من دروس علم المعانى : 10- المساواة
المساواة :
المساواة هي إحدى
الطرق الثلاث التي يلجأ إليها البليغ للتعبير عن كل ما يجول بنفسه من خواطر
وأفكار. فالبليغ على حسب مقتضيات الأحوال والمقامات قد يسلك في أداء معانيه تارة
طريق الإيجاز، وتارة طريق الإطناب، وتارة طريقا وسطا بين بين، هو طريق المساواة.
وإذا كان الإيجاز هو التعبير عن المعاني الكثيرة بالألفاظ
القليلة مع الإبانة والإفصاح،
وإذا كان الإطناب
هو زيادة اللفظ على المعنى لفائدة، فإن المساواة هي أن تكون المعاني بقدر الألفاظ
والألفاظ بقدر المعاني، لا يزيد بعضها على بعض.
والمساواة، كما يقول أبو هلال العسكري، هي المذهب المتوسط بين الإيجاز
والإطناب، وإليه أشار القائل بقوله: كأن
ألفاظه قوالب لمعانيه؛ أي لا يزيد بعضها على بعض
وقد عدها ابن الأثير
قسيم إيجاز القصر، وسماها الإيجاز
بالتقدير ، وعرفه بأنه الإيجاز الذي يمكن التعبير عن معناه بمثل ألفاظه وفي عدتها،
أو هو ما ساوى لفظه معناه
ولكي نتبين حقيقة المساواة التي هي طريق وسط في التعبير بين
الإيجاز والإطناب
نورد فيما يلي بعض أمثلة لها ثم نعقب عليها.
١ - قال تعالى: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى
وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون."
٢ - وقال تعالى " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. "
٣ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور
متشابهات "
٤ - وقال شاعر :
أهابك إجلالا وما بك
قدرة علي،
ولكن ملء عين حبيبها
وما هجرتك النفس أنك
عندها قليل،
ولكن قل منك نصيبها
فإذا تأملنا هذه
الأمثلة وجدنا الألفاظ فيها بقدر المعاني، وأننا لو حاولنا أن نزيد فيها لفظا
لجاءت الزيادة لغير فائدة، أو أردنا إسقاط لفظ لكان ذلك إخلالا بالمعنى. فالألفاظ
في كل مثال مساوية للمعاني، ولذلك يسمى أداء الكلام بهذه الطريقة مساواة .
وفيما يلي طائفة
منوعة من الأمثلة على المساواة
تزيد في جلاء أمرها وتوضيح حقيقتها.
١ - قال تعالى :" فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف"،
فقوله : فله ما سلف من جوامع الكلم، ومعناه أن خطاياه
الماضية غفرت له وتاب الله عليه فيها، إلا أن قوله فله ما سلف أبلغ، أي أن السالف
من ذنوبه لا يكون عليه إنما هو له.
٢ - وقال تعالى : " من كفر
فعليه كفره، فعليه كفره "
كلمة جامعة تغني عن
ذكر ضروب من العذاب، لأن من أحاط به كفره فقد أحاطت به كل خطيئة.
٣ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تزال أمتي
بخير ما لم تر الأمانة مغنما والزكاة
مغرما "
فالألفاظ هنا مساوية للمعاني تمام المساواة، وكل
زيادة أو نقص في ألفاظ الحديث إخلال بالمعنى.
٤ - ومن حديث مطول يتضمن سؤال جبريل عن الإحسان قوله :
-
ما الإحسان؟ قال أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
فقوله : " تعبد الله كأنك تراه
" من جوامع الكلم أيضا، لأنه ينوب مناب كلام كثير، كأنه قال: تعبد
الله مخلصا في نيتك، واقفا عند أدب الطاعة من الخضوع والخشوع، آخذا أهبة الحذر
وأشباه ذلك، لأن العبد إذا خدم مولاه ناظرا إليه استقصى في آداب الخدمة بكل ما يجد
إليه السبيل وما ينتهي إليه الطوق.
٥ - ومن أمثلة المساواة شعرا قول النابغة الذبياني :
وإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت
أن المنتأى عنك واسع
٦ - وقول الأعشى في اعتذاره إلى أوس بن لأم عن هجائه إياه :
وإني على ما كان مني لنادم وإني
إلى أوس بن لأم لتائب
وإني إلى أوس ليقبل عذرتي
ويصفح
عني ما حييت لراغب
فهب لي حياتي فالحياة
لقائم بشكرك فيها خير ما أنت واهب
سأمحو بمدحي فيك إذ
أنا صادق كتاب
هجاء سار إذ أنا كاذب
٧ - ومن المساواة هذه الأبيات المشهورة :
ولما قضينا من منى كل
حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح
وشدت على دهم المطايا
رحالنا ولم ينظر الغادي الذي هو رائح
أخذنا بأطراف
الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطي الأباطح
٨ - ومن هذا الضرب أيضا أبيات أبي نواس التالية في وصف آثار مجلس شراب
والتي قال فيها الجاحظ: لا أعرف
شعرا يفضل هذه الأبيات :
ودار ندامى عطلوها
وأدلجوا بها أثر منهم: جديد
ودارس
مساحب من جر الزقاق
على الثرى وأضغاث ريحان جني ويابس
حبست بها صحبي فجددت
عهدهم وإني على أمثال هذا لحابس
تدار علينا الراح في
عسجدية حبتها
بأنواع التصاوير فارس
قرارتها كسرى وفي
جنباتها مها
تدريها بالقسي الفوارس
فللراح ما زرت عليه
جيوبهم وللماء
ما دارت عليه القلانس
----------------------------------------------------------------------------------
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء