رحلة الإسراء والمعراج
"فمن أعظم المعجزات والكرامات العظيمة التي منَّ الله بها على نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم معجزة الإسراء والمعراج، وتأتي هذه المعجزة تكريمًا
وتثبيتًا للنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة عمه الذي كان يحميه، وزوجته التي كانت
تواسيه، وبعد ما أصابه في الطائف ومكة ما أصابه من الأذى، فهي بعد العام العاشر من
البعثة
"واختلف العلماء في تحديد زمانها، فأكثر أهل العلم على أن الإسراء
والمعراج وقعا قبل الهجرة بسنة، وبعضهم قال: سنة إلا شهرًا، وقال آخرون: سنة إلا
شهرين، وما اشتهر عند المؤرخين وأصحاب السير أنه وقع في رجب في ليلة سبع وعشرين
فليس عليه دليل، والمحققون من المحدثين والفقهاء يقولون: وقع قبل الهجرة بسنة،
ومعلوم أن الهجرة كانت في شهر ربيع الأول، وإذا كان كذلك فقولهم: قبله بسنة يعني
أن الإسراء والمعراج لم يقعا في رجب
وقد ذكر الله الإسراء بنبيه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت
المقدس، فقال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ
لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾
وذكر المعراج في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى *
عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى
السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ
آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾
وقد وردت عدة أحاديث في الإسراء والمعراج، أسوقها ثم
أذكر الفوائد المتعلقة بها
روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن مالك بن
صعصعة - رضي الله عنه -، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أُسري به،
قال: "بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ - وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الْحِجْرِ -
مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَدَّ - قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ -
مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ - فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي:
مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ
يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ - فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ
بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ،
ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ، وَفَوْقَ الْحِمَارِ
أَبْيَضَ - فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ
أَنَسٌ: نَعَمْ - يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ
فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا،
فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ:
مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ
عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا
بِالِابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ
ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ،
قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ
الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا
ابْنَا الْخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى، فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا.
فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّا، ثُمَّ قَالَا: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ،
وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ
ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ،
قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ
الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا
يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ:
مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ
ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ،
فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ:
مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى
إِدْرِيسَ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،
فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ
ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ،
فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ:
نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ
فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ
عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ
الصَّالِحِ
ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ،
فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ:
مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَرْحَبًا
بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا
مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ:
مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ
بَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي؛ لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ
بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ
أُمَّتِي
ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ
جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ:
مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ،
فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذَا
أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ.
قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ
ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا
مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ. قَالَ:
هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ؛ نَهْرَانِ
بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ. فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ:
أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ
فَالنِّيلُ، وَالْفُرَاتُ. ثُمَّ رُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، ثُمَّ
أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ،
فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا
وَأُمَّتُكَ. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ
يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ، فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ؟ قَالَ:
أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا
تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ
النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ،
فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ،
فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ،
فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ،
فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ،
فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ، فَقَالَ مِثْلَهُ،
فَرَجَعْتُ، فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى
مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ
يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ،
وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ
أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ
لِأُمَّتِكَ. قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنْ أَرْضَى
وَأُسَلِّمُ. قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي،
وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي
وروى مسلم في صحيحه من حديث ثابت البُناني، عن أنس بن مالك رضي الله
عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ
دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ
عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ
الْمَقْدِسِ. قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ.
قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ
خَرَجْتُ، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ
وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ، وَقُرَيْشٌ
تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا
، قَالَ: فَكُرِبْتُ كَرْبًا مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ
قَالَ: فَرَفَعَهُ اللَّهُ
لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ،
وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ
يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ
كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ
شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ
النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا
إِبْرَاهِيمُ عليه السلام قَائِمٌ يُصَلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ -
يَعْنِي نَفْسَهُ صلى الله عليه وسلم - فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ،
فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ لِي قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ! هَذَا
مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي
بِالسَّلَامِ"
وروى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
"لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْتُهِيَ بِهِ إِلَى
سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي
مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا
يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا، قَالَ: ﴿ إِذْ يَغْشَى
السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴾ ، قَالَ:
فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: فَأُعْطِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ
الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكُ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا،
المُقْحِمَاتُ
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث مسروق قال: قلت لعائشةﭫ: يا
أمتاه، هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقالت: لقد قف شعري
مما قلت! أين أنت من ثلاث، من
حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه؛ فقد كذب، ثم قرأت:
﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ
الْخَبِيرُ ﴾ ، ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ ، ومن حدثك
أنه يعلم ما في غدٍ؛ فقد كذب، ثم قرأت: ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ
غَدًا ﴾ ومن حدثك أنه كتم؛ فقد كذب، ثم قرأت: ﴿
يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ الآية،
ولكنه رأى جبريل عليه السلام في صورته مرتين
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث زر بن حُبيشٍ في قول الله
تعالى: ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا
أَوْحَى ﴾ قال: حدثنا ابن مسعود رضي الله عنه : أنه رأى
جبريل عليه السلام له ستمائة جناح
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه
وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ
الإسراء والمعراج
الإسراء والمعراج هما معجزتان حدثتا للنبيّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم-،
ويقصد بالإسراء رحلته -صلّى الله عليه وسلّم- التي أخذه فيها جبريل -عليه السّلام-
ليلاً من البيت الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس بفلسطين راكباً دابة
البُرَاق، ويُقصد بالمعراج صعوده -صلّى الله عليه وسلّم- برفقة جبريل -عليه
السّلام- من بيت المقدس إلى السماوات العلا في معراج أحضره معه سيدنا جبريل -عليه
السّلام
أحداث معجزة الإسراء والمعراج
وهي
معجزة حدثت للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بجسده وروحه على رأي أكثر أهل العلم،
وقد حدث الإسراء أولاً ثم المعراج
وبيان
أحداث هاتين المعجزتين فيما يأتي
وصول النبي إلى المسجد الأقصى
ركب
النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم- على البراق، ووصفه لنا بقوله: (أُتِيتُ بالبُراقِ،
وهو دابَّةٌ أبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الحِمارِ، ودُونَ البَغْلِ، يَضَعُ حافِرَهُ
عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قالَ: فَرَكِبْتُهُ حتَّى أتَيْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ)،
- وبعد أن وصل المسجد الأقصى ربط البراق في
حائط -عُرف فيما بعد بحائط البراق- بحلقة يربط بها الأنبياء.
- ثم جاءه جبريل -عليه السّلام- بإناء فيه خمر
وآخر فيه لبن، فاختار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- اللّبن فقال، له جبريل:
اخترت الفطرة،
وممّا فعله في بيت المقدس أنّه صلّى بالأنبياء
إماماً
كتاب
الإذاعة المدرسية للغة العربية للأستاذ / عبدالرحمن معوض
موقف قريش من الإسراء والمعراج
وجدت قريش من هذه المعجزة فرصة عظيمة للتشكيك في نبوّة محمّد -صلّى الله
عليه وسلّم-؛ فهي حدث لا يُمكن تصديقه بمقاييس البشر، حتى أنّ بعض من أسلم قد
ارتدّ عن الحق لصعوبة تصديق هذا الحدث الكبير
دروس وعبر من الإسراء والمعراج
يوجد
لهذه المعجزة الكثير من الدروس والعبر، نذكر بعضها فيما يأتي
- تسلية للنبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - بعد
أن فقد زوجته خديجة -رضي الله عنها- عمّه أبي طالب، ممّا جرّأ المشركين على أذاه.
- امتحان وفتنة للنّاس؛ وقد خسر الكثير منهم
بما فيهم بعض من أسلم.
- تسمّى أبو بكر -رضيَ الله عنه- في هذه الحادثة
بالصدّيق، فقد كان أفضل مثال على الإيمان الراسخ، والتسليم المطلق بصدق رسالة
النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
- شجاعة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في الإفصاح
عن هذه المعجزة التي سيكذّبها قومه. أهميّة الصّلاة، حيث شرعها الله -سبحانه
وتعالى- في ذلك المكان العظيم
-----------------------------------------------------------------------------------
قصة تحويل القبلة استجابة لدعاء النبي ﷺ و"اختبار"
لأمته
"قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ
ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ
وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
كان تحويل القبلة أول نسخ وقع في الإسلام كما
يذكر ابن كثير في البداية والنهاية، وكان الله سبحانه وتعالى قد أقر جواز النسخ
قبل ذلك في قوله: "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ
مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ
ويروي ابن كثير في البداية والنهاية الروايات
المتعددة لتحويل القبلة، إذ اختلف حول تحديد موعد تحويلها،
فقيل في رجب في السنة الثانية من الهجرة
وقيل إنها حدثت في شعبان
وقيل إنها حدثت في النصف من شعبان بعد ثمانية
عشر شهرًا من الهجرة
وروى البخاري حديثًا عن البراء رضي الله عنه
يوضح قصة تحويل القبلة، فيروي البراء أن النبي ﷺ صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا
أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت، وأنه صلى، أو صلاها، صلاة
العصر، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان معه، فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال:
أشهد بالله لقد صليت مع النبي ﷺ قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكان الذي مات
على القبلة قبل أن تحول رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله: "وما
كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم
أول صلاة للمسلمين بعد تحويل القبلة
كان النبي ﷺ يصلي في مكة متجهًا إلى بيت المقدس
والكعبة بين يديه، فلما هاجر إلى المدينة لم يستطع أن يجمع بين الأثنين، فصلى في
بداية الأمر إلى بيت المقدس، وعقب ذلك بحوالي ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر، استقبل
الكعبة، وكان ﷺ يحب أن تكون قبلته إلى الكعبة قبلة إبراهيم، فكان يكثر الدعاء
والتضرع إلى الله لذلك، ولذا أنزل الله سبحانه وتعالى: قد نرى تقلب وجهك في السماء
فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام
يروي ابن كثير أنه بمجرد نزول الآيات خطب رسول
الله ﷺ في المسلمين وأخبرهم بتحويل القبلة، وكان ذلك
في وقت صلاة الظهر
وقال بعضهم إن تحويلها حدث بين الصلاتين
وثبت في صحيحي البخاري ومسلم أن أول صلاة صلاها
الرسول ﷺ متجهًا إلى الكعبة كانت العصر، لكن لم يصل الخبر للمسلمين في قباء إلا في
صلاة الصبح من اليوم التالي
فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: "بينما
الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها. وكانت وجوههم إلى
الشام فاستداروا إلى الكعبة"
الكعبة قبلة موسى والأنبياء قبله
يروي ابن كثير في البداية والنهاية أن
"الكعبة" كانت قبلة الأنبياء قبل رسول الله ﷺ، فكان يصلي به موسى ومن
قبله من المرسلين، قائلا إن اختيار أفضل الجهات في الصلاة هو اختيار لله أيضًا
للأمة المسلمة أن تكون "خيار الأمم وخلاصة العالم وأشرف الطوائف"،
مستندًا إلى قوله تعالى: وكذلك جعلناكم
أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا
تحويل القبلة اختبار كاشف: "من يتبع
الرسول ومن ينقلب على عقبيه
لم يكن حدث تحويل القبلة هينًا، بل كان
اختبارًا وامتحانًا للناس، فبينما تقبل البعض الأمر بسرعة وسلاسة، فتن البعض
الآخر، وبينما رضخ بعض المسلمين دون مخاوف، قلق آخرون حول صلواتهم السابقة ومن مات
قبل تحويل القبلة، هل حبطت أعمالهم؟
فيروي ابن عباس رضي الله عنه كما نقل الترمذي
عنه، أن النبي ﷺ حين وجه إلى الكعبة قالوا: "يا رسولَ اللهِ ﷺ كيف بإخوانِنا
الذين ماتوا وهم يُصلون إلى بيتِ المقدسِ؟ فأنزل اللهُ تعالى (وَمَا كَانَ اللهُ
لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ )
ويروي ابن كثير أن الله سبحانه وتعالى أوضح
حكمته من هذا الأمر ردًا على من شكك وارتاب بهذه الواقعة فيقول ابن كثير:
"فقال –سبحانه وتعالى-: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من
يتبع الرسول
قال ابن عباس: إلا لنرى من يتبع الرسول ﷺ ممن
ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة أي وإن كانت هذه الكائنة العظيمة الموقع كبيرة
المحل شديدة الأمر إلا على الذين هدى الله أي فهم مؤمنون بها مصدقون لها، لا يشكون
ولا يرتابون بل يرضون، ويسلمون، ويؤمنون ، ويعملون؛ لأنهم عبيد للحاكم العظيم
القادر المقتدر الحليم الخبير اللطيف العليم
وما على المؤمن إلا الاستجابة، والانقياد
لأوامر الله، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي عمل به صحابة نبينا
-رضي الله عنهم-، فقد ثبت في الصحيحين عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يصلي نحو بيت المقدس»، فنزلت: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة
ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام}
، فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر،
وقد صلوا ركعة، فنادى: ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة. ولم
يتخلف واحد، ولم يسأل عن الحكمة من ذلك، وهذا من قوة إيمانهم، وصفاء قلوبهم من أي
شك، أو تردد -رضي الله عنهم-، بعكس ضعاف الإيمان، ومن تأثر بدعاية اليهود
وقد جاء التصريح بموقف الفريقين من تحويل
القبلة في قوله سبحانه: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا
إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ
وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ
قال القرطبي: يعني فيما أمر به من استقبال
الكعبة ممن ينقلب على عقبيه، يعني ممن يرتد عن دينه؛ لأن القبلة لما حولت ارتد من
المسلمين قوم، ونافق قوم؛ ولهذا قال: وإن كانت لكبيرة، أي: تحويلها. قاله ابن
عباس، ومجاهد، وقتادة.
-----------------------------------------------------------------------------------
كتاب الإذاعة المدرسية للغة العربية للأستاذ /
عبدالرحمن معوض
إلا أن بعض أهل العلم قد ذكر بعض الحكم من
تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، فمن ذلك: استنباطهم من سبب نزول هذه
الآية، وهي قوله: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يوجه
نحو الكعبة، فأنزل الله عليه الآية، ووجهه نحو الكعبة. وهذا ذكره ابن كثير نقلًا
عن الإمام أبي حاتم في تفسيره
أمر آخر ذكروه، وهو: أن الأمر بالتوجه إلى
الكعبة؛ حتى يقطع احتجاج اليهود في أن النبي صلى الله عليه وسلم كما وافقهم في
قبلتهم، فيوشك أن يوافقهم في دينهم، وممن قال نحو هذا القول: مجاهد، والضحاك،
والسدي، وقتادة
كما أن تحويل القبلة فيه إشارة إلى انتقال
القيادة والإمامة في الدين من بني إسرائيل، الذين كانت الشام وبيت المقدس موطنهم،
إلى العرب الذين كانت الحجاز مستقرهم، والنبي صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل،
وقد شارك أباه إبراهيم -عليهما السلام- في بناء البيت، بخلاف أنبياء بني إسرائيل،
فإنهم من ذرية إسحاق -عليه السلام
كما أن ارتباط مناسك الحج بالبيت الحرام،
وبالكعبة المشرفة، فناسبه أن يكون التوجه بالصلاة إلى البيت، الذي تكون فيه وحوله
المناسك، وهذا -والله أعلم- جزء من كمال هذا الدين
----------------------------------------------------------------------------------
مسجد القبلتين .. قصة تحوُّل
القبلة لبيت الله الحرام
مسجد القبلتين، مسجد ذو مكانة في ذاكرة
المسلمين على مستوى العالم، وله مكانته عند المهتمين بالتاريخ الإسلامي وكل من
يزور المدينة المنورة، حيث صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وشهد تحوّل القبلة
من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، إضافة إلى أنه مثبت في السنة من خلال الأحاديث
النبوية، ومسجل في ذاكرة التاريخ الإسلامي باعتباره أحد أهم وأبرز المعالم
التاريخية ومن أعظم الآثار النبوية في المدينة المنورة بعد المسجد النبوي ومسجد
قباء. وتأتي تسميته بالقبلتين لما ورد أن النبي الكريم قد صلى باتجاه قبلة بيت
المقدس فترة من الزمن بعد قدومه المدينة كما جاء في صحيح مسلم وصحيح ابن خزيمة:
سِتَّة عَشَرَ شَهْرًا، ثم أمر بتحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة، وكان ذلك في
شعبان، وقيل في رجب من العام الثاني من الهجرة
ويعد مسجد القبلتين من المساجد التي صلى فيها
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقال له مسجد بني سلمة، وتذكر مصادر أن بني
سواد بن غنم بن كعب من قبيلة بني سلمة الخزرجيين هم الذين أقاموه على عهد رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أعاد بناءه فيما بعد والي المدينة المنـورة عمر
بن عبد العزيز وفي عام (87هـ - 706م)، وجدده الشجاعي شاهين الجمالي في عام 893هـ،
وفي عهد السلطـان العثماني سليمان القانوني أصلحت عمارة المسجد عام (950هـ -
1943م) وكان بناؤه قديمًا مكونا من مواد البناء آنذاك وهي اللبن والسعف وجذوع
النخل
ويقول الدكتور عبد الرحمن الحجيلي أستاذ
التاريخ والباحث بتاريخ المدينة المنورة، عن المسجد وأهميته «مسجد القبلتين من
أقدم المساجد بالمدينة، بُني منذ هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما زار
إحدى قبائل الأنصار
وأضاف: «وشهد المسجد حدثًا إسلاميًا تاريخيًا
بتحوّل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام، مؤكدا أنه من المساجد التي وجدت
العناية والاهتمام، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وكان الصحابي عبد الله بن
عمر رضي الله عنه يتحرى المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومنها
مسجد القبلتين، كما أن بناءه قديم شيد في القرن الأول من الهجرة وجدد بناءه
الخليفة عمر بن عبد العزيز عندما كان أميرا للمدينة المنورة
وفيما روي عن البخاري عن البراء بن عازب قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر
شهرًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه إِلى الكعبة، فأنزل الله عز
وجل: (قد نرى تقلب وجهك في السماء) فتوجه نحو الكعبة
وروى ابن النجار عن عثمان بن محمد قال: زار
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من بني سلمة يقال لها: أم بشير في بني
سلمة فصنعت له طعامًا فجاء الظهر فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه
في مسجد القبلتين الظهر فلما صلى ركعتين أمر أن يتوجه إِلى الكعبة، فاستدار رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - ففيه نزل الوحي عليه - صلى الله عليه وسلم - بالتحول
إلى قبلة الكعبة المشرفة بعد أن كانت القبلة هي بيت المقدس، كان ذلك يوم 15 شعبان
من العام الثاني للهجرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند صلاة الظهر. نهض
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وبعد أن أتم ركعتين نزل عليه الوحي بالتحول إلى
الكعبة المشرفة في قوله تعالى: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها
فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) سورة البقرة آية رقم
(144)، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين، وكانت يومئذ أربع ركعات منها ثنتان إِلى
بيت المقدس وثنتان إِلى الكعبة، ومنذ ذلك الحين عرف المسجد باسم (مسجد القبلتين)
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيه شطر صلاته قبل المسجد الأقصى والشطر
الآخر قبل المسجد الحرام
ويقع مسجد القبلتين في الجهة الغربية من
المدينة في منطقة بني سلمة، وتحديدًا في هضبة (حرة الوبرة). كانت مساحة المسجد
قديمًا تبلغ أربعمائة وخمسة وعشرين مترًا مربعًا، وفي العهد السعودي أمر الملك عبد
العزيز بتجديد عمارته عام 1931 وتوسعته وبناء مئذنة وإقامة سور حوله
ونظرًا للأهمية التاريخية لمسجد القبلتين أمر
خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل فهد بن عبد العزيز آل سعود بإِعادة بنائه في
عام 1987. وتوسعته وفق أحدث التقنيات والتصاميم الهندسيـة مع إضفاء اللمسة
الهندسيـة المعمارية ذات الطابع الإسلامي عليه ليكون مهيأ لأكبر عدد من الزوار
والمصلين، وجرى بناء قاعة جديدة كاملة للصلاة فيها ومكان مخصص للنساء للصلاة، كما
أنشئت صالة للوضوء، وصبغ حجارة المسجد باللون الأبيض، مع إضافة تجديدات أخرى تشمل
الإنارة وأعمال الزخرفة والسجاد والتكييف والتدفئة وغيرها من التحديثات التي أضافت
للمسجد طابعًا أثريًا ورونقًا جميلا رائعًا.
ويقف مسجد القبلتين بمبناه الجديدة على مثلث
يتألف من دورين على أربع جهات تشمل الواجهة الرئيسية للمسجد تطل على الشارع
الرئيسي بواجهة طولها 83 مترًا، أما الجهة الجنوبية فيبلغ طولها 95 مترًا، والجهة
الغربية بواجهة طولها 82 مترًا
وللمسجد منارتان وتعلوه قبتان ومدخل للرجال
وآخر منفصل للنساء، ويستقر على مساحة إجمالية تبلغ 3920 مترا مربعا، ويتوسطه قاعة
صلاة بمساحة 1190 مترا مربعا، وتتسع لألفي مصل، وتشتمل هذه القاعة على شرفة بمساحة
400 متر مربع مخصصة للنساء على دور مرتفع إِلى الخلف من القاعة، إِضافة إِلى ذلك
فإِن ثلاثة صفوف تطل على قاعة الصلاة من الأعلى خصصت لتحفيظ القرآن الكريم
وتجسد فكرة التصميم قاعة الصلاة على سلسلة
قناطر قائمة على دعائم تسند على خمسة عقود موازية لجدار القبلة بتقاطع وسط العقود
بقبتين وتشكل محورًا وسطيًا يشير إِلى جهة مكة المكرمة
قصة تحويل القبلة من بيت
المقدس إلى المسجد الحرام
ثبت
أصلها في القرآن ، كما أنها ثبتت بشيء من التفصيل في السنة النبوية
قال تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ
النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ
لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا
شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا
جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ
الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً
إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ
إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ
فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ
وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ
وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
وروى البخاري (41) عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا
قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ ، أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ مِنَ
الأَنْصَارِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا
، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ
قِبَلَ البَيْتِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا صَلاَةَ العَصْرِ،
وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ ، فَمَرَّ عَلَى
أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ
صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ ،
فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ ، وَكَانَتِ اليَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ
إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ ، وَأَهْلُ الكِتَابِ، فَلَمَّا
وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ
وروى مسلم (527) عَنْ أَنَسٍ : " أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ»، فَنَزَلَتْ: ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ ) البقرة/ 144، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي
صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً ، فَنَادَى : أَلَا إِنَّ
الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ
وروى مسلم (526) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ :
" بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ
فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اُنْزِلَ
عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ
فَاسْتَقْبِلُوهَا ، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى
الْكَعْبَةِ "
كيفية تحول الصحابة رضي الله
عنهم
- الذين بلغهم أن القبلة قد تحولت - في أثناء
الصلاة ، فكان ذلك : بأن استدار الإمام ومن معهم من المأمومين من مكانهم على شكل
نصف دائرة ، بحيث أصبح الإمام في مؤخرة المسجد من جهة الكعبة ، والرجال خلفه ،
والنساء في مكان الرجل
ولا يلزم من قوله : ( استداروا ) و ( مالوا )
في الأحاديث السابقة : أن يكون هناك شق للصفوف من قِبل الإمام ، بل يحتمل أن ما
حصل هو مجرد استداره
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : "
وَوَقَعَ بَيَانُ كَيْفِيَّة التَّحَوُّل فِي حَدِيث ثُوَيْلَة بِنْت أَسْلَمَ
عِنْد اِبْن أَبِي حَاتِم ، وَقَدْ ذَكَرْت بَعْضه قَرِيبًا وَقَالَتْ فِيهِ :
" فَتَحَوَّلَ النِّسَاء مَكَان الرِّجَال وَالرِّجَال مَكَان النِّسَاء ,
فَصَلَّيْنَا السَّجْدَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ إِلَى الْبَيْت الْحَرَام
قُلْت : وَتَصْوِيره أَنَّ الْإِمَام تَحَوَّلَ
مِنْ مَكَانه فِي مُقَدَّم الْمَسْجِد إِلَى مُؤَخَّر الْمَسْجِد ; لِأَنَّ مَنْ
اِسْتَقْبَلَ الْكَعْبَة اِسْتَدْبَرَ بَيْت الْمَقْدِس , وَهُوَ لَوْ دَارَ كَمَا
هُوَ فِي مَكَانه لَمْ يَكُنْ خَلْفه مَكَان يَسَع الصُّفُوف , وَلَمَّا تَحَوَّلَ
الْإِمَام تَحَوَّلَتْ الرِّجَال حَتَّى صَارُوا خَلْفه ، وَتَحَوَّلَتْ النِّسَاء
حَتَّى صِرْنَ خَلْف الرِّجَال , وَهَذَا يَسْتَدْعِي عَمَلًا كَثِيرًا فِي
الصَّلَاة ، فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَلِكَ وَقَعَ قَبْل تَحْرِيم الْعَمَل
الْكَثِير ، كَمَا كَانَ قَبْل تَحْرِيم الْكَلَام , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون اُغْتُفِرَ
الْعَمَل الْمَذْكُور مِنْ أَجْل الْمَصْلَحَة الْمَذْكُورَة , أَوْ لَمْ
تَتَوَالَ الْخُطَى عِنْد التَّحْوِيل بَلْ وَقَعَتْ مُفَرَّقَة
-----------------------------------------------------------------------------------
كتاب الإذاعة المدرسية للغة العربية للأستاذ / عبدالرحمن معوض
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء