pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


كتاب البلاغة السهلة 12 الكناية

 من دروس علم البيان :

ثالثا  : الـكـنــايـة

الكنايه :      

هي لغة مصدر لفعل كنيت تقول كنيت بكذا عن كذا تكلمت بما يستدل عليه أو تكلمت بشيء وأردت غيره

والكناية في البلاغة لفظ أطلق وأريد به لازم معناه مع جواز إيراد المعنى الأصلي أو هي جملة لها معنيان قريب غير مقصود وبعيد هو المقصود

الكناية : تعبير يقال ويراد لازم معناه مع جواز إرادة المعنى الأصلي بمعنى لو قلنا " مصر كثيرة الأسلحة " فما نقصده هو ما يلزم عن ذلك القول من أن مصر قوية مع جواز أن نقصد كثرة الأسلحة بالفعل وعندما نقول : فلان بيته مفتوح دائما فنحن نريد أن نقول انه يتصف بصفة الكرم مع جواز إرادة المعنى الأصلى وهو أن البيت مفتوح لسبب أخر مثل عدم وجود الباب مثلا

مثال آخر: قال تعالى (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ)

لو تأملنا الآية السابقة نجد أن المقصود من هذه الآية ليس المعنى الحقيقي وهو عض اليدين، وإنما يقصد: (الندم الشديد) حيث أن من ظلم نفسه بكفره بالله ورسوله ولم يستجب لدعوة الإيمان يرى مصيره المرعب يوم القيامة فيندم على ما كان منه في الحياة في وقت لا ينفع فيه الندم ، فيعض على يديه

 وللكناية أنواع ثلاثة :-

·          كناية عن صفة         

·          كناية عن موصوف                                

·         -  كناية عن نسبة

        كتاب البلاغة السهلة                                                                 للأستاذ / عبدالرحمن معوض

أولا  -  الكناية عن صفة :

هى التي يكنى فيها عن صفة لازمة لمعناه (كالكرم  -  العزة  -  القوة  -  الكثرة ...)

مثال : قال تعالى (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ)            مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ  كناية عن صفة البخل تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ كناية عن صفة التبذير

فلان ألقى سلاحه   (كناية عن صفة  الاستسلام) .

مثل قول  الخنساءِ

                طويلُ النِّجادِ رَفِيعُ العِمَادِ            كثيرُ الرَّمَادِ إذا مَا شَتَا

قَد وَرَدَ فِي بيتِ الخَنْسَاءِ ثلاثَةُ أوصَافٍ لصَخْرَ هي: طويلُ النِّجادِ, ويَعنِي فِي الأصلِ أنَّ مَحمِلَ سيفِهِ طويلٌ،فهى كناية عن صفة الطول  ورَفِيعُ العِمَادِ, ويَعنِي فِي الأصَلِ أنَّ عَمودَ بَيتِهِ مرتَفِعٌ،كناية عن صفة  ارتفاع المنزلة  وكثيرُ الرَّمَادِ, ويَعنِي فِي الأصلِ أنَّ مُخَلَّفَاتِ نارِهِ كثيرةٌ.كناية عن صفة الكرم

- للبارودي وهو يتحدث عن الخديوي إسماعيل :

يَوَدُّ الفتَى أنْ يجمعَ الأرضَ كُلَّها إليه      ولمَّا يَدْرِ ما اللهُ صانِعُ

البيت صفة الطمع  والفتى كناية عن موصوف وهو الخديوي إسماعيل

مثل قول الشاعر :

بيض المطابخ لا تشكو ماؤهم     طبخ القدور ولا غسل المناديل

كنية عن صفة البخل .

مثال . قول الخنساء :

طويل النجاد رفيع العماد     ساد عشيرته أمــــرادا

أرادت الخنساء أن تصف أخاها بالشجاعة والكرم والنبوغ المبكر فعدلت عن تصريح هذه الصفات

إلى الكناية عنها .

 ( أ ) طويل النجاد : لأن طول حمالة السيف ( النجاد ) يستلزم طول صاحبه ،ويلزم من طول الجسم قوة صاحبه .

( ب) رفيع العماد : العماد هو العمود الخشبي الذي يحمل الخيمة وكلما كان طويلاً دل على عظمة مكانة صاحبه

(ج) أمردا : أي لم تنبت لحيته بعد ، وهذا دليل على زعامته لقومه مبكراً

مثل قول الشاعر في فضل كلية دار العلوم للغة العربية بجامعة القاهرة :

قال الشاعر:

وما يك فيّ من عيب فإني جبان           الكلب مهزوم الفصيل

فهنا كنايتان كلاهما عن الكرم، الأولى : جبان الكلب والمقصود أن الكلب إذا تعود كثرة الضيفان فإنه يترك النباح وبهذا نستدل على أن المراد ليس الصفة المذكورة بل المقصود الكرم، والثانية : مهزول الفصيل والمقصود أنه من كثرة الضيفان وما يشربون من اللبن أو ما يتسببون به من ذبح لأم الفصيل لإطعامهم يحصل بذلك هزال وضعف للفصيل.

قال المتنبي :

فمساهم وبسطهم حرير               وصبحهم وبسطهم تراب

فا بعيدة مهوى القرط إما لنوفل         أبوها وإما عبد شمس وهاشم

فالكناية هنا في البيت الثانى، هي  بعيدة مهوى القرط ، ومهوى القرط المسافة من شحمة الأذن إلى الكتف. فابن أبي ربيعة يصف صاحبته بأنها بعيدة مهوى القرط، وهو بهذه الصفة يريد أن يدل على أن هندا صاحبته  طويلة الجيد . ولهذا عدل عن التصريح بهذه الصفة إلى الكناية عنها، لأن بعد المسافة بين شحمة الأذن والكتف يستلزم طول الجيد.

لشطر الأول : كناية عن العز وهي كناية عن صفة، والشطر الثاني كناية عن الذل والفقر وهي كناية عن صفة أيضاً وإليك عدداً من الكنايات:

 

ثانيا  الكناية عن موصوف : وهى التي يكنى فيها عن ذات أو موصوف (العرب  -  اللغة  -  السفينة) وهى تفهم من العمل أو الصفة أو اللقب الذي انفرد به الموصوف .

*مثال :(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ )

 كناية عن سيدنا يونس .وهو موصوف  

*قال الشاعر :

يا ابنة اليم ما أبوك بخيل              ماله مولعا بمنع وحبس

  كناية عن السفينة  وهى موصوف  

  يقولُ الشَّاعرُ:

الضاربين بِكُلِ أَبيضَ مِخْذَمٍ         وَالطاعِنين مَجامِعَ الأَضغان

أرادَ الشَّاعرُ أنْ يَصِفَ ممدوحِيهِ بأنَّهم يطعنونَ القلوبَ وقتَ الحَربِ, فانصَرَفَ عَنِ التَّعبِيرِ بالقلوبِ إِلَى مَا هُوَ أملحُ وأوقَعُ فِي النَّفسِ وهُوَ "مجامعُ الأضغانِ", لأنَّ القلوبَ تُفهمُ مِنهُ, إذ هِيَ مُجتَمَعُ الحِقْدِ والبُغْضِ والحَسَدِ وغيرِهَا. ولَا يَخفَى أنَّ مَا أرادَ الشَّاعِرُ أنْ يَكْنِيَ عَنهُ لَيسَ صِفَةً, لأنَّه صَرَّحَ بِتِلكَ الصِّفَةِ فِي كَلَامِهِ, وإنَّما أرَادَ المَعنَى البَعيدَ, فذَكَرَ صِفَةً مُختَصَّةً كانًتْ كِنَايَةً عَنِ المَوصُوفِ

وقال آخر في فضل دار العلوم في إحياء لغة العرب :

           وجدت فيك بنت عدنان داراً            ذكـريها بداوة الأعــراب.

 : وقال أبو نواس في وصف الخمر

 قفى    فلما شربناها ودب دبيبها       إلى موطن الأسرار قلت لها

مخافة أن يسطو علي شعاعها      فيطلع ندماني على سري الخفي

فالكناية في البيت الأول وهي موطن الأسرار كناية عن موصوف وهو القلب      

   وقال شاعر في رثاء من مات بعلة في صدره

ودبت له في موطن الحلم علة       لها كالصلال الرقش شر دبيب              

فالكناية هنا فى لفظ موطن الحلم  وهو الصدر كناية عن موصوف

كقول شوقي:

ولي بين الضلوع دم ولحم        هما الواهي الذي ثكل الشباب

-----------------------------------------------------------------------------

        كتاب البلاغة السهلة                                                                 للأستاذ / عبدالرحمن معوض

فقوله (بين الضلوع دم ولحم) كناية عن موصوف وهو ( القلب) ولعلك تلحظ أن الموصوف لم يذكر وإنما ذكرت الصفة الدالة عليه وهي الدم واللحم والنسبة وهي كونه بين الضلوع.

وجدت فيك بنت عدنان       داراً ذكرتها بداوة الأعراب

بنت عدنان : كناية عن موصوف وهي اللغة العربية .

ثالثا  الكناية عن نسبة : وهى التي يصرح فيها بالصفة ولكنها تنسب إلى شئ متصل بالموصوف (كنسبته إلى الفصاحة  -  البلاغة  -  الخير) حيث نأتي فيها بصفة لا تنسب إلى الموصوف مباشرة بل تنسب إلى شيء متصل به ويعود عليه .

ويراد بها إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه، أو بعبارة أخرى يطلب بها تخصيص الصفة بالموصوف
  ومن أمثلة ذلك قول زياد الأعجم في مدح ابن الحشرج
        إن السماحة والمروءة والندى         في قبة ضربت على ابن الحشرج 
فزياد بهذا البيت أراد، كما لا يخفى، أن يثبت هذه المعاني والأوصاف للممدوح واختصاصه بها. ولو شاء أن يعبر عنها بصريح اللفظ لقال: إن السماحة والمروءة والندى لمجموعة في الممدوح أو مقصورة عليه، أو ما شاكل ذلك مما هو صريح في إثبات الأوصاف للمذكورين بها
ولكنه عدل عن التصريح إلى ما ترى من الكناية والتلويح، فجعل كونها في القبة المضروبة عليه عبارة عن كونها فيه، فخرج كلامه إلى ما خرج إليه من الجزالة وظهر فيه ما أنت ترى من الفخامة. ولو أن الشاعر خطر له أن يعبر عن معناه هنا بصريح اللفظ، لما كان له ذلك القدر من الجمال الذي تطالعنا به هذه الصورة المبهجة من خلال البيت

والي مصر :  ومن أمثلة كناية النسبة أيضا قول أبي نواس مادحا  
       فما جازه جود ولا حل دونه            ولكن يسير الجود حيث يسير
فالشاعر هنا يريد أن ينسب إلى ممدوحه الكرم أو أن يثبت له هذه الصفة، ولكنه بدل أن ينسب إليه الكرم بصريح اللفظ فيقول: «هو كريم» كنى عن نسبة الكرم إليه بقوله: «يسير الجود حيث يسير»، لأنه يلزم من ذلك اتصافه به
وشتان بين الصورتين في الجمال والتأثير: الصورة الصريحة التي نرى فيها الممدوح كريما وحسب، والصورة المقنعة المدعاة التي يرينا فيها الشاعر الكرم إنسانا يرافق الممدوح ويلازمه ويسير معه حيث سار
  ومن أمثلتها كذلك قول الشاعر:
                                     اليمن يتبع ظله         والمجد يمشي في ركابه     
فالشاعر في هذا البيت بدل أن يصف الممدوح بأنه ميمون الطلعة، قال إن اليمن يتبعه أينما سار، واتباع اليمن ظله يستلزم نسبته إليه
فكناية النسبة كما يتضح من الأمثلة السابقة تتمثل في العدول عن نسبة الصفة إلى الموصوف مباشرة ونسبتها
إلى ما له اتصال به. وأظهر علامة لهذه الكناية أن يصرح فيها بالصفة كما رأينا في الأمثلة السابقة، أو بما يستلزم الصفة كقول شاعر معاصر
             بين برديك يا صبية كنز        من نقاء معطر معشوق      
             وبعينيك يا صبية شجو         ساهم اللمح مستطار البريق
ففي قوله:  بين برديك يا صبية كنز من نقاء  كناية عن نسبة «الطهارة» للمخاطبة بما يستلزم هذه الصفة وهو «كنز من نقاء». أما الكناية في البيت الثاني «بين عينيك يا صبية شجو» فهي من النوع الأول الذي عدل فيه عن نسبة صفة الشجو أي الحزن إلى الموصوف مباشرة ونسبتها إلى ما له اتصال به، وهو هنا  العينان  
وإذا رجعنا إلى أمثلة الكناية السابقة في جميع أقسامها وأنواعها رأينا أن منها ما يدل على معنى يجوز حمله على الحقيقة والمجاز، أو بعبارة أخرى رأينا أن منها ما يجوز فيه إرادة المعنى الحقيقي الذي يفهم من صريح اللفظ، ومنها ما لا يجوز فيه ذلك

 

*مثال :       الفصاحة في بيانه         والبلاغة في لسانه  

كناية عن نسبة هذا الشخص إلى الفصاحة ؛ لأنها في بيانه وإلى البلاغة ؛ لأنها في لسانه .

·          وقول البحتريَ:

أو ما رأيتَ المجْدَ ألقى رحلَهُ          في آل طلحةَ ثمَّ لم يتحوَّلِ

 وذلك في الكنايةِ عن نسبةِ الشرف إلى آل طلحةَ.

 

وفيما يلى جدول توضيحى لأنواع الكناية مع ذكر أمثلة عليها

-----------------------------------------------------------------------------------

        كتاب البلاغة السهلة                                                                 للأستاذ / عبدالرحمن معوض

الامثلة

نوع الكناية

كناية عن

إذا بلغ الرضيع لنا فطاما  

                                             تخر له الجبابرله  ساجدينا

- فالخيل والليل والبيداء تعرفني 

                                             والسيف والرمح والقرطاس والقلم

 

- يهوى السياح زيارة مصر 

 

وما يك فيّ من عيب فإني جبان         الكلب مهزوم الفصيل

وفي الحرب العوان ولدت طفلا   

                                                ومن لبن المعامع قد سقيت

 

 

 

كناية عن صفة

القوة

 

الشهرة

 

كثرة أثارها

الكرم

 

الشجاعة

 

- وبناة الأهرام في سالف الدهر

                                              كفوني الكلام عند التحدي

: يا بْنَةَ اليَمِّ ما أبوكِ بَخِيلٌ               مَالَهُ مُولَعًا بمَنْعٍ وحَبْسِ ؟

- "وحملناه على ذات ألواح ودسر

- " لتنذر أم القرى"

- يَوَدُّ الفتَى أنْ يجمعَ الأرضَ كُلَّها   

                                           إليه ولمَّا يَدْرِ ما اللهُ صانِعُ

قوم ترى أرماحهم يوم الوغى  

                                           مشغولة بمواطن الكتمان

فلما شَربناها ودَبَّ دبيبُها إلى    

                                          مَوْضع الأسْرار قلتُ لها قفي

 

 

 

 

كناية

عن موصوف

الفراعنة

 

السفينة

السفينة

مكة

 

الخديوى

 

القلب

 

القلب

فما حازه جود ولا حل دونه  

                                         ولكن يسير الجود حيث يسير

 

- بين برديك يا صبية كنز           من نقاء معطر معشوق

 

- وبعينيك يا صبية حزن            ساهم اللمح مستطار البريق

 

- الجود بين ثيابه                    والمجد حول ركابه

 

اليمــــن يتبــــع ظلــــه             والمجد يمشي في ركابه

 

 

 

كناية عن نسبة

الجود

 

الطهر

 

الحزن

 

الجود

 

 والرفعة

 

تأمل الجدول السابق تلاحظ ما يلي : -

-                                 يظهر من الأمثلة أن :

 سر جمال الكناية :

 أنها تأتي بالمعنى مصحوبا بالدليل عليه

1- كناية عن صفة  : يكون الهدف منها الاستدلال على وجود صفة ما مع عدم ذكر هذه الصفة مباشرة في العبارة

2- الكناية عن الموصوف : يذكر فيها المتكلم أحد صفات الموصوف ويقصد الموصوف نفسه

الكناية عن نسبة  : يذكر فيها الصفة والموصوف ولكن لا تنسب تلك الصفة إلى الموصوف مباشرة.

الكناية تختلف من بيئة لأخرى :

 فما يكنى به عن شيء في بيئة معينة قد لا يكنى به عن نفس الشيء في بيئة أخرى فقد يكنى بكثرة الخيول عن القوة في البيئة الجاهلية لكن لا يكنى بها عن القوة في العصر الحديث " عصر الطائرات والمدمرات "

===================================

بلاغة الكناية :

الكناية من أساليب البيان التي لا يقوى عليها إلا كل بليغ متمرس بفن القول  وما من شك في أن الكناية أبلغ من الإفصاح والتعريض أوقع في النفس من التصريح

وإذا كان للكناية مزية على التصريح فليست تلك المزية في المعنى المكنى عنه، وإنما هي في إثبات ذلك المعنى للذي ثبت له. فمعنى طول القامة وكثرة القرى مثلا لا يتغير بالكناية عنهما بطول النجاد وكثرة رماد القدر، وإنما يتغير بإثبات شاهده ودليله وما هو علم على وجوده، وذلك لا محالة يكون أثبت من إثبات المعنى بنفسه

فالمبالغة التي تولدها الكناية وتضفي بها على المعنى حسنا وبهاء هي في الإثبات دون المثبت، أو في إعطاء الحقيقة مصحوبة بدليلها، وعرض القضية وفي طيها برهانها

هذا أبو فراس الحمداني وهو أسير في بلاد الروم يخاطب ابن عمه سيف الدولة بقوله

وقد كنت أخشى الهجر والشمل جامع        وفي كل يوم لقية وخطاب

فكيف وفيما بيننا ملك قيصر                 وللبحر حولي زخرة وعباب؟

ففي البيت الثاني يريد أبو فراس أن يقول أن المسافة بينهم بعيدة وهى كناية عن صفة البعد

 «  فكيف وفيما بيننا بعد شاسع» ولكنه كنى عن هذا المعنى بقوله

 «ملك قيصر وللبحر حولي زخرة وعباب» فجمال هذه الكناية ليس في المعنى المكنى عنه وهو «البعد الشاسع الذي يفصل بين الرجلين» وإنما هو في الإتيان بملك قيصر والبحر الزاخر العباب وإثباته للمكنى عنه في صورة برهان محسوس عليه

والكناية كالاستعارة من حيث قدرتها على تجسيم المعاني وإخراجها صورا محسوسة تزخر بالحياة والحركة وتبهر العيون منظرا

ومن أمثلة ذلك قوله تعالى تصويرا لحال صاحب الجنة عند ما رأى جنته التي كان يعتز بها قد أهلكها الله عقابا له على شركه

"  فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا "

فالكناية في الآية الكريمة هي في قوله تعالى :  يقلب كفيه

 والصفة التي تلزم من تقليب الكفين هي الندم والحزن ، لأن النادم والحزين يعملان ذلك عادة. فتقليب الكفين في مثل هذا الموقف كناية عن الندم والحزن

فالمعنى الصريح هنا هو «فأصبح نادما حزينا» وهذا أمر معنوي تدخلت فيه الكناية فجسمته وأظهرته للعيان في صورة رجل اعتراه الذهول من هول ما أصاب الجنة التي كان يعتز بها، فوقف يقلب كفيه ندما وحزنا على أمله المنهار أمام عينيه  وهذا سبب من أسباب بلاغة الكناية

ومن صور الكناية الرائعة تفخيم المعنى في نفوس السامعين، نحو

قوله تعالى  :  " القارعة  ما القارعة ؟ وما أدراك ما القارعة ؟  " 

  القارعة  كناية عن «القيامة» وقد عدل عن التصريح بلفظ «القيامة» إلى الكناية عنه بلفظ «القارعة» لا لإثبات ذلك المعنى للقيامة، وإنما لإثبات شاهده ودليله وهو أنها تقرع القلوب وتزعجها بأهوالها، وذلك تفخيما لشأن القيامة فى النفوس

ومن صورها كذلك التعمية والتغطية حرصا على المكنى عنه أو خوفا منه، كالكناية عن أسماء النساء أو أسماء الأعداء، كقول عمر بن أبي ربيعة

        أيا نخلتي وادي بوانة حبذا               إذا نام حراس النخيل جناكما    

      فطيبكما أربى على النخل بهجة            وزاد على طول الفتاء فتاكما

  بنخلتي وادي بوانة  عن اثنتين من صواحبه، حرصا على سمعتهما، كما كنى فقد كنى بحراس النخيل  عن ذويهما خوفا منهم

وكقوله أيضا :

الما بذات الخال فاستطلعا لنا             على العهد باق ودها أم تصرما  

وقولا لها إن النوى أجنبية          بنا وبكم  قد خفت أن تتيمما

فقد كنى  عن اسم إحدى صواحبه حرصا على سمعتها وصونا لاسمها عن الابتذال 

«  بذات الخال» 

ويظهر أن من الشعراء من كانوا يضيقون ذرعا بالكناية عن أسماء صواحبهم ويودون  لو

استطاعوا  التصريح بأسمائهن تلذذا بترديدها، 

يدلنا على ذلك قول ذي الرمة :

أحب المكان القفر من أجل أنني            به أتغنى باسمها غير معجم

ولعل أسلوب الكناية من بين أساليب البيان هو الأسلوب الوحيد الذي يستطيع به المرء أن يتجنب التصريح بالألفاظ الخسيسة أو الكلام الحرام  ففي اللغات، وليس في اللغة العربية وحدها، ألفاظ وعبارات تعد  غير لائقة  ويرى في التصريح بها جفوة أو غلظة أو قبح أو سوء أدب أو ما هو من ذلك بسبيل

وبعد   فلعل خير ما نختم به هنا توضيحا لبعض ما ذكرناه عن الكناية أن نورد نصا لجأ الشاعر فيه أكثر ما لجأ إلى هذا الأسلوب الرمزي سترا لبعض ما لا يريد أن يصرح به. وهذا النص من قصيدة لأبي فراس الحمداني بعث بها وهو أسير في بلاد الروم إلى ابن عمه الأمير سيف الدولة يسأله المفاداة :

        كتاب البلاغة السهلة                                                            للأستاذ / عبدالرحمن معوض   

     دعوتك للجفن القريح المسهد         لدي، وللنوم القليل المشرد   

أناديك لا أني أخاف من الردى             ولا أرتجي تأخير يوم إلى غد

ولكن أنفت الموت في دار غربة          بأيدي النصارى الغلف ميتة أكمد 

فلا كان كلب الروم أرأف منكمو          وأرغب في كسب الثناء المخلد

متى تخلف الأيام مثلي لكم فتى            طويل نجاد السيف رحب المقلد؟

فإن تفقدوني تفقدوا شرف العلا            وأسرع عواد إليها معود

سر جمال الكناية :

تعطيك حقيقة مصحوبة بدليلها

تعرض عليك قضية و في طيها و برهانها

تضع لك المعاني في صور محسوسة الآية الكريمة.

و حاصل الأمر أنها تصور لك المعاني تصويرا مرئيا ( ماديا ) ترتاح له النفس

وقد يعتمد الشاعر عند الوصف بالكريم إلى أسلوب آخر، فيقول:

كالبحر يقذف للقريب جواهرًا             جودًا ويبعث للبعيد سحائبا

فيشبه الممدوح بالبحر، ويدفع بخيالك إلى أن يضاهي بين الممدوح والبحر الذي يقذف الدرر للقريب، ويرسل السحائب للبعيد

أو يقول  :

هو البحر من أي النواحي أتيته           فلجته المعروف والجود ساحله

فيدعي أنه البحر نفسه، وينكر التشبيه نكرانًا يدل على المبالغة، وادعاء المماثلة الكاملة.

أو يقول :

جادت يد الفتح والأنداء باخلة           وذاب نائله والغيث قد جمدا

فيضاهي بين جود الممدوح والمطر، ويدعي أنَّ كرم ممدوحه لا ينقطع إذا انقطعت الأنواء، أو جمد القطر.

        كتاب البلاغة السهلة                                                                 للأستاذ / عبدالرحمن معوض

أو يقول :

قد قلت للغيم الركام ولَجَّ في              إبراقه وألحَّ في إرعاده

لا تعرضن لجعفر متشبهًا                 بندى يديه فلست من أنداده

فيصرح لك في جلاء، وفي غير خشية   بتفضيل جود صاحبه على جود الغيم، ولا يكتفي بهذا، بل تراه ينهى السحاب في صورة تهديد أن يحاول التشبه بممدوحه؛ لأنه ليس من أمثاله ونظرائه.

أو يقول:

وأقبل يمشي في البساط فما درى         إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي

يصف حال رسول الروم داخلًا على سيف الدولة، فينزع في وصف الممدوح بالكرم، إلى الاستعارة التصريحية، والاستعارة كما علمت مبنية على تناسي التشبيه، والمبالغة فيها أعظم، وأثرها في النفوس أبلغ.

 

     س1 : كيف أفرق بين الكناية والاستعارة  ؟

جـ : الفرق أن في الاستعارة هناك قرينة تمنع وجود المعنى الحقيقي، فحين أقول: رأيت أسداً يحكي بطولاته ، فـ( أسد ) هنا استعارة، والقرينة (يحكي) وهذه القرينة مانعة لإرادة المعنى الحقيقي ، فلا يوجد أسد يحكي أو يتكلم ، بينما في الكناية لا توجد قرينة تمنع وجود المعنى الحقيقي،

خصائص الكناية :

 باستعراض شرح درس الكناية بالأمثلة المُبسّطة يُمكننا الانتقال إفصاحًا عن خصائص الكناية الأساسية، والمُتمثلة فيما يلي:

 إضفاء قوة للمعاني : حيث إن الكناية تعمل على الكشف عن الصفة المُراد ذكرها إلى جانب برهان أو سبب إطلاق تلك الصفة.

الانتقام الأدبي اللغوي : استخدم تلك الطريقة الكثير من الشعراء للانتقام من الأعداء بطريقة مُنمقة دون أن يكون ذلك مأخوذ عليه بشكل مُباشر.

 الابتعاد عن الألفاظ التي يتحاشى قولها : ويكون ذلك احترامًا للقارئ بعد الإفصاح المُباشر عن تلك الألفاظ والاستعانة عنها بكناية تصل المعنى بشكل غير مُباشر.

براعة الوصف : ويظهر ذلك بشكل مُباشر في سر جمال الكناية، حيث تُعد من أنسب الطرق التي يُمكن اتباعها لإيصال أفكار وتصورات الكاتب.

 تعزيز النص بالمُحّسنات البديعية : كما يظهر ذلك مُتجليًا في التحليلات البلاغية للنص (التحسين البلاغي)، ويكون لذلك أثر فعال على ألفاظ النص

  التخصيص الدقيق : لأي من الأفعال أو الصفات انتسابًا لشخص مُعين

 (الشخص الموصوف).

الإيجاز والاختصار: أو الاستعاضة عن جمل كثيرة بوصف معين يكفي لإيصال المعنى بشكل واضح ومُباشر.

تدريبات  :

بين الكناية فيما يأتي واشرحها مبينا سر جمالها:

- لا يفخرون إذا نالوا عدوهم             وإن أصيبوا فلا خور ولا جُزُعُ

-لا ينزل المجد إلا فى منازلنا            كالنوم ليس له مأوى سوى المقل

- إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم       عصائب طير تهتدى بعصائب

٢ – مثل قول الشاعر :

جرى النهر حتى خلته منك أنعُمًا        تُساق بلا ضنٍّ وتُعطَى بلا منٍّ

 وقوله:

كأنه حين يعطي المال مبتسمًا            صوب الغمامة تهمي وهي تأتلق

 - وقال في مدح كافور:

إنّ في ثَوْبِكَ الذي المَجْدُ فيهِ             لَضِيَاءً يُزْري بكُلّ ضِيَاءِ


 بيض المطابخ لا تشكو إماؤهم         طبخ القدور ولا غسل المناديل

   مطبخ داود في نظافته                 أشبه شيء بعرش بلقيس

ثياب طبَّاخه إذا اتسخت            أنقى بياضًا من القراطيس

   فتًى مختصر المأكو ل          والمشروب والعطر

 نقي الكأس والقصـ  ـة            والمنديل والقدر

 اليمن يتبع ظله                     والمجد يمشي في ركابه

  أصبح في قيدك السماحة والمجد      وفضل الصلاح والحسب

فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا        ولكن على أقدامنا تقطر الدما

قال الشاعر:

يبيتُ بمنجاة من اللوم بيتها        إذا ما بيوت بالملامة حلّت

قال الشاعر :

كفي بالمرء عيبا أن تراه                   له وجه وليس له لسان

إن العدو وإن تقادم عهده                   فالحقد باق في الصدور مغيب

ألِمَّا علي معن وقولا لقبره                 سقتك الغوادي مربعا ثم مربعا

وجدت فيكِ بنت عدنان داراً              ذكرتها بداوة الأعـراب

أحلامنا تزن الجبال رزانة                  وتخالنا جنا إذا ما نجهل

 : قال المتنبي يهدد أعداءه  

وجاهل مده في جهله ضحكي         حتى أتته يد فراسة وفم

 

 

 

 

---------------------------------------------------------------------------------

        كتاب البلاغة السهلة                                              للاستاذ /عبدالرحمن معوض
شكرا لتعليقك