تقرير الفريق أول أحمد إسماعيل،
وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة، حول حرب أكتوبر
بسم الله الرحمن الرحيم،
السيد الرئيس محمد أنور السادات،
رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة،
باسم القوات المسلحة، باسم جنودها وضباطها
وقادتها، باسم الحق، باسم النصر، أتقدم إلى سيادتكم بخالص الشكر والتقدير على ما قدمه
هذا الشعب الخالد لقواته المسلحة، ومؤازرته لها في معركتها حتى حققت، بحمد الله، المهمة
التي كلفت بها.
لقد كلفتني، يا سيادة الرئيس، يوم أن عهدت
إلي بقيادة القوات المسلحة، أن أعمل على سرعة إعداد القوات المسلحة لمعركة مصيرية حتمية
لاستعادة أرضنا المغتصبة.
وقد عملت، منذ ذلك اليوم، تعاونني جميع
أجهزة وقيادات القوات المسلحة، لرفع كفاءة القوات واستعدادها القتالي وتدريبها وإعداد
خطط العمليات المقبلة، وكذلك إعداد مسرح العمليات. وكنتم معنا في كل خطوة نخطوها، متتبعاً
أعمالنا، وموجهاً ومرشداً، حتى أتى ذلك اليوم التاريخي، يوم الخامس من رمضان، الموافق
الأول من أكتوبر [تشرين الأول] سنة 1973، واجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاستكم،
واستمعتم فيه إلى تقارير متوالية من رؤساء الأجهزة وقادة القوات المسلحة عن تمام استعداد
قواتهم لتنفيذ مهمة العمليات كما خططت وصدرت إليهم. وإني لا أنسى كلمة سيادتكم في نهاية
اجتماع المجلس الأعلى، في تلك الجلسة التاريخية، ولعلي لا أذيع سراً إذا نقلت بالحرف
الواحد كلمات سيادتكم: "أحمد الله أننا، وصلنا لهذه اللحظة لنضع اللمسات الأخيرة
على العمل، ونقول للعالم أننا أحياء، ويسترد شعبنا ثقته في نفسه وفيكم، وأنا واثق أن
كل فرد في قواتنا المسلحة سيؤدي واجبه كاملا لإحساسه بمسؤولياته تجاه وطنه، وسأتحمل
معكم المسؤولية كاملة، تاريخياً، ومادياً، ومعنوياً ... * وفي نفس الوقت أثق ثقة كاملة
فيكم وأنكم ستتصرفون بكل ثقة واطمئنان وحرية."
كما أرجو أن أعيد على مسامع سيادتكم ما
سجلته شخصياً أمامكم وأمام المجلس الأعلى في تلك الجلسة، حيث أجبت على سيادتكم بالنص
الآتي: "باسم القادة، وباسم القوات المسلحة، نعاهدكم ونعاهد شعبنا أن نبذل أقصى
جهد يتحمله بشر لتحقيق النصر لبلدنا، ولتثقوا، سيادتكم، في أن كل القادة متفائلون وفي
مقدورهم تحقيق مهامهم. وإننا نشترك جميعاً معكم في المسؤولية، فجميعنا مسؤولون عن بلدنا
معكم."
ثم توالت الأحداث، ونحن نقترب من اليوم
الحاسم لبدء المعركة في صمت كامل وسرية تامة، حتى أتت اللحظة التاريخية في منتصف اليوم
السادس من أكتوبر [تشرين الأول] العظيم، وانطلقت القوات المسلحة لتعبر أضخم مانع مائي
وتجتاح أقوى خط دفاعي قابله جيش في عصرنا الحديث، وتتلاحم مع العدو، وتشتبك معه في
معركة حديثة قوية، استخدمت فيها جميع الأسلحة المتطورة، وتدمر العدو وتأسر أفراده وقادته،
وتحقق النصر تلو النصر. لا هدف أمامها سوى المهمة التي كلفت بها، ولا نور يهديها سوى
نور الإيمان بالله والوطن. لا تبخل على الأرض الطيبة بقطرات من دم زكية، ولا تبخل على
السماء بأرواح وأنفس راضية مطمئنة في سبيل مصر ونصرة الأمة العربية.
سيادة الرئيس،
اسمحوا لي أن أنوه، في هذه المناسبة، وأمام
تحالف قوى شعبنا العامل، بالجهود الضخمة التي قامت بها بعض أجهزة وقيادات القوات المسلحة،
والأعمال البطولية الخارقة التي قام بها بعض من أفرادها كنموذج فقط للعسكرية المصرية
الجديدة التي ظهرت بحق يوم السادس من أكتوبر [تشرين الأول] 1973. فلقد قامت هيئة عمليات
القوات المسلحة التي كان يرأسها اللواء محمد عبد الغني الجمسي، بالتخطيط والإعداد والتنسيق
في كافة المجالات قبل المعركة وأثناءها، في انسجام كامل وسيطرة تامة، حتى سارت المعركة
كما خطط لها. ولا ننسى جميعاً خطة الخداع والسرية التي نفذت بمهارة فائقة أذهلت العدو
وشلت تفكيره، وكانت أحد العناصر الرئيسية في النصر.
كما قامت القوات الجوية، بقيادة اللواء
محمد حسني مبارك، بأداء مهامها كأروع وأقوى ما يكون الأداء - وإني لا أنسى ما قدمه
طيارو مصر من تضحيات وجهد حتى بلغ عدد الطلعات اليومية لبعض الطيارين سبع طلعات في
اليوم الواحد، محطمين بذلك الرقم القياسي الذي وصل إليه أكفأ وأقوى الطيارين في جيوش
العالم. لقد كانوا بحق النسور الذين حموا أجواءنا، وقصفوا مواقع العدو في كل مكان،
في جبهة القتال وفي الأعماق البعيدة، فقضوا على أسطورة الطيران الإسرائيلي الذي طالما
تغنت به إسرائيل.
وفي تعاون رائع مع القوات الجوية، قامت
قوات الدفاع الجوي، بقيادة اللواء محمد علي فهمي، بحماية سماء مصر على جبهة القتال
وفي عمق الجمهورية، في كل لحظة من لحظات المعركة، بل قبل المعركة وحتى اليوم - ولم
يبال رجال الدفاع الجوي بالمحاولات اليائسة المتكررة التي قام بها العدو ليدمر جزءاً
من دفاعنا الجوي لينفذ منه إلى عمق البلاد. لقد تصدوا له في براعة وكفاءة وجرأة كاملة،
وتهاوت طائرات إسرائيل الواحدة تلو الأخرى، وتشهد أرضنا الحبيبة حطام هذه الطائرات
في كل مكان حاولت الإغارة عليه - ولا أنسى أبطال الدفاع الجوي الذين حموا سماء بورسعيد
في أقصى الشمال من الجبهة، حيث ركز العدو على مواقع الدفاع الجوي بها، وبقي موقع واحد
ظل يقاتل وحده ثلاثة أيام متوالية.
وكما شهدت سماؤنا نسور مصر، شهدت بحارنا
القوات البحرية، بقيادة الفريق وقتي فؤاد محمد ذكري، تحمي شواطئنا وتتعرض للقطع البحرية
المعادية وتخوض معها أعنف المعارك البحرية. كما قامت بمساندة الجيوش الميدانية في البحرين
المتوسط والأحمر، وسيطرت تماماً على مدخل خليج السويس وعلى باب المندب، فأبطلت حجة
إسرائيل إلى الأبد في أن احتلالها شرم الشيخ يضمن ويؤمن لها استمرار الملاحة إلى ميناء
إيلات.
أما عن القوات البرية، فمهما حاولت أن أوفيها
حقها فلن أنصفها. فلو نظرنا إلى الجيش الثاني الميداني الذي يتولى قيادته حالياً اللواء
فؤاد عزيز غالي، واستعرضنا في اختصار تام كيف اقتحم القناة على مواجهة تربو على التسعين
كيلومتراً، في وقت واحد وبنظام وسيطرة رائعة أذهلت العدو والعالم. ويكفي هذا الجيش
فخرا أنه في خمس ساعات كان له في شرق القناة ما يزيد عن 50.000 مقاتل - هذا الجيش الذي
دمر وقتل وأسر من العدو ما لم تكن تتخيله إسرائيل، والذي أفنى، بإحدى فرقه، لواء مدرعاً
كاملا واستسلم قائده مشيداً بكفاءة الجندي المصري وقدرة القيادة المصرية. كما يسجل
لهذا الجيش وللفرقة المشاة الثامنة عشرة، أنها محررة القنطرة شرق، ومعيدة علم مصر الغالي
يرفرف فوق ربوعها عالياً خفاقاً.
أما عن الجيش الثالث وقائده الحالي اللواء
أحمد بدوي سيد أحمد، فكلكم أعلم وأدرى بالمواقف البطولية لهذا الجيش ولبعض قواته التي
تواجدت شرق القناة، والتي كانت يومها تحت قيادته التي ادعت إسرائيل أنها كانت تحاصر
قواته وتشل فعاليتها، ولكنها كانت في الواقع رمزاً للصمود، رمزاً للتصميم والعزم، رمزاً
لعناد المصري وإصراره.
أما عن القوات الخاصة، رمز الانتحارية والفداء،
فلا بد أن أشهد بأعمال قوات الصاعقة بقيادة العميد نبيل شكري مصطفى، تلك القوات التي
اندفعت منذ الساعات الأولى للمعركة لتهبط خلف خطوط العدو، وتربك قياداته، وتدمر مراكز
سيطرته، وتشيع الذعر والارتباك في صفوفه، وتحقق أكبر العون لباقي أفرع القوات
المسلحة. ولا أنسى فرحة القيادة العامة
للقوات المسلحة، حين عاد أبناؤها من رجال الصاعقة سالمين، منفذين لمهامهم، بعد أن قضوا
وحدهم في أعماق سيناء ما يزيد عن الشهرين، ولم ينل منهم العدو.
ورجال الأبرار الجوي بقيادة العميد أ. ح.
محمود حسن، عبد الله، هم أشقاء رجال الصاعقة - هؤلاء الرجال الهابطون من السماء خلف
خطوط العدو، لم يتركوا فرصة واحدة للتضحية والفداء وتأدية الواجب وتنفيذ المهام إلا
أقبلوا عليها متطوعين مندفعين، فقاموا بمهامهم، وحاربوا في الأرض جنباً إلى جنب مع
باقي القوات البرية في تعاون وتنسيق تام.
السيد رئيس الجمهورية،
أردت أن أعرض عليكم بعض النماذج مما قدمته
بعض أجهزة وأفرع القوات المسلحة في معركتنا الخالدة. ويجدر بي أن أقدم الشكر إلى هيئات
وإدارات القيادة العامة للقوات المسلحة وباقي قواتها العسكرية المقاتلة في المناطق
العسكرية المختلفة، وكذلك قوات الدفاع الشعبي والعسكري.
لقد قدم جميع أفراد القوات المسلحة، كل
في موقعه، أقصى ما يملك من جهد وعرق ودم، وهذا هو واجبهم، وهذا ما أقسموا عليه وعاهدوكم
به.
كما أبعث من هذا المكان، باسم القوات المسلحة
المصرية، بتحية الأخوة والتقدير إلى القوات المسلحة السورية، بقيادة الرئيس البطل حافظ
الأسد، الذين ساروا معنا على الدرب خطوة بخطوة في الإعداد والتخطيط، والذين انطلقوا
معنا في لحظة واحدة لنخوض معركة مشتركة واحدة، إيماناً بوحدة القضية، ووحدة الهدف،
ووحدة النضال. ولقد بذلت القوات المسلحة السورية، بحق، كل التضحية والفداء، وقاتلت
بشرف وبعزم وتصميم سيسجله لها التاريخ وستذكره لها أمتنا العربية جمعاء، فلها منا التحية
ولها منا التقدير.
كما أبعث أيضاً، من هنا، تحية شكر وتقدير
لجميع أفراد القوات العربية المسلحة الباسلة التي شاركتنا معركتنا جنباً إلى جنب، وأثبتت
بحق أن الوحدة العربية قائمة، وأن عدونا واحد، ونضالنا واحد، والهدف واحد، والطريق
واحد.
وفي ختام كلمتي، وباسم كل فرد في القوات
المسلحة، نعاهد الله والوطن ونعاهدكم، يا سيادة الرئيس، ونعاهد الشعب العظيم، أننا
على الدرب سائرون وبسلاحنا ساهرون، لا نتوقف لحظة عن الإعداد والاستعداد حتى تتحرر
الأرض العربية كلها، ويسترد الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وترتفع أعلام النصر في
كل شبر من أرضنا العزيزة تحت قيادتكم وبتوجيهكم وبتأييد من الشعب وبعون الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء