pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


كتاب البلاغة السهلة 59 موسيقا الشعر العربي

 

من دروس علم المعانى :

16- موسيقا الشعر العربي

تُعدُّ الموسيقا الأساس الأول الذي يقوم عليه الشعر  فمنذ وُجِدَ الشعر، وجدت معه الأوزانُ، فالشاعر لا ينطق بكلامه في لغةٍ عادية، وإنما ينطقه موزونًا وهذا الأمر ليس قصرًا على الشعر العربي دون غيره، فقد صاحبت الموسيقا الشعرَ اليونانيَّ واللاتيني القديم

 – مع اختلافٍ في طبيعة هذه الموسيقا

– وإلى هذا يشير ( ثيودور م.فيني )    

فيقول: “إن الصفةَ اللغويةَ البارزةَ التي بني عليها أساس الشعر الكلاسيكي هي الكم، أو الامتداد الزمني للأحرف المتحركة، فقد كان  التفعيلُ الشعري (Foot) جمعًا بين أحرف متحركة طويلة وأخرى قصيرة فلما أقبل القرنُ الرابع الميلادي، حلت الضغوطُ الكلامية (Accent) محل القيم الكمية للحروف كأساسٍ للتفعيل الشعري “  كما حافظ الشعرُ الإنجليزي والشعرُ الفرنسي على الموسيقا وعلى القافية بشكلٍ أو بآخر، وكان لأوزان الشعر وللقافية في الشعر العربي أثرٌ في الشعر الغربي، وجاء هذا التأثير عن طريق إيطاليا عبر صقلية وفرنسا عبر الأندلس

ابن رشيق :

     ويؤكد ابن رشيق أن  الوزن أعظم أركان الشعر وأولاها به خصوصية، وهو يشتمل على القافية، وجالب لها ضرورة”، ويقرب المعاني من الأفهام والعقول

، فهذا ابن طباطا يقول:  وللشعر الموزون إيقاع يَطربُ الفَهمُ لصوابه ، وهذا ينسحب على الشعر قديمًا وحديثًا، مما دفع الرمزيين في العصر الحديث إلى إعادة النظر في الشعر والاهتمام بموسيقاه، وقد لخص (فاليري ) هذا الاتجاه للرمزية بقوله

   إن هدف الرمزية الأول هو أن تعيد إلى الشعر ما فقده من موسيقاه”، ومن هنا يمكن القول: إن الموسيقا هي الفارقُ الحاسمُ بين الشعر والنثر

أهمية موسيقا الشعر:

تؤثر الموسيقى تأثيرا فعَّالا في بلورة التشكيل الجمالي للنصِّ الشعري، حيث تتضافر الأصوات اللغوية، وفق نظام خاص في النسق النصي لتحدث إيقاعا يعبر عن مختزنات الحالة الشعورية، ويكون محبباً إلى النفس الإنسانية، التي تميل إلى كل ما يثير فيها إحساسا ويدغدغ فيها أوتار شفافيتها.

وهذا لا يتأتى للشعر إلا بالموسيقى التي تتفاعل فيها الموسيقى الخارجية الناتجة عن الوزن الشعري، وأنظمة تشكيل القوافي، مع الموسيقى الداخلية المنبثقة من جوانية النسق المشكِّل للدوال التعبيرية، بكافة مجالاته بدأ بتضام الصوت إلى الصوت، مرورا بتعانق الكلمة بالكلمة، وانتهاء بتشابك الجملة بالجملة، مع ما ينضاف إلى ذلك من تسخير لطاقات البنى الدلالية حيث تكون مادتها اللغة : صوتا ومعنى محاور استبدالية، تتوظف فيها المعادلات الصوتية والإيقاعية وسواهما ، ومن خلال توزيع النغم الصوتي على وحدات زمانية بتناسق مخصوص، ينتج الإيقاع الشعري المموسق، الذي يثير النفس البشرية، ويبعث فيها مشاعر منشطة أو مهدئة حسب طبيعة التجاوب النغمي شدة ولين، والإيقاع الموسيقي بهذا المعنى، يضفي إلى عناصر التشكيل قوة جمالية، يكاد يفتقدها الشعر إن لم توجد فيه عناصر الموسيقى بكافة أشكالها، التي تُنَظِّمُ الوحدات الصوتية، وتهندس التشكيلات الإيقاعية، وتوزعها على حيز من الزمن يستفرغ الشحنات العاطفية، والدفقات الشعورية بما يصاحبها من إثارة الفكر والخيال في خضم التجربة الشعرية، فيندفع المتلقي مع الشاعر محاولا سَبْرَ أغواره السحيقة واستكناه أسرارها.وبذلك تعتبر الموسيقى "وسيلة من أقوى وسائل الإيحاء، وأقدرها على التعبير عن كل ما هو عميق وخفي في النفس مما لا يستطيع الكلام أن يُعبِّر عنهُ؛ ولهذا فهي من أقوى وسائل الإيحاء سلطانا على النفس وأعمقها تأثيرا فيها.

وتكون براعة الشاعر في قدرته على صياغة قالبه الشعري، مازجا فيه بين كافة الإمكانيات التصويرية المكانية حيث تشكيل الصورة لا ينفصل عن تشكيل الحيز الزماني متمثلا في التوقيعات النَّغمية التي تثري الدلالة وتعمقها، بإيحاءاتها الثرية المتنوعة، التي تتضافر مع كافة الإمكانيات لبلورة جماليات النص في نسق تشكيله النهائي، فالإيقاع علاقة بين الكلمات والحروف والمفردة، وما يجاورها من أنساق صوتية وتعبيرية، وحالة نفسية تنشأ عن صوت وتوقع وعن علاقات غامضة تثيرها جوانية اللغة، كما يثيرها النغم، والشاعر ينجح بقدر ما يستطيع تفعيل دور الموسيقى الخارجية بإيقاعاتها المميزة، في الوقت ذاته الذي يستطيع فيه أن يمزج بين عناصر الموسيقى الداخلية منتجا إيقاعا مميزا لكل حالة شعورية.

وفي هذا السياق ينبغي التنبيه إلى أن امتلاك القدرة على التشكيل الإيقاعي موهبة عظيمة تحتاج إلى صقل وتنمية متواصلة، وحس مرهف يوائم بين جماليات النسق؛ فتتآلف الصور مع الإيقاع لتنتج صورة كلية متكاملة تدهش وتنتج دلالات متشظية في بنية النص تكتشف بالاحتكاك والقراءة مرة تلو مرة.

 ما الفرق بين الموسيقا الداخلية و الخارجية ؟

أو ما هي مصادر الموسيقى الداخلية و الخارجية في النص الأدبي ؟ 
الموسيقى نوعان داخلية تخص الشعر و النثر، و خارجية خاصة بالشعر فقط
والموسيقا في الشعر خارجية وداخلية

 أما الخارجية : فتشمل الوزنَ والقافيةَ “والقافية شريكة الوزن في الاختصاص بالشعر، ولا يُسمى شعرًا حتى يكون له وزنه وقافيته”. أما الموسيقا الداخلية، فروافدها كثيرة الشعر العربي

الموسيقا الخارجية  :

و هي المتولدة من الأوزان و القوافي و التي تدرس في ظل معرفتنا لعلم العروض و هو خاص بالشعر و تشمل الدراسة العروضية تسمية بحر القصيدة و تسجيل تفعيلاته الإشارة إلى تنوع القوافي ( إن وجد ) )

قد يميل الشاعر إلى بحر الطويل أو البسيط إذا كان غرض القصيدة جادا يحتاج إلى اتساع تعبيري و قد يميل إلى المتقارب أو الخفيف في الشعر الثوري
و الكامل و الوافر يناسبان شعر الغزل و صار الكامل خاصة يلائم معظم الأغراض  
الوزن :

وهو أوزان بحور الشعر المعروفة، وقد احتل البحر الطويل المرتبة الأولى عند الشعراء، فيما احتل البحر البسيط المرتبة الثانية، وهذان البحران كما يقول الدكتور عبد الله الطيب: “أطولا بحور الشعر العربي وأعظمهما أبهة وجلالة، وإليهما يعمد أصحاب الرصانة، وفيهما يفتضح أهل الركاكة والهجنة .. والطويل أفضلهما وأجلهما، وهو أرحب صدرًا من البسيط، وأطلق عنانًا، وألطف نغمًا”. فكأن البحرين الطويل والبسيط فيهما الطول والبسطة لاستيعاب المديح، وكأن المديح يجد فيهما القالب أو الثوب الذي يحتويه ويلائمه، فأعلى البحور درجة – عند القرطاجني – الطويل والبسيط، ويتلوهما الوافر والكامل ومجال الشاعر في الكامل أفسح منه في غيره”، فالعروض الطويل تجد فيه أبدًا بهاء وقوة، وتجد للبسيط سباطة وطلاوة، وتجد للكامل جزالة وحسن اطراد 

 

القافية :

والقافية هي الركيزةُ الثانيةُ للشعر، إذ  لا يُسمى (الشعرُ) شعرًا حتى يكونَ له وزنٌ وقافية  وقد سُميت القافيةُ قافية لأنها تقفو أثرَ كل بيتوهناك من يذهبُ إلى الخلط بين الرويَّ والقافية والراجح قول الخليل بن أحمد الفراهيدي:  القافية من آخر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه من قبله مع حركة الحرف الذي قبل الساكن” ويترتب على هذا تقسيم القوافي إلى خمسة أضرب هي

المتواتر، والمتدارك، والمتراكب والمترادف، المتكاوس

   الروي :

فهو الحرفُ الذي تُبنى عليه القصيدةُ، وتُنسبُ إليه فيقال: قصيدةٌ رائية، أو داليةٌ، أو ميمية ويلزم في آخر كل بيت منها   

     “وللقافية قيمةٌ موسيقيةٌ في مقطع البيت، وتكرارُها يزيدُ في وحدة النغم: فكلماتها – في الشعر الجيد – ذات معان متصلة بموضوع القصيدة، بحيث لا يشعر المرء أن البيتَ مجلوبٌ من أجل القافية، بل تكون هي المجلوبةُ من أجله، ولا ينبغي أن يؤتَى بها لتتمةِ البيت، بل يكون معنى البيت مبنيًا عليها ولا يمكن الاستغناء عنها فيه، وتكون كذلك نهاية طبيعية للبيت، بحيث لا يسد غيرها مسدها في كلمات البيت قبلها

الموسيقا الداخلية :

     أما الموسيقا الداخليةُ فهي متممةٌ مع الموسيقا الخارجية موسيقا الشعر. ولا يحسبنَّ أحدٌ الموسيقا الداخليةَ منفصلةً عنها، بل هي نتاجُها، وجزءٌ منها؛ فتذوقُ المتلقي للموسيقا الشعرية بنوعيها، يتم في زمنٍ واحدٍ دون فصلٍ بينهما، وهذا التذوق وليدُ تآلفِ وانتظامِ تفعيلاتِ البحر العروضي التي تتألف من متحركات وسواكن تزيد أو تنقص، تتقدم أو تتأخر حسب طبيعة كل بحر، إلا أنها لا تخرجُ في النهاية على النظام الموسيقي العروضي الذي يمثل وعاءً للألفاظ التي يختارها الحسُّ الشعريُّ، متناغمة مع موسيقا البحر العروضي، فتزيدُ من موسيقاه، مبرزةً وباعثةً الموسيقا الداخلية

     أما روافدُ الموسيقا الداخلية عند الشعراء فكثيرة منها

-----------------------------------------------------------------------------------

        كتاب البلاغة السهلة                                                                 للأستاذ / عبدالرحمن معوض

التصريع :

     “وهو عبارة عن استواء آخر جزء في صدر البيت، وآخر جزء في عجزه في: الوزن، والروي، والإعراب. وهو أليقُ ما يكون بمطالع القصائد” وفي عبارةٍ موجزة هو “جعل العروض مقفاة تقفية الضرب”، وهو مما استُحسِنَ حتى إن أكثرَ الشعر صُرِّعَ البيتُ الأول منه، إلا أن كثرته غير مستساغة يقول الشاعر

حنانيكَ إنَّ الغدرَ ضربة لازبِ         فيا ليتَ للأحبابِ عهدَ الحبائبِ

 

 

     وكقوله في قصيدة أخرى

سَل الدهرَ عنّي أيّ خَطبٍ أمارس          وعن ضحكي في وجهِهِ وهو عابسُ

 

صحة التقسيم :  

وصحةُ التقسيم أو حُسنه موضوعٌ تناوله كثيرٌ من النقاد القدامى، فتحدثوا عن جيده وأصحه، وأجمله وأحسنه، وإنْ لم تتضح – بدقة – معالم هذا الفن عند بعضهمإلا أن الدكتور عبد الله الطيب عرّفه بقوله : “هو تجزئةُ الوزن إلى مواقف يسكت عندها المرءُ أثناء التأدية للفظ البيت أو يستريح قليلاً .. فهذا التقسيم إما أن يكون خفيًا، وإما أن يكون واضحاً” ومن ذلك قول الشاعر

والعمرُ مقتبلٌ ، والرأيُ مُكتَهِلُ          فالعــدلُ منتشــرٌ ، والعـزمُ مجتمـعٌ              

الترصيع :      

     والترصيعُ  هو أن يعتمدَ تصيير مقاطع الأجزاء في البيت المنظوم .. مسجوعة وكأن ذلك شُبِّه بترصيع الجوهر في الحلي .. وهذا لا يحسن إذا تكرر وتوالى؛ لأنه يدل على التكلفِ وشدةِ التصنع، وإنما يحسنُ إذا وقع قليلاً .. غير نافر” ومن الترصيع قول الشاعر

كالبحرِ ملتطمًا ، والفجرِ مبتسمًا

 

والليثِ معتزمًا ، والغيثِ منسجما

 

---------------------------------------------------------------------------------

        كتاب البلاغة السهلة                                                                 للأستاذ / عبدالرحمن معوض

تجانس الوزن الصرفي :

     لم يتوقف حس الشعراء الموسيقي عند حسن التقسيم والترصيع، بل أضاف عنصرًا آخر من عناصر الموسيقا الداخلية، يتمثل في تجانس الوزن الصرفي، من ذلك قول الشاعر

يروحُ إليهم عازبُ الحمدِ وافيا        ويغدو عليهمْ طالبُ الرفدِ عافِيا

 

 

ومظاهر التجانس تتمثل في اشتمال الشطر الأول على

فعل مضارع، ثم حرف اتصل به ضمير، ثم اسم فاعل من فعل ثلاثي، ثم مصدر معرف بأل، وأخيرًا اسم فاعل من فعل ثلاثي – أيضًا – وإذا نظرنا إلى الشطر الثاني نجد التجانس والتماثل دقيقًا بينهما، إضافة إلى تماثل الحركات في أواخر الكلمات في الشطرين، وهي على التوالي: الضم، فالسكون، فالضم، فالجر، ثم الياء والألف الممدودة. وباستثناء الفعل في بداية الشطرين نجدُ التجانسَ بين إليهم وعليهم، وعازب وطالب، والحمد والرفد، ووافيا وعافيا

التكرار :

     ويُعدُّ التكرارُ من مصادر وروافد الموسيقا الداخلية في الشعر، ويشملُ ألوانًا عدة، منه تكرار الكلمة واشتقاقاتها، والحرف وزمرته، والحركات وبخاصة التنوين

     أما النوعُ الأول: فيمكن أن نضعَ في إطاره الجناس بأنواعه ما دمنا نتحدث عن الموسيقا، فمن الجناس التام قول الشاعر

وطرفٍ إذا الآجالُ قَفَّيتها بهِ         فهنَّ لآجالٍ قضينَ فَرائسُ

 

 

فقد كرَّر الشاعرُ كلمةَ (آجال) إلا أننا نجد أمثلةً على التكرار في شعر الأبيوردي، تفي بالحاجة مثل قوله :

فأعذب من شِربي بما مدّ من يدي      وآمن من سربي بما شدَّ من أزري

 

 

فقد أحدث التجانس، أو قل التكرار الموسيقي في قوله: شربي وسربي، ومدَّ وشدَّ، وتكرار (مِنْ) أربع مرات، وتكرار (بما) مرتين إيقاعًا في البيت، يُضاف إلى إيقاعه العروضي

 الموسيقا الداخلية :  
هي ذلك النغم الخفي الذي تحسه النفس عند قراءتها الآثار الأدبية الممتازة شعراً و نثراً فنغم يبعث على الحماس و آخر يبعث على الحزن و الكآبة، و ثالث يثير فينا الحنان، و لو تساءلت عن مصدر هذا النغم لوجدته يكمن في حسن اختيار الأديب لكلماته بحيث أنها عند تجاورها جاءت منسجمة تنساب انسيابا فهي متآلفة الحروف لا تنافر فيها و يسهل النطق بها و لا يعتمد الأديب ذلك إلا قليلاً عند مراجعته لما كتبه، و إنما يهديه ذوقه الفني و قدرته الأدبية و كذلك سعة ثقافته و ثراء معجمه اللغوي، لكن هذا لا يمنعنا من محاولة الكشف عن بعض أسرار الفن في هذا الميدان

لاحظ النقاد كثرة أحرف الهمس و هي : ( السين و الصاد و الزاي ) كما في قصيدة البحتري في إيوان كسرى

صنتُ نفسي عمّا يدنس نفســــي      ***       و ترفعتُ عن جَدا كلّ جبسِ
و تماسكتُ حين زعزعني الدّهر      ***      التماساً منه لتعسي و نكسي
حضرت رحلي الهموم فوجهتُ       ***      إلى أبيض المـــــدائن عنسي
أتسلى عن الحظوظ و آســــــى       ***       لمحل من آل ساســـانَ دَرْسِ

فحروف الهمس و السين منها خاصة هي الملائمة لمن يتكلم وسط هذا الصمت الذي يوجب الهدوء و الاحترام
ومن الملاحظ أيضا أن حروف المد و هي : ( الألف و الواو ، الياء ) و خاصة الألف تكثر في أدب الرثاء شعراً و نثراً لأن طول الصوت يناسب الحزن مثل قصيدة مفدي زكرياء في أحمد زبانه

قام يختال كالمسيح و وئيــــــــدا      ***     يتهادى نشوانَ يتلو النشيــــدا
باسم الثغرِ، كالملائك أو كالطفل      ***     يستقبل الصَّبـــــاح الجديــــدا
شامخاً أنفُه جـــلالاً و تيــــــــهاً       ***    رافعاً رأسه يُناجي الخــــلودا
و تَعَالى مثل المؤذن يتــــــــــلو      ***     كلمات الهدى و يدعو الرقودا

توازن العبارات في النثر يقابله حسن التقسيم في الشعر

التكرار الذي لا يقصد به غير الموسيقا و جمال الترنم
كثرة النعوت والإضافات و المتعاطفات يعتبرها النقاد ضعفاً فنياً لكن لها فائدتين فهي تساعد الأديب على التوسع في المعنى كما أنها تساهم بقوة في إحداث نغم الموسيقا الداخلية للنص


--------------------------------------------------

                         الموسيقا الشعرية في القصيدة المعاصرة

   وجد الشاعر العربي نفسه قديما وحديثا خاضعا للقيود الشعرية ابتداءا من البيت الشعري الواحد وسياقه الهندسي وانتقاء البحر الموسيقي بنغميته المعينة فالشاعر الحديث او المعاصر دائما يسعى إلى بناء وايجاد موسيقا شعرية جديدة تتفاعل من التطور الزمني من دون ان تهدم الأصول الموسيقية الموروثة، بل كان غرض الشاعر من ذلك أن يتحرر من بعض القيود الشعرية وبالقدر الذي يتيح له فسحة من الحرية وبما يسعفه في التعبير عن عواطفه وأحاسيسه في تخيلات شعرية في اطار الفكرالناضج . واماله واحاسيسه . وما تشخص اليه نفسه ويأمل ان يحصل على قدر معين من هذه الحرية التي تمتع بها وقد أتاح له أن يطوع تلك الحالة الى ما يشبه القوانين وأن يطورها ليضيفها إلى الخصائص الجمالية للبحور الشعرية العربية التقليدية، واضافة امور وخصائص جمالية أخرى تستمد أصولها من التطور الذي أصاب او يصيب مستقبلا المضامين الشعرية نفسها. حيث سيحقق تطورات في الاطار الموسيقي للقصيدة الشعرية .

لذا نلاحظ بعض الشعراء بدأ بالثورة على القيود الشعرية المتوارثة واولها تجاوز نظام الشطر والعجز في البيت الواحد وبهذا خلق شعرا حديثا او معاصرا باشكال جديدة وهيكلية غير الهيكلية المورثة وتم استبدال نظام الشطر الشعري الى السطر الشعري وقد يطول او يقصر هذا السطر بحسب ما يتضمن من نسق شعوري أوفكري. أي تحول بادئ ذي بدء من شعر البحور الشعرية في البيت الشعري الى شعر التفعلية في الشعر الحر الجديد بالتزام السطرالشعري وطول هذا السطر قد يتراوح ما بين تفعيلة واحدة الى تسع تفعيلات وهو اطول نفس فيها .

ان التفعيلات في الشعر العربي والتي تمثل موسيقا الشعر العربي فقد كانت اعدادها وانواعها تختلف من بحر الى اخر وتخرج من دوائر عروضية متقاربة او مختلفة عن بعضها في ستة عشر بحرا كما اثبتها الفراهيدي البصري رحمه الله وقد ظل الشعراء ينظمون فيها قصائدهم طوال كل العصور الماضية وحتى العصر الحديث ولا يزال كل الشعراء من التزم الشعر العمودي او التقليدي ينظمون في هذه البحور . بينما التزم شعرا ء الشعر الحر او شعراء شعر التفعلية بسبعة بحور من البحور الفراهيدية وهذه البحور التي تفعيلتها حرة اصلية غير مختلفة بنغمية واحدة متسقة وهي:

الوافر: تفاعليه (مفاعلتن – مفاعلتن – مفاعلتن)

الكامل: وتفاعيله (متفاعلن – متفاعلن – متفاعلن)

الهزج: وتفاعليه (مفاعلين – مفاعلين –مفاعيلن)

الرجز: وتفاعيله (مستفعلن – مستفعلن – مستفعلن)

الرمل: وتفاعيله (فاعلاتن – فاعلاتن – فاعلاتن)

المتقارب: وتفاعليه (فعولن – فعولن - فعولن)

والمتدارك: تفاعيله (فاعلن – فاعلن – فاعلن)

لكن الفارق بين استخدامات شاعر العمود وشاعر التفعلية ان الاول يلتزم بالتفاعيل كاملة في شطر البيت وعجزه او مجزوئها – أي انقاص تفعلية واحدة من كل من الشطر والعجز أي تكون الموسيقى الشعرية في الصدر والعجز متساوية النغمات ومتناسقة بينما شاعر التفعلية لايلتزم بذلك فله الحرية المطلقة في النظم بتفعلية واحدة او عدة تفعيلات في السطر الشعري وهو ما يماثل البيت الشعري في الشعر التقليدي او العمودي وهذا ما يمكن الشاعر الحديث شاعر التفعيلة ان يستخرج من البحر الواحد اكثر من نغم موسيقي من خلال الخلط بين البحور في داخل القصيدة الواحدة فتاتي الموسيقى الشعرية بانغام عديدة تتناسق فيما بينها وفقا لقابلية الشاعر الشعرية واللغوية وتمكنه من التمازج بين الحروف والالفاظ وربما يكتفي الشاعر بنغم واحد أي ان نظام التفعيلة الشعرية اكثر طواعية اومرونة من قصيدة العمود .

واؤكد ان البحور الشعرية القديمة (الفراهيدية) تتوفر فيها انغام موسيقية وا سعة فيما لو استغلت افضل استغلال من قبل شعراء العربية ككل منها تناغم الاضرب وتنويعها وتلوين النغم الموسيقي بحيث يعمد الشاعر الى توظيف تفعيلات معينة تعود لدائرة معينة او ضمن الدائرة العروضية الواحدة دون الاكتراث بالقافية وربما دعى الامر الى ان هذا ا لاندماج بين البحور المتشابهة مثلا تفعيلات الرجز (مستفعلن\ مستفعلن \مستفعلن) وتفعيلات السريع (مستفعلن \ مستفعلن \ مفعولات) المتقاربة جدا . الا ان هذه الامور بحاجة الى دراسة من قبل ذوي الاختصاص ومن الشعراء والنقاد على حد سواء ووضع الصيغ الكفيلة بانجاحها وتكييفها بافضل ما تكون وبهذا نقدم تطورا جديد ا للغة العربية وادابها وللشعر وللشعراء وايجاد صيغ لنغمية الموسيقى الشعرية . وقد سبق ان وجد مثل هذه الامور في الشعر العمودي في مسألة الخبب او الخبن اوالزحاف وهي من امراض الوزن اذ اصبح وجودها في حشو البيت الشعري مقبولا لكثرتها في الشعر الحديث ومستساغا لدى اغلب الشعراء والمتلقين وبهذا يكون الشاعر قد حصل على اكثر من ايقاع نغمي جديد جراء استعمالهما او استعمال أي منهما .فامكانية الشاعر ومقدرته الشعرية اراها تمثل بلاغة الشاعر اللغوية ونغمية قصيدته وقوة هذه النغمية في القصيدة وفقا للمساحة المتاحة له ضمن البحور الشعرية في قصيده ككل او البحرالواحد ضمن القصيدة الواحدة وبكفاءة عالية . فالشاعر الملهم والمقتدر هو من يستطيع التنسيق الجميل والرائع في قصيدته وما تحتاجه من فن عال باقتدار والهام بحبث تكون قصيدته اقرب الى كونها قطعة موسيقية بنغمية عالية . لاحظ هذه الابيات من الهزج اقول فيها:

صَباحَ الخَيْرِ ِ بَلْ أكْبر ْ           الى الحُبِّ الذي يَكْبَر ْ

صَباح َ الوَرْد ِبَل أكْثرْ            منَ الشّوق ِالذي أ بْحَرْ

الى الحرف ِالذي يَهوى           كَلامَ الرّوح ِ كالجُوهَر ْ

فَأنتَ الوَرْدُ والرَيْحا ن              وَالغُصْنُ الّذي أزْهَر ْ

وأنْتَ الشّوقُ والأنْغام                وَالدّنيـا التّي تَكْبَـرْ

وأنْتَ الماء ُ وَالخَضْرا ء          تَزْهو وَالرَّجا أخْضَرْ

فهذي النّفْسُ تَـهْواكُم               فُؤادي بالهَوى يَسْعَر ْ

وَقَلبي بالوَفــا يَسْعى               وبا لأ شْواق ِ اذ ْ يَزْخَر ْ

لَكم ِ في القَلب ِ إيْناسٌ             وَنَسْماتُ الهَوى عَنْـبَر ْ

وَعِطْرُ الحرف ِ ِ َيزجيني        لَأ نْ أحْيـا ولا أ قْـدِ ر ْ

لَعَلَ الشوق يَسْقيني               لَذيذَ الشّهْد ِ إنْ أ ز ْهَـر ْ

فَأجْني فُســحَة العُـمْر ِ           بِوَصَل ِ النّفْس ِ أو أقْبَـر ْ

وَ غيْضَ الماءُ مَجْراها           ومَرْساها فَـلا تـَنْهَر ْ

وفي شعر التفعيلة تظهر دفقة واسعة او ضعيفة في حركة الافكار والمشاعر والاخيلة بحسب امكانية الشاعر وقدرته الشعرية في ذات الوقت بحيث تتجاوز ما رسم لها في البيت الشعري العمودي وتتجاوزه الى مدى اطول ويظهر ذلك جليا في شعر نازك الملائكة التى ربما استعملت تفعيلة خماسية او ربما تساعية وهي اطول نفس في الشعر الحر او شعر التفعيلة . لاحظ قول نازك في قصيدتها الغرباء:

أطفئ الشمعةَ واتركنا غريبَيْنِ هنا

نحنُ جُزءانِ من الليلِ فما معنى السنا؟

يسقطُ الضوءُ على وهمينِ في جَفنِ المساءْ

يسقطُ الضوءُ على بعضِ شظايا من رجاءْ

سُمّيتْ نحنُ وأدعوها أنا:

مللاً. نحن هنا مثلُ الضياءْ

غُربَاءْ

اللقاء الباهتُ الباردُ كاليومِ المطيرِ

كان قتلاً لأناشيدي وقبرًا لشعوري

دقّتِ الساعةُ في الظلمةِ تسعًا ثم عشرا

وأنا من ألمي أُصغي وأُحصي. كنت حَيرى

أسألُ الساعةَ ما جَدْوى حبوري

إن نكن نقضي الأماسي، أنتَ أَدْرى،

غرباءْ

اما في قصيدة النثر المعاصرة فان نغميتها تعتمد على امكانية ومقدرة الشاعر في ايجاد موسيقى معينة تتناغم مع سطورها الشعرية من حيث اختيار الالفاظ وتقاربها فيما بينها بحيث تكون ذات تعبير موسيقي جديد يتفاعل مع التغيير الجذري لهذه القصيدة وقصيدة العمود الشعري مرورا بشعر التفعلية . يقول الشاعر محمد عفيفي:

يا أول الإيقاع في الفوضى وفاتحة الجمال

فاهبط خفيفًا واستمع :

تقبل القُربان منك، وقربتي رُدَّت علي

أختان من بطنين حالية وعاطلة

وأنت جميلة الثنتين لك

وأنا رجيم، والقبيحة لعنة قُدِّرت علي

فارفع سلاحك نحتكم لمن الغنيمة

سوف آخذ ما أشاء كما أشاء

ولأقتلنَّك

فالشاعر من استجابت له حركة الشعر في نغمية القصيدة فتاتي ساحرة تواقة يتذوقها الشاعر والمتلقي وتنساب الى نفسه وذهنه انسياب قطعة موسيقية راقصة جميلة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

        كتاب البلاغة السهلة                                                                 للأستاذ / عبدالرحمن معوض

مصدر الموسيقا فى النص

الشعر موسيقى ذات أفكار وذلك لأن الشعر هو لغة التعبير عن العاطفة. والموسيقى هي أقرب الوسائل المؤثرة في العاطفة. فتبعث المتعة في نفس القارئ والسامع من أقرب طريق.

أنواع الموسيقا:

 (1) الموسيقا الظاهرة " الخارجية " تقوم على:

(أ)  حركة الوزن

(ب)  إيقاع القافية

(جـ)  المحسنات اللفظية: جناس طباق حسن تقسيم ازدواج.

يقول مطران:

متفرد بصبابتي متفرد بكآبــــتى

 

متفرد بعنائي

فى البيت حسن تقسيم.

والتصريع:

 اتفاق الشطرين فى البيت فى الحرف الاخير ويكون فى مطلع القصيدة فقط وهو مصدر من مصادر الموسيقا

مثل قصيدة شوقى :

اختلاف النهار     والليل ينسى

 

اذكرا لي الصبا وأيام أنسى

2) الموسيقا الخفية:

وهى التي تدركها النفس وتؤثر فيها داخليًا وهى تنبع من:

1 إيحاء الألفاظ

 2 ترابط الأفكار وترتيبها

 3- روعة التصوير

  4 العاطفة الصادقة.

شروط جودة القافية:

1 تتفق مع موضوع القصيدة

2 أن تلائم الجو النفسي.

3 أن توافق قواعد اللغة

 4 أن تتلاءم مع موسيقى الأبيات.

5 ألا يكون قبلها كلمة أقوى منها أدت المعنى

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

----------------------------------------------------------------------------------

        كتاب البلاغة السهلة                                                                 للأستاذ / عبدالرحمن معوض

شكرا لتعليقك