pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


كتاب البلاغة السهلة 50 الإيجاز

 من دروس علم المعانى   :             8-  الإيجاز والإطناب

 علم المعانى   : يهتم بدراسة إيحاءات الألفاظ والتراكيب والأساليب ومن دروسه الإيجاز والإطناب

·         التعبير عما فى نفس الأديب من معان وافكار قد يكون :

·         بألفاظ قليلة تعبر عن معان كثيرة ويسمى   الإيجاز

·         بألفاظ وعبارات كثيرة للتعبير عن معان قليلة ويسمى  الإطناب

·         بألفاظ وعبارات على قدر المعنى ويسمى  المساواة

أولا الإيجاز  :هو التعبير عن المعانى الكثيرة بألفاظ قلية مع تمام المعنى  

أشاد الجاهليون كثيرا بالإيجاز ودعوا إليه ومارسوه في أدبهم على اختلاف ألوانه  ولعل السر في اهتمامهم به راجع إلى ظروف مجتمعهم، فقد كان مجتمعا تشيع فيه الأمية وتندر فيه الكتابة، ولهذا كان عليهم أن يعتمدوا على ذاكرتهم من ناحية في الإبقاء على أدبهم الذي يصور حياتهم، وعلى تناقله عن طريق الرواية جيلا بعد جيل من ناحية أخرى.

ولكن الذاكرة مهما كانت قوية فإنها لا تستطيع أن تستوعب كل ما يقال، ولا سيما إذا كان طويلا، وإذا استوعبت ما قدرت عليه من الكلام المسهب فإنها معرضة لنسيان بعضه بسبب طوله.

من هنا ولهذه الاعتبارات، كما يبدو، كانت الحاجة إلى الإيجاز في القول أول الأمر كوسيلة لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الأدب تستطيع الذاكرة أن تعيه من غير نسيان، وبذلك يتسنى للأجيال المتعاقبة أن تتناقله سليما غير منقوص.

على ضوء ذلك يمكن القول بأن ما نرى لهم من كلام كثير في فضل الإيجاز والتنويه به واعتباره البلاغة الحقة كان نابعا في المحل الأول من حاجتهم إليه كأهم وسيلة للحفاظ على تراثهم العقلي  وقلما نظروا بمفهومه المتطور لدى رجال البلاغة المتأخرين، أي على أنه مطلب بلاغي في حد ذاته تستدعيه مقتضيات الكلام أحيانا.

وفي صدر الإسلام لم يتطور مفهوم الإيجاز كثيرا عما كان عليه في العصر الجاهلي. حقا لقد اقتضى الأمر تدوين الرسائل في الإسلام لأغراض شتى، ولكن ظروف المجتمعين الجديد والقديم كانت لا تزال متقاربة متشابهة من جهة قلة الكاتبين وندرة أدوات الكتابة، ولذلك ظل الإيجاز وسيلة أكثر منه غاية قائمة لذاتها.

ثم شيئا فشيئا زاد الاهتمام بالكتابة وتفرغ لها طائفة من الأدباء يفتنون في طرقها وأساليبها، فكان ذلك إيذانا ببدء مرحلة جديدة في تطور مفهوم الإيجاز والنظر إليه على أنه مطلب بلاغي في حد ذاته يتنافسون في الإبداع فيه حتى ود بعضهم لو كان الكلام كله توقيعات مصبوبة في قوالب من الإيجاز.

فإذا أتينا إلى العصر العباسي فإننا نرى الجاحظ في القرن الثالث الهجري يحدد مفهوم الإيجاز بقوله  الإيجاز هو الجمع للمعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة   

ثم نراه فيما بعد يتوسع في مفهوم الإيجاز، فلم يعد يقصره على  جمع المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة ، وإنما صار الإيجاز عنده بمعنى  أداء حاجة المعنى، سواء أكان ذلك الأداء في ألفاظ قليلة أم كثيرة ، فقد يطول الكلام وهو في رأيه إيجاز لأنه وقف عند منتهى البغية ولم يجاوز مقدار الحاجة

فمقياس الإيجاز في نظره إذن هو أداء حاجة المعنى وعدم تجاوز مقدار هذه الحاجة أو النكوص عنها طال الكلام أم قصر.

