pregnancy

الأستاذ / عبد الرحمن معوض - معلم خبير لغة عربية وتربية إسلامية - السنبلاوين - دقهلية


( 15 ) قيمة القناعة

 

----------------------------------------------------------------------------------

( 15 ) قيمة القناعة

الحديث الشريف

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏

‏"‏العرض‏"‏ بفتح العين والراء‏:‏ هو المال‏.‏

  وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.

عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله”

 ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏

عن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا. رواه البخاري )

 

 

كلمة عن قيمة القناعة

يكاد أن تكون شكوى الناس من القلق وانتزاع الطمأنينة من قلوبهم من أهم مظاهر الحياة المعاصرة، يعود ذلك لأمور كثيرة من أبرزها افتقاد عنصر القناعة، نعم إنها القناعة بكل أشكالها، والرضا بكل أبعاده، فلم يعد الشخص مقتنعا بما وهبه الله من الرزق، ولا راضيا عن وظيفته وشكله وزوجه ومسكنه حتى الوطن الذي يعيش فيه، والمجتمع الذي حوله، ينظر لكل شيء بسخط وعدم رضا، وهو مع ذلك يتطلع لما ليس بيده، وتستشرف نفسه الكمال في كل شيء

لأجل هذا كان من أبرز التصورات المحورية في الشريعة الإسلامية: أن الدنيا دار ممر لا دار مقر، وأنها بالنسبة للإنسان إنما هي محطة من المحطات في طريق طويل يمتد إلى ما لا نهاية له في الدار الآخرة، وإنما يتبلغ بها المرء في طريق سفره إلى الله سبحانه وتعالى، ويوضح هذا ما ذكره سلمان -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم عهد إليه : " أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب " (رواه ابن ماجه وصححه الألباني)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم آمنا في سِرْبِه معافىً في جسده عنده قوت يومه فكأنما حِيْزَت له الدنيا "  رواه الترمذي وابن ماجة وحسنه الألباني

ومن أبرز هذه التصورات أيضاً: أن الإنسان في هذه الدنيا لن ينال إلا ما قسمه الله وقَدَّره له؛ فقد جف القلم بما هو كائن، ولن تموت نفس قبل استيفاء ما كُتِبَ لها كاملاً غير منقوص، ويوضحه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس اتقوا الله وأَجمِلوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأَجْمِلوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حَرُم " (رواه ابن ماجه وصححه الألباني

وبناء على هاذين التصورين المحوريين يتجلى خُلُق القناعة

حقيقة القناعة

القناعة لغة: مصدر قنع يقنع قناعة. إذا رضي

وفي الاصطلاح: الرضا بالقَسم

فضائل القناعة في السنة النبوية

للتحلي بخلق القناعة فضائل كثيرة دلت عليها السنة النبوية، منها

  - أنها سبب لفلاح صاحبها: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه " (رواه مسلم )

    - القناعة تكسب صاحبها محبة الله ومحبة الناس، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس " (رواه ابن ماجه وصححه الألباني 

وعلى قدر ما يقنع الإنسان عما في أيدي الناس على قدر ما تأنس إليه نفوسهم، وتطمئن له قلوبهم، ذلك أن الناس لا يحبون من يتطلع لما في أيديهم من الأموال، فهو عفيف عما في أيدي الناس، وقلبه متعلق بالله وبمحبته فلذلك ليس في قلبه التفات للدنيا وزخرفها، فاستحق محبة الله ومحبة الناس

    - أنها سبب لنيل الثناء وطيب العيش : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " طوبى لمن هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا وقنع " (رواه الترمذي وصححه الألباني

    - أن القناعة تورث صاحبها غنى النفس واستعلائها عن الشهوات واللذائذ: وهو ما قرره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس " (رواه البخاري ومسلم). قوله: (العرض)، قال ابن الأثير: العَرَض: متاع الدنيا وحطامها، وفي الحديث الصحيح: (يا ابن آدم ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس) رواه مسلم

   - القناعة تورث صاحبها العزة وتكف وجهه عن الذل للمخلوقين: ففي الحديث أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " يا محمد: شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس " (رواه الحاكم وصححه الذهبي

  - القناعة تمنح صاحبها رضا الله وهو غاية المقصود: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط " (رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني)

قال المناوي: (فمن رضي) أي: بالبلاء. (فله الرضا) أي: فليعلم أن له الرضا من المولى، أو فيحصل له الرضا في الآخرة والأولى

   - أن بها يتحقق شكر العبد لربه: ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة رضي الله عنه : " يا أبا هريرة كن ورعا، تكن أعبد الناس، وكن قنعا، تكن أشكر الناس " (رواه ابن ماجه وصححه الألباني

فالطامع المستشرف للدنيا قل أن يشكر الله على نعمة، إذ أنه يرى نفسه محروماً مهاناً، فهو ساخط عن أقدار الله، فكيف يتحقق في قلبه معنى الشكر وهو يحمل هذا الكم من الطمع والسخط

8- أن التحلي بالقناعة سبب لنيل البركة في الرزق: ففي الحديث عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال لي : " يا حكيم، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه " (رواه البخاري ومسلم

وقوله: (بطيب نفس)، قال القاضي عياض: فيه احتمالان: أظهرهما أنه عائد إلى الآخذ، أي من أخذه بغير حرص وطمع وإشراف عليه

 أمثلة في القناعة من حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم

لقد كانت حياة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حافلة بالشواهد والتطبيقات العملية لخلق القناعة، ولقد كان عليه الصلاة والسلام - رغم تقديم الصحابة رضي الله عنهم نفسه على أنفسهم فضلا عن أموالهم، ورغم كون أموال الدولة المسلمة تحت تصرفه - كان معرضا عن الدنيا راغبا فيما عند الله، يرى حاله مع الدنيا كالمسافر الذي استظل تحت ظل شجرة، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء، فقال: " ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها " (رواه الترمذي وحسنه الألباني

ومن هذه الأمثلة

  قناعته صلى الله عليه وسلم في مأكله : فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: " ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة، من طعام بر ثلاث ليال تِباعا، حتى قُبِض " (رواه البخاري ومسلم )

شكرا لتعليقك