ثقافة الالتزام الأخلاقي في الشعر الجاهلي
يظهر مصدر الأخلاق من سلوك البشر وتضارب
المصالح وتناقضها أحياناً معاً مما لا يستطيع الفرد أو الأفراد تحقيقها معاً، هنا يقوم
الإنسان بتنظيم سلوكه ليتوجّه نحو الأهداف والغايات.
ومهمة الأخلاق تبنّي هذه الغايات أوّلاً،
ثمّ تحديد القيم الّتي تساعد الفرد على القيام من نفسه بالاختيار بين المصالح والرّغبات.
والنّظام الأخلاقي من مهماته الأساسية تحديد
الغايات الكبرى أوّلاً، والوسائل الموصّلة لذلك.
والثّقافة لها دور، فهي الحاكم، متى كانت
حيّة قويّة فاعلة، فإذا ضعُف نظام القيم والأخلاق وذبلت الثّقافة، يصير قاعدة السّلوك
هو " تحقيق الرّغبات السّلوكية " دون اعتبار للجماعة وسلامتها، بل دون مراعاة
للمستقبل.
إذن لا خلاف في أنّ الأخلاق من سمات الإنسان
الجوهرية، فبالأخلاق يتحدّد وبها يتميّز عن سائر المخلوقات، كما يتميّز بالعقل،فالإنسان
كان ذو أخلاق، ولا تتقيّد الأخلاق بزمان دون غيره، ولا تنحصر بمجتمع دون آخر،
بل هي نصبب الإنسانية جمعاء في كلّ زمان ومكان.
ولأنّ الأخلاق تتجسّد سلوكاً وتتبدّى أفعالاً
في العلاقات الإنسانية، فإنّ الشّعر وجد فيها مجالاً رحباَ للقول في بابي المدح والفخر
فردياً وجماعياً، والشّعر تعبير عن النفّس الإنسانية في تجلياتها المتنوّعة، ومحاولة
للإمساك بجذوة الرّوح المطلقة إلى الكمال والنّزوع إلى الخير بلغته الجماليّة الخاصّة.
ولقد احتفى الشّعر - منذ بداياته - بالأخلاق،
وسعى إلى تجسيد القيم الأخلاقية الّتي تظهر في سلوك النّاس ومواقفهم كنوع من التّبشير
بهذه القيم وترسيخها لدى الأجيال.
ولقد ازداد اهتمام الشّعر العربيّ بعد ظهور
الإسلام - أو هذا ما يُفترض - بالأخلاق انسجاماَ مع احترام الأخلاق، والتزاماَ بواجب
الانتماء إلى الدّين الجّديد الّذي أولى الأخلاق منزلة سامية.
ومن هذا المنطلق شغلت قضية الالتزام الأخلاقي
في الشّعر العربيّ منذ أن أشرقت شمس الإسلام اهتمام الدّارسين والباحثين، وتصوّر البعض
منهم أنّ الشّعر الجّاهليّ قد أغفل هذه القضية، فحياة العرب ثأر ودماء ومجون وشراب،
وسلب ونهب؛ نظراً لغياب القانون؛ حتّى إنّ معيار الحكم النّقدي لم يكن يأخذ بنظر الاعتبار
الجانب الأخلاقي، وإنّما كان ينظر إليه نظرة فنيّة خالصة.
ونسي هؤلاء أنّ الّرسول صلى الله عليه وسلم
بُعِثَ ليتمّم مكارم الأخلاق التي تأصّلت جذورها في نفوس العرب، وقد جُبلوا عليها،
فأضحت عندهم طبعاً وسجيّة، وثقافة، لا يستطيعون عنها حولا.
ومعلوم أنّ لكلّ ثقافة مكونات تحدّد طبيعة
هذه الثّقافة، ومعلوم – أيضاً – أنّ أمة بلا ماضٍ ليست بذي حاضر ولا مستقبل، والأمة
العربية لها ماضٍ عريق يضرب بجذوره إلى أعماق التّاريخ، وإن كانت ثقافتها في العصر
الجاهلي ممدودة، فإنّها نهلت من ينابيعها العذبة بفطرتها السّليمة.
سنحاول في هذا البحث بعد تعريف مفهوم الثقافة
والالتزام الأخلاقي أن نذكر أدلّة واضحة وبراهين ساطعة على ثقافة الالتزام الخلقي في
هذا العصر، فقد توافرت على أعلى المستويات قولاً وفعلاً من خلال النّصوص الشّعرية في
إطار الحديث عن القيم الخُلقية التي آمن بها المجتمع الجّاهليّ وقدّسها، وسنكتفي ببعض
النّصوص تاركين المجال رحباً أمام القارئ ليغوص في أعماق أمهات كتب التّراث الأدبي
والنّقدي لاستخراج الدّرر الكامنة، ثمّ نحاول الموازنة بين هذه القضيّة في الشّعر الجّاهليّ،والشّعر
الإسلامي بشكل مختصر.
مفهوم الثّقافة في اللّغة:
أصل كلمة ثقافة " ثقف " ويُقصد
بها الحذق والفهم والفطانة وسرعة التّعلّم وإدراك الشّيء والقدرة على ضبط الأمور.
يُقال: ثقف الرّجل ثقافة، أي صار حاذقاً،
وثقفتُ الشّيء أي حذقته والرّجل المثقّف: الحاذق الفاهم[1].
وفي المعجم الوسيط: هي " العلوم والمعارف
والفنون التي يطلب الحذق فيها "[2]، أما تعريفها في المعجم الفلسفي فهي
" كلّ ما فيه استثارة للذّهن وتهذيب للذّوق، وتنمية لملكة النّقد والحكم لدى الأفراد
أو في المجتمع، وتشمل على المعارف والمعتقدات والفن والأدب وجميع القدرات التي يُسهم
فيها الفرد في مجتمعه "[3]، والثّقافة بالمعنى العام هي: " ما يتّصف به الرّجل
الحاذق المتعلّم من ذوق، وحسّ انتقادي، وحكم صحيح، أو هي التّربية التي أدّت إلى إكسابه
هذه الصّفات ".
قال (روستان): " العلم شرط ضروري في
الثّقافة، ولكنّه ليس شرطاً كافياً إنّما يُطلق لفظ الثّقافة على المزايا العقلية التي
أكسبنا إياها العلم، حتّى جعل أحكامنا صادقة وعواطفنا مهذبة ".
ومن شروط الثّقافة بهذا المعنى أن تؤدي
إلى الملاءمة بين الإنسان والطّبيعة، وبينه وبين المجتمع، وبينه وبين القيم الرّوحية
والإنسانية[4].
الإلزام الخُلقي:
ثمّة عملية وراء صدور الخُلق عن الإنسان
بصورة شبه تلقائية من غير فكر ولا روّية، هذه العملية يُطلق عليه (الإلزام الخٌلقي)،يتمّ
هذا الإلزام عن طريق عمليتين متقابلتين: عملية ضغط وإلزام خارجي. يقابلها تفاعل واستجابة
من داخل الإنسان، وهاتان العمليتان هما أساس المسألة الأخلاقية،وعنهما يصدر الخُلق.
ومبدأ الإلزام هو المحور الأساسي الذي يدور
حوله النّظام الأخلاقي كلّه، ولا يمكن تصوّر قاعدة أخلاقيّة بدونه، وزوال فكرة الإلزام
يقضي علي جوهر الحكمة العقلية والعملية الّتي تهدف الأخلاق إلى تحقيقها، فإذا انعدم
الإلزام انعدمت المسؤوليّة، وإذا انعدمت المسؤولية ضاع كلّّ أمل في وضع الحقّ في نصابه،
وإقامة أسس العدالة، وحينئذ تعمّ الفوضى ويسود الاضطراب، وإذا كانت الأخلاق تؤول في
النّهاية إلى مجموعة من القواعد، فكيف يتسنّى للقاعدة أن تكون قاعدة بدون أن تلزم الأفراد
باتّباعها].
معلوم أنّ حياة العرب في عصر ما قبل الإسلام
لم تكن كلّها ثأراً ودماءًً، ولم تَحُل روح العصبية بينهم وبين التّحلي ببعض القيم
الخُلقية، فهذه العصبيّة هي الّتي دفعتهم إلى الأخذ بالثّأر، وانتزاع الحقّ بالقوّة،
ورفض الظّلم والعدوان، والتّّّّحلي بالشّجاعة من أجل أهداف نبيلة].
ولم يكن أمر القبيلة فوضى داخلياً وخارجياً،لأنّ
أفراد القبيلة متضامنون أشدّ التّضامن،تربطهم صلات ونظم بالقبائل الأخرى، وقيم يلتقون
عندها، فتركوا لنا آثاراً شعرية اشتملت على الحكم والوصايا، تتضمّن نصائح خُلقيّة تتّسم
بالتّفكير الفطري، تلك المُثل جمعتها كلمة (المروءة) والخلال الطّيبة و" تتمثل
المثل الجاهلية في (المروءة) وقد فُسّرت بأنّها كمال الرّجولة ومن المروءة: الحلم،
والصّبر، والعفو عند المقدرة، وقري الضّيف، وإغاثة الملهوف، ونصرة الجار،وحماية الضّعيف،
فإذا تمثّلت أمثال هذه السّجايا في رجل كان كاملاً، عظيم الشّأن في قومه، والمروءة
عند الجّاهليين كالدّين عند المسلم.
وقد ورد أنّ المروءة " ألا تفعل في
السّرّ أمراً وأنت تستحي أن تفعله جهراً "، " فهي أقصى ما تكون من أخلاق
الرجل الكامل الشّجاع، وقد أقرّها الإسلام في جملة ما أقرّه من فضائل الجّاهليّة، وورد:
الدّين المروءة، ولا دين إلا بالمروءة "].
ومن المؤكّد أنّ الحياة الدّينية عند العرب
ما هي إلا أراء وفتاوى أفتى بها رجال الدّين والمروءة والعقل والعلم[10]، وتقيد العرب
بعرفهم وعاداتهم، " والعرف عندهم ما استقرّ في نفوسهم وبُثّ في ذهنهم، حتّى صار
في حكم الدّين عندهم، فلا يجوز لأحد الخروج عليه وكسر حكمه، وعُرف القبيلة التي هو
دينها، هو الّذي يعيّن لها الحلال والحرام، والمباح والمحرّم وأحكام رجال القبيلة من
رؤساء وسادة وحكّام، هي منبع التّشريع والإفتاء في أمور الدّين والحقّ في القبيلة،
وما يلائم طبيعة القبائل، ويناسب عقليتها وينبع من محيطها، يكون ديناً على القبائل
إطاعته، لأنّه في صالحها جميعاً ولأنّ في مخالفته ضرراً بالغاً، فصار من ثمّ في درجة
أحكام الشّرع عندنا[] ".
لذا تمسّك العربيّ آنذاك بهذه العادات،
لأنّها بمثابة القانون الّذي يحكمهم، فقد التزم بالعُرف والعادات، والتزم بالقيم والمبادئ،
وآمن بها، وهي قيم تتّفق وروح الإسلام وتدل على وجود سنن وقوانين قبل الإسلام تُعتبر
بمنزلة القانون أو الفقه في الإسلام، مع فارق واحد هو أنّ الفقه في الإسلام يرجع إلى
الوحي والأوامر أو النّواهي النّبويّة، أما عُرف الجّاهليين فهو من وضعهم،ومن مؤثّرات
خارجية لاتّصالهم بالأمم الأعجمية[12]، هذا بالإضافة إلى الدّيانات التي كانت منتشرة
آنذاك حيث ديانة إبراهيم - عليه السّلام -، والمسيحيّة واليهوديّة، فهذه الدّيانات
كانت لها مكانتها عند العرب في الجّاهليّة على اختلاف في قدر الانتشار، فقد غرست غير
قليل من القيم في نفوسهم، وإن تلبّست بكثير من الانحراف[13]، وهذا يعني أنّ العرب استمدّوا
أخلاقهم من فطرتهم السليمة، ومن وحي بيئتهم إلى جانب الدّيانات السّماوية خاصة الحنفية،التي
جاء بها الإسلام ليبعثها ويضيف عليها[14].
إنّ النّظام الخُلقي يقوم على وسيلة ضبط
لسلوك الفرد داخلياً، كما يكون الخضوع للقيم إرادياً دون إكراه، وهكذا تساهم القيم
الخُلقية بقيام نوع من الاستقرار الاجتماعي، فإذا ضعُف الالتزام الأخلاقي، بدأت القلاقل
والمتاعب وبدأ الشّك بالقيم والثّقافة المحلية كذلك، عند ذلك يصبح تحقيق الذّات وحيازة
الاعتراف الاجتماعي متعارضين، مع احترام القواعد الأخلاقية السّائدة، وعندها يكون تأثير
القيم والضّبط الاجتماعي قد ضعفا كثيراً، ومن ثمّ لم يعد ضبط سلوك الأفراد هيناً بل
عسيراً.
علينا أن نسلّم بوجود إلزام خُلقي، إذ صدر
الخُلق القويم عن العربيّ، الذي آمن بالمبادئ والقيم في ظلّ مجتمع قدّس هذه القيم،
وتمسّك بها، لأنّه لا يُمكن تصوّر قاعدة أخلاقيّة بدون نظام أخلاقي، فالعربيّ كان ملتزماً
خُلقياً نتيجة ضغط وإلزام خارجي تمثّل في العُرف والعادات، قابله تفاعل واستجابة من
داخله حيث الفطرة السّليمة التي فُطر عليها، فقد أملت عليه التّحليّ بهذه القيم، لأنّه
إنْ خالف العّرف والتّقاليد يكون خارجاً عن القانون، فعندما أسرف (طرفة بن العبد) في
شرب الخمر -على سبيل المثال - أصدرت القبيلة قراراً حاسماً بطرده، لأنّه خرج عن العُرف
وحدود الحشمة والحياء، وقد عبّر ذلك بمرارة في مثل قوله:
ومازال تَشْرَابيِ الخُمورَ،ولذّتي
وبَيْعي وإنفاقي طَريفي ومُتْلَدي
إلى أن تَحامتني العشيرةُ كلُّها
وأُفْرِدْتُ إِفرادَ البَعيرِ المُعَبّدِ]
ربما تزداد الأمور وضوحاً إذا تعرّضنا إلى
بعض القيم التي آمن بها العرب آنذاك فثقافة الالتزام الخُلقي يبدو واضحة في الشّجاعة
باعتبارها قيمة خُلقية تمسّك بها العربيّ من أجل أهداف نبيلة تتمثّل في الدّفاع عن
النّفس، وعن حمى القبيلة، وعن الحقّ، فالحقّ في نظره القدرة أو القوّة، والقويّ هو
صاحب الحقّ، لأنّه قادر على انتزاع حقّه، والذّود عن محارمه، " فالقدرة هي سبب
من أهمّ أسباب تحقيق الحقّ وأخذه من المغتصبين، ثم عامل آخر هو العصبية بأنواعها من
أبسط درجة فيها إلى أعلاها، فإنّها عامل آخر من عوامل الدّفاع عن الحقّ واستحصاله،
لعدم وجود حكومة نظاميّة تقوم بتحقيق الحقّ، فقامت العصبية مقامها في استحصال الحقّ
وفي تأديب الخارج عن العُرف، الّذي هو القانون "].
لقد عاش العربيّ في خطر داهم في أحضان الصّحراء
القاسية، فعليه وقعت مسؤولية الدّفاع،واّلذي لا يدافع عن نفسه كما قال (زهير بن أبي
سلمي) يكون مظلوماً مهاناً:
وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عن حوضِهِ بِسِلاحِهِ
يُهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِم النَّاسَ يُظْلَم]
وكان لزاما علي الحرّ الكريم أن يركب المخاطر،
ويخوض بحور المنايا من أجل الحصول علي الأموال لتقديمها للمساكين ذوي المتربة والمقربة،
كما فعل الصّعاليك، الذين ضربوا أروع الأمثلة في تحطيم الفوارق الطّبيعية آنذاك يقول،
أميرهم (عروة ابن الورد) مبيناً هدفه من الغزو مخاطباً زوجه الّتي تخاف عليه الرّدى:
ذَرِيْنِي أُطَوِّفُ في البلادِ لعلّني
أُخَلِّيْكِ أَوْ أُغْنِيْكِ عن سُوءِ محضرِي
فَإِنْ فَازَ سَهْمٌ المنيةِ لم أَكُنْ
جَزُوْعَاً، وهل عن ذاكَ من متأخَّرِ
وإن فاز سهمي كفكم عن مقاعدَ
لَكُمْ خَلْفَ أَدْبَارِ البيوتِ ومَنْظَرِ
فجوعٍ لأهلِ الصّالحينَ مزلةً]
مخوف رداها أن تصبك، فأحذر
أبي الخفض من يغشاك من ذي قرابة
ومن كلّ سوداء المعاصم تعتري]
آمن بهذا المبدأ والتزم به،معرّضاّ نفسه
للهلاك من أجله، ومَنْ يبذل دمه رخيصاّ يوم الّلقاء من أجل أهداف نبيلة يضرب بكلّ قوّة
على وتر الالتزام الخّلقي لأنّه يرفض الموت حتف أنفه، ويُفضّل الموت بالسّيف حتّى تسيل
نفسه ودمه عليه وفي ذلك يقول شاعرهم:
إِنَّا لَنُرْخِصُ يَوْمَ الرَّوْعِ أَنْفُسَنَا
ولو نُسَام بها في الأمن أُغْلِيْنَ]
ولِمَ لا،" فالعربَ كانوا يتمادحون
بالموت قعصاً، ويتهجون بالموت على الفراش،ويقولون فيه: مات فلان حتف أنفه، وأوّل من
قال ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم[21]، لذا صبر العربيّ على جمر المعارك، لأنّ خُلق
الشّجاعة أملى عليه ذلك، فلا مجال للنّكوص والتّعريد،لأنّ ذلك معرّة وعيب كبير.
ومن أحسن ما قالوا في الصّبر قول (نهشل
بن حرّي بن ضمرة النّهشليّ):
ويَومٍ كأنَّ المصطلينَ بحرّه
وإن -لم تكن نار - قيام على جَمرِ
صَبرنا له حتّى يَبُوخ وإنّما
تُفرّج أيام الكريهة بالصّبرِ]
وخير عزاء في الصّبر على أهوال المعارك
الثّمار التي يجنيها الصّابرون من عزّة وكرامة وسمعة طيبة تعبّق بشذاها ريح الصَّبا،
نلمح ذلك في قول (الأخرز بن جُزّي):
وَأَرْكَبُ الكُرْهَ أَحْيَانَاً وَأَحْمَدُهُ
وَرُبَّمَا نَالَ في الكُرهِ الفَتَى الرُّعُبَا
لا تَجْزَعَنَّ لِكُرْه أنْتَ راكِبُهُ
واجْسُرْ عَليهِ ولا تُظْهِر لهُ رُعُبَا]
وقد أمليت عليهم هذه الثّقافة الاعتراف
بالهزيمة، و إنصاف العدوّ والشّهادة له بالقوّة والشّجاعة، وفي ذلك يقول (زهير بن الحارث
الكلابي):
سَقَيْنَاهُم كُأْسَا سَقَوْنَا بِمِثْلِهَا
وَلكنَّهُمْ كانُوا علي الموتِ أَصْبَرَا
إنّ الحديث عن الصّبر في ميدان القتال يدفعنا
إلي الحديث عن الصّبر بوصفه قيمة خُلقيّة، فقد عاش العربيّ في بيداء مليئة بالمخاوف،حيث
القفار الجرداء والوديان الموحشة المليئة بالوحوش الضّارية، والحيات السّامة، فضلا
عن الرّياح العاتية، وأشعة الشّمس المحرقة التي تصبّ حمماً تحوّل الصّحراء إلي جحيم
لا يُطاق، والليل وصورته القاتمة لأنّها تمثّّل في نفس العربيّ الرّعب والخوف والوحشة،
فعندما يرخي الّليل سدوله، وتتحرّك جحافل الظّلام، يتراءى للمرء غير قليل من الأوهام
والخيالات حيث: الجن والشّياطين والغيلان.
لقد تعوّد العربيّ علي هذه الحياة، وصبر
علي التّفرد بالفلوات والقفار، لأنّه جُبِل على هذا الخُلق،فقد صبر على حُميّا المعارك
–كما ذكرنا آنفاً – وعلى نوائب الدّهر، ولم يثنه هذا الخّلق على ما نزل به من نوازل،
وما حلّ به من خطوب جسام لأنّه فُطر على ذلك، فهو يخشى شماتة الأعداء، ولوم الأصدقاء،
وهو حرّ كريم يأبى الذّلّ والجزع، لأنّه أدرك أنّ الجزع لا يُجدي نفعاً، ولا يردّ فقيداّ،
لذلك تمسّك بهذا الطّبع، وأثنى على الصّابرين في البأساء والضراء، وافتخر بذلك، وتجرّع
مرارته، وفي ذلك يقول الجّمّال العبدي:
لا النّائباتُ لهذا الدّهرِ تْقَطُعني
والصَّبرُ منّي على ما نَابَنِي خُلُقُ
إنّ الكريمَ صَبُورٌ كيفَمَا انْصَرَفَت
به
الصَّروفُ إذا ما أفْلَقَ الفَرَقَ[25]
وأحسن ما قيل في الصّبر على نوائب الدّهر
قول عبيد الله بن الأبرص:
صَبّرِ النَّفْسَ عند كُلِّ مُلِمٍّ
إِنّ في الصّبر حِيْلَةَ المُحْتَالِ
رُبّما تَجْزَعُ النُّفُوسُ من الأم
رِ لَهُ فُرْجَةٌ كَحَلِّ العِقَالِ[26]
ولا بأس من الاعتذار عند الجزع إذا عَظُمت
المصيبة وجلّت، كما ذكر (أعشى باهلة) راثياً:
فَإِنْ جَزِعْنَا فَمِثْلُ الخَطْبِ أَجْزَعَنَا
وَإِنْ صَبَرْنَا فإِنَّا مَعْشَرٌ صُبُرُ[27]
وصبر العربيّ على الجوع والفقر، لأنّ عفته
تُملي عليه ذلك؛ حتّى لا ينزلق في مهاوي المذلّة والهوان، فالموت عنده أكرم من حياة
الذّلّ، عبّر عن ذلك (عنترة ابن شداد) في مثل قوله:
ولقدْ أَبِيْتُ على الطَّوى وأَظلُّهُ
حَتَّى أنالَ به كَريمَ المأْكَلِ]
وقد أعجب الرّسول صلى الله عليه وسلم، فقال
" ما وُصِفَ لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة "]
.
وضرب الشّعراء الصّعاليك أروع الأمثلة في
العفّة والتّرفع عن الدّنايا والضّيم، والصّبر على الجوع، الذي أضحى مجالاً للفخر بقوّتهم
وصدق عزائمهم، فهذا (أبو خراش الهذلي) يرسم صورة نبيلة للجوع، الّذي حاول النّيل منه،
وأنّى له ذلك حيث يقول:
وإِنّي لأُثْوِي الجُوعَ حتَّى يَمَلَّنِي
فَيذهَبَ لم يَدْنَسْ ثيابِي ولا جِرْمِي
واغْتَبِقُ الماءَ القَراحَ فانتهي
إذا الزّاد أَمْسَى للمزلَّج ذا طَعْمِ
أَرُدُّ شُجاعَ البَطْنِ قد تَعْلَمِيْنَه
وأُوثرُ غيري من عِيالكِ بالطُّعْمِ
مخافَةَ أنْ أحيا بِرَغْمِ وذِلّةٍ
وللموتُ خَيْرٌ من حَياةٍ على رَغْمِ[30]
والّذي يُهمّنا من هذه الصورة موقفان:
الأوّل: الموقف الإنسانيّ النّبيل الفريد
الّذي تمثّل في إيثار الغير على عياله في الطّعام، الّذي وصل بالشّاعر إلى أعلى مراتب
المروءة.
والآخر: صبره على الجوع، خوفاً من حياة
الذّل والهوان، فالموت عنده أهون من ذلك، وفي ذلك تعبير عن أريحية فريدة، والتزام خلقي
متميّز.
وخاض (الشّنفري) في لاميته صراعاً مريراً
مع الجوع، حيث المماطلة والتّسويف حتّى أماته؛ لاجتناب الذّام[].
وآمن العربيّ بالوفاء، لأنّه تربّى عليه،
وغدا خُلقاً عامّاً عنده، وتحلّى به بخاصّة أنّه مبنيّ على الصّدق والقوّة والشّجاعة
والتّضحية في سبيل هذا المبدأ، فالتّمسّك بالكلمة مقدّس عند العربيّ في ظلّ مجتمع تُلْقى
القوّة بظلالها عليه، فلا مجال للغدر في قاموسهم ومن تسوّل له نفسه فعل ذلك، يُرفع
له لواء في سوق عكاظ للتّشهير به، وتأديبه على مرأى ومسمع من القوم ليكون عبرة وعظة
لسواه، فالالتزام الخُلقي يفرض على العربيّ التّمسّك بالوفاء وفي ذلك قال (الحادرة)
لصاحبته(سميّة)، مفتخراً بهذه السّجيّة:
أَسُمَيّ ويحكِ هل سمعتِ بِغَدْرَةٍ
رُفِعَ الّلواءُ لنا بها في مَجْمَعِ
إنّا نعفُّ فلا نُريبُ حليفَنَا
ونكفُّ شحَّ نفوسنا في المطمع[32]
وخير مثال نسوقه في هذا المجال ما فعله
(السموأل)، الذّي أودعه (امرؤ القيس) دروعاً، فجاءه (الحارث بن ظالم) أو (الحارث بن
شمر الغسّانيّ) لأخذها، فتحصّن منه، فأخذ (الحارث) ابنا له غلاماً وكان في الصّيد،
وهدّده بقتله أو يُسلّم الأدراع، فأبى، فضرب (الحارث) وسط الغلام فقضى عليه، وبذلك
سطّر (السّموأل) أروع مثال في الوفاء، وحقّ له أن يفتخر بذلك، حيث قال:
وفيتُ بذمّةِ الكِندي إنّي
إذا ما خَان أقوامٌ وفيتُ
وأوصي عادياً يوماً بألاّ
تُهَدِّمُ يا سموألُ ما بنيتُ
بنى لي عاديا حصناً حصيناً
وعيناً كلما شئتُ استقيتُ[33]
لقد استحق أن يُضرب به المثل: أوفى من السموأل
"[34]؛ لأنّه ضحّى بفلذة كبده، ولم يضعف أمام التّهديد والوعيد.
أليس ما فعله ضرب من الالتزام الخُلقي ؟!،
لقد ضبط سلوكه داخلياً وأخضعه إرادياً لهذه القيمة دون إكراه، أليست هذه ثقافة متأصّلة،
وحيّة وقويّة وفاعلة ؟!، ألم يرقَ إلى أعلى مراتب المروءة ؟! ألم يقدّم لنا درساً عملياً
في هذا المجال ؟!
والتزم (عدي بن زيد) بالوفاء مع الأصدقاء
وإنْ خانوا في مثل قوله:
وما بَدَأتُ خليلاً لي أخاً ثِقَةً
بِرَيْبَةٍ ولا رَبِّ الحلِّ والحَرَمِ
يأبى لِيَ اللهُ خَوْنَ الأصفياءِ وإنْ
خَانُوا وداري لأنّي حاجزي كَرَمِي[35]
ولم يقتصر الوفاء على الرّجال، فتعدّاه
إلى النّساء، فمن الأسماء الّتي لمع نجمها في هذا المجال (فكيهة) الّتي غدت مضرب المثل
في الوفاء بين النّساء.
يُذكر أنّ (السٌّليك بن السُّلكة) أغار
على بني عواد " بطن من بطون مالك" وعجز عن الظّفر بشيء، وأرادوا مساورته،
فلمّا رأى أنّه مأخوذ لا محالة، حاملهم وقصد لأقرب بيوتهم وولج على امرأة يُقال لها
(فكيهة)، فاستجار بها، فمنعته، وجعلته تحت حمايتها، ودافعت عنه بكلّ ما أُوتيت من قوّة،
فلمّا تكاثروا عليها كشفت خمارها وطلبت النّجدة من إخواتها فنجا (السُّليك) من براثن
سيوف القوم[36].
وثمّة ضغط خارجي، يقابله تفاعل واستجابة
نابعة من نفسية الإنسان في الكرم باعتباره قيمة خُلقية تتجلّى في حوافزه، ومن هذه الحوافز:
1- تحقيق الثّّناء والحمد: كان العربيّ جواداّ يسعى
لتحقيق الثّناء والحمد؛ لأنّه أغاث المعوزين ذوي المتربة، وفي ذلك يقول رجل من آل حرب
ردّاً على من لامته لمبالغته الجود:
قالت أرَاكَ بما أنفقتَ ذا سَرَفٍ
فيما فَعَلتَ فَهَلاّ فيك تَصْرِيدُ
قُلتُ اتركيني أَبِعْ مالي بِمَكْرُمَة
يَبْقَى ثنائي بها ما أوْرَقَ العُوْد]
2 - الخوف من الذَّمَ: كان لزاماًً على المضيف أن يكرم
ضيفه؛ حتّى لا يكون لُعْنَة للنّزّل، أشار إلى ذلك (عمرو بن الأهتم) في مثل قوله:
وكلُّ كَريمٍ يتَّقي الذَّمَّ بالقِرَى
وللخير بين الصّالحين طريقُ
وكذلك (حاتم الطّائي) في إطار حديثه لزوجه
(ماويّة):
إذا ما صنعتِ الزَّادَ، فالتمسي له
أكيلاّ، فإنّي لستُ آكله وحدي
أخاً طارقاً، أو جارَ بيتٍ، فإنّني
أخافُ مذمّاتِ الأحاديثِ من بعدي]
3 – عادة حسنة: من يتّق الذّمّ بالقرى يتعوّد عليه،
ولا مجال للتّخلّي عن هذه العادة الحسنة، عبّر عن ذلك (أحد بني حرب)، وكان بعض النّساء
قد لامته على إنفاقه أمواله:
باتَتْ تَلُومُ وَتَلْحَاني على خُلُقٍ
عُوِّدُتُه عادةً والجُودُ تَعوِيدُ
إنّا إذا ما أَتَيْنَا أمْرَ مَكْرُمَةٍ
قالتْ لنا أنْفُسٌ حَرْبِيَّةٌ عُودُوا]
4 – صون العرض: أملي الخُلق القويم على العربيّ أنْ
يكون جواداً؛ ليصون عرضه وخير من فعل ذلك (حاتم الطّائي) إذ يقول:
ذَرِيني يَكُنْ مَالِي لِعِرْضِي جُنَّةً
يَقِي المالُ عِرْضِي قَبْلَ أَنْ تَتَبَدَّدَا]
5 – وسيلة من وسائل السّيادة: قد يكون الكرم وسيلة من
وسائل السّيادة، ولا عجب في ذلك، لأنّ صاحبه يجود بماله من أجل أهداف إنسانية نبيلة،
وخير مثال على ذلك (حاتم الطّائي)، فقد بيّن ذلك في قوله:
يقولون لي أهلكتَ مالك، فاقتصدْ
وما كنتُ، لولا ما تقولون سيدا]
يتبيّن من خلال استعراض هذه الحوافز، أنّها
تصبّ في معين ثقافة الالتزام الخُلقي، فالأريحي الذي يسعى لتحقيق الثّناء والحمد في
حياته وبعد مماته، ويخاف من الذّم، يمدّ يد العون، لرفع المعاناة عن البائسين، وإدخال
الأمن في نفوس الطّارقين، يرتقي بنفسه إلى أعلى درجات المروءة والشّهامة، ولن يتخلّى
عن هذه العادة الحسنة، فمن خلالها تتجلّى معاني الإنسانية في نفسه، فهي عنوان الفضيلة،
يشعر صاحبها بالسّعادة والرّاحة النّفسية، وهو بذلك يصون عرضه، وذلك أقدس ما يسمو إليه
المرء، وبذلك يستحق الكريم أن يكون سيداً في قومه.
و تلمع بوارق هذه الثّقافة في حديث الشّعراء
عن الغاية من الكرم، فالخِضَم كان يجود بماله من أجل أهداف سامية تتمثّل في تقديم المساعدة
للمعوزين، فقد ضرب (عروة ابن الورد) أروع الأمثلة في المشاركة الوجدانيّة، وإذابة الفوارق
في مجتمع ما قبل الإسلام، لدرجة أنّ (عبد الملك بن مروان) قال: " ما يسّرني أنّ
أحداً من العرب ولدني ممّن لم يلدني إلا عروة "لقوله:
إِنّي امرؤٌ عافي إنائِيَ شركةٌ
وأنت امرؤُ عافي إنائِكَ واحدُ
أتهزَأُ منّي أن سَمِنْتَ وقد ترى
بجسمي شُحوب الحقِّ والحَقُّ جاهدُ
أُقسِّمُ جسمي في جسومٍ كثيرةٍ
وأحسو قَراحَ الماءِ، والماءُ بارد
إنّه الالتزام الخُلقي، تطبيقاً لقانون
إنساني نابع من مروءة الشّاعر وشهامته، فتعاليم الدّستور الرّباني لم تلج بعد إلى قلب
الرّجل، حتّى يستجيب لها.
وسعى (حاتم الطّائي) إلى صلة الرّحم، استجابة
لنداء الفطرة في مثل قوله:
يرى البخيلُ سبيلَ المالِ واحدةً
إنَّ الجوادَ يرى في مالِهِ سُبُلاَ
لا تعذليني على مالٍ وصلتُ به
رَحْماً، وخيرُ سبيلِ المال ما وَصَلا]
وجاد بماله لفك العاني، حيث يقول:
يُفَكُ به العاني ويُؤْكل طيباً
ويُعْطَي إذا قِيلَ مَنّ البخيلُ المطَرَّدُ]
ولعلّ أسمى الغايات وأنبلها، ابتغاء وجه
الله تعالى، هذا ما أشار إليه (الشّاعر السّابق)، وأيّ غاية أعظم من تلك الغاية؟!
فلو كان ما يُعطى رياءً لأمْسَكَتْ
بِه جنباتُ الّلوم، يَجْذِبْنَهُ جَذْبَا
ولكنّما يبغي به اللهَ وَحْدَهُ
فَأَعْطِ، قد أرْبَحت، فِي البيعةِ الكَسْبَا]
هذا العربيّ الغيداق، الّذي بذل ماله من
أجل أهداف نبيلة، كان عفيف النّفس، يكفّها عما لا يحلّ ويجمل، فقد كان يكبح جماح شهواته،
وينأى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ لأنّه أخضع شهواته وغرائزه لضوابط العقل والقانون
وقد تمثّل ذلك في:
– عفّة النّفس: رفض العربيّ الذّلّ والهوان
والاستسلام للطّبيعة القاسية، حيث الجدب والفقر، وتجلت عفّة نفسه، وحسن سيرته عندما
يكون معدماً، وفي ذلك يقول (ابن خذاق العبدي):
فأكرمُ ما تكونُ عليّ نفسي
إذا ما قلَّ في الأزمان مالي
فَتَحْسُنُ سيرتي، وأصون عرضي
وَيجْمُلُ عند أهلِ الرّأي حالي]
وافتخر بعفّة نفسه، كما فعل (عبيد بن الأبرص):
لَعَمْرُكَ إنّني لأُعِفُ نَفْسِي
وأسْتُرُ بالتَّكرّمِ من خَصَاصِ]
2 – العفّة والحشمة والحياء عند النّساء: حافظت المرأة
العربيّة الحرّة على عفّتها وطهارتها في مجتمع قدّس العفّة، واعتزّ بها، فالعفيفة كانت
المثل الأعلى في نظر الرّجال، اّلذين بذلوا النّفس والنّفيس من أجل بقاء العرض طاهراً،
وكان الموت أهون عليهم من سبي النّساء، وهذا يعني أنّ ظاهرة الزّنى الّتي كانت متفشية
في المجتمع الجّاهليّ لم تكن عامّة بين جميع النّساء، فهو خاص بالإماء، أو بالحرّة
الفاجرة والدّليل أنّ البغيّ في الّلغة للأمة أو الحرّة الفاجرة، وذكر (أبو عليّ القالي)
أنّ هذا الأمر خاص بالإماء[50].
وعند بيعة النّساء تلا الرّسول صلى الله
عليه وسلم عليهن ألا يشركن ولا يسرقن ولا يزنين، فقالت (هند): " وهل تزني الحرّة
"، وفي رواية أخرى "ما زنت منهنّ امرأة قط"[51]، وكان (عبد الله بن
جدعان) نخاساً، له ست جوار يزنين، ويبيع أولادهن، وكان (عبد الله بن سلول) يجبر جواريه
على البغاء[52]، وكنّ يميّزن بيوتهن بأن ينصبن عليها رايات لتدلّ إليهن من يريدهن،
وقيل إنّهن تسعاً أو أكثر معروفات وهُنّ من سواقط الإماء].
وهذا يعني أنّ الفاحشة كانت منتشرة بين
بعض الإماء في أماكن معيّنة، وبعض الحرائر السّاقطات، وهذا بطبيعة الحال لا يؤثّر في
عفّة المجتمع الجّاهليّ، فهذا المجتمع – كما يتصوّر البعض، بدافع ديني – لم يكن متفسّخاً،
ولا أريد أن أبالغ – مع اعتقادي الجازم بأنّ الإسلام حرّم الفاحشة، وازداد العربيّ
المسلم عفّة على عفّته – بأنّ المجتمع الجّاهليّ، لا يقلّ عفّة عن المجتمع الإسلامي
خاصة في عصر بني أمية على نطاق خاص، حيث التّرف والمجون.
لقد كانت المرأة في المجتمع الجّاهليّ على
قدر كبير من الحشمة والحياء وازدادت عفّة في الإسلام، وأريد أن أضع مثالاً بين يدي
القارئ، يحكم من على ما ذكرناه وأكّدنا عليه.
يُذكر أنّ امرأة من صالحات قريش خرجت على
بابها لتغلقه ورأسها مكشوف فرآها رجل أجنبيّ، فرجعت وحلقت شعرها، وكانت من أحسن النّساء
شَعْرَاً فقيل لها في ذلك، فقالت: " ما كنت لأدع على رأسي شَعْرَاً رآه من ليس
بمحرم"].
3 – الحياء و غص الطّرف عن الجارة: لم يقل العربيّ حياء
وعفّة عن المرأة في هذا المجتمع؛ لأنّ الرّجل الكريم ينأى بنفسه عن التّعرض للنّساء،
والنّيل من أعراضهنّ، وخدش كرامتهنّ، فهو الّذي يبذل ماله من أجل حماية عرضه، فكيف
يسمح لنفسه أن يمسّ أعراض الآخرين، أمّا غير الكريم، فهو لا يجرؤ أن يركب مثل هذا الخطأ،
لأنّه سيعرض نفسه وقومه إلى ويلات حرب لا تُحمد عقباها، وهو في الوقت نفسه يعلم أنّ
هذا الأمر حرام يمجّه العقل البشري، وترفضه الفطرة السّليمة، لذا التزم العربيّ، وغضّ
بصره عن جاراته، وعطّل سمعه عن سماع حديثهنّ، وفي ذلك يقول السّيد الكريم (حاتم الطّائي):
بعينيَّ عن جاراتِ قومي غَفْلَةٌ
وفي السّمع منّي عن حَدِيثهِن وَقْرُ]
وكان الفارس النّبيل (عنترة بن شدّاد) يغضّ
طرفه عن جاراته:
وأَغَضُّ طرفي ما بَدَتْ جارَتي
حتّى يُواري جاراتي مأَواها
إنّي امرؤ سَمْحُ الخليقةِ ماجدٌ
لا أُتْبِعُ النَّفسَ الّلجُوجَ هَوَاهَا]
أمّا (عروة بن الورد) فكان يتغافل حتّى
تلج جارته بيتها:
وإن جارتي ألوتْ رياحٌ بيتها
تغافَلْتُ حتّى يسترَ البيتُ جانبه]
والتزم الشّعراء بعدم زيارة الجارة وبعلها
غائب، ولهم أشعار كثيرة، نذكر منها ما قاله (عنترة بن شدّاد):
أغشى فتاةَ الحيّ عند حليلِهَا
وإذا غزا في الجيشِ لا أغشَاها[58]
ولعلّ أروع ما قيل في ذلك، ما ذكره (حاتم
الطائي):
إذا ما بتُّ اخْتلُ عِرْسَ جاري
ليخفيني الظّلام، فلا خُفْيتُ
أأفضح جارتي، وأخون جاري
معاذ الله أفْعَلُ ما حييت]
لأنّها تعبّر عن حرص شديد، ورغبة أكيدة
نابعة من أعماق قلب طاهر، ونفس صادقة تعاف ارتكاب هذا الإثم المبين، ولِمَ لا، فهو
السّيد الكريم.
4 – الصّبر على الجوع والقناعة: القناعة والصّبر على
الجوع ضرب من ضروب العفّة، فالعفيف يستفّ التّراب، ولا يمدّ يده للآخرين، كما ذكر شاعر
الصّحراء الأبي (الشّنفري):
وأستفُّ تُرب الأرض كي لا يرى
عليّ من الفضلِ امرؤ مُتَفضِّل]
وأكّد على ذلك (حاتم الطّائيّ) بالقسم بعالم
الغيب، الّذي يحيي العظام وهي رميم على أنّه كان يطوي بطنه من شدّة السّغب، والزّاد
حاضر؛ حتّى لا يوصم باللؤم في مثل قوله:
أما والّذي لا يعلمُ الغيبَ غَيْرُهُ
وَيحْيي العِظَامَ وهي رميمُ
لقد كنتُ أطوي البطنَ، والزّادُ يُشْتَهى
مخافة، يوماً أن يُقالَ لئيمُ[61]
وكان من العيب عندهم أن يبيت الغنيّ بطناً
وجاراته خماصاً، فالكرم عندهم مفخرة، واللؤم والبخل أقسى ما يُهجا به المرء، لذلك رأوا
في هجاء (الأعشى) ل (علقمة بن علاثة) وقومه بأنّهم ينامون ملاء البطون وجاراتهم ساغبات
يتضوّرن من شدّة الجوع، رأوا في هجائه قذفاً فاضحاً وسُبّة شديدة جعلت (علقمة) يبكي
حين سمع قوله:
تَبِيْتُونَ في المشتى ملاءً بطونكُم
وجاراتكم غَرثَى يَبِتْنَ خمائِصَا]
فقال: أنحن نفعل هذا بجاراتنا؟! أي لا نفعل
ذلك، وفي ذلك تأكيد على الالتزام بالعادات والتّقاليد الّتي تربوا عليها، وأصبحت عنده
سجيّة.
ويشتدّ وميض الالتزام الخُلقي في الحكمة،
فهي في نظر العلماء " فضيلة النّفس النّاطقة المميزة"أو " فضيلة القوّة
العقلية"[64]، والحكمة الجّاهليّة " ثمرة تجارب طويلة وفطنة، ونظر ثاقب وبصيرة
نافذة بالنّاس وأخلاقهم"[65].
لقد كان هدفها سنّ نظم خُلقية يتّبعها النّاس
فيما يرضونه من خصال وسلوك أو ما ينكرون من أفعال وعادات، " لذلك جاءت حكمتهم
حقائق مجرّدة في متناول الفطرة السّليمة تمليها التّجربة والمشاهدة وفق المُثل العليا
السّائدة في عصرهم فهي تكاد تكون جامعة مانعة للقيم الخلقية الّتي آمن بها المجتمع
آنذاك.
هذه الحكم قد تتحوّل إلى ضرب من الفلسفة
الخُلقية، كما في قصيدة (المثقّب العبدي) الذي قال في مطلعها:
لا تَقُولَنَّ إذا لمْ تُرِدْ
أَنْ تُتِمْ الوَعْدِ في شيءٍ نَعَمْ
حَسَنٌ قَوْلُ نَعَمْ بَعْدَ لا
وقبيحٌ قَولُ لا بَعْدَ نَعَمْ]
عرضت هذه القصيدة مجموعة من الحكم رسمت
جانباً من المثاليّة الأخلاقيّة حيث: الوفاء بالوعد، والتّمسّك بالكلمة، والحرص على
طيب السّمعة، والابتعاد عن العيب والرّياء والنّفاق، والحلم عن الجّهال والسّفهاء،
وتجنّب الغيبة والنّميمة، وإكرام الضّيف.
وتُعتبر دالية (عبيد بن الأبرص) الّتي تُعدّ
من مجمهرات العرب من حسن قوله كما ذكر (ابن رشيق)"ت 442 هـ "، فقد ضمّنها
كثيراً من الحكم، دعا خلالها إلى غير قليل من القيم[68] وربما تتحوّل الحكمة إلى ضرب
من النّصيحة يقدّمها الشّاعر إلى أحد أبنائه، يصوغها من عصارة أفكاره، وتجاربه الطّويلة،
كما فعل (عمرو بن الأهتم) ناصحاً ابنه[69]، وربما تتحوّل إلى لون من النّصائح تُساق
بأسلوب وعظيّ، كما فعل زهير بن أبي سلمى)، الّذي خبر الحياة، وأخلاق النّاس وميولهم
ونوازعهم[70].
ولعلّ الهدف من هذه النّصائح هو خلق إنسان
مثالي ملتزم، يؤمن بالقيم والمبادئ في ظلّ مجتمع يقدّس المبادئ ويحترم أوليّ الخُلق
الحسن، ويقدّرهم، ويرفع من شأنهم وهذا يعني - بطبيعة الحال – أنّ الحكمة الجّاهليّة
كانت تسير في تيار الالتزام الخُلقي في هذا المجتمع، خاصّة أنّها اتّسمت بالواقعيّة
والصّدق في التّعبير عن التّجارب والخبرات.
بعد هذا العرض نسلّم بوجود ثقافة الالتزام
الخُلقي في مجتمع ما قبل الإسلام أسهمت في ضبط سلوك العرب، وخلقت استقراراً اجتماعيّاً،
ونقرّ بوجود خروج عن هذه الثّقافة في هذا المجتمع، تمثّل في اللهو والمجون والتّهتك
الخُلقي حيث: الغزل الفاحش والإسراف في الشّراب عند بعضهم.
ونؤكّد على أنّ هذه القيم الخُلقية الّتي
كانت سائدة آنذاك لم تكتسب النّموذجية إلاّ حينما اتّصلت بالإسلام، لأنّه منحها الامتداد
والعمق؛ لأنّها موصولة بالكمال المطلق، فقد بارك وسما ببعضها وعلاّه، نذكر مثالاً على
ذلك، فإذا كان الفارس النّبيل (عنترة بن شدّاد) يغضّ طرفه عن جاراته – كما ذكرنا آنفاً
- حتّى تواري، فإنّ (مسكين الدّارمي) الشّاعر الأموي عطّل حاسة البصر حين قال:
أَعْمَى إذا ما جَارَتِي خَرَجَتْ
حَتَّى يُوَاري جارتي الخِدْرُ
وَيَصَمُّ عمّا كان بَيْنَهُمَا
سَمْعِي وما بي غَيْرَهُ وَقْرُ]
وفي ذلك تأكيد على أنّ القيمة الخُلقية
ازدادت عمقا وسمواً في التقاء المروءة بالإسلام، فقد عبّر (الدّارمي) عن غضّ البصر
بالعمى، وهو لذلك أرقى من قول (عنترة) في الامتثال للمروءة ومكارم الأخلاق؛ لأنّه كان
أكثر تضحية للقيمة الخُلقية حين عطّل حاسة البصر من أساسها، بينما ألغى (ابن شداد)
وظيفتها فقط.
إنّ هذا المثال يدفعنا إلى عقد موازنة بين
القيم الخُلقية في عصر ما قبل الإسلام وما بعده، لنتعرّف على مدى الالتزام الخُلقي
في العصرين.
من المعلوم أنّ الأخلاق الإسلاميّة قائمة
على أسس، لعلّ أهمّها التّقوى، وهي الخوف من الله تعالى والامتثال لأوامره، واجتناب
نواهيه، ومن هذا المنطلق ازدادت القيم الخُلقية عند المسلم في عهد الرّسول صلى الله
عليه وسلم وخلفائه الرّاشدين عمقاً وسمواً، والتزم الشّعراء دينياً؛ من أجل تحقيق السّعادة
في الدّارين، وقد تجلّى هذا الالتزام قولاً وعملاً في مدحهم وفخرهم، واعتزازهم بالدّين
الجديد، ولم لا؟! فهم يمدحون خير الأنام وأصحابه الغرّ الميامين، الذين خاضوا الغزوات؛
من أجل رفع راية الإسلام خفاقة عالية، ويفتخرون بدخولهم في الإسلام، وعبادتهم لله الواحد
الأحد، وفي رثائهم للمصطفى صلى الله عليه وسلم، وللشّهداء الأبرار، وفي بعض القيم الخُلقية
الجديدة التي ظهرت في هذه الفترة حيث: التّقوى، والأخوة، والوعظ الدّيني، فالالتزام
الدّيني اتّخذ أشكالاً متعدّدة التقت في بوتقة واحدة حول قضايا العقيدة الإسلامية[72].
وفي عصر بني أمية نهل الشّعراء من معين
المعجم الإسلاميّ، وبدا شعراء الحزب الحاكم أقرب إلى الالتزام الدّيني في مدحهم لخلفاء
بني أمية، (فالأخطل) – على سبيل المثال – حظي بالمرتبة الأولى عند هؤلاء الّشعراء،
لأنّه أجاد في مدحهم من خلال الألفاظ الدّينية والمعاني الإسلامية، مؤكّداً على أحقيتهم
في الخلافة، كما فعل الشّعراء الآخرون، فهم خلفاء الله في الأرض، وحماة الدّين، يسيرون
على هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم. مع أنّه كان نصرانياً يعبّ من الخمر مع بعضهم
حتّى الثّمالة.
أمّا شعراء الأحزاب الأخرى، فقد كانوا أكثر
التزاماً وصدقاً في أشعارهم، فقد رسم شعراء الخوارج والشّيعة والزّبيريين لوحات رائعة
في هذا المجال، تعبّر عن قوّة العقيدة، وعمق الإيمان بأحقيّة الخلافة، بخاصة الشّيعة
لعمق إحساسهم بحقّهم في الخلافة، تجلّى ذلك في الالتزام السّياسي، حيث: المدح والهجاء،
والرّثاء والمكتمات.
إذا أردنا أن نضع الأعمال الشّعرية في هذا
المجال في ميزان الصّدق الأخلاقي، فإنّنا نجد بعض الشّعراء خاصة التّابعين للحزب الحاكم
(الأموي) بعيدين عن الصّدق الأخلاقي، فالشّاعر يبدع في مدحه من أجل نيل رضا الخليفة،
والفوز بالجائزة، وهذا يدخل في باب التّكسب والاحتراف. – وإن صحّ التّعبير – في باب
النّفاق، الّذي لا يمكن أن نبرّئ منه الأحزاب المعارضة باستثناء الخوارج الّذين تمسّكوا
بمبادئهم وضحّوا من أجلها بالنّفس والنّفيس، وبعض شعراء الشّيعة أمثال:
(الكميت)، الّذي رفض التّنازل عن مبادئه، ودفع حياته
من أجلها، أمّا معظم شعراء الشّيعة، فقد كانوا يدارون ويمارون تحت وطأة النفعيّة، أو
ضغوط الاضطرار إيماناً منهم بمبدأ التّقية.ولنا أن نتساءل، أيّهما أكثر التزاماً في
هذا المجال الشّاعر الجّاهليّ أم الأموي ؟ أغلب الظّن أنّ معظم الشّعراء الجّاهليّين
أعرضوا عن التّكسب بالشّعر في مدائحهم، فهم أكثر التزاماً وصدقاً وواقعية.
ولا بُدَّ من الإشارة إلى أنّ كثيراً من
القيم العربيّة والإسلاميّة سقطت في خضم النّقائض الأمويّة، فمن يقرأ ديوان (جرير)
وهو الأكثر التزاماً من النّاحية الدّينية من (الفرزدق) و (الأخطل)، يجد كلاماً تعافه
النّفوس، وتمجّه الفطرة السّليمة، وتعفّ عنه الألسن والأقلام.
لا نريد أن نذكر المزيد من الأمثلة حتّى
لا توجّه إلينا أصابع الاتّهام بالتّحيز إلى الشّعر الجّاهليّ، نحن لا نقصد ذلك، ولكن
نريد أن نضع بين يدي القارئ هذه الحقائق حتّى يحكم بنفسه على مدى الالتزام الخُلقي
في عصر بني أميّة، هذا العصر الذي بلغت فيه الانتصارات والفتوحات أوجها، واتسعت فيه
رقعة الدّولة الإسلاميّة فقد كبّرت فيالق المسلمين على ربوع الصين، ورفعت ألوية على
أرض قسطنطين، ودخل النّاس في دين الله أفواجاً.
ومن المعلوم أنّ قيماً خُلقية جديدة ظهرت
في هذه العصر تمثّلت في الدّفاع عن الحقّ، وجهاد غير الجّهاد، ومجاهدة النّفس، وهذا
كلّه يصبّ في دائرة الالتزام الخُلقي.
ولابُدّ من الإشارة إلى أنّ العصبية أطلت
بوجهها البشع في هذا العصر، وتمادى شعراء الأحزاب في هجائهم، لدرجة أنّهم اتهموا بعضهم
بالكفر والضّلال، وهذا مرفوض في القاموس الإسلامي، وانزلق غير قليل من هم في مهاوي
المجون والرّذيلة، نظراً لتوافر مناخ مناسب وبيئة صالحة، حيث الثّراء والفراغ، وكثرة
القيان، فازدادت وتيرة الغزل الصّريح عند (عمر بن أبي ربيعة)، و(الأحوص)، و(العرجي)،
ودارت كؤوس الخمر عند بعض الشّعراء، وعلى رأسهم الخليفة الماجن (الوليد بن يزيد) و(أبي
الهندي) الذي مات مخموراً، ومع ذلك لا يمكن أن نتغافل في المقابل عن الالتزام الخُلقي
في الغزل العذري عند(جميل) وغيره من الشّعراء ولكنّه التزام لا يرقى إلى درجة الكمال.
المهم في الأمر أنّ ثمّة التزاماً لمعت
نجومه في هذا العصر عند كثير من الشّعراء خاصة شعراء الزّهد أمثال (أبي الأسود الدّؤلي)
و(مسكين الدّارمي) و(سابق البربري)، وغيرهم من الذين عزفوا عل أنغام هذا الالتزام امتداداً
للالتزام في مجتمع يفترض أن يرقى إلى أعلى مستويات الالتزام الخُلقي والدّيني، امتداداً
للالتزام في عصر ما قبل الإسلام، لأنّ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم جاء ليتمّم
مكارم الأخلاق، ولكن للأسف ظهرت النّزعة اللاأخلاقية في هذا الطّور، كما ظهرت في المجتمع
الجّاهليّ.
خلاصة القول: إنّ هذه الثّقافة تربية أدّت
إلى اكتساب العربي في عصر ما قبل الإسلام هذه القيم، فكانت أحكامهم صادقة، وعواطفهم
مهذبة، وقد توافرت الملائمة بين العربي والطّبيعة وبين المجتمع، وبينه وبين القيم الرّوحية
والإنسانية التي آمن بها وأصبحت عنده طبعاً وسجية، وقد آمن الشّعراء بهذه القيم وقدّسوها
والتزموا بها، وضربوا أروع الأمثلة في هذا المجال من أجل أنبل الأهداف وأسمى الغايات.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء