pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


كتاب البلاغة السهلة 31 تأكيد المدح بما يشبه الذم

  

18 -  تأكيد المدح بما يشبه الذم 

   

تمهيد :

إذا قال لك شخص: لا عيب فيك غير أنّك تسامح كثيرًا وتصفح وقلبك طيب نقي، في البداية نفى القائل العيب عنك ثم أتى بكلمة (غير) فأوهمك أنّه سيذكر عيبًا في شخصيتك ولكنه جاء بصفات طيبة على عكس المتوقع، وهذا الأسلوب هو من الأساليب البلاغية في اللغة العربية،

ويُسمّى بتأكيد المدح بما يُشبه الذم كما يوجد عكسه أي تأكيد الذم بما يشبه المدح،

وأوّل من تنبّه إلى هذا النوع هو عبد الله بن المعتز، في كتابه البديع وعدّه من محاسن الكلام، ومن البلاغيين من يسميه الاستثناء لأنّهم يظنّون أنّ حسنه المعنوي آتٍ من أثر أداة الاستثناء

 

قال النابغة الجعدي:  

فتى كمُلت أخلاقه غير أَنّه         جَوادٌ فما يُبقي على المال باقيا

   

       في بيت الشعر هذا يُشير الشاعر إلى أنّ ممدوحه كامل الأخلاق ثمّ يأتي بأداة استثناء (غَيْرَ)، ولا شكّ في أنّ أداة الاستثناء هذه تُوحي بأنّ الشاعر سيأتي بصفة ذم، ولكن الشاعر أتى بصفة مدح أُخرى وهي أنّ الممدوح جواد وكريم ويُنفق المال إلى حدّ أَنّه لا يُبقي مالًا في جيبه، ومن هنا أخَذَنا الشاعر من مدح إلى ما يُوهم بالذّم إلى مدح، وهذا الأسلوب يندرج تحت المحسنات البديعية المعنوية في علم البديع في البلاغة، ويُسمّى بتأكيد المدح بما يُشبه الذّم  

 

تأكـــــيد المــــدح بـــما يُشــــبه الــــذم :

 

هو أُسلوب يقوم على مفاجأة السامع بصفة من صفات المدح في الوقت الذي يتوقع فيه صفة ذم باستخدام أداة من أدوات الاستثناء أو الاستدراك، ويأتي على قسمين: أنْ يُستثنى من صفة منفية صفة مدح، أو أن يُثبت لشيء صفة مدح ويُؤتى بعدها بأداة اسثتناء تليها صفة مدح أُخرى،

 

 تحديد نوع تأكيد المدح بما يُشــــــبه الــــــذم :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أَنا أفصح العرب بيْد أنّي من قُريش  ""

في هذا الحديث وصف النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بصفة ممدوحة وهي أنه أفصح العرب، وبعدها أتى بأداة استثناء (بيْـــدَ) فدهش السامع، وظُنّ أن النبي صلى الله عليه وسلم سيأتي بصفة غير محبوبة ولكن جاء بصفة ممدوحة بعد أداة الاستثناء وهي أنّه من قريش وقريش أفصح العرب بلا نزاع، وهذا توكيد للمدح الأول في أسلوب اعتاد الناس سماعه في الذّم، وهذا هو تأكيد المدح بما يشبه الذم

إثبات صفة المدح (أنا أفصح العرب) وتلاها أداة استثناء (بيْدَ) تلتها صفة مدح ( أنّه عليه الصلاة والسلام من قريش

قال الشاعر :

ولا عيبَ فيهم غير أنّ سيوفهم      بهنّ فلولٌ من قراع الكتائب

 

 (العيب) صفة ذم وقد نُفيَت باستخدام (لا) ثمّ أُتبعت بـ (غير) وهي أداة استثناء، فبعدَ نفي العيب عن القوم أتى باستثناء يوحي بأنّه سيذمهم ثم أثبت صفة مدح أُخرى وهي أنّ سيوفهم بها فلول من قراع الكتائب دلالة على شجاعتهم وكثرة قتالهم

اُستثني من صفة الذم المنفية صفة مدح اُستثني من صفة الذم المنفية صفة مدح

هو أفضل الطلاب غير أنّه خلوق

أن يكون الشخص من أفضل الطلاب هذا أمر حسن، أتى بعده القائل بكلمة (غير) وذلك يوحي بأنّ القائل سيأتي بصفة ذم، ولكنّه أتي بصفة مدح أُخرى وهي أنّ هذا الطالب خلوق

إثبات صفة مدح ثم الإتيان بعدها بأداة استثناء تَلَتها صفة مدح أُخرى

قال ابن الرومي :



ليس به عيبٌ سوى أَنّه        لا تقع العــينُ على شِبهـــــه



في البداية نفى ابن الرومي العيب عن ممدوحه بشكل عام، وأتى بعدها بأداة استثناء هي (سوِى) فسَبَقَ إلى تفكير السامع أنّ هناك عيبًا في الممدوح، وأنّ ابن الرومي سيجرؤ على التصريح به، ولكن السامع وجد بعد أَداة الاستثناء صفة مدح كما وجد أن ابن الرومي خدعه فلم يذكُر عيبًا، بل أكّد المدح الأول في صورة توهم الذّم

اُستثني من صفة الذم المنفية ( العيب) صفة مدح (لا تقع العين على شبهه)

قــال شاعـــــر :



ولا عيْبَ في معروفهم غير أنّه         يُبيّن عجز الشاكرين عن الشكر



في البداية نفى الشاعر العيب في معروف الممدوح تمامًا قائلًا ( لا عيْبَ)، وأتى بعدها بأداة استثناء هي (غير) للإيهام بأنّه سيأتي بعيب أو ذمّ بعدها، ولكنه قال صفة مدح إضافية وهي أن الشاكرين يعجزون عن شكر المعروف وفي الحقيقة هذا ليس ذمًّا وإنّما مديح بما يُشبه الذّم

اُستثني من صفة الذم المنفية (العيب في المعروف) صفة مدح ( يبيّن عجز الشاكرين عن الشكر )

 قال النابغة الجعدي :



فتى كَمُلَت أخلاقه غير أَنّه         جوادٌ فما يُبقي على المال باقيا



في البيت مدح الشاعر الممدوح بأنّه كامل الأخلاق وبعدها جاء بكلمة (غير) وفي هذا إيحاء إلى أنّه سيأتي بصفة ذم لكنه أكمل بصفة مدح قائلًا إنّه جواد، وفي هذا تأكيد المدح بما يُشبه الذّم إثبات صفة المدح

 

( فتى كمُلت أخلاقه) ثم الإتيان بأداة استثناء (غير) تلتها صفة مدح أخرى

 

 

التدريب الأول :

وضّح أسلوب المدح بما يشبه الذم في الأمثلة الآتية:  

 

قال الشاعر:  

ولا عيب في معروفهم غير أنّه        يُبيّن عجز الشاكرين عن الشكر

قال الشاعر:    

وجوهٌ كأزهار الرياض نضارة       ولكنّها يوم الهياج صخــور

 

هُم فرسان الكلام إلا أنّهم أجواد

 

قال الشاعر:     

ولا عيب فيه غير أنّي قصدته         فأنستني الأيام أهلًا وموطناً

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-----------------------------------------------------------------------------------

        كتاب البلاغة السهلة                                                     للأستاذ / عبدالرحمن معوض
شكرا لتعليقك