pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


كتاب البلاغة السهلة 6 التشبيه الضمنى

 من دروس علم البيان :

5 - التشبيه الضمنى

التشبيه الضمني :

التشبيه الضمني هو التشبيه الذي لا يأتي فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة والواضحة، بل يأتيان في سياق التركيب وإن هذا الضرب من التشبيه يستخدم ليفيد أن الحكم الذي أسند إلى المشبه ممكن، ويمكّن الكاتب أو الشاعر للتعبير عن بعض أفكاره بأسلوب يوحي بالتشبيه من غير أن يصرح به في صورة من صور التشبيه المعروفة

وهو تشبيه خفي لا يأتي على الصورة المعهودة ولا يصرح فيه بالمشبه و المشبه به ، بل يُفْهم ويُلْمح فيه التشبيه من مضمون الكلام ، ولذلك سُمّي بالتشبيه الضمني ، وغالباً ما يكون المشبه قضية أو ادعاء يحتاج للدليل أو البرهان ، ويكون المشبه به هو الدليل أو البرهان على صحة المعنى .
باختصار التشبيه الضمني قضية وهي (المشبه) ، والدليل على صحتها (المشبه به) .

 فوائد التشبيه الضمني

       إن للتشبيه الضمني بعض الفوائد التي تعود على الشعر والأدب العربي منها  :

        1-  فهو باب لتفنن الشاعر أو الكاتب في أساليب التعبير.

       2  -  النزوع إلى الابتكار والتجديد. 

        3- إقامة البرهان على الحكم الذي يريد أن يسنده الشاعر إلى المشبه.

        4-  يستخدم في أعقاب الكلام ليقنع المخاطب أو القارئ بالفكرة التي يتكلم بها الشاعر.

       5-  رغبة الكاتب في إخفاء معالم التشبيه لأنه كلما كان خفياً ودق كان أبلغ وأفعل في النفس

ôمثل : قال المتنبي في الحكمة :

      من يهُن يسهُل الهوان عليه             مـا لجُـرحٍ بميّت إيـلامُ
ما سبق نلمح فيه التشبيه ولكنه تشبيه على غير المتعارف ، فهو يشبه الشخص الذي يقبل الذل دائماً ، وتهون عليه كرامته ، ولا يتألم لما يمسها ، بمثل حال الميت فلو جئت بسكين ورحت تقطع أجزاء من جسده ما تألم ولا صرخ ولا شكى ولا بكى ؛ لأنه فقد أحاسيس الحياة ، وبذلك يكون الشطر الثاني تشبيهاً ضمنياً ؛ لأنه جاء برهاناً ودليلاً على صحة مقولته في الشطر الأول.

ô قال ابن الرومي :
    قَدْ يَشِيب الْفَتَى وَلَيْسَ عجيباً            أَنْ يُرَى النَّورُ فِى الْقَضِيبِ الرَّطيبِ                                             (النور : الزهر الأبيض       -   القضيب : الغصن)
يقول الشاعر : إن الشاب الصغير قد يشيب قبل أوان الشيب ، وهذا ليس بالأمر العجيب، وليدلل على صحة مقولته أتى لنا بالدليل و هو أن الغصن الغض الصغير الذي مازال ينمو قد يظهر فيه الزهر الأبيض، فهو لم يأْت بتشبيه صريح ولم يقل : إن الفتى وقد وخطه الشيب كالغصن الرطيب حين إزهاره ، ولكنه أتى بذلك ضمناً .

  *كقول أبى فراس الحمدانى: -

  تهون علينا فى المعالي نفوسنا             ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر

  فهو شبه حالهم في طلب المعالي واسترخاص كل شئ فى سبيلها حتى النفوس بحال من     يخطب الحسناء فلا يضن عليها بكثرة المهر مهما بلغ

  كقول المتنبي :

وما أنا منهم بالعيش فيهم            ولكن معدن الذهب الرغام

 لما ادعى أنه ليس منهم مع إقامته بينهم، وكان ذلك يكاد يكون مستحيلا في مجرى العادة،   ضرب لذلك المثل بالذهب، فإن مقامه في التراب، وهو أشرف منه

مثال :   - 

 لا تنكري عطَل الكريم من الغنى            السيل حرب للمكان العالي

يريد الشاعر أن يقول لمن يخاطبها : لا تنكري خلو الرجل الكريم من الغني ، فإن ذلك ليس غريباً ، لأن قمم الجبال - وهي أعلى الأماكن - لا يستقر فيها ماء السيل .

انظر بيت أبي تمام فإنه يقول لمن يخاطبها: لا تنكرِ خلو الرجل الكريم من الغنى فإن ذلك ليس عجيبًا لأن قمم الجبال وهي أشرف الأماكن وأعلاها لا يستقر فيها ماءُ السيل  ألم تلمح هنا تشبيهًا ؟ ألم ترَ أنه يشبه ضمنًا الرجل الكريم المحروم الغنى بقمة الجبل وقد خلت من ماء السيل؟ ولكنه لم يضع ذلك صريحًا بل أتى بجملة مستقلة وضمنها هذا المعنى في صورة برهان  ففي هذا الكلام تشبيه ضمني ، ولو أتى بصورة معروفة للتشبيه لقال : إن الرجل الكريم المحروم الغنى يشبه قمة الجبل وقد خلت من ماء السيل

 قول الشاعر :

اصبر على مضض الحسود فإن صبرك قاتله     فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكل

فالمشبه هنا هو صورة الحسود إذا صبرت عليه وعلى حسده، أما المشبه به فهو صورة النار عندما تحرق الحطب وتأكله وعندما

لا تجد شيئاً تحرقه فهي تحرق بعضها البعض، ووجه الشبه هو صورة شيء يترك فلا يلحق الأذى بغيره بل بنفسه.

قال المتنبي : 

وأَصبح شِعْرِي منهما في مكانه         وفى عَنقِ الحْسَناء يسْتحْسن العِقْد

- المشبه : حال الشعر يثني به على الكريم فيزداد الشعر جمالًا لحسن موضعه

- والمشبه به : حال العقد الثمين يزداد بهاء في عنق الحسناء

- وجه الشبه : زيادة جمال الشيء لجمال موضعه

وقال المتنبي : 

كَرَمٌ تَبَيَّن في كلامِك مَاثلاً          ويبين عِتقُ الْخيْل من أَصوَاتِها

   - المشبه : حال الكلام وأنه ينم عن كرم أصل قائله.

- والمشبه به  : حال الصهيل الذي يدل على كرم الفرس. 

- وجه الشبه : دلالة شيء على شيء.

     ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت           وقع السهام ونزعهن أليم

المشبه حال المحبوبة إذا نظرت وإذا أعرضت، والمشبه به حال السهام تؤلم إذا وقعت وتؤلم إذا نزعت.

مثال ذلك قول المتنبي  :

         فإن تفق الأنام وأنت منهم              فإن المسك بعض دم الغزال

فالتشبيه هنا ضمني، وفيه ادعى الشاعر أن المشبه وهو الممدوح مباين لأصله بصفات وخصائص جعلته حقيقة

منفردة. ولما رأى غرابة دعواه وأن هناك من قد ينكر وجودها احتج على صحتها بتشبيه الممدوح بالمسك الذي أصله دم الغزال.

ومن أمثلة ذلك أيضا قول البحتري   :

    دان إلى أيدي العفاة وشاسع               عن كل ند في الندى وضريب

    كالبدر أفرط في العلو وضوؤه             للعصبة السارين جد قريب

ففي البيت الأول وصف الشاعر ممدوحه بأنه قريب للمحتاجين، بعيد المنزلة، بينه وبين نظرائه في الكرم والندى بون شاسع  ولكن الشاعر حينما أحس أنه وصف ممدوحه بوصفين متضادين، هما القرب والبعد في وقت واحد، أراد أن يبين أن ذلك ممكن، وأن ليس في الأمر تناقض، ولهذا شبه الممدوح في البيت الثاني بالبدر الذي هو بعيد في السماء، ولكن ضوءه قريب جدا للسارين بالليل. فالغرض من التشبيه في هذين المثالين هو بيان إمكان وجود المشبه.

   أمثلة على التشبيه الضمني :-

·         ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها            إن السفينة لا تجرى على اليابس

·         (1) قال البحترى :

·         ضَحوكٌ إلى الأَبطال وهْوَ يَروعُهم        وللسَّيفِ حدٌّ حين يسْطُو وروْنَقُ

·         (2) وقال المتنبي :

·         ومن الْخَيْرِ بطءُ سَيْبِكَ عنِّى               أَسْرَعُ السُّحْبِ فى المسِيرِ الْجَهَام

·         (3) وقال :

     لاَ يُعْجِبَنَّ مَضِيماً حُسنُ بِزّتِه           وهلْ يروق دَفيناً جوْدة الكَفَن

·         (4) وقال :

     ومَا أَنا مِنْهُمُ بالعَيشِ فيهمْ              وَلكِنْ معْدِن الذهبِ الرَّغامُ

·          (5) وقال أبو فراس :

·          سَيذْ كُرنى قَوْمى إِذَا جدَّ جِدُّهمْ         وفِى اللَّليْلَة الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ الْبَدْر

 

·         تَزْدَحِمُ القُصَّادُ فِى بابِهِ                  والمنْهلُ العَذْبُ كثيرُ الزحام

 

·         قال أَبو الطيب :

·          فإِنْ تَفقِ الأَنام وأَنت مِتْهمْ           فإِنَّ المسْكَ بعضُ دمِ الغَزال 

·         قول أبي تمّام رثاء طفْلَيْن لعَبْد الله بن طاهر:

·          لَهَفِي عَلَى تِلْكَ الشَّوَاهِدِ مِنهُمَا       لَوْ أُمْهِلَتْ حَتَّى تَكُونَ شَمَائِلا

·          إنَّ الْهِلاَلَ إِذَا رَأَيْتَ نُمُوّهُ            أَيْقَنْتَ أَنْ سَيَصِيرُ بَدْراً كامِلا

  تذكر :

  التشبيه الضمني لا تذكر فيه أداة التشبيه أبداً ، بينما التشبيه التمثيلي غالباً تذكر فيه أداة   التشبيه " مثل " .
ô سر جمال التشبيه: (التوضيح أو التشخيص أو التجسيم) .

  الفرق بين التشبيه الضمني والتشبيه التمثيلي :

 إن التشبيه الضمني والتشبيه التمثيلي هما من أقسام التشبيه الذي يتكون من أربعة أركان  وهي المشبه، والمشبه به وأداة التشبيه، بالإضافة إلى وجه الشبه ولكن كل منهما يستخدم في حالات مختلفة عن الآخر.

فإن الفرق بين التشبيه الضمني والتشبيه التمثيلي هو :

إن التشبيه التمثيلي يكون فيه وجه الشبه صورة منتزعة من متعدد أمرين أو أمور، وهذا ما ذهب إليه مذهب جمهور البلاغيين، ولا يشترط في التشبيه التمثيلي أن يتم تركيب الوجه سواء كان هذا الوجه حسياَ أو عقلياً أو حقيقاً أو غير حقيقي، مثال؛

 قول الله تعالى : (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم).نجد في هذا المثال أن المشبه هو حال من ينفق قليلاً في سبيل الله.

أما المشبه به هو حال من زرع حبة فأنبتت هذه الحبة سبع سنابل. أما وجه الشبه هو صورة توضح أن من يعمل قليلاً فيجني من ثمار عمله الكثير، وإن وجه الشبه قد انتُزِع من أمور كثيرة منها الحبة وإنباتها سبع سنابل بالإضافة إلى أن في كل سنبلة مائة حبة.

أما في التشبيه الضمني  : لا نستطيع أن نضع المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه الشائعة والمألوفة، بل يظهر معناهما في المعنى والسياق بالإضافة إلى التركيب وإن هذا القسم من التشبيه يأتي ليوضح أن الحكم المضاف إلى المشبه ممكن

  مثال قول الشاعر :

      لا تنكري عطَل الكريم من الغنى          السيل حرب للمكان العالي         

فيريد الشاعر ضمنياً أن يقول للفتاة التي يخاطبها أن لا تنكري خلو الرجل الكريم من الغني، فإن هذا ليس غريباً، وإن قمم الجبال لا يستقر فيها ماء السيل، ونجد أن هنا تشبيه ضمني، ولو أراد أن يوضح الصورة بأسلوب تشبيهي معروف لقال: (إن الرجل الكريم المحروم الغني يشبه قمة الجبل وقد خلت من ماء السيل)، ولكن لم يذكر الشاعر هذا التشبيه صراحة، بل حاول أن يقوم بإيصال الفكرة باستخدام التشبيه الضمني وقد أتى بجملة مستقلة تتضمن هذا المعنى.

فالتشبيه التمثيلي  : هو من أقسام التشبيه بالنظر إلى وجه الشبه، أما التشبيه الضمني هو من أقسام التشبيه من حيث ذكر

الأركان وحذفها. وهنا نجد أن الفرق بينهما واضح حيث أن التشبيه التمثيلي تذكر فيه أركان التشبيه على طريقة واضحة وبمعنى ظاهر غير التشبيه الضمني الذي لا يتم ذكر التشبيه فيه مع العلم أن وجه الشبه في هذين النوعين من

التشبيه يفهم من أمور وكلام وليس بلفظ خاص.

أمثلة على التشبيه الضمني والتشبيه التمثيلي

                                                                  : مثال على التشبيه الضمني

قول البحتري  :

ضحوك إلى الأبطال وهو يروعهم             وللسيف حد حين يسطو ورونق

ونجد هنا أن البحتري لم يصرح بالتشبيه ولم يكن واضحاً فيقول إن حال الممدوح يضحك في غير مبالاة عندما يلتقي الشجعان ويفزعهم ببأسه وسطوته التي تشبه حال السيف عند الضرب فله رونق وفتك، ولكنه عبر عن ذلك بشكل ضمني

        كتاب البلاغة السهلة                                                        للأستاذ / عبدالرحمن معوض
شكرا لتعليقك