pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


كتاب البلاغة السهلة 33 حسن التعليل

  

  20-  حسن التعليل  

 

قسم علماء البلاغة المحسنات البديعية إلى قسمين: قسم يرجع إلى اللفظ سمي بالمحسنات اللفظية، وقسم يهتم بالمعنى يسمى المحسنات المعنوية، ويشار هنا إلى أن أي من القسمين لا يعني إهمال القسم الآخر، فاللفظ يجاور المعنى، إذ إنّ المعنى هو الذي يقود العبارة إلى شكلها النهائيّ، ويبين ما تحمله من دلالات وإشارات بلاغية مختزلة في اللفظ، ويعد حسن التعليل من المحسنات البديعية، وفي هذا الدرس سيتم تسليط الضوء على تعريفه وبيان أقسامه مع طرح أمثلة شعرية

 

تعريف حسن التعليل :

يعرّف حسن التعليل بأنه وسيلة من وسائل التفنن في القول، وطريق من طرق الإقناع البلاغي؛ بحيث يركّز على إيقاظ خيال القارئ، وإثارة وجدانه، وذلك من خلال إنكار صراحة أو ضمناً علة الشيء المعروفة واستبدالها بعلة خيالية طريفة تسوّغ قبول أمر غريب، وتوهم تحقيقه؛ لتناسب الغرض الذي يقصد الأديب، وفي حسن التعليل تظهر القدرة على ابتكار المعاني الصور الجديدة التي لم يُسبق لها قبلاً ]

 

 الأمثلةُ: 

(١) قال المعري في الرثاء  :

           وَمَا كُلْفَةُ الْبَدْر الْمُنِيرِ قَدِيمَةً           وَلَكِنَّهَا فِي وَجْههِ أَثَرُ اللَّطم

(٢) وقل ابن الروميِّ  :

         أَما ذُكاءُ فَلمْ تَصْفَرَّ إذْ جَنَحَتْ         إلا لِفُرْقَةِ ذَاكَ الْمَنْظَر الْحَسَن 

(٣) وقال الصلاح الأربلي، معلِّلاً عدم نزول المطر بأرضِ مصر غالباً   

      ما قصرَ الغَيْثُ عنْ مصرَ وترْبتها       طبعاً ولكنْ تعدَّاكم منَ الخَجَلِ 

      ولا جَرَى النِّيلُ إلاَّ وهو معترفٌ         بسبقكمْ فلذَا يَجْري على مَهْلِ 

التوضيح :

يقول أبو العلاء المعري :

 

        وما كلفة البدر المنير قديمة          ولكنّها فى وجهه أثر اللّطم

 

يرثي الشاعر هنا ويبالغ فى أنّ الحزن على الميت شمل بعضاً من مظاهر الكون، فهو بذلك يدّعي أن كلفة البدر وهي ما يظهر عليه من كدرة، ليست ناشئة عن سبب طبيعي، وإنما حدثت بسبب كثرة اللطم وضرب الوجه على فراق الميت

يقول الشاعر :

          ما قصّر الغيث عن مصر وتربتها         طبعا ولكن تعدّاكم من الخجل

 

يقول الشاعر أن السبب في قلة الأمطار في مصر لا يرجع لأسباب طبيعية، وإنما بسبب أن المطر يخجل من أن ينزل بأرض يعمّها فضل الممدوح وجوده؛ إذ يعجز المطر عن مجاراته فى الجود والعطاء

وينكر الشاعر في البيت  الأسباب الطبيعية لقلة المطر بمصر، ويتلمس لذلك سبباً آخر هو أن المطر يخجل أن ينزل بأَرض يعمُّها فضلُ الممدوح وجوده، لأَنه لا يستطيع مباراته في الجود والعطاء. 

فأَنت ترى في كل مثال من الأَمثلة السابقة أنِّ الشاعر أَنكر سبب الشيء المعروف والتجأَ إلى علة ابتكرها تناسب الغرض الذي يرمي إليه، ويسمَّى هذا الأُسلوب من الكلام حسن التعليل . 

القاعدةُ : 

-         حُسنُ التَّعْلِيل : أنْ يُنْكِرَ الأَديبُ صَرَاحَةً أوْ ضِمْناً عِلَّةَ الشَّيْءِ الْمَعْرُوفَةَ، وَيَأْتي بعلَّةٍ أَدَبيَّةٍ طَريفَةٍ تُنَاسِبُ الغَرَضَ الَّذِي يَقْصِدُ إِلَيْهِ.ً 

 

أقسام حسن التعليل :

ولحسن التعليل أقسام عدة، من حيث ثبات الوصف

 

وينقسم إلى   :  1-  وصف ثابت ظاهر العلة         2-  وغير ظاهر العلة

 

وصف ثابت مما لا تكون له في العادة علة

 

يقول الشاعر  :

 

زعم البنفسج أنه كعذاره            حُسْنًا، فسلوا من قفاه لسانه

 

إذ إن خروج ورقة البنفسج إلى الخلف يعدّ وصفاً ثابتاً في البنفسج ولا يوجد علة لذلك، ولكن الشاعر هنا التمس له عذراً وأشار إلى أن علته ترجع إلى الافتراء على المحبوب

يقول أبو جعفر الغرناطي في مدح الرسول عليه السلام

 

لم تبرق السحب إلا أنها فرحت         إذ ظللته وأبدت حسن مبتسم

 

المعنى أنه لما ظلّت الغمائم رسول الله فرحت فأبرقت من شدة فرحها، وأظهرت السرور وتبسمت، لأنها شرُفت بتظليله، فبرق السحاب هو وصف ثابت ولكن الشاعر أرجع العلة وراء ذلك إلى سبب غير حقيقي لغاية المدح

 

وصف ثابت ظاهر العلة :

 

يقول المتنبي مادحاً :

       ما به قتل أعاديه، ولكن             يتّقي إخلاف ما ترجو الذئاب

 

إن باعث الناس لقتل الأعادي؛ هو أن يسلموا من أذاهم وضرهم، ولكن الشاعر تخيل علة أخرى لتناسب الممدوح وتظهر مدى كرمه وشجاعته، تمثّلت في خوفه على الذئاب من الجوع، فهي تنتظر أكل جثث الأعداء، وبذلك فهو يقاتلهم لا كرهاً بهم أو خوفاً منهم على ملكه، لكن رغبة في توفير طعام للذئاب وهي التي عودّها على توفير طعامها

 

يقول الشاعر  :

أتتني تؤنّبني بالبكا                     فأهلا بها وبتأنيبها

تقول - وفي قولها حشمة               أتبكي بعين تراني بها؟

فقلت: إذا استحسنت غيركم              أمرت الدموع بتأديبها

 

عادة ما تدمع العين بسبب حزن لفقدان شخص عزيز أو وقوع خطب ما، لكن الشاعر هنا أرجع أن بكاءه كان بسبب رغبته في تأديب عينه؛ لأنّها لم ترَ الحبيب فكان الدمع قصاصاً لها، وفي هذا التعليل خيال لافت لطيف وابتكار غزليّ خارج عن المألوف

 

 

تدريب (1): بيّن   حسن التعليل في الأبيات التالية ونوعه بحسب ظهور العلة أم لا

 

يقول الشاعر في وصف جارية سوداء :

 

أكسبها الحب أنها صبغت      صبغة حب القلوب والحدق

 

ظاهر العلة     /    غير ظاهر العلة

لا تنكري عطل الكريم من الغنى         فالسّيل حرب للمكان العالي

 

ظاهر العلة     /   غير ظاهر العلة

لا يذوق الإغفاء إلا رجاء      أن يرى طيف مستميح رواحا

 

ظاهر العلة    / غير ظاهر العلة

 

وصف غير ثابت

هذا الوصف يجوز أن يكون ممكناً كما يجوز أن يكون غير ممكن، وفي الآتي توضيح لذلك:   

 

وصف غير ثابت ممكن

يقول الشاعر :

يا واشيا حسنت فينا إساءته         نجّى حذارك إنساني من الغرق

خالف الشاعر المألوف هنا وهو أنه استحسن وشاية الواشي، ولكنه أمر غير ثابت في حياة الناس، وقد برّر هذه الاستحسان، بقوله: إن الحذر من الواشي منعه من البكاء كي لا يشمت به، فيرى فيه ضعفاً والإنسان في البيت الشعري أتت هنا بمعنى بؤبؤ العين

 

يقول الشاعر :

عداي لهم فضل علي ومنة          فلا أذهب الرحمن مني الأعاديا

هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها        وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

 

شكر الأعداء والاعتراف بفضلهم صفة غير ثابتة إلا أنها ممكنة، ولكن أراد الشاعر أن يثبت ذلك من خلال علة طريفة، حيث أرجع ذلك إلى أنهم ساعدوه على التعرّف على زلاته ليجتنبها ونافسوه فكانوا دافعاً ليصل للمجد والمعالي

 

وصف غير ثابت وغير ممكن

يقول الشاعر :

لو لم تكن نيّة الجوزاء خدمته        لما رأيت عليها عقد منتطق

 

ذهب الشاعر إلى أن الجوزاء تريد خدمة الممدوح، وهذه صفة غير ثابتة وغير ممكنة أيضاً، ولكن كانت علته مقبولة حين تخيل أن الجوزاء انتطقت (أي شدت وسطها بنطاق) كخدم الملوك، فكأن الانتطاق يشير إلى جاهزية خدمة الممدوح

 

يقول الشاعر  :

يحكي جنى الأقحوان الغض مبسمها         في اللون والريح والتفليج والأثر

 

لو لم يكن أقحواناً ثغر مبسمها           ما كان يزداد طيباً ساعة السحر

 

يريد الشاعر أن يُثبت أن ثغر مسبمها من الأقحوان، وهذا غير ثابت وغير ممكن، فادعى لذلك علة وهي أن ثغرها يزداد طيباً ساعة السحر، وذلك يكون في الأقحوان

 

تدريب (2): بيّن حسن التعليل ونوعه في الأبيات الآتية

يقول الشاعر يمدح الرسول عليه السلام  :

البدر أبقى بمرآه ليُعلمنا      بالانشقاق له آثار منثَلم

ممكن     /    غير ممكن

يستحسن الفقر ذو الدنيا ليسأله      فيأمن الفقر مما نال من نعم

ممكن   / غير ممكن 

جزى الله الشدائد كل خير           وإن جرعتني غصصي بريقي

وما شكري لها إلا لأني             عرفت بها عدوي من صديقي

ممكن   / غير ممكن

تدريب : 

(١) وضحْ حُسْنَ التعليل في الأَبيات الآتية: 

(١) قال ابن نباتة  :

    لمْ يزَلْ جْودُه يجُورُ على الْمالِ         إِلى أَنْ كَسا النُّضَارَ اصْفِرارا 

(٢) وقال شاعر الحاكم يمدحُ ويُعلل لزلزَالٍ حدثَ بمصرَ  

 ما زُلزلَتْ مِصْرُ مِن كَيْدٍ يُرادُ بِها       وإنما رقَصتْ منْ عِدْلِهِ طَربا 

(٣) قال عبد الملك بن إدريس الحريريّ وكان بين يدي المنصور أبي عامر في ليلة يبدو فيها القمر تارةً ويختفي بالسَّحابِ تارةً، وهو

أَرَى بَدْرَ السَّماءِ يلوحُ حيناً           ويبدُو ثمَّ يلتحِفُ السَّحَابَا 

وذاكَ لأنَّه لمَّا تبدَّى                   وأَبصرَ وجهكَ اسْتَحْيا وغابَا 

(٤) قال ابن قلاقس في وصف فرس أدْهم ذِي غرَّة

وأَدهمَ كالغُرابِ سَوادَ لَوْنٍ           يَطيرُ معَ الرِّياحِ ولا جَنَاحُ 

كساهُ اللَّيْلُ شملتهُ وولَّى              فقبَّلَ بينَ عينيهِ الصَّباحُ

(٥) وقال ابن نُباتة السعدي في فرس محجَّل  ذي غُرة

وأَدْهَم يستَمِدُّ اللّيلُ مِنْهُ                  وتَطْلُعُ بيْنَ عيْنيْهِ الثّريَّا  

سرَى خَلْفَ الصَّباحِ يطِيرُ زَهْوًا     ويَطْوي خَلْفَهُ الأَفلاَكَ طيَّا

قلت : وهذا من أكاذيب الشعراء ، لأن الزلال لا يكون إلا عقوبة من العقوبات التي شاءها الله تعالى على هذه الأمة ، ومن علامات الساعة كذلك ، قال تعالى : {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (٤٠) سورة العنكبوت

  و في صحيح البخارى   عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى  يُقْبَضَ الْعِلْمُ ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ

- وَهْوَ  الْقَتْلُ الْقَتْلُ - حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ » 

     فلما خَافَ وشْكَ الْفَوْتِ مِنْهُ          تَشَبَّث بالْقَوائِمِ والمُحيَّا

(٦) وقال الأُرَّجانيُّ

    أبْدى صنِيعُك تَقصيرَ الزَّمان ففي         وقتِ الرَّبيعِ طُلوعُ الورْدِ مِن خَجَل 

(٧) وقال بعضهم يرثي كاتبا

    استَشْعَر الكُتَّابُ فَقْدَكَ سالِفاً                 وقَضَتْ بِصحّةِ ذلكَ الأيامُ 

    فلِذاكَ سُوِّدتِ الدُّوِيُّ كآبةً                    أسفاً عَلَيك وشُقّتِ الأقلامُ 

(٨) وقال آخرُ

     سبقَتْ إلَيْكَ مِنَ الحدائق وَرْدةٌ              وأتَتكَ قَبْل أوانها تَطْفِيلا

    طَمِعتْ بلَثْمِكَ إِذْ رأَتْك فجمَّعتْ             فَمهَا إِلَيْكَ كَطَالِب تَقبيلاَ 

(٩) قال أبو الحسن النوبختي

   لاَ يطْلُع البدْرُ إِلاَّ مِنْ تَشَوُّقِهِ               إليك حتَى يوافي وجْهَكَ النضرا 

(١٠) وقال الشاعر

    بكت فَقدكَ الدُّنْيا قَدِيماً بدمْعِها              فكان لها في سالِفِ الدَّهْرطُوْفان  

(٢) عللْ لما يأْتي بعللٍ أَدبيةٍ طريفةٍ: 

(١) دُنُوُّ السحابِ منَ الأرضِ . 

(٣) كُسوفُ ا لشمسِ. 

(٢) احتراقُ دارٍ غابَ عنها أَهلوها. 

(٤) نزولُ المطر في يومٍ ماتَ فيه عظيمٌ. 

(٣) مثِّلْ بمثاليين من إنشائك لحسنِ التعليل. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

----------------------------------------------------------------------------------

        كتاب البلاغة السهلة                                                    للأستاذ / عبدالرحمن معوض
شكرا لتعليقك