وعند أبي هلال العسكري يتمثل الإيجاز في ترديد رأي أصحابه القائل بأن  الإيجاز قصور البلاغة على الحقيقة، وما تجاوز مقدار الحاجة فهو فضل داخل في باب الهذر

والخطل، وهما من أعظم أدواء الكلام، وفيهما دلالة على بلادة صاحب الصناعة  وفي هذا الرأي نظر إلى رأي الجاحظ السابق وتأثر به.

أما ابن رشيق فلم يورد للإيجاز تعريفا خاصا مكتفيا في ذلك بتعريف الرماني  له وتقسيمهأما تعريفه فقد قال ابن رشيق نقلا عن الرماني:

= الإيجاز هو العبارة عن الغرض بأقل ما يمكن من الحروف .

وقد عرف ابن الأثير الإيجاز مرة بقوله الإيجاز حذف زيادات الألفاظ  ومرة أخرى بقوله الإيجاز دلالة اللفظ على المعنى من غير أن يزيد عليه

كما قسمه إلى إيجاز بالحذف وإيجاز بدون الحذف. أما الإيجاز بالحذف

 

-----------------------------------------------------------------------------------

        كتاب البلاغة السهلة                                                                 للأستاذ / عبدالرحمن معوض

والإيجاز عند البلاغيين ضربان:

 أنواع الايجاز :

أولا : إيجاز بالقصر  

وهو تقليل الألفاظ وتكثير المعانيوقيلهو تضمين العبارات القصيرة معاني كثيرة من غير حذف. وقيل أيضا هو الذي لا يمكن التعبير عن معانيه بألفاظ أخرى مثلها وفي عدتها.

وهذا النوع، كما يقول ابن الأثير، هو أعلى طبقات الإيجاز مكانا وأعوزها إمكانا، وإذا وجد في كلام بعض البلغاء فإنما يوجد شاذا نادرا.

ومما ورد من إيجاز القصر في القرآن الكريم قوله تعالى

" ولكم في القصاص حياة  "، فإن قوله تعالىالقصاص حياة لا يمكن التعبير عنه بألفاظ كثيرة، لأن معناه أنه إذا قتل القاتل امتنع غيره عن القتل، فأوجب ذلك حياة للناس.

ويتبين فضل هذا الكلا إذا قرنته بما جاء عن العرب في معناه وهو قولهم:

 " القتل أنفى للقتل "   فقد يخيل لمن لا يعلم أن هذا القول على وزن الآية الكريمة، وليس الأمر كذلك، بل بينهما فروق من ثلاثة أوجهأحدها

أن  القصاص حياة  » لفظتان، «والقتل أنفى للقتل ثلاثة ألفاظ، والوجه الثاني أن في قولهم  القتل أنفى للقتل  تكريرا ليس في الآية، والوجه الثالث أنه ليس كل قتل نافيا للقتل إلا إذا كان القتل على حكم القصاص.

ومن أمثلة إيجاز القصر في القرآن الكريم أيضا، قوله تعالى :

" ألا له الخلق والأمر   "  كلمتان استوعبتا جميع الأشياء على غاية الاستقصاء. روي أن ابن عمر قرأها، فقالمن بقي له شيء فليطلبه.

وقوله تعالى "   والفلك تجري في البحر بما ينفع الناس "   جمع أنواع التجارات، وصنوف المرافق التي لا يبلغها العد والإحصاء.

وقوله تعالى "  خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، " فجمع جميع مكارم الأخلاق بأسرها؛ لأن في العفو صلة القاطعين، والصفح عن الظالمين وإعطاء المانعين، وفي الأمر بالمعروف تقوى الله وصلة الرحم، وصون اللسان عن الكذب، وغض الطرف عن الحرمات والتبرؤ من كل قبيح، لأنه لا يجوز أن يأمر بالمعروف وهو يلابس شيئا من المنكر.

وفي الإعراض عن الجاهلين الصبر والحلم وتنزيه النفس عن مقابلة السفيه بما يفسد الدين.

وقوله تعالى"  وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين. " فهذه الآية الكريمة تتضمن مع الإيجاز والفصاحة دلائل القدرة.

وقوله تعالى " أخرج منها ماءها ومرعاها،  "  فدل بشيئين  الماء والمرعى على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للناس، من العشب والشجر والحطب واللباس والنار والملح والماء، لأن النار من العيدان، والملح من الماءوالشاهد على أنه أراد ذلك كله قوله تعالى   "  متاعا لكم ولأنعامكم. "

ومما ورد من إيجاز القصر في أحاديث الرسول قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

 " كفى بالسلامة داء" ، وقوله "   إنكم لتكثرون عند الطمع، وتقلون عند الفزع "،

وقوله:   "  حبك الشيء يعمي ويصم   "، وقوله " إن من البيان لسحرا "  

     وقوله: ترك الشر صدقة ، وقوله نية المؤمن خير من عمله ،

   وقوله:

"إذا أعطاك الله خيرا فليبن عليك، وابدأ بمن تعول، وارتضخ من الفضل، ولا تلم على الكفاف، ولا تعجز عن نفسك  "

فقوله فليبن عليك  أي فليظهر أثره عليك بالصدقة والمعروف ودل على ذلك بقوله  "وابدأ بمن تعول، وارتضخ من الفضل أي اكسر من مالك وأعط، وقوله ولا تعجز عن نفسك  أي لا تجمع لغيرك وتبخل عن نفسك فلا تقدم خيرا.

ومنه في كلام العرب قول أعرابي أولئك قوم جعلوا أموالهم مناديل لأعراضهم، فالخير بهم زائد والمعروف لهم شاهد أي يقون أعراضهم ويحمونها بأموالهم.

وقول آخر أما بعد فعظ الناس بفعلك ولا تعظهم بقولك، واستحي من الله بقدر قربه منك، وخفه بقدر قدرته عليك .

وقيل لأعرابي يسوق مالا كثيرا   لمن هذا المال  ؟ فقاللله في يدي.

فمعاني هذا الكلام- على حد قول أبي هلال العسكري- أكثر من ألفاظه، وإذا أردت أن تعرف صحة ذلك فحلها وابنها بناء آخر، فإنك تجدها تجيء في أضعاف هذه الألفاظ.

ملخص الايجاز بالقصر :

1-  الإيجاز بالقصر :  يكون بتضمين المعانى الكثيرة بألفاظ قليلة من غير حذف

الأمثلة :

1-  ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب

ومعناها يزيد على لفظها لأن المراد أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قُتل كان ذلك داعياً قوياً ألا يقدم على جريمة القتل ، وهذا القول أقل عبارة يمكن التعبير بها في هذا المعنى   .( القتل أنفى للقتل )

2-  خذ العفو وامر بالعرف وأعرض عن الجاهلين 

3-   فهى جامعة لكل الفضائل مثل العفو عن الناس والأمر بالمعروف والإعراض عن الجاهلين وما يتبع ذلك من ثواب عظيم

4-  كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته

  حيث شملت جميع الناس الحاكم والأب والمعلم وغيرهم

5-  لا يستوى الخبيث والطيب

حيث شمل بالخبيث كل شئ محرم مثل المال الحرام والعمل الفاسد وغيره

 

6-  عبس الخطب فابتسم       وطغى الهول فاقتحم

  حيث يدل على صعوبة الموقف من جميع جوانبه ولكن البطل يقابله بالابتسام للثقه فى الفوز   وظغى الهول يدل على انتشار الخوف الذى يزلزل النفوس ويرعب القلوب  ولكن البطل يتصف بصفات قويى تساعده على التغلب على ذلك

 

7-  قل هو الله أحد الله الصمد

  فالمستحق للعبادة وحده هو الله والذى يقصده الناس فى حوائجهم هو الله

مثل : 

* قال تعالى:  " أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ "

 العبارة توضح معاني كثيرة تتعلق بالخالق و عظمته و قدرته و وحدانيته .... إلخ .

* قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : إذا لم تستح فاصنع ما شئت !! رواه البخاري.

وفي قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت) ، الكثير من المعاني التي يحملها ذلك الأمر التهديدي ، ومعناه أنه إذا انتزع الحياء من نفس الإنسان فقد يعمد إلى عمل الفواحش والمنكرات بأنواعها ، سراً وجهراً ، قولاً وعملاً ، ولكن العاقل يدرك أن وراء هذا القول ما وراءه من تهديد ووعيد ، فمن يقدم على ذلك ، فالحساب أمامه والعقاب ينتظره .

*جاء في رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى : أسلم تَسْلَمْ رواه البخاري.

وفي قول الرسول ( أسلم تسلم) غاية الإيجاز ، ومنتهى الاختصار ، فمعنى هاتين الكلمتين : اعرف الإسلام ، وادخل فيه ، وسلِّم أمرك للَّه ، بالانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك ، فإن تحقق ذلك سلمت نفسك من العذاب وسلطانك من الانهيار

ثانيا الإيجاز بالحذف   

وهو القسم الثاني للإيجاز، ويعرفه البلاغيون بقولهم هو ما يحذف منه كلمة أو جملة أو أكثر مع قرينة تعين المحذوف  ولا يكون إلا فيما زاد معناه على لفظه .

وعن هذا النوع من الإيجاز يقول ابن الأثير:  أما الإيجاز بالحذف فإنه عجيب الأمر شبيه بالسحر، وذاك أنك ترى فيه ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم

تنطق، وأتم ما تكون مبينا إذا لم تبين  

ثم يستطرد في الكلام عن إيجاز الحذف فيقول:

-        والأصل في المحذوفات جميعها على اختلاف ضروبها أن يكون في الكلام ما يدل على المحذوف، فإن لم يكن هناك دليل على المحذوف فإنه لغو من الحديث لا يجوز بوجه ولا سبب.

ومن شرط المحذوف في حكم البلاغة أنه متى أظهر صار الكلام إلى شيء غث لا يناسب ما كان عليه من الطلاوة والحسن.

ذكرنا آنفا أن الإيجاز إنما يكون بحذف كلمة أو جملة أو أكثر  وإذا تتبعنا المحذوف في هذا النوع من أساليب الإيجاز فإننا نجده يأتي على وجوه مختلفة منها:

١ - ما يكون المحذوف فيه حرفا:  نحو قوله تعالى: "  قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضا  أو تكون من الهالكين فالمراد   «تالله لا تفتأ  أي لا تزال، فحذفت  لا»  من الكلام وهي مرادة.

وعلى هذا جاء قول امرئ القيس:

فقلت يمين الله أبرح قاعدا            ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

أيلا أبرح قاعدا، فحذفت  لا  في هذا الموضع أيضا وهي مرادة.

ومما جاء منه قول أبي محجن الثقفي لما نهاه سعد بن أبي وقاص عن شرب الخمر وهو إذ ذاك في قتال الفرس بموقعة القادسية:

رأيت الخمر صالحة وفيها            مناقب تهلك الرجل الحليما

فلا والله أشربها حياتي                ولا أسقي بها أبدا نديما

يريدلا أشربها، فحذف  لا  من الكلام وهي مفهومة منه.

٢ما يكون المحذوف مضافا :   نحو قوله تعالى:" وسئل القرية التي كنا فيها والعير  التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون، "      أياسأل أهل القرية وأصحاب العير.

ومن ذلك أيضا قوله تعالى   "  فقبضت قبضة من أثر الرسول،"  أيمن أثر حافر فرس الرسولوقوله تعالى  "  وجاهدوا في الله حق جهاده، " أيوجاهدوا في سبيل الله

٣ما يكون المحذوف موصوفا :  نحو قوله تعالى : " وآتينا ثمود الناقة مبصرة "     ، فإنه لم يرد أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء وإنما يريد  آية مبصرة، فحذف الموصوف وهو  آية  وأقام الصفة مقامه.

وأكثر وقوع حذف الموصوف في النداء وفي المصدرأما النداء فنحو قوله تعالى

" يا أيها الساحر "  أي: يا أيها الرجل الساحر، وقوله تعالى:

" يا أيها الذين آمنوا ... "،     أييا أيها القوم الذين آمنوا.

ومما جاء منه في الشعر قول البحتري من أبيات يصف فيها التصاوير التي في إيوان كسرى، وذلك أن الفرس كانت تحارب الروم فصوروا مدينة أنطاكية في الإيوان وحرب الروم والفرس عليها، فمما ذكره البحتري في ذلك قوله :

وإذا ما رأيت صورة أنطاكية                ارتعت بين روم وفرس

والمنايا مواثل وأنو شر                      وان يزجي الصفوف تحت الدرفس 

في اخضرار من اللباس على أصفر        يختال في صبيغة ورس 

فقوله  على أصفر ، أيعلى فرس أصفر، وهذا مفهوم من قرينة الحال، لأنه لما قال على أصفر  علم بذلك أنه أراد فرسا أصفر، كما أن  يختال  قرينة لفظية، لأن الاختيال من صفات الخيل الحسنة.

4-  المصدر محذوف : فكقوله تعالى" " ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا "، تقديرهومن تاب وعمل عملا صالحا ...

5ما يكون المحذوف صفة ولا يسوغ هذا الحذف إلا في صفة تقدمها ما يدل عليها أو تأخر عنها أو فهم ذلك من شيء خارج عنهاأما الصفة التي تقدمها ما يدل عليها فنحو قوله تعالى "  أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا،"  فحذف الصفة، أي  كان يأخذ كل سفينة صالحة غصبا  ويدل على المحذوف قوله فأردت أن أعيبها   فإن عيبه إياها لم يخرجها عن كونها سفينة، وإنما المأخوذ هو الصحيح دون المعيب  فحذفت الصفة هنا لأنه تقدمها ما يدل عليها.

وأما الصفة المحذوفة التي تأخر عنها ما يدل عليها فقول يزيد بن الحكم الثقفي:

كل امرئ ستئيم منه              العرس أو منها يئيم

يريدكل امرئ متزوج، إذ دل عليه ما بعده من قوله  ستئيم منه أو منها يئيم  إذ لا تئيم هي إلا من زوج، ولا يئيم هو إلا من زوجة. فجاء بعد الموصوف ما دل عليه، ولولا ذلك ما صح معنى البيت، إذ ليس كل امرئ يئيم من عرس ولا تئيم منه عرس إلا إذا كان متزوجا.

وأما ما يفهم منه حذف الصفة فيه من شيء خارج عن الكلام فقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم "لا صلاة

لجار المسجد إلا في المسجد"  فإنه قد علم جواز صلاة جار المسجد في غير المسجد من غير هذا الحديث  فعلم حينئذ أن المراد به الفضيلة والكمال، أيلا صلاة أفضل أو أكمل لجار المسجد إلا في المسجد. وهذا شيء لم يعلم من نفس اللفظ وإنما علم من شيء خارج عنه.

6ما يكون المحذوف القسم أو جوابه فأما حذف القسم فنحو قولك لأفعلن  أي: والله لأفعلن، أو غير ذلك من الأقسام المحلوف بها.

وأما حذف جواب القسم فنحو قوله تعالى : "  ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب  " ، فإن معناه  ق والقرآن المجيد لتبعثن  والشاهد على ذلك ما بعده من ذكر البعث في قوله تعالى " أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ".

وقد ورد هذا الضرب في القرآن كثيرا، كقوله تعالى في سورة النازعات "  والنازعات  غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا. فالسابقات سبقا. فالمدبرات أمرا. يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة،   " فجواب القسم ههنا محذوف تقديره  لتبعثن أو لتحشرن. ويدل على ذلك ما أتى به من ذكر القيامة في قوله"  يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة،"   وكذلك إلى آخر السورة.

  7 ما يكون المحذوف لو وشرطها، أو جوابها فقط   وذاك من ألطف ضروب الإيجاز وأحسنهافأما حذف لو وشرطها معا كقوله تعالى "" ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض " تقدير ذلك: إذ لو كان معه آلهة لذهب كل إله بما خلق ...

وكذلك ورد قوله تعالى   "  وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذن لارتاب المبطلون " تقديره: إذ لو فعلت ذلك لارتاب المبطلون.

ومما جاء من ذلك شعرا قول قريط بن أنيف:

لو كنت من مازن لم تستبح إبلي          بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

إذا لقام بنصري معشر خشن             عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا

ف  لو  في البيت الثاني محذوفة لأنها في البيت الأول قد استوفت جوابها بقوله لم تستبح إبلي ، ثم حذفها في الثاني وتقدير حذفها  إذ لو كنت منهم لقام بنصري معشر خشن، أو إذ لو كانوا قومي لقام بنصري معشر خشن.

وأما حذف جواب  لو  فكثير شائع نحو لو زرتنا أو لو ألممت بنا معناه: لأحسنا إليك أو لأكرمناك أو ما جرى هذا المجرى.

ومنه قوله تعالى  "  ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا   " أراد: لكان هذا القرآن  فحذف الجواب اختصارا لعلم المخاطب بأن الشرط المذكور لا بد له من جواب.

هذا عن القسم الأول من أقسام إيجاز الحذف وهو حذف مفرد أو كلمة. وهذا النوع من الحذف يتصرف على أربعة عشر ضربا أتينا هنا على

ستة أضرب منها على سبيل المثال

أما القسم الثاني من أقسام إيجاز الحذف وهو حذف جملة أو أكثر، فمن أمثلته قوله تعالى في حكاية موسى عليه السلام مع اب ابنتي شعيب:

" فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا "  فالمحذوف هنا جمل عدة، ونظم الكلام من غير حذف أن يقال:

فذهبتا إلى أبيهما وقصتا عليه ما كان من أمر موسى، فأرسل إليه، فجاءته إحداهما تمشي على استحياء.

ومن أمثلة الإيجاز بحذف أكثر من جملة أيضا قوله تعالى في قصة سليمان وقصة الهدهد في إرساله بالكتاب إلى بلقيس "  قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين. اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون. قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ...."

فالمحذوف هنا أكثر من جملة ونظم الكلام من غير حذف أن يقال:

فأخذ الهدهد الكتاب وذهب به إلى بلقيس فلما ألقاه إليها وقرأته قالتيا أيها الملأ  .

والمحذوف إذا كان كذلك دل عليه الكلام دلالة ظاهرة، لأنه إذا ثبتت حاشيتا الكلام وحذف وسطه ظهر المحذوف لدلالة الحاشيتين عليه.

وبعد   فلما كان سبب الإيجاز في جميع ما أوردناه هنا من أمثلة هو الحذف، سواء أكان حذف مفردات أو جمل، سمي «إيجاز حذف

ملخص الايجاز بالحذف :

2-  الإيجاز بالحذف :

 

 يكون بحذف شئ من العبارة لايخل بالمعنى مع وجود قرينة على هذاالشئ المحذوف


حذف الحرف : كما فى قوله تعالى (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا) أي من قومه 

(قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) (20) سورة مريم  . أي لم أكن بغياً ، فقد حذفت نون الفعل تخفيفاً .


حذف المضاف : كما فى قوله تعالى (لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ) أى يرجو رحمة الله و جاهدوا في × الله حق جهاده . أي في سبيل الله .

ومنه قوله تعالى (إِنْ تَنْصُرُوااللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) أى دين الله  
حذف المضاف إليه : كما فى قوله تعالى( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ ) بعشر ليال
 ومنه قوله تعالى(لِلَّهِ الاَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) أى من قبل ذلك ومن بعدذلك

·         ـ حذف الموصوف : كما فى قوله تعالى (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ )أى حور قاصرات الطرف 

·         وذكر الله كثيرا    أى ذكرا كثيرا

·         حذف الصفة    "وكان وراءهم ملك ياخذ كل سفينة غصبا  "   أى كل سفينة صالحة

·         حذف الفعل   :  "ولئن سألتهم من خلقهم ليقولون الله  "

·           أى خلقهم الله

·         حذف الفاعل

أطالت وقوفا تذرف العين جهدها       على طلل القبر الذى فيه احمد 

 اى أطالت العين وقوفا

·         حذف المفعول به  : " سيذكر من يخشى   "

  أى يخشى الله

 

·         حذف الفعل والفاعل :

أخاك أخاك إن من لاأخ له       كساع إلى الهيجاء بغير سلاح

 أى الزم أنت أخاك

10   - حذف الجار والمجرور  :" ستكتب شهادتهم ويسألون "

11    أى يسالون عنها

12  حذف جملة : " فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا  "   اى فضرب فانفجرت منه

13  حذف المبتدأ :

 شاك إلى البحراضطراب خواطرى      فيجيبونى برياحه الهوجاء                                 أى إنا شاك 

وتلخيصا لقواعد الإيجاز التي فصلنا القول فيها نقول:

١الإيجاز:  جمع المعاني الكثيرة تحت الألفاظ القليلة مع الإبانة والإفصاح.

٢الإيجاز نوعان:

أإيجاز قصر:  ويكون بتضمين العبارات القصيرة معاني كثيرة من غير حذف.

بإيجاز حذف ويكون بحذف مفرد أو جملة أو أكثر مع قرينة تعين المحذوف.

***

القيمة الجمالية للإيجاز:

إثارة الذهن وتحريك العقل وامتاع النفس فى البحث عن المحذوف وزيادة الأسلوب جمالا

نموذج مجاب :

بين نوع الإيجاز في العبارات الآتية :

(1) - قال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (82) سورة الأنعام.

(2) - و قال تعالى: {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} (85) سورة يوسف

(3) - و قال تعالى: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا} (31) سورة النازعات.

(4) - و قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}

(5) - وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}  

(6) - وقال أبو الطيب : 

   أتَى الزّمَانَ بَنُوهُ في شَبيبَتِهِ       فَسَرّهُمْ وَأتَينَاهُ عَلى الهَرَمِ

(7) - أكلتُ فاكهةً و ماءً.

الإجابة :

(1) - في الآية إيجاز قِصَر ، لأن كلمة {الأمن } يدخل تحتها كل أمر محبوب ، فقد انْتَفَى بها أن يخافوا فقراً ، أَو موتاً ، أو جوْراً ، أو زوال نعمة ، أو غير ذلك من أصناف المكاره .

(2) - في الآية إيجاز حذف ؛ لأن المعنى {تالله لا تفتأ تذكر يوسف} فحذف حرف النفي.

(3) - في الآية إيجاز قصر ، فقد دل الله سبحانه بكلمتين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا و متاعاً للناس من العُشب والشجر والحطب واللِّباس والنار و الماء .

(4) - في الآية إيجاز حذف ، فقد حُذف جوابُ أَمَّا ، وأصل الكلام : {فيقال لهم أكفرتم بعْد إيمانكم }.

(5) - في الآية إيجاز بحذف جواب لو ، إذ تقدير الكلام لكان هذا القرآن .

(6) - في البيت إيجاز بحذف جملة : و التقدير و أتيناه على الهَرم فساءنَا.

(7) - في العبارة إيجاز حذف جملة ، إذ التقدير و شَربْت ماء .

 

تدريبات :

(أ) - بين نوع الإيجاز فيما يأتي ووضح السبب :

(1) - قال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}

(2) - وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}

(3) - وقال عليه الصلاة والسلام : « إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا » .

(4) - وقال تعالى في وصف الجنة: {.. وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ..}

(5) - و قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ}

 (6) - وقال تعالى: {وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ }

(7) - وقال صلى الله عليه وسلم : " الطمعُ فقرٌ واليأسُ غِنًى " .

(8) - وقال علي - كرم اللَه وجهه -: " آلَةُ الرِّيَاسَةِ سَعَةُ الصَّدْرِ" .

(9) - ويُنْسب للسموءل :

وإِنْ هُو لَمْ يَحْمِلْ على النَّفْسِ ضَيْمَها  *    فَلَيْسَ إلى حُسْنِ الثَّناءِ سبيلُ

(10) - و قال تعالى في وصف انتهاء حادثة الطوفان {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}

[أقلعي: كفي عن المطر، و غيض الماء: نضب ، و الجودي : جبل بأرض الجزيرة استوت عليه سفينة نوح عليه السلام عند انتهاء الطوفان]

(ب) - بيِّنْ جمالَ الإِيجاز فيما يأتي و اذكر من أيِّ نوعٍ هو :

(1) - كتب طاهرُ بن الحسين إلى المأمون وكان واليَهُ على عُمَاله بعد هزمه عسْكر علي بن عيسى بن ماهان [من كبار القادة في عصر الرشيد و الأمين] و قتله إِياه : كتابي إِلى أَمير المؤمنين، ورأْسُ علي بن عيسى بن ماهان بين يدَي، وخَاتمُهُ في يدي، و عسكَرُه مُصرَّف تحت أمري والسلام .

(2) - وخطب زياد فقال : أيها الناس لا يَمْنعكم سوءُ ما تَعْلمون منَّا أن تنَنْتفعوا بأحْسَنِ ما تسمعون منّا.

(جـ) - بين ما في التوقيعات الآتية من جمالِ الإيجاز :

(1) - وقَّع أبو جعفر المنصور في شكوى قوم من عاملهم : كما تكونوا يؤمَّر عليكم  .

(2) - وكتب إليه صاحبُ مِصْر بنُقْصان النيل فوقع : طهِّرْ عسكركَ من الفسادِ يعطِكَ النيلُ القيادْ .

(3) - ووقع على كتاب لعامله على حِمص و قد كثُر فيه الخطأ : استبدِل بكاتبك، وإلا أستُبْدِل بك .

(4) - وكتب إِليه صاحب الهند أنَّ جُنْدًا شغبوا عليه و كَسروا أقْفالَ بيتِ المال ، فَوقَّع : لو عدلْت لَمْ يشْغبُوا ولو وفَيْت لَمْ ينتهِبُوا .

(5) - ووقع هارون الرشيد إلى صاحب خراسان  : داوِ جُرْحكَ لا يتسعْ .

(6) - ووقع في قصة البرامكة : أنبتتهم الطاعة ، و حصدتْهُم المعصية .

(7) - وكتب إِبراهيم بن المهْدي في كلام للمأمون : إن عفوت فبفضلك، وإن أَخذتَ فبحقك. فوقَع المأمون: القُدْرة تُذهبُ الحفيظَة .

(8) - ووقع زِياد بنُ أبيه في قصة مُتظلم : كُفِيتَ.

(9) - ووقَّع جعفر بن يحيى [من قادة البرامكة] لعامل كَثُرَتِ الشكوى منه: كثُر شاكوك ، و قلَّ شاكرُوك ، فإما عدلْت ، وإِمَّا اعْتَزَلْت .

(10) - ووقع في قصة محبوس: الجناية حسبهُ ، والتوبةُ تطلقه .

(د) - اقرأ الحكاية الآتية وبين وجه الإيجاز و نوعه فيما يعرض فيها من أمثال :

كَان لرجل من الأعراب اسمه ضَبَّةُ ابنان . يقال لأحدهما سعْد و للآخر سُعيْد ، فنَفَرتْ إبل لضبة فتفرق ابناه في طلبها ، فوجدها سعد فردها ، فمضى سُعيْد في طلبها ، فلقيه الحارث بن كعب ، وكان على الغلام بُرْدان ؛ فسأله الحارث إياهما فأبى عليه فقتله وأخذ برديه ، فكان ضبة إذا أمسى ورأى تحت الليل سوادًا قال : أسعد أَمْ سُعيْد ؟ فذهب قوله مثلا يُضرب في النجاح والخيبة ، ثم مكث ضبة بعد ذلك ما شاء الله أَن يمكث ، ثم إنه حج فوافى عُكاظ فلقي بها الحارث بن كعب ، ورأى عليه بُرْدي ابنه سُعيْد ، فعرفهما ، فقال له : هل أَنت مخبري ما هذان البردان اللذان عليك ؟ قال لقيت غلاماً يوماً وهما عليه فسألته إياهما فآبى عليَّ فقتلته فأخذتهما ، فقال ضبة : بسيفك هذا ؟ قال : نعم ، قال : أرنيه فإِني أظنه صارماً ؟ فأعطاه الحارث سيفه ، فلما أخذه هزَّه و قال : الحديثُ ذو شُجُون ثم ضربه به فقتل ! ، فقيل له يا ضَبة: أفي الشهر الحرام ؟ فقال : سبقَ السيفُ العذل [اللوم] فهو أول من سارت عنه هذه الأمثال الثلاثة .

---------------------------------------------------------------------------------

        كتاب البلاغة السهلة                                                  للأستاذ / عبدالرحمن معوض
شكرا لتعليقك