pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


كتاب البلاغة السهلة 7 التشبيه المقلوب

 

 6- التشبيه المقلوب 

  ويتم فيه القلب ين المشبه والمشبه به، ويكون الغرض من استخدامه هو المبالغة والادعاء أن وجه الشبه في المشبه يكون أقوى وأظهر لهذا تم قلبه، ولأن من عادات العرب أن تكون الصفة في المشبه به أظهر مما تكون عليه في المشبه، لهذا في التشبيه المقلوب غدا المشبه مشبهاً به،

الأصل في التشبيه أن يجري على السنن المعروف عند العرب والذي يتمثل في أن يُلتمس المشبه به مما هو معروف ومألوف في حياتهم حتى ولو كان المشبه أقوى و أعظم في الصفة التي يشترك فيها مع المشبه به   فالعرب مثلا قد اشتهر بينهم عمرو بن معد يكرب بالإقدام وحاتم بالجود ، و أحنف بن القيس بالحلم و اياس بالذكاء و أصبح كل واحد من هؤلاء الأعلام مشبها به ، سواء أُجد بعده من هو أعظم منه في الصفة  وأقوى أم لم يوجد .

وقد سلك القرآن الكريم هذا السنن فشبه نور الله سبحانه وتعالى ، وهو بلا شك أقوى الأنوار بنور المصباح في مشكاة ، لأن العرب جروا على عادة أن يجعلوا نور المصباح أكبر الأنوار  و أعظم الأضواء .

كذلك اطردت العادة في البلاغة على تشبيه الأدنى بالأعلى ، فإذا جاءالأمر على خلاف ذلك فهو التشبيه المعكوس أو المقلوب طلبا للمبالغة بادعاء أن وجه الشبه في المشبه أقوى منه في المشبه به .

 ومنه قول البحتري مادحا :

كأن سناها بالعشي لصحبها               تبسم عيسى حين يلفظ بالوعد

شبه البحتري برق السحابة الذي ظل لماعا طوال الليل بتبسم الممدوح حين يعد بالعطاء  ، ولاشك أن لمعان البرق على عادة الشعراء ولكن البحتري قلب التشبيه تفننا والتماسا للمبالغة بادعاء أن وجه الشبه أقوى في المشبه .

 ​ومنه قول شاعر آخر :

أحنّ لهم ودونهم فلاة            كأن فسيحها صدر الحليم

فالشاعر في هذا البيت شبه فسيح الفلاة بصدر الحليم، فالتشبيه كما ترى مقلوب ، إذ المعهود تشبيه صدر الحليم بالفلاة ولكن الشاعر رغبة منه في المبالغة بادعاء أن صدر الحليم أفسح من الصحراء عكس التشبيه .

 وفيما يلي طائفة أخرى من أمثلة التشبيه المقلوب تترك للدارس أمر التعرف إلى المشبه والمشبه به في كل منها .

        كتاب البلاغة السهلة                                                                 للأستاذ / عبدالرحمن معوض

   قال أبو نواس في وصف النرجس :

لدى نرجس غض القطاف كأنه       إذا ما منحناه  العيون عيون

  وقال البحتري في المدح :

      لجرّ علي الغيث هداب مزنه                أواخرها فيه وأولها عندي

      تعجّل عن ميقاته فكأنه                      أبو صالح قد بت منه على وعد

     وقال ابن المعتز يصف سحابة ويشبه البرق بالسيوف المنتضاة :

     وسارية لا تمل لبكا                          جرى دمعها في خدود الثرى

     سرت تقدح الصبح في                     ليلها ببرق كهندية تنتضى  

 

وقال البحتري في تشبيه حمرة الورد بحمرة خدي محبوبته ، وتشبيه ميلان الغصن إذا هزه النسيم بتثني قدها :

              في حمرة الورد شيء من تلهبها           وللقضيب نصيب من تثنيها

وقال أيضا في وصف بركة المتوكل ، وتشبيه البركة في تدفق مائها بيد المتوكل في العطاء 

كأنها حين لجت في تدفقها             يد الخليفة لما سال واديها

وقال في تشبيه الندى  على شقائق النعمان بدموع الشوق على خدود حسان :

  شقائق يحملن الندى فكأنه             دموع التصابي في خدود الخرائد

 مثال قول المتنبي  :

    أَنَنقُصُهُ مِن حَظِّــــهِ وَهوَ زائِـــدٌ           وَنَبخَسُهُ وَالبَخسُ شَيءٌ مُحَرَّمُ  

   يَجِلُّ عَنِ التَشبيهِ لا الكَفُّ لُجَّةٌ              وَلا هُوَ ضِرغامٌ وَلا الرَأيُ مِخدمُ.

فمها جاء فيه ذلك للعرب قول ذي الرمة  :

            ورمل كأوراك العذارى قطعته        إذا ألبسته المظلمات الحنادس

أفلا ترى ذا الرمة كيف جعل الأصل فرعا والفرع أصلا؟ وذلك أن العادة والعرف في نحو هذا أن تشبه أعجاز النساء بكثبان الأنقاء أي الرمال، ألا ترى إلى قوله :

ليلى قضيب تحته كثيب             وفي القلاد رشأ ربيب ؟

القلاد: واحدها قلادة ، والرشأ: الظبي إذا تحرك وقوي ومشى مع أمه

ولله البحتري فما أعذب وأظرف وأدمث قوله  :

أين الغزال المستعير من النقا         كفلا ومن نور الأقاحي مبسما ؟

فقلب ذو الرمة العادة والعرف في هذا، فشبه كثبان الأنقاء، أي الرمال بأعجاز النساء. وهذا كأنه يخرج مخرج المبالغة، أي قد ثبت هذا الموضع وهذا المعنى لأعجاز النساء، وصار كأنه الأصل فيه، حتى شبه به كثبان الأنقاء

 ومما جاء منه قول البحتري  :

في طلعة البدر شيء من محاسنها       وللقضيب نصيب من تثنيها

وقول عبد الله بن المعتز في تشبيه الهلال  :

ولاح ضوء قمير كاد يفضحنا            مثل القلامة قد قدت من الظفر

ولما شاع ذلك في كلام العرب واتسع صار كأنه الأصل، وهو موضع من علم البيان حسن الموقع لطيف المأخذ  وهذا قد ذكره أبو الفتح ابن جني في كتاب الخصائص.

ولما نظرت أنا في ذلك وأنعمت نظري فيه تبين لي ما أذكره، وهو

ومن أمثلة التشبيه المقلوب قول ابن المعتز:

والصبح في طرة ليل مسفر         كأنه غرة مهر أشقر

فالمشبه هنا هو الصبح والمشبه به هو غرة مهر أشقر، وهذا تشبيه مقلوب، لأن العادة في عرف الأدباء أن تشبه غرة المهر بالصبح، لأن وجه الشبه وهو البياض أقوى في الصبح منه في المهر  ولكن الشاعر عدل عن المألوف، وقلب التشبيه للمبالغة، بادعاء أن وجه الشبه أقوى في غرة المهر منه في الصبح.

ومنه قول محمد بن وهيب الحميري   في ذات التشبيه: 

وبدا الصباح كأن غرته          وجه الخليفة حين يمتدح

فالمشبه هنا أيضا هو ضوء الصباح في أول تباشيره، والمشبه به هو وجه الخليفة عند سماعه المديح  فالتشبيه كما ترى مقلوب، والأصل فيه هو العكس، لأن المألوف أن يشبه الشيء دائما بما هو أقوى وأوضح منه في وجه الشبه؛ ليكتسب منه قوة ووضوحا  ولكن الشاعر تفننا منه في التعبير عكس القضية وقلب التشبيه للمبالغة والإغراق بادعاء أن الشبه أقوى في المشبه.

ومنه قول البحتري مادحا  :

كأن سناها بالعشي لصبحها           تبسم عيسى حين يلفظ بالوعد

شبه البحتري برق السحابة الذي ظل لماعا طوال الليل بتبسم الممدوح حين يعد بالعطاء، ولا شك أن لمعان البرق أقوى من بريق الابتسام، فكان المألوف أن يشبه الابتسام بالبرق على عادة الشعراء، ولكن البحتري قلب التشبيه تفننا في التعبير والتماسا للمبالغة بادعاء أن وجه الشبه أقوى في المشبه.

قال أبو نواس في وصف النرجس  :

لدى نرجس غض القطاف كأنه       إذا ما منحناه العيون عيون

وقال البحتري في المدح  :

لجر علي الغيث هداب مزنه         أواخرها فيه وأولها عندي

   تعجل عن ميقاته فكأنه                أبو صالح قد بت منه على وعد

  وقال ابن المعتز يصف سحابة ويشبه البرق بالسيوف المنتضاة:

             وسارية لا تمل البكا              جرى دمعها في خدود الثرى

سرت تقدح الصبح في ليلها          ببرق كهندية تنتضى

وقال أيضا في وصف بركة المتوكل، وتشبيه البركة في تدفق مائها بيد المتوكل في العطاء  

كأنها حين لجت في تدفقها        يد الخليفة لما سال واديها

وقال في تشبيه الندى على شقائق النعمان بدموع الشوق على خدود الحسان:

شقائق يحملن الندى فكأنه      دموع التصابي في خدود الخرائد

أمثلةأخرى على التشبيه المقلوب :

ورمل كأوراك العذارى قطعته         إذا ألبسته المظلمات الحنادس

أين الغزال المستعير من النقا           كفلا ومن نور الأقاحي مبسما

في طلعة البدر شيء من محاسنها      وللقضيب نصيب من تثنيها

ولاح ضوء قمير كاديفضحنا           مثل القلامة قد قدّت من الظفر

والصبح في طرة ليل مسفر            كأنه غرة مهر أشقر

وبدا الصباح كأن غرته                وجه الخليفة حين يُمتدح

لدى نرجس غض القطاف كأنه          ذا ما منحناه العيون عيونا

لجرّ عليّ الغيث مزنه                 أواخرها فيه وأولها عندي

 

 والخلاصة : أن الأصل في التشبيه أن يجري على السنن المعروف عند العرب والذي يتمثل في أن يلتمس المشبه به مما هو معروف ومألوف في حياتهم حتى ولو كان المشبه أقوى وأعظم في الصفة التي يشترك فيها مع المشبه به. فالعرب مثلا قد اشتهر بينهم عمرو بن معد يكرب بالإقدام، وحاتم بالجود، وأحنف بن قيس بالحلم،

وإياس بالذكاء، وأصبح كل واحد من هؤلاء مثلا عاليا في الصفة التي اشتهر بها. فالأسلوب العربي يقضي على الشاعر أن يجعل كل واحد من هؤلاء الأعلام مشبها به، سواء أوجد بعده من هو أعظم منه في الصفة وأقوى أم لم يوجد.

وقد سلك القرآن الكريم هذا السنن فشبه نور الله سبحانه وتعالى، وهو بلا شك أقوى الأنوار، بنور المصباح في مشكاة، لأن العرب جروا على عادة أن يجعلوا نور المصباح أكبر الأنوار وأعظم الأضواء.

كذلك اطردت العادة في البلاغة على تشبيه الأدنى بالأعلى، فإذا جاءالأمر على خلاف ذلك فهو التشبيه المعكوس أو المقلوب طلبا للمبالغة بادعاء أن وجه الشبه في المشبه أقوى منه في المشبه به

أو يقول:      علا فما يستقر المال في يده            وكيف تمسك ماء قمة الجبل؟

فيرسل إليك التشبيه من طريق خفي؛ ليرتفع الكلام إلى مرتبة أعلى في البلاغة، وليجعل لك من  التشبيه الضمني  دليلًا على دعواه، فإنه ادعى أنه لعلو منزلته ينحدر المال من يديه، وأقام على ذلك برهانًا.

فقال:  وكيف تمسك ماء قمة الجبل؟

شكرا لتعليقك