسماً للاستعلاء بمعنى
"فَوْق"، وذلك إذا سُبِقتْ بِمِنْ كقوله [من الطويل]
"غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ ... بَعْدَ ما تَمَّ ظِمْؤُها"
أي من فوقه، وتقولُ "سقطَ من على الجبل".
7- في
في لها سبعةُ مَعانٍ
1- الظرفيّةُ، حقيقيّةً كانت، نحو "الماءُ في الكوز.
سرتُ في النّهار". وقد اجتمعت الظرفيّتانِ الزمانيّة والمكانيّةُ في قولهِ تعالى
{غُلبتِ الرُّومُ في أَدنى الأرض. وهم مِن بَعْدِ غَلَبِهمَ سَيَغلِبونَ في بِضعِ سنينَ}
، أَو مجازيَّةً، كقوله سبحانه {ولَكُم في رسول اللهِ أُسوةٌ حسنةٌ} ، وقولهِ {ولَكُم
في القصاصِ حياةٌ} .
2- السببيّة والتّعليلُ، كقولهِ تعالى {لَمَسّكم فيما أَفضتُم
فيه عذابٌ عظيم} أي بسبب ما أَفضتم فيه. ومنه الحديثُ "دخلتِ امرأَةٌ النارَ في
هِرَّةٍ حَبَستها" أي بسبب هِرَّةٍ.
3- معنى "معَ" كقولهِ تعالى {قال ادخلوا في أمَمٍ
قد خَلَت من قبلكم} أي مَعَهم.
4- الاستعلاءُ - بمعنى "عَلى" - كقولهِ تعالى
{لأصلبنّكُم في جُذوعِ النّخلِ} ، أي عليها.
5- المُقايَسةُ - وهيَ الواقعةُ بينَ مفضولٍ سابقٍ وفاضلٍ
لاحقٍ، كقولهِ تعالى {فما مَتاعُ الدنيا في الآخرةِ إلا قليلٌ} ، أي بالقياس على الآخرة
والنسبة إليها.
6- معنى الباءِ، التي للالصاقِ، كقول الشاعر [من الطويل]
ويَرْكَبُ يَوْمَ الرَّوْعِ مِنَّا فَوارِسٌ ... بَصيرُونَ
في طَعْنِ الأَباهِرِ والْكُلى
أي بصيرونَ بطعنِ الأباهر.
7- معنى "إلى" كقولهِ تعالى {فَرَدُّوا أيديَهم
في أفواههم} .
8- الكاف
الكافُ لها أَربعةُ معانٍ
1- التشبيهُ، وهو الأصلُ فيها، نحو "عليٌّ كالأسد".
2- التّعليلُ، كقوله تعالى {واذكرُوهُ كما هداكم} ، أَي لهدايتهِ
إيّاكم. وجعلوا منه قوله تعالى {وَيْ كأنّهُ لا يُفلحُ الكافرون!} . أَي أعجبُ أَو
تَعجّبْ لعَدم فلاحهم. فالكافُ حرف جر بمعنى اللام، وأنَّ هي الناصبةُ الرافعة.
3- معنى "على" نحو "كُنْ كما أَنتَ"،
أَي كُن ثابتاً على ما أنت عليه.
4- التّوكيدُ - وهي الزائدةُ في الإعراب - كقولهِ تعالى
{ليس كمِثلهِ شيءٌ} ، أي ليس مِثلهُ شيءٌ، وقولِ الرَّاجز يَصفُ خيلاً ضوامرَ
"لَواحِقُ الأقرابِ، فيها كالمقَق".
واعلم أَنَّ الكاف قد تأتي اسماً بمعنى "مِثلٍ"،
كقول الشاعر [من البسيط]
أَتَنتَهونَ؟ وَلَنْ يَنْهى ذّوي شَطَطٍ ... كَالطَّعْنِ
يَذْهَبُ فيهِ الزَّيتُ والفُتُلُ
وقول الراجز [من الرجز]
"يّضْحَكْنَ عَنْ أسنان كَالبَرَدِ المُنْهَمِّ"
ومنهُ قول المُتنبي [من الطويل]
وَما قَتَلَ الأَحرارَ كَالْعَفْوِ عَيْنُهمْ ... ومَنْ لَكَ
بالحُرِّ الَّذِي يَحْفَظُ الْيَدا
ومن العلماءِ من خصَّ ورودَ اسماً بضرورة الشعر. ومنهم من
أَجازهُ في الشعر والنثرِ، كالأخفش وأبي علي الفارسي وابن مالكٍ وغيرهم. ويشهدُ لهم
قولهُ تعالى، عن لسان المسيح، عليه السلام، في سُورة آل عمرانَ {أني أخلُقُ لَكم من
الطّين كهيئةِ الطير، فأنفُخُ فيه فيكونُ طيراً بإذنِ اللهِ} أي مثلَ هيئةِ الطير.
فالكاف اسمٌ بمعنى "مثل"، وهي في محلّ نصبٍ على أنها مفعولٌ به لأخلُقُ.
والضميرُ في "فيه" يعود على هذه الكاف الاسميّة، لأنَّ مدلولها مُذكَّرٌ
وهو "مِثل". ولو لم تُجعل الكاف هنا بمعنى "مِثل".... الضميرُ
بلا مرجع، لأنهُ لا يجوزُ أن يعود إلى "الطير"، لأن النفخ ليس في الطير نفسه،
وإنما هو فيما يُشبهُهُ، ولا على هيئة، لأنها مؤنثة. وقد
أعاد الضمير على الهيئة، في سورة المائدة، وهو قولهُ تعالى
{وإذْ تَخلُقُ من الطين كهيئة الطير بإذني، فتنفخُ فيها فتكونُ طيراً بإذني} .
9- اللاَّم
اللامُ لها خمسةَ عشرَ معنى
1- الملِكُ - وهي الداخلة بين ذاتينِ، ومصحوبُها يَملِكُ
- كقوله تعالى {للهِ ما في السَّمواتِ والأرضِ} ، ونحو "الدارُ لسعيدٍ".
2- الاختصاصُ، وتُسمَّى لامَ الاختصاصِ، ولامَ الاستحقاقِ
- وهي الداخلة بين معنًى وذات - نحو "الحمدُ للهِ" والنجاحُ للعاملين, ومنه
قولهم "الفصاحةُ لِقُرَيشٍ، والصبّاحةُ لِبَني هاشمٍ".
3- شِبهُ المِلك. وتُسمّى لامَ النسبة - وهي الدَّاخلة بينَ
ذاتينِ، ومصحوبُها لا يملِكُ - نحو "اللجامُ للفرَس".
4- التّبيينُ، وتُسمّى "اللاّمَ المُبيّنة"، لأنها
تُبيِّنُ "أن مصحوبَها مفعولٌ لما قبلَها"، من فعل تعَجُّبٍ أو اسمِ تفضيل،
نحو "خالدٌ أحب لي من سعيدٍ. ما أحبّني للعلم!. ما أحملَ عليّاً للمصائب!
". فما بعدَ اللام هو المفعول به. وإنما تقول "خالدٌ أحب لي من سعيد"،
إذا كان هو المُحبَّ وأنت المحبوب. فإذا أردت العكسَ قلت "خالدٌ أحبُّ إليَّ من
سعيد"، كما قال تعالى {ربِّ السجنُ أحبُّ إليَّ} وقد سبقَ هذا في "إلى".
5- التّعليلُ والسببيَّةُ، كقوله تعالى {إنَّا أنزلنا إليكَ
الكتابَ بالحقِّ لتحكُمَ بينَ الناسِ بما أراكَ الله} ، وقولِ الشاعر [من الطويل]
وإِنِّي لَتَعْروني لِذِكْراكِ هزَّةٌ ... كما انْتَفَضَ
الْعُصْفورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ
ومنهُ اللامُ الثانيةُ في قولكَ "يالَلنَّاسِ لِلمظلوم!
".
6- التوكيدُ - وهي الزائدة في الإعراب لمُجرَّد توكيد الكلام
- كقول الشاعر [من الكامل]
وَمَلَكْتَ ما بَيْنَ الْعِراقِ ويَثْرِبٍ ... مُلْكاً أَجارَ
لُمسْلِمٍ ومُعاهِدِ
ونحو "يا بُؤسَ لِلحرب! ". ومنهُ لامُ المُستغاث،
نحو "يا لَلفضيلة! " ويه لا تَتعلَّق بشيءٍ، لأنَّ زيادتها لمجرَّد التوكيد.
7- التّقويةُ - وهيَ التي يُجاءُ بها زائدةً لتقويةِ عاملٍ
ضَعُف بالتأخيرِ، بكونه غيرَ فعلٍ. فالأول كقولهِ تعالى {الذينَ هم لربهم يَرهبُون}
وقوله {إن كنتم للرُّؤْيا تَعبُرونَ} . والثاني كقوله سبحانه {مُصَدِّقاً لِما مَعَهمْ}
وقولهِ {فعّالٌ لِما يُريدُ} . وهي - معَ كونها زائدةً - مُتعلّقةٌ بالعامل الذي قوَّتهُ،
لأنها - مع زيادتها - أفادته التَّقوية، فليست زائدةً مَحضة. وقيل هي كالزائدة المحضة،
فلا تتعلَّق بشيء.
8- انتهاءُ الغاية - أي معنى "إلى" - كقوله سبحانه
{كلٌّ يجري لأجل مُسمًّى} ، أي إليه، وقولهِ {ولو رُدُّوا لعادوا لِما نُهُوا عنه}
، وقولهِ {بأنّ ربكَ أوحى لها} .
9- الاستغاثةُ وتُستعمَلُ مفتوحةً معَ المستغاث، ومكسورةً
معَ المُستغاثِ لهُ، نحو "يا لَخالِدٍ لِبَكر! ".
10-
التعجبُ وتُستعملُ
مفتوحةً بعد "يا" في نداءِ المُتعجَّب منه،
نحو "يا لَلفرَحِ! "، ومنهُ قول الشاعر [امرئ القيس
- من الطويل]
فَيا لَكَ مِنْ لَيْلٍ! كأنَّ نُجُومَهُ ... بِكُلِّ مُغارِ
الْفَتْل شُدَّتْ بِيَذْبُلِ
وتُستعملُ في غير النداءِ مكسورةٌ، نحو "للهِ دَرُّهُ
رجلاً! "، ونحو "للهِ ما يفعلُ الجهلُ بالأممِ! ". 11- الصّيرورةُ
(وتُسمَّى لامَ العاقبةِ ولامَ المآلِ أيضاً) وهي التي تدلُّ على أنَّ ما بعدَها يكونُ
عاقبةً لِمَا قبلها ونتيجةً له، عِلةَّةً في حصوله. وتخالفُ لامَ التَّعليل في أنّ
ما قبلها لم يكن لأجل ما بعدها، ومنه قوله تعالى {فالتقطهُ آلُ فِرعونَ ليكونَ لهم
عدواً وحَزَناً} ، فَهُم لم يلتقطوهُ لذلك، وإنما التقطوهُ فكانتِ العاقبةُ ذلك. قال
الشاعر [من الوافر]
لِدُوا لِلْمَوْتِ، وَابنُوا لِلْخرابِ ... فَكُلُّكُمء يَصيرُ
إِلى الذَّهابِ
فالإنسان لا يَلِدُ للموت، ولا يبني للخراب، وإنما تكونُ
العاقبةُ كذلك.
12- الاستعلاءُ - أي معنى "على" - إما حقيقةً كقوله
تعالى {يَخِرُّونَ للأذقانِ سُجَّداً} ، وقولِ الشاعر [من الطويل]
ضَمَمْتُ إِليهِ بالسِّنانِ قميصَهُ ... فَخَرَّ صَريعاً
لِلْيَدَيْنِ ولِلفَم
وإمّا مجازاً كقوله تعالى {إن أسأتُم فَلَها} ، أي فعليها
إساءتُها، كما قال في آية أخرى {وإن أسأتُم فعليها} .
13- الوقتُ (وتُسمَّى لامَ الوقت ولامَ التاريخ) نحو
"هذا الغلامُ لِسنةٍ"، أي مرَّت عليه سَنةٌ. وهي عندَ الإطلاق تدلُّ على
الوقت الحاضر، نحو "كتبتُهُ لِغُرَّةِ شهر كذا"، أي عند غُرّتِهِ، أو في
غُرَّتهِ. وعندَ القرينة تدلُّ على المُضيِّ أو الاستقبال، فتكونُ بمعنى "قبَلٍ"
أو "بَعدٍ"، فالأولُ كقولك "كتبتُهُ لستٍّ بَقينَ من شهر كذا"،
أي قبلها، والثاني كقولك "كتبتُهُ لخمسٍ خَلَوْن من شهر كذا"، أي بعدها.
ومنهُ قولهُ تعالى {أقمِ الصّلاةَ لِدلوكِ الشمس} ، أي بعدَ دلُوكها. ومنه حديثُ
"صُوموا لِرُؤيتهِ وأفطِروا لِرؤيته"، أي بعد رؤيته.
14- معنى "معَ"، كقول الشاعر [من الطويل]
فَلَمَّا تَفَرَّقْنا كأَنِّي ومالِكاً ... - لِطولِ اجتماعٍ
- لم نَبِتْ ليْلَةً مَعا
15- معنى "في"، كقوله تعالى {ويَضَعُ الموازينَ
القسطَ ليومِ القِيامة} ، أي فيها، وقولهِ {لا يُجلّيها لوقتها إلاّ هُو} ، أي في وقتها.
ومنه قولهم "مضى لسبيله"، أي في سبيلهِ.
10 و11- الواوُ والتَّاءُ
والواوُ والتاءُ تكونان للقسم، كقوله تعالى {والفجرِ وليالٍ
عَشرٍ} ، وقولهِ {تاللهِ لأكيدَنَّ أصنامَكم} . والتاءُ لا تدخُلُ إلا على لفظ الجلالة.
والواوُ تدخلُ على كل مقسم به.
12 و13- مُذ ومُنْذُ
مُذْ ومُنذُ تكونان حرفيْ جَرّ بمعنى "منْ"، لابتداءِ
الغاية، إن كان الزمانُ ماضياً، نحو "ما رأيتكَ مُذْ أو منذُ يومِ الجمعة"،
وبمعنى "في"، التي للظرفيّة، إن كان الزمان حاضراً، نحو "ما رأيتهُ
مُنذُ يومنا أو شهرِنا" أي فيهما. وحينئذٍ تُفيدان استغراقَ المدَّة، وبمعنى
"من وإلى" معاً، إذا كان مجرورهما نكرةً معدودةً لفظاً أو معنى. فالأول نحو
"ما رأيتكَ مُذ ثلاثةِ أيام"، أي من بَدئها إلى نهايتها. والثاني نحو
"ما رأيتكَ مذ أمدٍ، أو مُنذُ دَهرٍ". فالأمدُ والدهرُ كِلاهما مُتعدِّدٌ
معنًى، لأنه يقالْ لكل جزءٍ منها أمدٌ ودهرٌ. لهذا لا يقالُ "ما رأيتُهُ مُنذ
يومٍ أو شهرٍ"، بمعنى ما رأيتهُ من بدئهما إلى نهايتهما، لأنهما نكرتانِ غيرَ
معدودتينِ، لأنهُ لا يقالُ الجزءِ اليومِ يومٌ، ولا لجزءِ الشهر شهرٌ.
واعلم أَنهُ يشترطُ في مجرورهما أن يكون ماضياً أو حاضراً،
كما رأيتَ. ويشترطُ في الفعل قبلَهما أن يكون ماضياً منفيّاً، فلا يقالُ "رأيتهُ
منذُ يومِ الخميس"، أَو ماضياً فيه معنى التَّطاوُلِ والامتدادِ، نحو "سِرتُ
مُذْ طلوعِ الشمسِ".
وتكونُ "مُذ ومُنذُ" ظرفينِ منصوبينِ مَحلاً، فَيُرفعُ
ما بعدَهما. ويُشترَطُ فيهما أَيضاً ما اشتُرطَ فيهما وهما حرفان. وقد سبقَ الكلامُ
عليهما في المفعول فيهِ، عندَ الكلامِ على شرحِ الظروف المبنية فراجعهُ.
ومُذ أصلُها "منذُ" فَخُفّفت، بدليل رجوعهم إلى
ضم الذَّال عند ملاقاتها ساكناً، نحو "انتظرتكَ مذُ الصباح". ومُنذُ أصلُها
"من" الجارَّةُ و"إذ" الظرفيّة، فَجُعلتا كلمةً واحدةً. ولذا كسرت
مِيمُها - في بعض اللُّغات - باعتبار الأصل.
إمّا مجازاً كقوله تعالى {إن أسأتُم فَلَها} ، أي فعليها
إساءتُها، كما قال في آية أخرى {وإن أسأتُم فعليها} .
13- الوقتُ (وتُسمَّى لامَ الوقت ولامَ التاريخ) نحو
"هذا الغلامُ لِسنةٍ"، أي مرَّت عليه سَنةٌ. وهي عندَ الإطلاق تدلُّ على
الوقت الحاضر، نحو "كتبتُهُ لِغُرَّةِ شهر كذا"، أي عند غُرّتِهِ، أو في
غُرَّتهِ. وعندَ القرينة تدلُّ على المُضيِّ أو الاستقبال، فتكونُ بمعنى "قبَلٍ"
أو "بَعدٍ"، فالأولُ كقولك "كتبتُهُ لستٍّ بَقينَ من شهر كذا"،
أي قبلها، والثاني كقولك "كتبتُهُ لخمسٍ خَلَوْن من شهر كذا"، أي بعدها.
ومنهُ قولهُ تعالى {أقمِ الصّلاةَ لِدلوكِ الشمس} ، أي بعدَ دلُوكها. ومنه حديثُ
"صُوموا لِرُؤيتهِ وأفطِروا لِرؤيته"، أي بعد رؤيته.
14- معنى "معَ"، كقول الشاعر [من الطويل]
فَلَمَّا تَفَرَّقْنا كأَنِّي ومالِكاً ... - لِطولِ اجتماعٍ
- لم نَبِتْ ليْلَةً مَعا
15- معنى "في"، كقوله تعالى {ويَضَعُ الموازينَ
القسطَ ليومِ القِيامة} ، أي فيها، وقولهِ {لا يُجلّيها لوقتها إلاّ هُو} ، أي في وقتها.
ومنه قولهم "مضى لسبيله"، أي في سبيلهِ.
10 و11- الواوُ والتَّاءُ
والواوُ والتاءُ تكونان للقسم، كقوله تعالى {والفجرِ وليالٍ
عَشرٍ} ، وقولهِ {تاللهِ لأكيدَنَّ أصنامَكم} . والتاءُ لا تدخُلُ إلا على لفظ الجلالة.
والواوُ تدخلُ على كل مقسم به.
14- رُبَّ
رُبَّ تكونُ للتّقليلِ وللتّكثير، والقرينةُ هي التي تُعيّنُ
المرادَ. فمن التقليل قولُ الشاعر [من الطويل]
أَلا رُبَّ مَوْلودٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ ... وذي وَلَدٍ
لَمْ يَلْدَهُ أَبَوانٍ
يُريدُ بالأول عيسى، وبالثاني آدمَ، عليهما السلامُ. ومن
التكثيرِ حديثُ "يا رُب كاسِيةٍ في الدنيا عاريةٌ يومَ القيامةِ"، وقولُ
بعضِ العرب عند انقضاءِ رَمضانَ "يا رُبَّ صائمهِ لن يَصومَهُ ويا رُبَّ قائمهِ
لن يَقومهُ".
واعلم أنهُ يُقالُ "رُبَّ ورُبَّةَ ورُبّما ورُبَّتما".
والتاءُ زائدة لتأنيث الكلمة، و"ما" زائدةٌ للتوكيد. وهي كافةٌ لها عن العمل.
وقد تُخَفّفُ الباءُ. ومنه قوله تعالى {رُبَما يَودُّ الذين
كفروا لو كانوا مُسلمينَ} .
ولا تَجُرُّ "رُبَّ" إلا النكرات، فلا تُباشِرُ
المعارفَ. وأمّا قولهُ "يا رُبَّ صائمهِ، ويا رُبَّ قائمهِ" المتقدَّمُ،
فإضافة صائم وقائم إلى الضمير لم تُفدهما التعريفَ، لأنَّ إضافةَ الوصف إلى معمولهِ
غير محضةٍ، فهي لا تُفيدُ تعريفَ المضاف ولا تخصيصَهُ، لأنها على نيّة الانفصال، ألا
ترى أنك تقول "يا رُبَّ صائم فيه، ويا ربَّ قائم فيه".
والأكثر أن تكون هذه النكرة موصوفة بمفردٍ أو جملة. فالأول
نحو "رُبَّ رجلٍ كريمٍ لقيته". والثاني نحو "رُبَّ رجلٍ يفعل الخيرَ
أكرمته". وقد تكونُ غيرَ موصوفة، نحو "رُبَّ كريم جبانٌ".
وقد تُجُرُّ ضميراً مُنكَّراً مُميّزاً بنكرةٍ. ولا يكونُ
هذا الضميرُ إلا مُفرداً مُذَكَّراً. أما مُميّزُهُ فيكونُ على حسب مُراد المتكلم مفرداً
أو مُثَنَّى أو جمعاً أو مذكراً أو مؤنثاً، تقول "رُبّهُ رجلاً. رُبّهُ رَجلَينِ.
رُبّهُ رجالاً. رُبّهُ امرأةً. رُبَّهُ امرأتينِ. رُبّهُ نساءً". قال الشاعر
[من الخفيف]
رُبَّهُ فِتَيَةً دَعَوْتُ إلى ما ... يُورِثُ الْحَمَدَ
دائباً، فأَجابُوا
وسيأتي الكلامُ على محل مجرور "رُبَّ" من الإعراب،
في الكلام على موضع المجرور بحرف الجر.
15 و16 و17- خَلاَ وَعَدا وحَاشا
خَلا وعدا وحاشا تكون أَحرف جرٍّ للاستثناء، إذا لم يتقدَّمهنَّ
"ما". وقد سبق الكلام عليهنَّ في مبحث الاستثناء. فراجعه.
18- كَيْ
كي حرفُ جرَّ للتعليل بمعنى اللام. وإنما تَجُرُّ "ما"
الاستفهامية، نحو "كيْمَهْ؟ "، نقولُ "كيمَ فعلتَ هذا؟ "، كما
تقولُ "لمَ فعلته؟ ". والأكثرُ استعمالُ "لمهْ؟ " وتُحذَفُ أَلِفُ
"ما" بعدَها كما تُحذَفُ بعدَ كلِّ جارٍّ، نحو "مِمّهْ وعَلامهْ وإلامَهْ".
وإذا وقَفُوا ألحقوا بها هاء
السكت، كما رأيتَ. وإذا وصلوا حذفوها، لعدم الحاجة إليها
في الوصل.
وقد تَجرُّ المصدرَ المؤوّلَ بما المصدرية كقول الشاعر [من
الطويل]
إِذا أَنتَ لَم تَنْفَعْ فَضُرَّ، فإنَّما ... يُرادُ الْفَتَى
كيْما يَضُرُّ وَيَنْفَعُ
(فكي حرف جر. وما مصدرية، فما بعدها في تأويل مصدر مجرور
بكي. أي يراد الفتى للضر والنفع. ويجوز أن تكون "كي" هنا هي المصدرية الناصبة
للمضارع. فما. بعدها. زائدة كافةٌ لها عن العمل) .
19- مَتَى
مَتى تكونُ حرفَ جرٍّ - بمعنى "مِنْ" - في لُغةِ
"هُذَيلٍ"، ومنهُ قولهُ [من الطويل]
شَرِبْنَ بِماءٍ البَحْرِ، ثُمَّ تَرَفَّعْتْ ... مَتَى لُجَج
خُضْرٍ لَهُنَّ نَئيجُ
20- لعَلَّ
لَعَلَّ تكونُ حرفَ جرٍّ في لغة "عُقَيلٍ" وهي
مبنيّةٌ على الفتح أو الكسر، قال الشاعر [من الطويل]
فَقُلْتُ ادْعُ أُخرَى وارفَعِ الصَّوْتَ جَهْرَةً ... لَعَلَّ
أَبي المِغْوارِ منْكَ قَريبُ
وقد يُقال فيها "عَلَّ" بحذف لامِها الأولى.
وهي حرفُ جرّ شبيهٌ بالزائد، فلا تتعلَّقُ بشيءٍ. ومجرورها
في موضع
رفعٍ على أَنه مبتدأ. خبرهُ ما بعدَه.
وهي عندَ غير "عُقَيل" ناصبةٌ للاسم رافعةٌ للخبر،
كما تقدَّم.
2- مَا الزَّائدَةُ بعْدَ الجارِّ
قد تُزادُ "ما" بعدَ "من وعن والباء"،
فلا تَكفُّهنَّ عن العمل، كقوله تعالى {مِمّا خَطيئاتهم أُغرِقوا} ، وقولهِ {عَمّا
قَليلٍ ليُصبحنَّ نادمينَ} ، وقولهِ {فَبما رَحمةٍ من الله لِنتَ لَهُم} .
وقد تُزادُ بعدَ "رُبَّ والكافِ" فيبقى ما بعدَهما
مجروراً، وذلك قليلٌ، كقول الشاعر [من الخفيف]
رُبَّما ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ صَقيلٍ ... بَيْنَ بُصْرى وَطَعْنَةٍ
نَجْلاءُ
وقولِ غيره [من الطويل]
وَنَنْصُرُ مَوْلانا، ونَعْلَمُ أَنَّهُ ... كمَا النَّاسِ،
مَجْرومٌ عَلَيْهِ وجارِمُ
وإنما وجبَ أَن تكونا هنا عاملتينِ، غيرَ مكفوفتينِ، لأنهما
لم تُباشِرا الجملة، وإنما باشرتا الاسم.
والاكثرُ أن تُكُفّهما "ما" عن العملِ، فيدخلانش
حينئذٍ على الجُمَلِ الاسميّة والفعليّة كقول الشاعر [من الطويل]
أَخٌ ماجِدٌ لَمْ يُخْزِني يَومَ مَشْهَدٍ ... كمَا سَيْفُ
عَمْرٍ ولَمْ تَخُنْهُ مَضارِبُهْ
وقولِ الآخر [من المديد]
رُبَّما أَوْفَيتُ في عَلَمٍ ... تَرْفَعَنْ ثَوْبي شَمَالاتُ
والغالب على "رُبَّ" المكفوفةِ أَن تدخلَ على فعلٍ
ماضٍ، كهذا البيت. وقد تدخلُ على فعلٍ مضارع، بشرط أن يكونَ مُتَحققَ الوقوع، فيُنزّلُ
منزلة الماضي للقطع بحصولهِ، كقولهِ تعالى {رُبَما يَودُّ الذينَ كفروا لو كانوا مُسلمينَ}
. ونَدَرَ دخولها على الجملة الاسميّة، كقول الشاعر [من الخفيف]
رُبَّما الْجَامِلُ المُؤَبَّلُ فيهِمْ ... وعَناجيجُ بَيْنَهُنَّ
المِهارُ
3- واوُ رُبَّ وفاؤُها
قد تُحذَف "ربَّ"، ويبقى عملُها بعد الواو كثيراً،
وبعد الفاء قليلاً، كقول الشاعر وهو امرئ القيس: [من الطويل]
وَلَيْلٍ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، أَرْخى سُدُولَهُ ... عَلَيَّ.
بِأَنْواعِ الهُمومِ، لِيَبتَلي
وقولهِ [من الطويل]
فَمِثْلِكِ حُبْلى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ ... فَألْهيْتُها
عَنْ ذي تَمائِمَ مُحْوِلِ
4- حَذْفُ حَرْفِ الجَرِّ قِياساً
يُحذَفُ حرفُ الجَرِّ قِياساً في ستَّة مواضع
1- قبلَ أنْ، كقوله تعالى {وعَجِبوا أن جاءَهم مُنذرٌ منهم}
، أي لأنْ جاءهم، وقولهِ {أوَ عَجِبتُمْ أنْ جاءكم ذِكرٌ من ربكم على رجلٍ منكم} ،
وقولِ الشاعر [من البسيط]
اللهُ يَعْلَمُ أَنَّا لا نُحِبُّكُمُ ... وَلا نَلومُكُمُ
أَن لا تُحِبُّونا
أي على أن لا تُحبُّونا.
2- قبلَ أنَّ، كقولهِ تعالى {شهِدَ اللهُ انهُ لا إِله إلا
هو} ، أي شَهِدَ بأنهُ.
واعلم أنهُ إنما يجوزُ حذفُ الجارِّ قبلَ "أن وأنَّ"،
إن يُؤمَنِ اللَّبسُ بحذفهِ. فإن لم يُؤمَن لم يَجز حذفهُ، فلا يقالُ "رغِبتُ
أن أفعلَ"،
لإشكالِ المراد بعدَ الحذفِ، فلا يَفهمُ السامعُ ماذا أردتَ
أرَغبَتك في الفعلِ، أم رغبَتَكَ عنه؟ فيجبُ ذكرُ الحرف ليتعيَّن المرادُ، إلا إذا
كان الإبهامُ مقصوداً من السامع.
3- قبلَ "كي" الناصبةِ للمضارع، كقولهِ تعالى
{فرَددناهُ إلى أمهِ كي تَقرَّ عينُها} ، أي لكي تَقرَّ.
واعلم أن المصدرَ المؤوَّل بعد "أنْ وأنَّ وكيْ"
في موضع جرَّ بالحرف المحذوف، على الأصحَّ. وقال بعض العلماءِ هو في موضعِ النصب بنزعِ
الخافض.
4- قبلَ لفظِ الجلالة في القسم، نحو "اللهِ لأخدمنَّ
الأمةَ خدمةً صادقةً"، أي والله.
5- قبلَ مُميّز "كم" الاستفهامية، إذا دخل عليها
حرفُ الجرِّ، نحو "بكم درهم اشتريتَ هذا الكتابَ؟ " أي بكم من درهم؟ والفصيحُ
نصبُهُ، كما تقدَّم في باب التمييز، نحو "بكم درهماً اشتريته؟ ".
6- بعدَ كلامٍ مُشتملٍ على حرف جرّ مثله، وذلك في خمس صُوَر
الأولى بعد جوابِ استفهامٍ، تقول "مِمَّنْ أخذتَ الكتاب؟
"، فيقالُ لك "خالدٍ"، أي من خالد.
الثانية بعد همزةِ الاستفهام، تقولُ "مررتُ بخالدٍ"،
فيقالُ "أخالدِ ابنِ سعيدٍ؟ " أي أبخالدِ بنِ سعيد؟.
الثالثة بعدَ "إن" الشرطّيةِ، تقولُ "إذهبْ
بِمنْ شئتَ، إنْ خليلٍ،
إنْ حسَنٍ" أي إن بخليلٍ، وإن بحسنٍ.
الرابعةُ بعدَ "هَلاَ"، تقولُ "تصدَّقتُ بدرهمٍ"،
فيقالُ "هَلاّ دينار"، أي هلاّ تَصدَّقتَ بدينار.
الخامسة بعد حرف عطفٍ مَتْلُوٍّ بما يصحُّ أن يكونَ جملةً،
لو ذُكرَ الحرفُ المحذوفُ، كقولك "لخالدٍ دارٌ، وسعيدٍ بُستانٌ"، أي ولسعيد
بستانٌ، وقولِ الشاعر [من الرجز]
ما لِمحُبٍّ جَلَدٍ أَنْ يَهْجُرا ... وَلا حَبيبٍ رَأْفةٌ
فَيَجْبُرَا
وقولِ الآخر [من البسيط]
أَخْلِقْ بِذي الصَّبْرِ أَنْ يَحْظى بِحاجتِهِ ... ومُدْمِنِ
الْقَرْعِ لِلأَبوابِ أَنْ يَلِجا
أي وبِمُدمنِ القرع. ومنهُ قولهُ تعالى {وفي خَلقكم وما يَبُثُّ
من دآبَّةٍ آياتٌ لقومٍ يُوقنونَ، واختلافِ الليلِ والنهار وما أنزلَ اللهُ من السماءِ
من رزقٍ، فأحيا به الأرضَ بعد موتها، وتصريفِ الرِّياح، آياتٌ لقومٍ يعقلون} .
5- حَذْفُ حَرْفِ الجَرِّ سَمَاعاً
قد يُحذَف الجَرِّ سَمَاعاً، فينتصبُ المجرورُ بعدَ حذفهِ
تشبيهاً لهُ بالمفعول به. ويُسمى أيضاً المنصوب على نزعِ الخافض، أي الاسمَ
الذي نُصبَ بسبب حذفِ حرفِ الجرِّ، كقولهِ تعالى {ألا إنَّ
ثمودَ كفروا ربَّهم} ، أي بربهم، وقولهِ {واختارَ موسى قومَهُ أربعينَ رجلاً} أي من
قومه، وقولِ الشاعر [من الوافر]
تَمُرُّونَ الدِّيارَ وَلَمْ تَعُوجُوا ... كَلامُكُمُ عَلَيَّ
إذاً حَرامُ
أي تَمُرُّونَ بالديار، وقولِ الآخر [من البسيط]
أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فافْعَلْ مَا أُمرْتَ بهِ ... فَقَدْ
تَرْكْتُكَ ذا مَالٍ وَذا نَشَبِ
أي أمرتُك بالخير، وقولِ غيرهِ [من البسيط]
أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنباً لَسْتُ مُحْصِيَهُ ... رَبَّ الْعِبادِ،
إِلَيهِ الْوَجْهُ والعَمَلُ
أي أستغفرُ اللهَ من ذنب.
ويُسمّى هذا الصنيعُ بالحذف والإيصال، أي حذفِ الجارَّ وإيصالِ
الفعل غلى المفعول بنفسهِ بلا واسطة. وقال قومٌ إنهُ قياسي. والجمهورُ على انهُ سماعيٌّ.
ونَدَرَ بقاءُ الاسمِ مجروراً بعد حذف الجارِّ، في غير مواضع
حذفهِ قياساً. ومن ذلك قولُ بعضِ العربِ، وقد سُئلَ "كيف أصبحتَ؟ " فقال
"خيرٍ، إن شاءَ اللهُ"، أي "على خير"، وقولُ الشاعر [من الطويل]
إذا قيلَ أَيُّ النَّاسِ شَرٌّ قَبيلَةً ... أَشارَتْ كُلَيْبٍ
بالأَكُفِّ الأَصابِعُ
أي إلى كليب. ومثلُ هذا شُذوذٌ لا يُلتفتُ إليه.
6- أَقسامُ حَرفِ الجَرِّ
حرفُ الجرَّ على ثلاثة أقسام أصليٍّ وزائدٍ وشبيه بالزائد.
فالأصليُّ ما يحتاجُ غلى مُتعلَّق. وهو لا يُستغنى عنه معنًى
ولا إعراباً، نحو "كتبتُ بالقلم".
والزائدُ ما يُستغنى عنه إعراباً، ولا يحتاجُ إلى مُتعلّق.
ولا يُستغنى عنه معنًى، لأنهُ إنما جيءَ به لتوكيد مضمونِ الكلام، نحو "ما جاءَنا
من أحدٍ" ونحو "ليسَ سعيدٌ بمسافرٍ".
والشِّبيهُ بالزائدِ ما لا يُمكن الاستغناءُ عنهُ لفظاً ولا
معنى، غيرَ أنهُ لا يحتاجُ إلى مُتعلّق.
وهو خمسةُ أحرفٍ "رُبَّ وخَلاَ وعدا وحاشا ولَعَلَّ".
(وسمي شبيهاً بالزائد لأنه لا يحتاج إلى متعلّق. وهو أيضاً
شبيهٌ بالأصلي من حيث أنه لا يستغنى عنه لفظاً ولا معنى. والقول بالزائد هو من باب
الاكتفاء، على حد قوله تعالى {سرابيل تقيكم الحرّ} ، أي وتقيكم البرد أيضاً) .
7- مَواضِعُ زِيادَةِ الجارِّ
لا يُزادُ من حروفِ الجرّ إلا "من والباءُ والكافُ واللام".
وزيادتها إنما هي في الإعراب، وليستْ في المعنى، لأنها إنما
يُؤتى بها للتَّوكيدِ.
أمّا الكافُ، فزيادتها قليلةٌ جداً. وقد سُمعت زيادتها في
خبر "ليس"، كقوله تعالى {ليسَ كمثلهِ شيءٌ} ، أي "ليس مثلَه
شيءٌ"، وفي المبتدأ، كقول الراجل "لَواحِق الأقرابِ
فيها كالمَقَقْ". وزيادتها سماعيّة.
وأمّا اللامُ فتُزادُ سماعاً بينَ الفعل ومفعوله. وزيادتها
في ذلك رديئةٌ.
قال الشاعر [من الكامل]
وَمَلَكْتَ ما بَيْنَ الْعِراقِ ويَثْرِبٍ ... مُلْكاً أَجارَ
لِمُسْلِمٍ وَمُعاهِدِ
أي أجار مسلماً ومعاهداً.
وتُزادُ قياساً في مفعولٍ تأخَّرَ عنه فِعلُهُ تقويةً للفعل
المتأخر لضَعفهِ بالتأخُّر، كقولهِ تعالى {الذينَ هم لربهم يَرهبون} ، أي ربهم يَرهبون،
وفي مفعول المشتقِّ من الفعل تقويةً لهُ أيضاً، لأنَّ عملَهُ فَرعٌ عن عملِ فعلهِ المشتقَّ
هو منه، كقوله تعالى {مُصَدِّقاً لِما مَعَهم} ، أي مصدقاً لما معهم، وقولهِ {فَعَالٌ
لما يُريد} ، أي فَعّالٌ ما يريد وقد سبق الكلام عليها.
وأمّا "مِن" فلا تُزادُ إلا في الفاعل والمفعول
به والمبتدأ، بشرط أن تُسبَقَ بنفيٍ أو نهي أو استفهامٍ بهَلْ، وأن يكون مجرروها نكرةً.
وزيادتها فيهنَّ قياسيّةٌ. ولم يشترط الأخفش تَقدُّمَ نفي أو شبههِ، وجعل من ذلك قولهُ
تعالى {ويكفّر عنكم من سيئاتكم} ، وقولهُ {فَكلُوا مِمّا أمسكنَ عليكم} . و"من"
في هاتين الآيتين تحتملُ معنى التبعيض أيضاً. وبذلك قال جمهور النُّحاة. وأقوى من هذا
الاستشهاد الاستدلالُ بقوله تعالى
ويُنَزِّلُ من السماء، من جبال فيها، من بَرَدٍ} . فمن في
قوله "من برد" لا ريب في زيادتها، وإن قالوا إنها تحتمل غيرَ ذلك، لأنَّ
المعنى أن يُنزَّل بَرَداً من جبالٍ في السماءِ.
فزيادتها في الفاعل، كقوله تعالى {ما جاءَنا من بشير} .
وزيادتها في المفعول، كقوله {تَحِسُّ منهم من أحد} .
وزيادتها في المبتدأ، كقوله {هل من خالقٍ غيرُ اللهِ يَرزُقُكم!}
.
وأما الباءُ فهي أكثر أخواتها زيادةً. وهي تزادُ في الإثباتِ
والنفي. وتزاد في خمسةِ مواضعَ
1- في فاعل "كفى"، كقوله تعالى {وكفى بالله وليّاً،
وكفى بالله نصيراً} .
2- في المفعول به، سماعاً نحو "أخذتُ بزمامِ الفَرَس"،
ومنه قولهُ تعالى {ولا تُلقوا بأيديكم إلى التّهلُكةِ} ، وقولهُ {وهُزِّي إليكِ بِجِذعِ
النَّخلة} ، وقوله {ومَنْ يُرِدْ فيه بإِلحادٍ} ، وقولُهُ {فَطفِقَ مَسحاً بالسُّوقِ
والأعناقِ} .
ومنهُ زيادتُها في مفعولِ "كفى" المُتعدَّيةِ إلى
واحدٍ، كحديثِ "كفى بالمرءِ إثماً أن يُحدِّثَ بكلِّ ما سَمِعَ".
وتُزادُ في مفعولِ "عَرَف وعَلِمَ - التي بمعناها -
ودَرَى وجَهِلَ وسَمِعَ وأحسَّ".
ومعنى زيادتها في المفعول به سَماعاً أنها لا تُزادُ إلا
في مفعول الأفعال التي سُمعت زيادتها في مفاعيلها، فلا يُقاسُ عليها غيرها من الأفعال.
وأمّا ما وَرَد، فلك أن تَزيدَ الباءَ في مفعوله في كل تركيب.
3- في المبتدأ، إذا كان لفظَ "حَسْب" نحو
"بِحَسبِكَ درهمٌ"، أو كان بعدَ لفظِ "ناهيكَ"، نحو "ناهيكَ
بخالدٍ شجاعاً"، أو كان بعدَ "إذا الفُجائيّةِ، نحو "خرجتُ فإذا بالأستاذِ"،
أو بعدَ "كيفَ"، نحو "كيفَ بِكَ، أو بخليل، إذا كان كذا وكذا؟
".
4- ي الحال المنفيّ عاملَها. وزيادتها فيها سَماعيّةٌ، كقولِ
الشاعر [من الوافر]
فَما رَجعَتْ بِخائِبَةٍ رِكابٌ ... حَكيمُ بْنُ المسيِّبِ
مُنْتَهاها
وقولِ الآخر [من البسيط]
كائِنْ دُعيتُ إلى بَأْساءَ داهِمَةٍ ... فَما انبَعَثْتُ
بِمَزءُودٍ وَلا وَكَلِ
وجعلَ بعضهُم زيادَتها فيها مَقيسةً، والذوقُ العربيُّ لا
يأبى زيادَتها فيها.
5- في خبر "ليسَ وما" كثيراً، وزيادتها هنا قياسيّةٌ.
فالأولُ كقوله تعالى {أَليسَ اللهُ بِكافٍ عبدَه} ، وقولهِ {أَليسَ اللهُ بأحكمِ الحاكمين}
. والثاني كقوله سبحانهُ {وما رَبُّكَ بِظلاّمٍ للعبيد} ، وقولهِ {وما اللهُ بغافلٍ
عمّا تعملونَ} .
وإنما دخلت الباءُ في خبر "إنَّ" في قوله تعالى
{أَوَ لَمْ يَرَوا أنَّ اللهَ
الذي خَلَقَ السّمواتِ والأرضَ، ولم يَعيَ بخلقهنَّ، بقادرٍ
على أنْ يُحييَ المَوتى، بَلَى، إنهُ على كلِّ شيءٍ قديرٌ} ، لأنه في معنى "أَوَلَيسَ"
بدليلِ أَنهُ مُصَرحٌ بهِ في قولهِ عز وجلّ {أَوَلَيس الذي خلقَ السمواتِ والأرضَ بقادرٍ
على أن يَخلُقَ مِثلَهم، بَلَى، وهو الخلاّقُ العليمَ} [يس: 81] .
فائدتان
1- قد يَتوهَّمُ الشاعرُ أنه زاد الباء في خبر "ليس"
أو خبرِ "ما" العاملةِ عملَها، فيعطفُ عليه بالجرِّ تَوَهُّماً، وحقُّهُ
أن ينصبَهُ، كقوله [من الطويل]
بَدا لِيَ أَني لَسْتُ مُدْرِكَ ما مَضَى ... وَلا سابقٍ
شَيْئاً، إذا كانَ جَائِيا
وقولِ الآخر [من الطويل]
أَحَقًّا، عِبادَ اللهِ، أَنْ لَسْتُ صاعِداً ... وَلا هابِطاً
إِلاَّ عَلَيَّ رَقيبُ
وَلا سالِكٍ وَحْدي، وَلا في جَماعَةٍ ... مِنَ النَّاسِ،
إِلاَّ قيلَ أَنتَ مُريبُ!
وقولِ غيره [من الطويل]
مَشَائيمُ لَيْسُوا مُصْلِحينَ عَشيرَةً ... وَلا ناعِبٍ
إِلاَّ بِبَيْنٍ غُرابُها
فالخفضُ في "سابق وسالك وناعب" على تَوهم وجود
الباءِ في "مدرك
وصاعد ومصلحين".
والجرُّ على التوهم سماعي لا يُقاس عليه.
2- وقد يُجرُّ ما حقهُ الرفعُ أو النصبُ، لمجاورتهِ المجرورَ،
كقولهم "هذا جُحرُ ضَبٍّ خَرِبٍ"، ومنه قولُ امرئ القيس [من الطويل]
كَأَنَّ ثَبيراً، في عَرانِينِ وَبْلِهِ ... كَبيرُ أُناسٍ
في بِجادٍ مُزَمَّلِ
ويُسمّى الجرَّ بالمُجاورة. وهو سَماعيٌّ أيضاً.
8- مُتَعَلَّقُ حَرْفِ الجَرِّ الأَصلِيِّ
مُتعلًَّقُ حرفِ الجرِّ الأصليِّ هو ما كانَ مُرتبطاً به
من فعلٍ أو شَبهِهِ أو معناهُ. فالفعلُ نحو "وقفتُ على المِنبرِ". وشِبهُ
الفعلِ، نحو "أَنا كاتبٌ بالقلم". ومعنى الفعل نحو "أُفٍّ للكُسالى".
وقد يَتعلَّقُ باسمٍ مُؤوَّلٍ بما يُشبهُ الفعلَ، كقولهِ
تعالى {وهو اللهُ في السّموات وفي الأرض} ، فحرفُ الجرِّ متعلقٌ بلفظ الجلاة لأنه مُؤوَّلٌ
بالمعبود، أي وهو المعبودُ في السموات وفي الأرض، أو وهو المُسمّى بهذا الاسم فيهما.
ومثلُ ذلك أَن تقولَ "أَنتَ عبدُ اللهِ في كلِّ مكان" و"خالدٌ لَيثٌ
في كل موقعةٍ". ومن ذلك قول الشاعر [من الطويل]
وَإن لِساني شُهْدَةٌ يُشْفى بِها ... وَهُوَّ عَلى مَنْ
صَبَّهُ اللهُ عَلْقَمُ
فحرفُ الجرّ "على" متعلق بعلقم، لأنه بمعنى
"مُرّ"، وأراد به أَنه صعب أو شديد، وقولُ الآخر [من مخلع البسيط]
ما أُمُّكَ اجتاحَت الْمَنايا ... كَلُّ فُؤَادٍ عَلَيْكَ
أُمُّ
فحرف الجر متعلق بأم، لأنها بمعنى "مُشفِق".
وقد يَتعلقُ بما يُشيرُ إلى معنى الفعلِ، كأداةِ النفي، كقوله
تعالى {ما أَنتَ بنعمةِ ربكَ بمجنونٍ} . فحرفُ الجر في "بنعمة" مُتعلقٌ بما،
لأنهُ بمعنى "انتفى".
وقد يُحذَفُ المتعلَّقُ. وذلك على ضربين جائزٍ وواجبٍ.
فالجائزُ أَن يكون كوناً خاصاً، بشرطِ أن لا يضيعَ الفهم
بحذفه، نحو "بالله"، جواباً لمن قال لك "بِمَن تَستعينُ؟ ".
والواجبُ أَن يكون كوناً عاماً، نحو "العلمُ في الصُّدورِ.
الكتابُ لخليلْ, نظرتُ نورَ القمر في الماءِ. مررت برجلٍ في الطريق".
9- محَلُّ الْمَجُرورِ مِنَ الإِعرابِ
حكمُ المجرور بحرف جرّ زائدٍ أَنهُ مرفوعُ المحلِّ أَو منصوبهُ،
حَسبَ ما يَطلبهُ العاملُ قبلهُ.
(فيكون مرفوع الموضع على أنه فاعل في نحو "ما جاءنا
من أحد". والأصل ما جاءنا أحدٌ. وعلى أنه نائب فاعل في نحو "ما قيل من شيء".
والأصل ما قيل شيءٌ. وعلى أنه مبتدأ في نحو "بحسبك الله"؛ والأصل حسبُك الله.
ويكون منصوب الموضع على أنه مفعول به في نحو "ما رأيت من أحد"، والأصل: ما
رأيت أحداً. وعلى أنه مفعول مطلق في نحو: "ما سعى فلان من سعي يُحمد عليه".
والأصل: ما سعى سعياً يُحمد عليه. وعلى أنه خَبر "ليس" في نحو {أليس الله
بأحكم الحاكمين} . والأصل أليس الله أحكم الحاكمين) .
أمَّا المجرورُ بحرفِ جرٍّ شبيهٍ بالزائد، فإن كان الجارُّ
"خَلا وعَدا وحاشا"، فهو منصوب محلاً على الاستثناءِ.
وإن كان الجارُّ "ربَّ" فهوَ مرفوعٌ محلاً على
الابتداءِ، نحو "رُبَّ غَنيٍّ اليومَ فقيرٌ غداً. رُبَّ رجلٍ كريمٍ أكرمتُهُ".
إلاّ إذا كان بعدها فعلٌ مُتعدٍّ لم يَأخذ مفعولهُ، فهو منصوبٌ محلاًّ على أَنهُ مفعولٌ
به للفعل بعدَهُ، نحو "ربَّ رجلٍ كريمٍ أَكرمتُ". فإن كان بعدَها فعلٌ لازم،
أَو فعلٌ متعدّ ناصبٌ للضمير العائدِ على مجرورها فهو مبتدأ، والجملةُ بعدَهُ خبرهُ،
نحو "رُبَّ عاملٍ مجتهدٍ نَجَحَ. ربَّ تلميذٍ مجتهدٍ أكرمتُهُ".
وأمّا المجرورُ بحرفِ جَرّ أصليّ فهو مرفوعٌ محلاًّ، إن ناب
عن الفاعل بعد حذفهِ، نحو "يؤخذُ بِيَدِ العاثرِ. جيءَ بالمُجرم الفارِّ"
أو كان في موضع خبرِ المبتدأ، أو خبرِ "إنَّ" أو إحدى أخواتها، أَو خبر
"لا" النافية
للجنسِ، نحو "العلمُ كالنور. إن الفَلاَحَ في العمل
الصالحِ لا حَسَبَ كحُسنِ الخُلُقِ".
وهو منصوب محلاًّ على أَنهُ مفعولٌ فيه، إن كان ظرفاً، نحو
"جلستُ في الدار. سرتُ في الليل". وعلى أنه مفعولٌ لأجله غيرُ صريحٍ، إن
كان الجارّ حرفاً يُفيد التّعليلَ والسببيّة، نحو "سافرتُ للعلم، ونَصِبتُ من
أَجلهِ، واغتربتُ فيه". وعلى أنه مفعولُ مُطلَق، إن ناب عن المصدر، نحو
"جرى الفرسُ كالرِّيح". وعلى أنه خبرٌ للفعل الناقص، إن كان في موضع خبرهِ.
نحو "كنت في دِمَشقَ".
وإن وقعَ تابعاً لِمَا قبلهُ كان محلُّهُ من الإعراب على
حسَب متبوعهِ، نحو "هذا عالمٌ من أَهل مِصرَ. رأَيتُ عالماً من أَهل مَصر. أَخذتُ
عن عالمٍ من أَهل مَصر".
فإن لم يكن، أي المجرور، شيئاً ممّا تقدَّمَ كان في محلِّ
نصبٍ على أنهُ مفعولٌ به غيرُ صريحٍ، نحو "مررتُ بالقومِ، وَقفتُ على المِنبر.
سافرتُ من بيروت إلى دِمشقَ".
(الإضافة)
الإضافةُ نِسبةٌ بينَ اسمين، على تقديرِ حرفِ الجر، توجِبُ
جرَّ الثاني أبداً، نحو "هذا كتابُ التلميذِ. لَبِستُ خاتمَ فِضَّة. لا يُقبلُ
صِيامُ النهارِ ولا قيامُ اللَّيلِ إلا من المُخلِصينَ".
ويُسمّى الأوَّلُ مضافاً، والثاني مضافاً إليهِ. فالمضافُ
والمضافُ إليه اسمانِ بينهما حرفُ جَرّ مُقدَّرٌ.
وعاملُ الجرِّ في المضاف إليه هو المضافُ، لا حرفُ الجرّ
المقدَّرُ بينهما على الصحيح.
وفي هذا المبحث سبعةُ مَباحثَ
1- أَنواعُ الإِضافةِ
الإضافةُ أَربعةُ أنواع لاميّةٌ وبَيانيّةٌ وظرفيةٌ وتَشبيهيَةٌ.
فاللاميّةُ ما كانت على تقدير "اللام". وتُفيدُ
المِلكَ أَو الاختصاصَ. فالأولُ نحو "هذا حصان عليٍّ". والثاني نحو {أخذتُ
بلِجامِ الفرس} .
والبَيانيّة ما كانت على تقدير "مِن". وضابطُها
أَن يكون المضاف إليه جنساً للمضاف، بحيثُ يكونُ المضافُ بعضاً من المضافِ إليه، نحو
"هذا بابُ خشبٍ. ذاك سِوارُ ذَهبٍ. هذه أثوابُ صوفٍ".
(فجنس الباب هو الخشب., وجنس السوار هو الذهب. وجنس الأثواب
هو الصوف. والباب بعض من الخشب. والسوار بعض من الذهب. والأثواب بعض من الصوف. والخشبُ
بيَّن جنس الباب. والذهب بَيَّن جنسِ السوار. والصوف بَيَّن جنس الأثواب. والإضافة
البيانية يصح فيها الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف. ألا ترى أنك إن قلت "هذا البابُ
خشبٌ، وهذا السوارُ ذهبٌ، وهذه الأثوابُ صوفٌ" صحّ) .
والظَّرفيةُ ما كانت على تقدير "في". وضابطُها
أن يكون المضاف إليه
ظرفاً للمضاف. وتفيدُ زمانَ المضافِ أَو مكانَهُ، نحو
"سَهَرُ الليلِ مَضنٍ وقُعودُ الدارِ مُخْمِلٌ". ومن ذلك أَن تقول
"كان فلانٌ رفيقَ المدرسةِ، وإلفَ الصّبا، وصديقَ الأيام الغابرة". قال تعالى
{يا صاحبَي السّجنِ} .
والتشبيهيّةُ ما كانت على تقدير "كاف التَّشبيهِ".
وضابطُها أن يَضافَ المُشبَّهُ بهِ إلى المشبَّه، نحو "انتثرَ لُؤْلؤُ الدمعِ
على وَردِ الْخدودِ" ومنه قول الشاعر [من الكامل]
وَالرِّيحُ تَعبَثُ بِالْغُصُونِ، وقَدْ جَرَى ... ذَهَبُ
الأَصيلِ عَلى لُجَيْنِ الْمَاءِ
2- الإِضافةُ الْمَعنَويَّةُ وَالإِضافةُ اللَّفْظيَّة
تنقسمُ الإضافة أَيضاً إلى معنويَّةٍ ولظفيّة.
فالمعنويّةُ ما تُفيدُ تَعريفَ المضافِ أَو تخصيصهُ. وضابطُها
أَن يكون المضافُ غيرَ وَصفٍ مَضافٍ إلى معمولهِ. بأن يكون غيرَ وصف أَصلاً كمفتاحِ
الدَّارِ، أو يكونَ وصفاً مضافاً إلى غير معمولهِ ككاتبِ القاضي، ومأكولِ الناس، ومشربهم
وملبوسهم.
وتفيدُ تعريفَ المضافِ إن كان المضافُ إليهِ معرفةً، نحو
"هذا كتابُ سعيدٍ"، وتخصيصَهُ، إن كان نكرةً، نحو "هذا كتابُ جلٍ".
إلاّ
إذا كان المضافُ مُتَوغِّلاً في الإبهام والتّنكير، فلا تُفيدُهُ
إضافتُهُ إلى المعرفة تعريفاً، وذلك مثل صغيرٍ ومِثلٍ وشِبهٍ ونظيرٍ"، نحو
"جاءَ رجلٌ غيرُك، أَو مثل سليمٍ، أو شبهُ خليلٍ، أَو نظيرُ سعيدٍ"، أَلا
ترى أَنها وقعت صفةً لرجلٍ، وهو نكرةٌ، ولو عُرِّفت بالإضافة لَمَا جاز أَن تُوصفَ
بها النكرةُ، وكذا المضافُ إلى ضمير يعودُ إلى نكرة، فلا يتعرَّف بالإضافة إليه، نحو
"جاءني رجلٌ وأخوه. رُبَّ رجلٍ وولدهِ. كم رجلٍ وأَولادهِ".
وتُسمّى الإضافةُ المعنويةُ أَيضاً "الإضافةَ الحقيقيّةَ"
و"الإضافةَ المحضةَ". (وقد سُميت معنوية لأنَّ فائدتها راجعة إلى المعنى،
من حيث أنها تفيد تعريف المضاف أو تخصيصه. وسميت حقيقية لأنّ الغرض منها نسبة المضاف
إلى المضاف إليه. وهذا هو الغرض الحقيقي من الإضافة. وسميت محضة لأنها خالصة من تقدير
انفصال نسبة المضاف من المضاف إليه. فهي على عكس الإضافة اللفظية، كما سترى) .
والإضافةُ اللفظيّةُ ما لا تُفيدُ تعريف المضاف ولا تخصيصَهُ
وإنما الغرَضُ منها التّخفيفُ في اللفظ، بحذفِ التنوينِ أَو نوني التّثنيةِ والجمع.
وضابطُها أَن يكون المضاف اسمَ فاعلٍ أو مُبالغةَ اسمِ فاعلٍ،
أو اسمَ مفعولٍ، أو صفةً مُشبّهةً، بشرط أن تضافَ هذهِ الصفاتُ إلى فاعلها أو مفعولها
في المعنى، نحو "هذا الرجلُ طالبُ علمٍ. رأَيتُ رجلاً نَصّارَ المظلومِ. أنصرْ
رجلاً مهضومَ الحقِّ. عاشِرْ رجلاً حسَنَ الخُلُق".
والدليلُ على بقاءِ المضافِ فيها على تنكيرهِ أنهُ قد وُصفت
به النكرةُ،
كما رأَيت، وأنهُ يقعُ حالاً، والحالُ لا تكون إلا نكرةً،
كقولك "جاءَ خالدٌ باسمَ الثَّغرِ، وقولِ الشاعر [من الكامل]
فَأتَتْ بِهِ حُوشُ الفُؤَادِ مُبَطَّناً ... سُهُداً إذا
ما نامَ لَيْلُ الهَوْجَلِ
وأنه تُباشرُهُ "رُبّ"، وهي لا تُباشرُ إلا النَّكراتِ،
كقول بعضِ العرب، وقد انقضى رمضانُ "يا رُبَّ صائمه لن يَصومَهُ، ويا رُبَّ قائمهِ
لن يَقومَهُ".
وتُسمّى هذه الإضافةُ أيضاً "الإضافةَ المجازيَّةَ"
و"الإضافةَ غيرَ المحضة".
(أما تسميتها باللفظية فلانّ فائدتها راجعة إلى اللفظ فقط،
وهو التخفيف اللفظي، بحذف التنوين ونوني التثنية والجمع. وأما تسميتها بالمجازية فلانها
لغير الغرض الأصلي من الإضافة. وانما هي للتخفيف، كما علمت. وأما تسميتها بغير المحضة
فلانها ليست اضافة خالصة بالمعنى المراد من الإضافة بل هي على تقدير الانفصال، ألا
ترى أنك تقول فيما تقدَّم "هذا الرجل طالبٌ علماً. رأيت رجلاً نصاراً للمظلوم.
انصر رجلاً مهضوماً حقّه. عاشر رجلاً حسناً خلقُه") .
3- أَحكامُ المُضافِ
يجبُ فيما تُراد إضَافتهُ شيئانِ
1- تجريدُهُ من التَّنوين ونونيِ التَّثنيةِ وجمعِ المذكرِ السّالم
ككتابٍ
الأستاذٍ، وكتابَيِ الأستاذِ،
وكاتِبي الدَّرسِ.
2- تجريدُهُ من "ألْ"
إذا كانت الإضافةُ معنويَّة، فلا يُقالُ "الكتابُ الأستاذِ". وأمّا في الإضافةِ
اللفظيَّة. فيجوز دخولُ "أل" على المضافِ، بشرطِ أن يكونَ مُثنّى،
"المُكرما سليمٍ"، أو جمعَ مذكرٍ سالماً، نحو "المُكرمو عليٍّ"،
أو مضافاً إلى ما فيه" أل"، نحو "الكاتبُ الدَّرسِ"، أو لاسمٍ
مضافٍ إلى ما فيه "أل" نحو "الكاتبُ درسِ النَّحوِ"، أو لاسمٍ
مضافٍ إلى ضمير ما فيه "أل"، كقول الشاعر [من الكامل]
الوُدُّ، أَنتِ المُسْتَحِقَّةُ
صَفْوِهِ ... مِنّي وإنْ لَمْ أَرْجُ مِنْكش نَوالا
(ولا يقال "المكرم
سليم، والمكرمات سليم، والكاتب درس"، لأن المضاف هنا ليس مثنى، ولا جمعَ مذكر
سالماً، ولا مضافاً الى ما فيه "ألى" أو الى اسم مضاف الى ما فيه "أل".
بل يقال "مكرم سليم، ومكرمات سليم، وكاتب درس". بتجريد المضاف من "أل")
.
وجوَّزَ الفَرّاءُ إضافةَ
الوصفِ المقترنِ بأل إلى كل اسمِ معرفةٍ، بلا قيدٍ ولا شرطٍ. والذوقُ العربيُّ لا يأبى
ذلك.
3- بَعْضُ أَحكامٍ للإِضافة
1-
قد يكتسبُ المضافُ
التأنيثَ أو التذكيرَ من المضاف إليه، فيُعامَلُ معاملةَ المؤنثِ، وبالعكس، بشرطِ أن
يكون المضافَ صالحاً للاستغناءِ عنه، وإقامةِ المضافِ إليه مُقامَهُ، نحو "قُطعتْ
بعأَمُرُّ عَلى الدِّيارِ، دِيارِ لَيْلى ... أُقَبِّلُ ذا الجِدارَ وذَا الجِدارا
2-
وما حُبُّ الدِّيارِ
شَغَفْنَ قَلْبي ... وَلكِنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيارا
3-
والأولى مُراعاةُ
المضاف، فتقولُ "قُطعَ بعضُ أصابعهِ. وشمسُ العقل مكسوفةٌ بِطَوع الهوى. وما حبُّ
الديار شغفَ قلبي". إلا إذا كان المضافُ لفظَ "كُلّ" فالأصلحُّ التأنيث،
كقوله تعالى "يومَ تَجِدُ كلُّ نفسٍ ما عَمِلتْ من خير مُحضَراً"، وقولِ
الشاعر [عنترة - من الكامل]
4-
جادَتْ عَلَيْهِ
كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ ... فَتَرَكْنَ كُلَّ حَديقَةٍ كَالدِّرْهَمِ
5-
أما إذا لم يصحَّ
الاستغناءُ عن المضاف، بحيثُ لو حُذفَ لَفَسدَ المعنى، فمُراعاةُ تأنيثِ المضاف أو
تذكيرِهِ واجبةٌ، نحو "جاءَ غُلامُ فاطمةَ، وسافرتْ غلامةُ خليلٍ"، فلا يقالُ
"جاءَت غلامُ فاطمةَ"، ولا "سافر غلامةُ خليل"، إذ لو حُذف المضافُ
في المثالين، لفسدَ المعنى.
6-
3- لا يَضافُ الاسمُ
إلى مرادِفه، فلا يقالُ "ليثُ أسدِ"، إِلا إِذا كانا عَلمينِ فيجوزُ، مثل
"محمدُ خالدٍ"، ولا موصوفٌ إلى صفتهِ، فلا يقال "رجلُ فاضلٍ".
وأما قولهم "صلاةُ الأولى، ومَسجدُ الجامعِ، وحَبَّةُ الحَمقاءِ، ودارُ الآخرةِ،
وجانبُ الغربي، فهو على تقدير حذفِ المضافِ إليه وإقامةِ صفتهِ مُقامَهُ. والتأويلُ
"صلاةُ الساعةِ الأولى، ومسجدُضُ أصابعهِ"، ونحو "شمسُ العقلِ مكسوفٌ
بِطَوعِ الهَوى"، قال الشاعر [من الوافر]
المكان الجامع، وحبةُ البَقلة الحمقاءِ، ودارُ الحياة الآخرة،
وجانبُ المكانِ الغربي".
وأمّا إضافةُ الصفةِ إلى الموصوف فجائزةٌ، بشرط ان يصحَّ
تقديرُ "مِن" بين المضافِ والمضافِ إليه، نحو "كرامُ الناسِ، وجائبةُ
خبرٍ، ومُغَرِّبةُ خَبرٍ، وأخلاقُ ثياب، وعظائمُ الأمورِ، وكبيرُ أمرٍ". والتقديرُ
"الكرام من الناس، وجائبةٌ من خبر الخ". أمّا إذا لم يصحْ "مِن"
فهيَ ممتنعةٌ، فلا يقالُ "فاضلُ رجلٍ، وعظيمُ أمير".
3- يجوز أن يُضافَ العامُّ إلى الخاصّ. كيوم الجُمعة، وشهر
رمضانَ. ولا يجوزُ العكسُ، لعدم الفائدة، فلا يقالُ "جُمعة اليوم، ورمضان الشهر".
4- قد يضافُ الشيءُ إلى الشيءُ لأدنى سَببٍ بينَهما (ويُسمُّونَ
ذلك بالإضافةِ لأدنى مُلابَسةٍ) ، وذلكَ أنك تقولُ لرجلٍ كنتَ قد أجتمعتَ به بالأمسِ
في مكان "انتظرني مكانَكَ أمسِ"، فأضفتَ المكانَ إليه لأقلَّ سببٍ، وهو اتفاقُ
وُجوده فيه، وليس المكانُ ملكاً لهُ ولا خاصاً به، ومنه قول الشاعر [من الطويل]
إذا كَوْكَبُ الخَرْقاءِ لاحَ بِسُحْرَةٍ ... سُهَيْلٌ، أَذاعَتْ
غَزْلَها في القَرائِبِ
5- إذا أمِنوا الالتباسَ والإبهامَ حذفوا المضافَ وأقاموا
المضافَ إليه
مُقامَهُ، وأعربوهُ بإِعرابهِ، ومنه قولهُ تعالى {واسألِ
القريةَ التي كنّا فيها والعِيرَ التي أقبلنا فيها} ، والتقديرُ واسألْ أهل القريةَ
وأصحابَ العِيرِ. أما إن حصلَ بحذفه إبهامٌ والتباسٌ فلا يجوزُ، فلا يُقالُ "رأيتُ
عليّاً"، وأنتَ تُريدُ "رأيتُ غلامَ عليّ".
6- قد يكونُ في الكلام مضافانِ اثنانِ، فيُحذَفَ المضافُ
الثاني استغناءً عنهُ بالأوَّل، كقولهم "ما كلُّ سَوداءَ تَمرةً، ولا بيضاءَ شَحمةً"،
فكأنَّكَ قلتَ "ولا كلُّ بيضاءَ شحمة". فبيضاء مُضافٌ إلى مضافٍ محذوف. ومثلُهُ
قولُهم "ما مثلُ عبد اللهِ يقولُ ذلك، ولا أخيهِ"، وقولُهم "ما مثلُ
أبيكَ، ولا أخيكَ يقولان ذلك".
7- قد يكونُ في الكلام اسمانِ مضافٌ إليهما فيُحذَفُ المضاف
إليه الأول استغناءً عنه بالثاني، نحو "جاءَ غلامُ وأخو عليّ". والأصلُ
"جاءَ غلامُ عليَّ وأخوهُ". فلمّا حُذِفَ المضافُ إليه الأول جعلتَ المضافَ
إليه الثاني اسماً ظاهراً، فيكون "غلام" مضافاً، والمضافُ إليه محذوف تقديرُه
"علي"، ومنه قول الشاعر [من المنسرح]
يا مَنْ رَأَى عارِضاً أُسَرُّ بهِ ... بَيْنَ ذِراعَيْ وَجَبْهَةِ
الأَسَدِ
والتقديرُ "بينَ ذراعيِ الأسد وجبهتهِ". وليس مثلُ
هذا بالقويِّ والأفضلُ ذكرُ الاسمين المضاف إليهما معاً.
مُقامَهُ، وأعربوهُ بإِعرابهِ، ومنه قولهُ تعالى {واسألِ
القريةَ التي كنّا فيها والعِيرَ التي أقبلنا فيها} ، والتقديرُ واسألْ أهل القريةَ
وأصحابَ العِيرِ. أما إن حصلَ بحذفه إبهامٌ والتباسٌ فلا يجوزُ، فلا يُقالُ "رأيتُ
عليّاً"، وأنتَ تُريدُ "رأيتُ غلامَ عليّ".
6- قد يكونُ في الكلام مضافانِ اثنانِ، فيُحذَفَ المضافُ
الثاني استغناءً عنهُ بالأوَّل، كقولهم "ما كلُّ سَوداءَ تَمرةً، ولا بيضاءَ شَحمةً"،
فكأنَّكَ قلتَ "ولا كلُّ بيضاءَ شحمة". فبيضاء مُضافٌ إلى مضافٍ محذوف. ومثلُهُ
قولُهم "ما مثلُ عبد اللهِ يقولُ ذلك، ولا أخيهِ"، وقولُهم "ما مثلُ
أبيكَ، ولا أخيكَ يقولان ذلك".
7- قد يكونُ في الكلام اسمانِ مضافٌ إليهما فيُحذَفُ المضاف
إليه الأول استغناءً عنه بالثاني، نحو "جاءَ غلامُ وأخو عليّ". والأصلُ
"جاءَ غلامُ عليَّ وأخوهُ". فلمّا حُذِفَ المضافُ إليه الأول جعلتَ المضافَ
إليه الثاني اسماً ظاهراً، فيكون "غلام" مضافاً، والمضافُ إليه محذوف تقديرُه
"علي"، ومنه قول الشاعر [من المنسرح]
يا مَنْ رَأَى عارِضاً أُسَرُّ بهِ ... بَيْنَ ذِراعَيْ وَجَبْهَةِ
الأَسَدِ
والتقديرُ "بينَ ذراعيِ الأسد وجبهتهِ". وليس مثلُ
هذا بالقويِّ والأفضلُ ذكرُ الاسمين المضاف إليهما معاً.
5- الأَسماءِ المُلاَزِمةُ للإِضافة
من الأسماءِ ما تمتنعُ إضافتُه، كالضمائرِ وأسماءِ الإشارةِ
والأسماءِ الموصولةِ وأسماءِ الشرط وأسماءِ الاستفهام، إلاّ "أيّاً"، فهي
تُضافُ.
ومنها ما هو صالحُ للاضافة والإفراد (أي عدمِ الإضافة) ،
كغلامٍ وكتابٍ وحصانٍ ونحوهما.
ومنها ما هو واجبُ الإضافة فلا ينفكُّ عنها.
وما يُلازِمُ الإضافة على نوعين نوعٍ يلازِمُ الإضافةَ إلى
المفرد. ونوعٍ يُلازمُ الإضافةً إلى الجملة.
6- المُلازِمُ الإِضافةِ إلى المُفْرَد
إنَّ ما يُلازمُ الإضافةَ إلى المفرد نوعان نوعٌ لا يجوزُ
قطعُه عن الإضافة، ونوعٌ لا يجوزُ قطعهُ عنها لفظاً لا معنًى، أي يكونُ المضافُ إليه
مَنوِياً في الذِّهن.
فما يلازمُ الاضافةَ إلى المفردِ، غيرَ مقطوعٍ عنها، هو
"عِند وَلدَى وَلدُن وبين ووَسط (وهي ظروف) وشِبْهٌ وقابٌ وكِلاَ وكِلتا وسوَى
وذُو وذاتٌ وذَوَا وذَوَاتا وذَوُو وذواتِ وأُولُو وأَولات وقُصارَى وسُبحان ومَعاذ
وسائر
ووَحْد ولبَّيْك وسَعدَيكَ وحَنانَيكَ ودَواليكَ" (وهي
غيرُ ظروف) .
وأمّا ما يُلازم الإضافةَ إلى المفرد، تارةً لفظاً وتارةً
معنًى، فهو "أوَّل ودون وفَوق وتحت ويمين وشِمال وأمام وقُدَّام وخَلف وورَاء
وتِلقاء وتجاه وإزاء وحِذاء وقبل وبعد ومَع (وهي ظروف) وكلٌّ وبعضٌ وغير وجميعٌ وحَسْبٌ
وأيُّ" (وهي غيرُ ظروف) .
أحكام ما يلازم الاضافة إلى المفرد
1- ما يُلازمُ الاضافةَ إلى المفرد لفظاً، منه ما يضافُ إلى
الظاهر والضميرِ، وهوَ "كِلاَ وكِلتا ولَدى وَلدُنْ وعند وسوى وبين وقُصارَى ووسَط
ومِثل وذَوُو ومَع وسُبحان وسائر وشِبه".
ومنه ما لا يُضافُ إلا إلى الظاهر، وهو "أُولو وأُولات
وذُو وذات وذَوَا وذَوَاتا وقاب ومَعاذ".
ومنه ما لا يضافُ إلا إلى الضميرِ، وهو "وَحْد"،
ويضافُ إلى كلِّ مَضمَرٍ فتقولُ "وحدَهُ ووحدَكَ ووحدَها ووحدَهما ووحدَكم"
الخ، و"لبَّيكَ وسَعدَيكَ وحنانيكَ ودَواليكَ" ولا تُضاف إلا إلى ضمير الخطاب،
فتقول "لبَيَّكَ ولَبيّكما وَسعدَيكمُ" الخ.
(وهي مصادر مثناة لفظاً، ومعناها التكرار، فمعنى "لبيك"
اجابة لك بعد اجابة. ومعنى "سعديك" اسعاداً لك بعد اسعاد. وهي لا تُستعمل
الا بعد "لبيك". ومعنى "حنانيك" تحنّناً عليك بعد تحنن. ومعنى
"دواليك" تداولاً بعد تداول. وهذه المصادر منصوبة على أنها مفعول مطلق لفعل
محذوف، اذ التقدير "ألبيك تلبيةً بعد تلبيةٍ. وأسعدك إسعاداً
بعد اسعاد" الخ. وعلامة نصبها الياء لأنها تثنية) .
2- كِلا وكلتا إن أُضيفتا إلى الضمير أُعربتا إعرابَ المُثنّى،
بالألف رفعاً، وبالياءِ نصباً وجراً، نحو "جاءَ الرجلانِ كلاهما. رأيتُ الرجلين
كليهما. مررتُ بالرجلين كليهما". وإن أُضيفتا إلى اسمٍ غيرِ ضمير أُعربتا إِعرابَ
الاسم المقصور، بحركاتٍ مُقدَّرةٍ على الألف للتعذُّر، رفعاً ونصباً وجراً. نحو
"جاءَ كِلا الرجلين. رأيتُ كلا الرجلين. مررتُ بكلا الرجلين".
وحُكمُهُما أنهما يَصحُّ الإخبارُ عنهما بصفةٍ تحملُ ضميرَ
المفرد، باعتبار اللفظِ، وضميرَ المثنّى، باعتبار المعنى، فتقول "كِلا الرجلين
عالم" و"كلا الرجلين عالمان". ومراعاةُ اللفظ أكثر.
وهما لا تُضافان إلا إلى المعرفة، وإلى كلمةٍ واحدة تدُلُّ
على اثنين، فلا يُقال "كِلا رجلينِ"، لأن "رجلين" نكرة، ولا
"كِلا عليٍّ وخالدٍ"، لأنها مضافةٌ إلى المفرد.
3- أيُّ. على خمسة أنواعٍ موصوليّةٍ ووصفيّةٍ وحاليّةٍ واستفهاميّةٍ
وشرطيّة.
فإن كانت اسماً موصولاً فلا تُضاف إلا إلى معرفةٍ، كقولهِ
تعالى {ثُمَّ لَنَنزِعنَّ من كلِّ شيعةٍ أيُّهم أشدُّ على الرَّحمنِ عِتِياً} .
وإن كانت منعوتاً بها، او واقعةً حالاً، فلا تُضافُ إلا إلى
النكرةِ، نحو "رأيتُ تلميذاً أيَّ تلميذٍ"، ونحو "سرَّني سليمٌ أيَّ
مجتهدٍ".
وإن كانت استفهاميّةً، أو شرطيّةً، فهي تُضافُ إلى النكرة
والمعرفة، فتقولُ في الاستفهاميّة "أي رجلٍ جاءَ؟ وأيُّكم جاءَ؟ "، وتقولُ
في الشرطيّة "ايُّ تلميذٍ يجتهدْ أكرمْهُ. وأيكم يجتهدْ أُعطهِ".
وقد تُقطَعُ "أيُّ"، الموصوليّةُ والاستفهاميّة
والشرطيّةُ، عن الاضافة لفظاً، ويكونُ المضافُ إليه مَنوياً، فالشرطيّةُ كقولهِ تعالى
{أيّاً ما تَدعُوا فلَهُ الأسماءُ الحُسنى} . والتقديرُ "أيَّ اسمٍ تدعو"،
والاستفهاميّةُ نحو "أيٌّ جاءَ؟ وأيّاً أكرمتَ؟ "، والموصوليّةُ نحو
"أيٌّ هوَ مجتهدٌ يفوزُ. وأكرمْ ايّاً هو مجتهدٌ".
أما "أيُّ" الوصفيّةُ والحاليّةُ فملازمةٌ للاضافة
لفظاً ومعنًى.
4- مَعَ وَقبل وبَعد وأوَّل ودون والجهاتُ الستُّ وغيرُها
من الظُّروف، قد سبقَ الكلامُ عليها مُفصلاً في مبحث الأسماءِ المبنية، وفي مبحث أحكام
الظروف المبنيةِ، في باب المفعول فيه. فراجع ذلك.
5- غير اسمٌ دال على مخالفةِ ما بعدَه لحقيقةِ ما قبلَهُ.
وهو ملازمٌ للاضافةِ.
وإذا وقعَ بعدَ "ليس" أو "لا" جازَ بقاؤه
مضافاً، نحو "قبضتُ عشرة ليس غيرها، أو لا غيرها" وجازَ قطعهُه عن الاضافة
لفظاً وبناؤه على
الضمَّ، على شرط أن يُعلَمَ المضاف إليهِ، فتقول "ليس
غيرُ أو لا غيرُ".
6- حَسب بمعنى "كافٍ". ويكون مضافاً، فيعرَبُ بالرفع
والنصب والجر. وهو لا يكون إلا مبتدأ، مثل "حسبُكَ اللهُ"، أو خبراً نحو
"اللهَ حَسبي"، أو حالاً نحو "هذا عبدُ اللهِ حسبَكَ من رجلٍ"،
أو نعتاً نحو "مررتُ برجلٍ حَسبِكَ من رجلٍ. رأيتُ رجلاً حَسبَكَ من رجلٍ. هذا
رجلٌ حَسبُكَ من رجل".
ويكونُ مقطوعاً عن الاضافة، فيكون بمنزلةِ "لا غيرُ"
فيُبنى على الضمِّ، ويكونُ إعرابهُ محليّاً، نحو "رأيتُ رجلاً حسبُ. رأيت علياً
حسبُ. هذا حسبُ". فحسبُ، في المثالِ الأول، منصوبٌ محلاً، لأنه نعتٌ لرجلاً، وفي
المثال الثاني منصوبٌ محلاً، لأنه حالٌ من "عليّ" وفي المثالث الثالث مرفوعٌ
محلاً لأنه خبر المبتدأ.
وقد تَدخلُه الفاءُ الزائدةُ تزييناً لِلَّفظِ، نحو
"أخذت عشرةً فحسبُ".
7-
كلٌّ وبعضٌ يكونان
مُضافينِ، نحو "جاءَ كلُّ القومِ أو بعضُهم" ومقطوعينِ عن الاضافة لفظاً،
فيكون المضافُ إليه مَنوياً، كقوله تعالى {وكُلاًّ وعدَ اللهُ الحُسنى} ، أي كلاًّ
من المجاهدينَ والقاعدينَ، أي كلَّ فريق منهم، وقولهِ {وفضّلنا بعض النّبيينَ على بعضٍ}
، أي على بعضهم.
8- جميعٌ يكونُ مضافاً، نحو "جاءَ القومُ جميعُهم".
ويكون مقطوعاً عن الاضافةِ منصوباً على الحال، نحو "جاءَ القومُ جميعاً"،
أي مجتمعينَ.
7- المُلاَزِمُ الإضافة إِلى الجُمْلَةِ
ما يلازمُ الاضافةَ إلى الجملة هو "إذْ وحيثُ وإذا ولمّا
ومذ ومُنذ".
فإذْ وحيثُ تُضافانِ إلى الجُملِ الفعليّة والاسميّة، على
تأويلها بالمصدر. فالأولُ كقوله تعالى {واذكروا إذْ كُنتم قليلاً} ، وقولهِ {فأتوهنَّ
من حيثُ أمرَكمَ اللهُ} ، والثاني كقوله عزَّ وجلَّ {واذكروا إذْ أنتم قليلٌ} ، وقولِكَ
"اجلِسْ حيث العلمُ موجودٌ".
و"إذا ولمّا". تُضافانِ إلى الجملِ الفعليةِ خاصةً،
غير أن "لمّا" يجبُ أن تكونَ الجملةُ المضافةُ إليها ماضيّةً، نحو
"إذا جاءَ عليٌّ أكرمتُه" و"لمّا جاءَ خالدٌ أعطيته".
ومُذْ ومنذُ" إن كانتا ظرفينِ؛ أُضيفتا إلى الجمل الفعليّةِ
والاسميّة، نحو "ما رأَيتُكَ مُذْ سافرَ سعيدٌ. وما اجتمعنا منذُ سعيدٌ مسافرٌ".
وإن كانتا حرفيْ جرٍّ، فما بعدَهما اسمٌ مجرورٌ بهما. كما سبق الكلام عليهما في مبحث
حروف الجرّ.
واعلم أنَّ "حيثُ" لا تكون إلا ظرفاً. ومن الخطأ
استعمالُهما للتعليلِ، بمعنى "لأن"، فلا يُقالُ "أكرمتُه حيث إنه مجتهدٌ"،
بل يُقالُ "لأنه مجتهدٌ".
وما كان بمنزلةِ "إذْ" أَو إذا"، في كونه
اسمَ زمانٍ مُبهماً لِمَا مضَى أَو لما يأتي، فإنهُ يُضافُ إلى الجمل، نحو "جئتك
زمنَ عليٌّ والٍ"، أَو "زمنَ كان عليٌّ والياً"، ومنه قوله تعالى {يومَ
لا ينفعُ مالٌ ولا بَنونَ، إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم} ، وقوله {هذا يومُ ينفعُ الصادقينَ
صِدقُهُم} .
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء