خلق الوفاء فى الشعر العربى
لا خلاف في أنّ الأخلاق من سمات الإنسان
الجوهرية، فبالأخلاق يتحدّد وبها يتميّز عن سائر المخلوقات، كما يتميّز بالعقل،فالإنسان
كان ذو أخلاق، ولا تتقيّد الأخلاق بزمان دون غيره، ولا تنحصر بمجتمع دون آخر،
بل هي نصبب الإنسانية جمعاء في كلّ زمان ومكان.
ولأنّ الأخلاق تتجسّد سلوكاً وتتبدّى أفعالاً
في العلاقات الإنسانية، فإنّ الشّعر وجد فيها مجالاً رحباَ للقول في.
ولقد احتفى الشّعر - منذ بداياته - بالأخلاق،
وسعى إلى تجسيد القيم الأخلاقية الّتي تظهر في سلوك النّاس ومواقفهم كنوع من التّبشير
بهذه القيم وترسيخها لدى الأجيال.
وآمن العربيّ بالوفاء، لأنّه تربّى عليه،
وغدا خُلقاً عامّاً عنده، وتحلّى به بخاصّة أنّه مبنيّ على الصّدق والقوّة والشّجاعة
والتّضحية في سبيل هذا المبدأ، فالتّمسّك بالكلمة مقدّس عند العربيّ في ظلّ مجتمع تُلْقى
القوّة بظلالها عليه، فلا مجال للغدر في قاموسهم ومن تسوّل له نفسه فعل ذلك، يُرفع
له لواء في سوق عكاظ للتّشهير به، وتأديبه على مرأى ومسمع من القوم ليكون عبرة وعظة
لسواه، فالالتزام الخُلقي يفرض على العربيّ التّمسّك بالوفاء وفي ذلك قال (الحادرة)
لصاحبته(سميّة)، مفتخراً بهذه السّجيّة:
أَسُمَيّ ويحكِ هل سمعتِ بِغَدْرَةٍ رفع اللواء
لنا بها فى مجمع
إنّا نعفُّ فلا نُريبُ حليفَنَا ونكفُّ شحَّ نفوسنا في المطمع
وخير مثال نسوقه في هذا المجال ما فعله
(السموأل)، الذّي أودعه (امرؤ القيس) دروعاً، فجاءه (الحارث بن ظالم) أو (الحارث بن
شمر الغسّانيّ) لأخذها، فتحصّن منه، فأخذ (الحارث) ابنا له غلاماً وكان في الصّيد،
وهدّده بقتله أو يُسلّم الأدراع، فأبى، فضرب (الحارث) وسط الغلام فقضى عليه، وبذلك
سطّر (السّموأل) أروع مثال في الوفاء، وحقّ له أن يفتخر بذلك، حيث قال:
وفيتُ بذمّةِ الكِندي إنّي إذا ما
خَان أقوامٌ وفيتُ
وأوصي عادياً يوماً بألاّ تُهَدِّمُ يا سموألُ ما بنيتُ
بنى لي عاديا حصناً حصينا وعيناً كلما شئتُ استقيتُ
لقد استحق أن يُضرب به المثل: أوفى من السموأل]؛
لأنّه ضحّى بفلذة كبده، ولم يضعف أمام التّهديد والوعيد.
والتزم (عدي بن زيد) بالوفاء مع الأصدقاء
وإنْ خانوا في مثل قوله:
وما بَدَأتُ خليلاً لي أخاً ثِقَةً بِرَيْبَةٍ ولا رَبِّ الحلِّ والحَرَمِ
يأبى لِيَ اللهُ خَوْنَ الأصفياءِ وإنْ خَانُوا وداري لأنّي حاجزي كَرَمِي
ولم يقتصر الوفاء على الرّجال، فتعدّاه
إلى النّساء، فمن الأسماء الّتي لمع نجمها في هذا المجال (فكيهة) الّتي غدت مضرب المثل
في الوفاء بين النّساء.
يُذكر أنّ (السٌّليك بن السُّلكة) أغار
على بني عواد " بطن من بطون مالك" وعجز عن الظّفر بشيء، وأرادوا مساورته،
فلمّا رأى أنّه مأخوذ لا محالة، حاملهم وقصد لأقرب بيوتهم وولج على امرأة يُقال لها
(فكيهة)، فاستجار بها، فمنعته، وجعلته تحت حمايتها، ودافعت عنه بكلّ ما أُوتيت من قوّة،
فلمّا تكاثروا عليها كشفت خمارها وطلبت النّجدة من إخواتها فنجا (السُّليك) من براثن
سيوف القوم
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء