pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


صور من العفة وسمو النفس في شعر عنترة بن شداد

صور من العفة وسمو النفس في شعر عنترة بن شداد
كان عنترة بن شداد العبسي: من أشهر فرسان العرب في الجاهلية، فضلا عن أنه كان من أهم شعرائها، فهو من شعراء الطبقة الأولى، وهو واحد من أصحاب المعلقات التي بقيت في التاريخ، وتوارثتها الأجيال حتى يومنا هذا.
ولم يكتسب عنترة هذه المنزلة الشعرية والسيرة الحميدة في قوة الأخلاق وسمو النفس من فراغ: فأشعاره تعج بالقيم الأخلاقية الحميدة، التي تدعو لمجاهدة النفس ومخالفة الهوى.
وتعرف المعلّقات ـ التي يعد عنترة أبرز شعرائها ـ: بأنها القصائد الطويلة التي كتبها شعراء العصر الجاهلي، وقد سميت بالمعلقات للعديد من الأسباب، منها: أنها كانت تعلّق على ستار الكعبة؛ وذلك لأهميتها، ومنهم من قال: إنّ سبب التسمية هو أنّ المعلّقات كانت تعلّق في نفوس الناس وعقولهم.
ويعد عنترة أبرز شعراء هذه المعلقات، وأكثرهم تناولا في الإبداعات الأدبية والروائية، لثراء شخصيته، وسعة تجربته، واحتوائها على الكثير من التفاصيل الإنسانية.
بالإضافة إلى سماته النفسية والجمسية، فهو من أحسن العرب شيمة، ومن أعزهم نفسا، ويوصف بالحلم رغم قدرته وشدة بطشه، وفي شعره رقة وعذوبة.
هذه السمات كانت مغرية للكتاب والمبدعين والباحثين العرب وحتى للمستشرقين، ولثراء شخصية عنترة دخلت عليها الأخيلة(جمع خيال) والإضافات التي نقلته لقراء الآداب الغربية، فترجمت قصته وحياتة الإبداعية والشخصية إلى الألمانية والفرنسية.
 وللمستشرق الألماني "توربكي" كتاب عن "عنترة" طبع في هيدلبرج سنة 1868م، وللأديب المصري محمد فريد أبي حديد رواية بعنوان: "أبو الفوارس عنتر بن شداد". وللكاتب فؤاد البستاني كتاب بعنوان: "عنتر بن شداد"، فضلا عن الحضور الدائم لشخصية عنترة وإبداعة في الأعمال الإبداعية الكثيرة للشباب العرب المعاصرين.
ولعل المعاناة والظروف القاسية التي نشأ فيها عنترة، وقوة شعره وإنسانيته، وفروسيته الطاغية، كانت وراء ذيوع صيته وشهرته عبر الأزمان، فقد وُلد عنترة لأب عربيّ، وأمّ حبشيّة، فجاء مختلفاً عن بقية أقرانه، في ضخامة خلقته وعبوس وجهه وشَعره المفلفل، وطول قامته، وقد ذاق عنترة مرارة الحرمان، وشظف العيش والمهانة؛ لأن أباه لم يلحقه بنسبه في بادئ الأمر.
ويصف عنترة أمه السوادء مفتخرا بها قائلا في قصيدة له:
وأَنا ابْنُ سوْداءِ الجبين كأَنَّها      
ضَبُعٌ تَرعْرَع في رُسومِ المنْزل
الساق منها مثلُ ساق نعامة      
والشَّعرُ منها مثْلُ حَبِّ الفُلْفُل
والثغر من تحتِ اللثام كأنه         
برْقٌ تلأْلأْ في الظّلامَ المُسدَل
ويفخر بنفسه وبسواده الذي يشيبه أمه قائلا، ويدعو لمكارم الأخلاق، وأن يختار المرء لنفسه المنزل الذي يسمو بنفسه ويبعده عن الازدراء، معتبرا أن الموت في عزة: خير من أن يبت الشاب أسير رغبة، أو يفكر في فتاة بطريق غير طريق الزواج، الذي تعارف عليه الناس، معتبرا أن ذلك جرحا لمرؤءته وكرامته.
ويذكر في لاميته: أنه وإن كان في عدد العبيد، الذين قد يظن بعض قصار النظر أنهم بلا عاطفة أو رغبات، فإنه يمتلك سموا وهمة ترفع إلى الثريا وهي نجوم السماء، والسماك الأعزل هو نجم كبير يقارب القمر، وهذه الصورة الجمالية كناية عن الارتفاع والسمو النفسي الذي لا يبلغه غير عنترة! فيقول:
واختَرْ لِنَفْسِكَ منْزلاً تعْلو به        
أَوْ مُتْ كريماً تَحْتَ ظلِّ القَسْطَل
فالموتُ لا يُنْجيكَ منْ آفاتِهِ
حصنٌ ولو شيدتهُ بالجندل
موتُ الفتى في عزهِ خيرٌ له        
منْ أنْ يبيتَ أسير طرفٍ أكحل
إنْ كُنْتُ في عددِ العبيدِ فَهمَّتي     
فوق الثريا والسماكِ الأعزل
ويقول في موضع آخر:
           سموت إلى العلا وعلوت حتى              رأيت النجم تحتي وهو يجرى
إنها النفس الكبيرة التي تقدر لصاحبها قدره، وقد كان عنترة كذلك، فقد كان رغم اعتداده الشديد بنفسه، يحب مخالطة الناس والتواضع لهم، فها هو يقول:
أثنى على بما علمت فإنني
سمح مخالطتي إذا لم أظلم
فإذا ظلمت فان ظلمي باسل     
مر مذاقته كطعم العلقم
فإذا شربت فإنني مستهلك   
مالي وعرضي وافر لم يكلم
وكان عنترة كما تصفه المصادر الأدبية: عفا كريم النفس، فكان إذا استبى إحدى الحرائر، دفع اليها مهرها وتزوجها، وأبى أن يسترقها كما يفعل غيره؛ كما أنه لم يغتصب امرأة قسرا، بل إنه ليتزوج المرأة برضا وليها، وفي ذلك يقول:
   ما اسْتَمْتُ أُنثى نفسَها في موْطنٍ       حتى أُوَفّي مَهرها مَوْلاها
وكان يحرص على غض بصره، ولا ينظر إلى ما لا يحل له، إن لم يكن ديانة، باعتباره أحد رجال الجاهلية، فمرؤءة وصيانة للنفس وتكريما لها، فيقول:
وأَغُضُّ طرفي ما بدَتْ لي جارَتي حتى يُواري جارتي مأْواها
  
إني امرؤٌ سَمْحُ الخليقة ماجدٌ     
لا أتبعُ النفسَ اللَّجوجَ هواها
كان عنترة بن شداد: أحد الشعراء الذي أتاحت سيرتهم الشخصية والشعرية مجالا وسعا للمبدعين العرب، على مر العصور، باعتباره أحد رموز الفروسية الأخلاقية، ولشدة تأثر الناس بشعره الذي يحض على الفضيلة ومكارم الأخلاق، فإن البعض قال: إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكره وأثنى عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: "لم أسمع وصف عربي أحببتُ أن أقابله أكثر من عنترة".

لكن العلماء قالوا: إن هذا الحديث لم يرد في كتب السنة والآثار، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يذكر عنترة بن شداد العبسي (المتوفى سنة 22 قبل الهجرة) في حديث واحد، ولا يجوز نسبته إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولا يجوز التحديث به إلا على وجه الرد والتضعيف.
شكرا لتعليقك