عطف البيان
وقد جعلنا عطف البيان في هذا الترتيب بعد البدل ، لأنه في الحق يعود إلى بدل الكل من الكل ، وهم يعرفونه بأنه اسم جامد يتبع اسما سابقا عليه يخالفه في لفظه ويوافقه في معناه ، للدلالة على ذاته ، وذلك مثل :
قرأت مدائح الشاعر المتنبي للأمير سيف الدولة.
فكلمة المتنبي عطف بيان من الشاعر ، وكلمة سيف الدولة عطف بيان من الأمير.
ومثل : تلقيت منه كتابا رسالة.
فكلمة رسالة عطف بيان من كتاب.
وعطف البيان يتبع متبوعه في الإعراب ، وفي التعريف والتنكير ، وفي التذكير والتأنيث ، وفي الإفراد والتثنية والجمع.
* يعترف النحاة بأن عطف البيان يصح إعرابه بدلا ؛ بدل كل من كل ، لكنهم يقرون أن هناك مواضع لا يصح أن يكون فيها بدلا ، والحق أن هذه المواضع التي قرروها ليست مبنية على أساس الواقع اللغوي ، ومن الأفضل طرح عطف البيان وتوحيده مع البدل (١).
* * *
__________________
٥ ـ عطف النسق
وهو العطف بحرف من حروفه المعروفة ، ولعلهم سموه نسقا لأنه ينسق الكلام بعضه على بعض ، بحيث يأخذ المعطوف نسق المعطوف عليه في أحكام معينة ، ونوجز لك الحديث عن حروف العطف فيما يلي :
١ ـ الواو : تفيد «مطلق المشاركة» ؛ أي أن المعطوف يشارك المعطوف عليه في الحكم دون النظر إلى ترتيب زمني أو غيره ، مثل :
حضر زيد وعمرو.
فالعطف هنا يفيد مطلق اشتراك زيد وعمرو في الحضور ؛ دون أن يدل ذلك على أن زيدا حضر قبل عمرو ، أو معه ، أو قبله بفترة وجيزة ، أو طويلة ، أو حضر بعده.
٢ ـ الفاء : وتفيد الترتيب والتعقيب ؛ أي أن الحكم يكون للمعطوف عليه أولا دون أن تكون هناك فترة طويلة للمعطوف ، مثل :
حضر زيد فعمرو.
فالفاء هنا أفادت حضور زيد أولا ثم حضور عمرو «في عقبه» ؛ أي بعده بفترة وجيزة.
٣ ـ ثمّ : وتفيد الترتيب والمهلة أو التراخي ؛ أي أن الحكم يكون للمعطوف عليه أولا ثم يكون للمعطوف مع وجود فترة غير وجيزة ، مثل :
حضر زيد ثمّ عمرو.
أفادت ثم هنا حضور زيد أولا ، وحضور عمرو بعده بفترة أي مع شئ من التراخي.
تنبيه :
الأحرف الثلاثة السابقة قد لا تكون حروف عطف بالضرورة ، بل تدل
ـ بكثرة ـ على «الاستئناف» ، وعليك أن تتأكد أولا من وجود فكرة «الاشتراك» في الحكم حين تدل على العطف ، وإلا فهي حروف استئناف.
* * *
٤ ـ حتى : وأنت تعلم أنها تستعمل على الأغلب حرف جر وتدل على الغاية ؛ لكنها قد تستعمل حرف عطف كذلك فتفيد الاشتراك في الحكم كما تفيد الغاية ؛ أي أن المعطوف غاية في الحكم. على أنها لا تستعمل حرف عطف إلا بشروط ؛ أهمها أن يكون المعطوف اسما ، ظاهرا ، بعضا من المعطوف عليه أو كبعضه ، مثل :
أكلت السمكة حتى ذيلها.
فالذيل هنا مأكول ، وهو اسم ظاهر ، بعض من المعطوف عليه ، ومثل :
الأمّ تحب ابنها حتى أخطاءه.
فالأخطاء معطوف ، وهي كبعض المعطوف عليه.
٥ ـ أم : وهي حرف عطف يفيد التسوية بين شيئين ، أو تعيين واحد منهما :
أ ـ فالتي تفيد التسوية هي التي ترد مع «همزة التسوية» ، وهي همزة لا تفيد الاستفهام ؛ بل تدخل على جملتين خبريتين معطوفتين ب «أم» ، ولا بد أن يصح سبك مصدر من كل منهما ، مثل :
لن أهتم به سواء أنجح أم رسب.
فالهمزة هنا تسمى همزة التسوية ، والجملة بعدها خبرية ، وأم حرف عطف ، ويصح سبك مصدر من الجملتين ، إذ المعنى :
لن أهتم به فنجاحه ورسوبه عندي سيان.
ب ـ والتي تفيد التعيين هي التي تأتي مع همزة الاستفهام ، مثل :
أحضر زيد أم عمرو؟
تنبيه :
يفصّل النحاة كثيرا في موضوع «أم» ، ويقسمونها إلى «متصلة»
و «منقطعة» ، والذي نراه أن تلك التي يسمونها «متصلة» هي التي ذكرناها لك هنا مع همزة التسوية وهمزة الاستفهام ، وهي التي نقول عنها إنها حرف عطف. وأما تلك التي يسمونها «منقطعة» فشئ آخر ، والأرجح أنها ليست حرف عطف بل حرف ابتداء.
٦ ـ أو : وتفيد «الإباحة» و «التخيير» ، وقد تفيد معاني أخرى نفهمها من القرائن.
والإباحة معناه اختيار واحد من المعطوف أو المعطوف عليه أو الجمع بينهما ، مثل :
إذا أردت أن تحسن لغتك فأقرأ شعرا أو نثرا.
أي اختر واحدا منهما أو اخترهما معا.
أما «التخيير» فيعني اختيار واحد فقط ، مثل :
اختر الشعبة الأدبية أو العلمية.
٧ ـ لكن : وهي تفيد الاستدراك ، لكنها لا تكون حرف عطف إلا بشروط ١ ـ أن يكون المعطوف بها مفردا.
٢ ـ ألا تسبق بالواو.
٣ ـ ألا تكون مسبوقة بنفي أو نهي ، مثل :
لم الحادثة لكن سمعت بها.
لا تشغل نفسك بأمور الناس لكن اهتم بأمورك.
ـ لا : وهي تفيد نفي الحكم عن المعطوف ، ولا تكون حرف عطف إلا بشروط :
١ ـ أن يكون المعطوف مفردا.
٢ ـ أن يكون الكلام قبلها غير منفي.
٣ ـ ألا تقترن بحرف عطف. مثل :
ينجح المجتهد لا المهمل.
«لا» هنا حرف عطف. والكلام قبلها مثبت ، والمعطوف مفرد.
لم يحضر زيد ولا عمرو.
الواو حرف عطف ، ولا حرف زائد لتأكيد النفي.
٩ ـ بل : وتكون حرف عطف حين يعطف مفردا على مفرد ، وتفيد شيئين :
أ ـ الإضراب : إذا كان ما قبلها كلاما موجبا ، مثل :
الإسكندرية عاصمة مصر بل القاهرة.
بل هنا حرف عطف يفيد الإضراب الذي معناه إلغاء الحكم السابق ونقله إلى ما بعد بل.
ب ـ الإقرار ثم المخالفة ، وذلك إذا كان ما قبلها منفيا ، مثل :
لم ينجح زيد بل عمرو.
بل حرف عطف ، يفيد الإقرار بالحكم السابق ؛ أي بعدم نجاح زيد ، ثم مخالفة هذا الحكم لما بعدها ، أي نجاح عمرو.
تنبيهات :
١ ـ يصح عطف اسم ظاهر على ضمير ؛ فإذا كان ضمير رفع متصل فالأفضل فصله بتوكيد لفظي أو معنوي أو غيرهما ، ويري بعضهم ذلك واجبا ، مثل :
حضرت أنا وزيد.
حضروا كلّهم وزيد.
حضروا اليوم وزيد.
فالمعطوف عليه في هذه ضمير رفع متصل ، وقد صح عطف اسم ظاهر عليه بعد فصله بالتوكيد اللفظي «أنا» ، أو بالتوكيد المعنوي «كلهم» ، أو بغيرهما «اليوم».
٢ ـ وإذا كان ضمير نصب أو جر فلا يجب الفصل ، مثل :
رأيتك وزيدا.
مررت بك وزيد.
٣ ـ من التراكيب الشائعة في الاستعمال المعاصر عطف مضافين قبل المضاف إليه ، وهو مستوى ركيك يراه بعضهم غير صحيح ، مثل :
ناقش المجلس أنواع وأسباب المشكلات.
والصواب : ناقش المجلس أنواع المشكلات وأسبابها.
* * *
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء