المهندسون العسكريون
المصريون
ويقول كل من اللواء : حسن البدرى ، وطه
المجدوب و عميد أركان حرب ضياء الدين زهدى فى كتابهم حرب رمضان ( ففى الساعة 1420 من
السادس من اكتوبر عبرت الموجة الأولى من القوات المهاجمة قناة السويس ومعها عناصر من
المهندسين العسكريين لتأمين مرور المترجلين فى حقول الألغام المعادية ، ثم عادت القوارب
لتنقل الموجات التالية
وجدير بالذكر أنه خلال ساعتين من انطلاق
الشرارة الأولى كان حجم قوات المهندسين العسكريين التى عبرت القناة ، والتى راحت تعمل
فوق سطح الساتر الترابى وفوق صفحة القناة قد تجاوز الخمسة عشر ألف مقاتل من المهندسيين
العسكريين من مختلف التخصصات
وفى الموجة الثانية عبرت ثمانون وحدة هندسية
فى قواربهم الخشبية بالأفراد والمضخات والخراطيم وخلافها من مهمات فتح الممرات فى الساتر
الترابى
وبعد ساعات قليلة بدأت البلاغات تتوالى
عن انتهاء المضخات من ازالة الساتر التراب ، وبدأت عملية تثبيت أرضيات الممرات التى
تحولت إلى وحل لأعماق كبيرة تجاوزت المتر فى بعض المناطق . وقد استخدمت فى تنفيذ هذه
المهمة مواد مختلفة طبقا لطبيعة التربة من أخشاب وقضبان وحجارة وشكاير مملوءة بالرمل
وألواح من الصلب وشباك معدنية وغير ذلك من المواد ...... وكانت عملية التثبيت ضرورية
حتى تتمكن آلات الجرف من الخروج من المعديات إلى الممرات لتقوم بازاحة الطبقة الموحلة
من الأرض وتصل إلى القشرة الجافة التى يمكن للدبابات والمركبات أن تسير عليها دون تعثر
رغم محاولات العدو منع انشاء وتشغيل الكبارى
والمعديات ومنع فتح الممرات فى الساتر الترابى ، بالقصف المستمر من الأرض والجو على
مناطق تمركز وحدات العبور وطرق تحركها ومناطق الإسقاط والممرات فقد اكتمل العمل العظيم
واتم المهندسون انشاء الكبارى والمعديات فى الجيش الثانى فى فترة من ست إلى تسع ساعات
مثلما كان مخططا تماما
أما فى قطاع الجيش الثالث فقد اصطدمت عملية
فتح الممرات فى الساتر الترابى بجميع العوامل المعوقة من .... قصف مركز من طائرات ومدفعية
العدو ..... صلابة تربة الساتر الترابى .... تغيرات مناسيب مياه القناة بفعل المد والجزر
... حقيقة أن معظم هذه العوامل المعوقة كانت متوقعة إلا أن تكاتفها جميعا فى نفس الوقت
ادى إلى إنشاء الكبارى فى نطاق الجيش الثالث فى نحو ست عشرة ساعة بخسارة زمنية قدرها
سبع ساعات عن التخطيط الموضوع
جدير بالذكر أن معظم الكبارى أصيب واعيد
أصلاحها اكثر من خمس مرات)ـ كتاب حرب رمضان
يقول لواء محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة
العمليات بحرب أكتوبر 1973 فى مذكراته ( كان رجال المهندسين يعملون تحت تهديد نيران
العدو ، بينما وجوههم واجسامهم مغطاة بالطين ، والمضخات التى سميت مدافع المياه فى
أيديهم يشقون الساتر الترابى . لقد أستخدموا 350 مضخة مياه فى مواجهة الجيشين ( الثانى
والثالث ) للقيام بهذا العمل ، وكلما سقط شهيد او جريح منهم حل محله مقاتل آخر فورا
واستمر العمل
تمكن هؤلاء الرجال من فتح اكثر من ثلاثين
ممرا خلال عدة ساعات منذ بدء القتال ، يتهايل من كل ممر ـ فتحة ـ 1500 متر مكعب من
الرمال ، واستمروا فى عملهم حتى فتحوا باقى الممرات المطلوبة وعندما وصل عدد الممرات
التى تم إنجاز العمل فيها إلى ستين ممرا ، كان المهندسون قد قاموا بتجريف 90 ألف متر
مكعب من الرمال
وبدأ رجال المهندسين فى إنشاء الكبارى فى
المواقع المحددة لها على القناة وكما كان النجاح فى فتح الممرات فى الساتر الترابى
أمرا ضروريا لتشغيل المعديات وإنشاء الكبارى ، فقد كان إنشاء الكبارى امرا محتما لنجاح
العملية الهجومية ومن هنا عمل وحدا ت المهندسين سواء لفتح الممرات إو إنشاء الكبارى
من أهم وأخطر مراحل الاقتحام والهجوم
لم يقتصر الامر على إنشاء الكبارى الثقيلة
بل أقام المهندسون طبقا للخطة عددا مماثلا من الكبارى الخفيفة لعبور العربات الخفيفة
عليها وفى نفس الوقت تجذب نيران مدفعية العدو وقنابل وصواريخ طائراته بعيدا عن الكبارى
الثقيلة ..... نجح رجال المهندسين فى إنشاء أول كوبرى ثقيل فى حوالى الساعة الثامنة
والنصف مساء أى بعد حوالى ست ساعات من بدء الاقتحام . وفى حوالى الساعة العاشرة والنصف
أى بعد ثمانى ساعات من بدء الاقتحام كان المهندسون قد اتمموا انشاء ثمانية كبارى ثقيلة
وأربعة كبارى خفيفة ، كما قاموا ببناء وتشغيل ثلاثين معدية وأصبحت قواتنا تتدفق عليها
شرقا ، بينما تعمل وحدات إنشاء الكبارى باقصى طاقتها ، إلى ان أصبح لدينا فيما بعد
عشرة كبارى ثقيلة وعشرة كبارى خفيفة وكان إنجازا عظيما لوحدات المهندسين يوم 6 أكتوبر
بعد أن حققوا حتى الساعة العاشرة والنصف مساء :ـ
ـ فتح 60 فتحة ( ممر ) فى الساتر الترابى
ـ إتمام انشاء 8 كبارى ثقيلة
ـ اتمام بناء 4 كبارى خفيفة
ـ بناء وتشغيل 30 معدية) ـ مذكرات الجمسى
ويقول المؤرخ العسكرى المصرى جمال حماد
فى كتابه المعارك الحربية على الجبهة المصرية : ـ إن العبور العظيم الذى تم فى يوم
6 اكتوبر عام 1973 والذى عبر به العرب من مذلة الهزيمة إلى قمة النصر كان فى مرحلته
الأولى عملية مهندسين بحتة ، ولولا فتح الثغرات فى الساتر الترابى على الضفة الشرقية
وتركيب الكبارى الثقيلة والخفيفة لعبور المدرعات والمركبات ، وإقامة كبارى الاقتحام
لعبور المشاة وتجهيز وتشغيل المعديات لنقل الدبابات والأسلحة الثقيلة وتشغيل آلاف القوارب
التى حملت الألوف من أفراد المشاة إلى الشاطىء الشرقى للقناة لولا كل هذه المهام التى
قام بها المهندسون فى وقت واحد تقريبا وتحت سيل منهمر من نيران وقذائف وصورايخ العدو
من البر والجو لما أمكن لملحمة العبور أن تتم ، ولما تيسر اقتحام قناة السويس أصعب
مانع مائى فى العالم خلال ساعات معدودة وعلى طول القناة بقوة خمس فرق مشاة تتكون من
80 ألف جندى بكامل معداتهم وأسلحتهم ومركباتهم فى 12 موجة متتالية ، مستخدمين المعابر
والتجهيزات التى أعدها المهندسون لهم لعبور القناة ، ولتعزيز مواقعهم على الشاطىء الشرقى
لها فور وصولهم ، وكان الذين هيئوا للقوات المصرية فرصة إحراز ذلك النصر العظيم هم
ضباط وجنود 35 كتيبة مهندسين من مختلف التخصصات قاموا بعمل خارق كان أشبه بالمعجزات
وقد ظل المهندسون العسكريون المصريون اكثر
من خمس سنوات يبذلون جهودهم الجبارة ومحاولاتهم المتواصلة لإيجاد الحلول السليمة لمشاكل
العبور الصعبة ، وقبل حلول 6 اكتوبر 1973 كانت جميع المشاكل قد حلت ، وجميع المصاعب
قد ذللت وكانت أهم هذا المشكلات واعقدها ما يلى : ـ
فتح الثغرات فى الساتر الترابى
إنشاء المعديات والكبارى
تجهيزات إشعال القناة بالنابالم
تجهيزات إشعال القناة بالنابالم
فى خلال شهر يوينو 71 أى بعد ثلاثة أشهر
فقط من إجراء التجربة الإسرائيلية فى حصن الدفرسوار لإشعال مياة القناة أجرى المهندسون
المصريون عدة تجارب للاهتداء إلى الطريقة العملية لمقاومة النيران المشتعلة ، وذلك
فى المكان المحدد لاجراء التجارب فى فرع دمياط ، وقد استخدمت طريقة مقاومة جزر النيران
المشتعلة فى المياه بضربها بسعف النخيل لتقسيمها إلى عدة جزر صغيرة ، وتتكرر العملية
عدة مرات حتى يتلاشى اللهب من القناة ، وعندما اتضح فشل هذا الأسلوب تقدم أحد المهندسين
باقتراح جديد وهو استبدال القوارب التى تقترب من النيران والقابلة للاشتعال بمركبات
برمائية ، وأن يستبدل سعف النخيل بمواد كيمائية يمكن إطفاء الحريق
ولكن هذا الأسلوب لم توافق عليه القيادة
العامة وكان الحل الذى وافق عليه الفريق أول احمد إسماعيل القائد العام للقوات المسلحة
هو ضرورة إغلاق فتحات الخراطيم التى تصب السائل الملتهب فى القناة قبل بدء العمليات
سدا محكما ، وضرب الخزانات المليئة بالنابلم خلف الساتر الترابى بنيران المدفعية أثناء
فترة تحضيرات المدفعية .... وقد استمرت الجيوش الميدانية المصرية نحو عامين فى مراقبة
هذا النظام الإشعالى بدقة وانتظام ، ودفعت لهذا الغرض عشرات من دوريات الاستطلاع إلى
الشاطىء الشرقى للقناة
ووفقا للمراجع الإسرائيلية وتقارير المخابرات
المصرية لم يكن قد انشىء من هذه التجهيزات سوى مجموعتين فقط فى حصون بارليف إحداهما
فى النقطة القوية التى اسمها الكودى هيزايون فى منطقة الفردان والثانية فى النقطة القوية
التى اسمها الكودى متسميد فى منطقة الدفرسوار
وعندما بدأت المعركة وفوجىء الإسرائيليين
بالهجوم المصرى إلى الحد الذى جعل احد المهندسيين الإسرائيليين شيمون تال الذى ارسل
لإصلاح تجهيزات إشعال اللهب فى القناة يفاجأ بقصف المدفعية ثم برجال الصاعقة المصريين
يقفون فوق راسه حيث وقع فى الآسر
إنشاء المعديات والكبارى
لم يكن لدى سلاح المهندسين عقب حرب يونيو
1967 سوى عدد محدود من الكبارى السوفيتية الصنع وهى الكبارى الثقيلة من طراز تى بى
بى لعبور الدبابات وجرارات المدافع والصورايخ والكبارى الخفيفة ال بى بى لعبور المركبات
الخفيفة الحركة ، وكانت هذه الكبارى بنوعيها من الطراز القديم الذى سبق استخدامه فى
الحرب العالمية الثانية والتى يستغرق تركيبها ما لا يقل عن خمس ساعات ، ولم يحاول السوفيت
إمداد سلاح المهندسين بالكبارى البرمائية الحديثة التى لا يستغرق تركيبها أكثر من ساعة
ونصف الساعة ولم تكن كمية الكبارى التى فى حوزة سلاح المهندسين تزيد على نصف الكمية
اللازمة لعبور الجيشين الثانى والثالث
ولكن مخازنه كانت تضم عددا من الكبارى الإنجليزية
الصنع من طراز بيلى سبق الاستيلاء عليها من مخازن القاعدة البريطانية بقناة السويس
عقب العدوان الثلاثى عام 1956 ونظر لأنها كانت مصممة للاستخدام فى الخطوط الخلفية وكان
تركيب الكوبرى الواحد منها يستغرق 24 ساعة لذلك لم يكن فى الإمكان من الناحية التكتيكية
استخدامها فى عملية عبور القناة
وعلى أثر دراسات تمت على أعلى مستوى من
الفكر الهندسى أمكن تحويل كبارى البيلى الإنجليزية الثقيلة إلى كبارى اقتحام لا يستغرق
تركيبها أكثر من بضع ساعات ..... ونتيجة لذلك أصبحت الكبارى التى يمتلكها سلاح المهندسين
يتكون ثلثها من طراز سوفيتى الصنع ، وثلثها من طراز إنجليزى الصنع ، فى حين كان الثلث
الآخر صناعة مصرية خالصة
وكانت المعديات مصممة للانتقال ما بين الشاطئين
عن طريق جرها باللنشات .. وكانت المعديات مخصصة كى تستخدم فى نقل الدبابات والأسلحة
الثقيلة ذات الأسبقية الأولى إلى الشاطىء الشرقى للقناة بعد اتمام فتح الثغرات فى الساتر
الترابى وقبل ساعتين من موعد البدء فى تشغيل الكبارى ، وبعد اتمام تشغيل الكبارى كانت
المعديات مصممة كوسيلة معاونة تبادلية لها
ما هو الموقف على الجبهة المصرية
يوم 28 أكتوبر أخر يوم للحرب ؟
أصدرت القيادة العامة بيانا عسكريا يلخص
الموقف العسكرى صباح يوم 24 أكتوبر 1973 واوضحنا فيه:ـ
ـ أن قواتنا فى سيناء تحتل الشاطىء الشرقى
لقناة السويس من بور فؤاد شمالا بطول 200 كيلومتر وبعمق يتراوح ما بين 12 إلى 17 كيلومتر
على طول الجبهة بما فيها مدينة القنطرة شرق ، عدا ثغرة صغيرة من الدفرسوار شمالا بطول
سبعة كيلومتر ملاصقة للبحيرات المرة وتبلغ المساحة التى تسيطر عليها قواتنا شرق القناة
( سيناء ) 3000 كيلو متر مربع
لا توجد قوات للعدو إطلاقا فى أى مدينة
من مدن القناة الرئيسية السويس ، الإسماعيلية ، بورسعيد
ـ توجد بعض وحدات للعدو منتشرة ومتداخلة
بين قواتنا فى بعض الأجزاء غرب القناة وقد حاول العدو صباح اليوم 24 أكتوبر قطع الطرق
المؤدية إلى مدينة السويس ولكن قواتنا تمنعه من تنفيذ أهدافه
التموين إلى جميع قواتنا شرق القناة مستمر
بصورة منتظمة ولم يتوقف لحظة واحدة ـ البيان من مذكرات رئيس هيئة عمليات حرب أكتوبر
1973 لواء محمد عبد الغنى الجمسى
هذا وقد استمر هذا الموقف حتى نهاية الحرب
حيث فشلت القوات الإسرائيلية فى دخول مدينة السويس واصبح يوم 24 أكتوبر عيدا قوميا
لمدينة السويس بعد ذلك ، ولكن العدو قام بقطع طريق مصر السويس وعندها توقفت الحرب بقدوم
قوات الطوارىء الدولية يوم 28 أكتوبر 1973.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء