من دروس علم
المعانى :
8- الإيجاز والإطناب
علم المعانى : يهتم بدراسة
إيحاءات الألفاظ والتراكيب والأساليب ومن دروسه الإيجاز والإطناب
·
التعبير عما فى نفس الأديب من معان وافكار قد يكون :
·
بألفاظ قليلة تعبر عن معان كثيرة ويسمى الإيجاز
·
بألفاظ وعبارات كثيرة للتعبير عن معان قليلة ويسمى الإطناب
·
بألفاظ وعبارات على قدر المعنى ويسمى المساواة
أولا
الإيجاز :هو التعبير عن
المعانى الكثيرة بألفاظ قلية مع تمام المعنى
أشاد الجاهليون كثيرا بالإيجاز ودعوا إليه
ومارسوه في أدبهم على اختلاف ألوانه ولعل
السر في اهتمامهم به راجع إلى ظروف مجتمعهم، فقد كان مجتمعا تشيع فيه الأمية وتندر
فيه الكتابة، ولهذا كان عليهم أن يعتمدوا على ذاكرتهم من ناحية في الإبقاء على
أدبهم الذي يصور حياتهم، وعلى تناقله عن طريق الرواية جيلا بعد جيل من ناحية أخرى.
ولكن الذاكرة مهما كانت قوية فإنها لا
تستطيع أن تستوعب كل ما يقال، ولا سيما إذا كان طويلا، وإذا استوعبت ما قدرت عليه
من الكلام المسهب فإنها معرضة لنسيان بعضه بسبب طوله.
من هنا ولهذه الاعتبارات، كما يبدو، كانت
الحاجة إلى الإيجاز في القول أول الأمر كوسيلة لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الأدب
تستطيع الذاكرة أن تعيه من غير نسيان، وبذلك يتسنى للأجيال المتعاقبة أن تتناقله
سليما غير منقوص.
على ضوء ذلك يمكن القول بأن ما نرى لهم من
كلام كثير في فضل الإيجاز والتنويه به واعتباره البلاغة الحقة كان نابعا في المحل
الأول من حاجتهم إليه كأهم وسيلة للحفاظ على تراثهم العقلي وقلما نظروا بمفهومه المتطور لدى رجال البلاغة
المتأخرين، أي على أنه مطلب بلاغي في حد ذاته تستدعيه مقتضيات الكلام أحيانا.
وفي صدر الإسلام لم يتطور مفهوم الإيجاز
كثيرا عما كان عليه في العصر الجاهلي. حقا لقد اقتضى الأمر تدوين الرسائل في
الإسلام لأغراض شتى، ولكن ظروف المجتمعين الجديد والقديم كانت لا تزال متقاربة
متشابهة من جهة قلة الكاتبين وندرة أدوات الكتابة، ولذلك ظل الإيجاز وسيلة أكثر
منه غاية قائمة لذاتها.
ثم شيئا فشيئا زاد الاهتمام بالكتابة
وتفرغ لها طائفة من الأدباء يفتنون في طرقها وأساليبها، فكان ذلك إيذانا ببدء
مرحلة جديدة في تطور مفهوم الإيجاز والنظر إليه على أنه مطلب بلاغي في حد ذاته
يتنافسون في الإبداع فيه حتى ود بعضهم لو كان الكلام كله توقيعات مصبوبة في قوالب
من الإيجاز.
فإذا أتينا إلى العصر العباسي
فإننا نرى الجاحظ في القرن الثالث الهجري يحدد
مفهوم الإيجاز بقوله : الإيجاز هو الجمع للمعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة
ثم نراه فيما بعد يتوسع في مفهوم الإيجاز،
فلم يعد يقصره على جمع المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة ، وإنما صار الإيجاز عنده
بمعنى أداء حاجة المعنى، سواء أكان ذلك الأداء
في ألفاظ قليلة أم كثيرة ،
فقد يطول الكلام وهو في رأيه إيجاز لأنه وقف عند منتهى البغية ولم يجاوز مقدار
الحاجة
فمقياس الإيجاز في نظره إذن هو أداء حاجة
المعنى وعدم تجاوز مقدار هذه الحاجة أو النكوص عنها طال الكلام أم قصر.
وعند أبي هلال العسكري
يتمثل الإيجاز في ترديد رأي أصحابه القائل بأن الإيجاز قصور البلاغة على الحقيقة، وما تجاوز
مقدار الحاجة فهو فضل داخل في باب الهذر
والخطل، وهما من أعظم أدواء الكلام،
وفيهما دلالة على بلادة صاحب الصناعة وفي هذا الرأي نظر إلى رأي
الجاحظ السابق وتأثر به.
أما ابن رشيق
فلم يورد للإيجاز تعريفا خاصا مكتفيا في ذلك بتعريف الرماني له
وتقسيمه. أما
تعريفه فقد قال ابن رشيق نقلا عن الرماني:
= الإيجاز
هو العبارة عن الغرض بأقل ما يمكن من الحروف .
وقد عرف ابن الأثير الإيجاز مرة بقوله الإيجاز حذف زيادات الألفاظ ومرة
أخرى بقوله: الإيجاز دلالة اللفظ على المعنى من غير أن
يزيد عليه
كما قسمه إلى إيجاز بالحذف وإيجاز بدون الحذف. أما الإيجاز
بالحذف
-----------------------------------------------------------------------------------
كتاب البلاغة السهلة للأستاذ / عبدالرحمن معوض
والإيجاز عند البلاغيين ضربان:
أنواع
الايجاز :
أولا : إيجاز بالقصر
وهو تقليل الألفاظ وتكثير
المعاني. وقيل: هو تضمين العبارات القصيرة معاني كثيرة من غير حذف. وقيل أيضا: هو
الذي لا يمكن التعبير عن معانيه بألفاظ أخرى مثلها وفي عدتها.
وهذا النوع، كما يقول ابن الأثير، هو أعلى
طبقات الإيجاز مكانا وأعوزها إمكانا، وإذا وجد في كلام بعض البلغاء فإنما يوجد
شاذا نادرا.
ومما ورد من إيجاز القصر في القرآن الكريم
قوله تعالى:
" ولكم في القصاص حياة "، فإن
قوله تعالى: القصاص
حياة لا يمكن التعبير عنه بألفاظ كثيرة، لأن معناه أنه إذا قتل القاتل امتنع غيره
عن القتل، فأوجب ذلك حياة للناس.
ويتبين فضل هذا الكلا إذا قرنته بما جاء
عن العرب في معناه وهو قولهم:
" القتل أنفى للقتل " فقد يخيل لمن لا يعلم أن هذا
القول على وزن الآية الكريمة، وليس الأمر كذلك، بل
بينهما فروق من ثلاثة أوجه: أحدها
أن القصاص
حياة » لفظتان، «والقتل
أنفى للقتل ثلاثة
ألفاظ، والوجه الثاني أن في قولهم القتل أنفى للقتل تكريرا
ليس في الآية، والوجه الثالث أنه ليس كل قتل نافيا للقتل إلا إذا كان القتل على
حكم القصاص.
ومن أمثلة إيجاز القصر في القرآن الكريم
أيضا، قوله
تعالى :
" ألا له الخلق
والأمر "
كلمتان استوعبتا جميع الأشياء على غاية الاستقصاء. روي أن ابن عمر قرأها، فقال: من
بقي له شيء فليطلبه.
وقوله تعالى " والفلك تجري في البحر بما ينفع الناس " جمع
أنواع التجارات، وصنوف المرافق التي لا يبلغها العد والإحصاء.
وقوله تعالى " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، "
فجمع جميع مكارم الأخلاق بأسرها؛ لأن في العفو صلة القاطعين، والصفح عن الظالمين
وإعطاء المانعين، وفي الأمر بالمعروف تقوى الله وصلة الرحم، وصون اللسان عن الكذب،
وغض الطرف عن الحرمات والتبرؤ من كل قبيح، لأنه لا يجوز أن يأمر بالمعروف وهو
يلابس شيئا من المنكر.
وفي الإعراض عن الجاهلين الصبر والحلم
وتنزيه النفس عن مقابلة السفيه بما يفسد الدين.
وقوله تعالى" وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت
على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين.
" فهذه الآية الكريمة تتضمن مع الإيجاز والفصاحة دلائل القدرة.
وقوله تعالى: " أخرج منها ماءها
ومرعاها،
" فدل بشيئين الماء
والمرعى على
جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للناس، من العشب والشجر والحطب واللباس والنار
والملح والماء، لأن النار من العيدان، والملح من الماء. والشاهد
على أنه أراد ذلك كله قوله تعالى:
" متاعا لكم ولأنعامكم. "
ومما ورد من إيجاز القصر في أحاديث الرسول
قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
" كفى بالسلامة داء" ، وقوله " إنكم لتكثرون عند الطمع، وتقلون عند الفزع "،
وقوله: " حبك الشيء يعمي ويصم "، وقوله: " إن من البيان لسحرا "
وقوله: ترك الشر صدقة ، وقوله: نية المؤمن خير من عمله ،
وقوله:
"إذا أعطاك الله خيرا فليبن عليك، وابدأ بمن تعول، وارتضخ من الفضل، ولا
تلم على الكفاف، ولا تعجز عن نفسك "
فقوله: فليبن عليك أي
فليظهر أثره عليك بالصدقة والمعروف ودل على ذلك بقوله "وابدأ
بمن تعول، وارتضخ من الفضل" أي
اكسر من مالك وأعط، وقوله: ولا
تعجز عن نفسك أي
لا تجمع لغيرك وتبخل عن نفسك فلا تقدم خيرا.
ومنه في كلام العرب قول أعرابي أولئك قوم
جعلوا أموالهم مناديل لأعراضهم، فالخير بهم زائد والمعروف لهم شاهد أي يقون أعراضهم ويحمونها
بأموالهم.
وقول آخر: أما
بعد فعظ الناس بفعلك ولا تعظهم بقولك، واستحي من الله بقدر قربه منك، وخفه بقدر
قدرته عليك .
وقيل لأعرابي يسوق مالا كثيرا لمن
هذا المال ؟ فقال: لله في يدي.
فمعاني هذا الكلام- على حد قول أبي هلال
العسكري- أكثر من ألفاظه، وإذا أردت أن تعرف صحة ذلك فحلها وابنها بناء آخر، فإنك
تجدها تجيء في أضعاف هذه الألفاظ.
ملخص
الايجاز بالقصر :
1- الإيجاز
بالقصر : يكون بتضمين المعانى الكثيرة بألفاظ قليلة من غير حذف
الأمثلة
:
1- ولكم فى
القصاص حياة يا أولى الألباب
ومعناها
يزيد على لفظها لأن المراد أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قُتل كان ذلك داعياً
قوياً ألا يقدم على جريمة القتل ، وهذا القول أقل عبارة يمكن التعبير بها في هذا
المعنى .( القتل أنفى للقتل )
2- خذ العفو وامر بالعرف وأعرض
عن الجاهلين
3-
فهى جامعة لكل الفضائل مثل العفو عن الناس
والأمر بالمعروف والإعراض عن الجاهلين وما يتبع ذلك من ثواب عظيم
4- كلكم راع وكلكم مسئول عن
رعيته
حيث شملت جميع الناس الحاكم والأب والمعلم
وغيرهم
5- لا يستوى الخبيث والطيب
حيث شمل بالخبيث كل شئ محرم مثل المال الحرام والعمل الفاسد
وغيره
6- عبس الخطب فابتسم وطغى الهول فاقتحم
حيث يدل على صعوبة الموقف من جميع جوانبه ولكن
البطل يقابله بالابتسام للثقه فى الفوز
وظغى الهول يدل على انتشار الخوف الذى يزلزل النفوس ويرعب القلوب ولكن البطل يتصف بصفات قويى تساعده على التغلب
على ذلك
7-
قل هو الله أحد الله الصمد
فالمستحق للعبادة وحده هو الله والذى يقصده
الناس فى حوائجهم هو الله
مثل :
* قال تعالى: " أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ "
العبارة توضح معاني
كثيرة تتعلق بالخالق و عظمته و قدرته و وحدانيته .... إلخ .
* قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : إذا لم تستح
فاصنع ما شئت !! رواه البخاري.
وفي قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت) ، الكثير من المعاني التي يحملها
ذلك الأمر التهديدي ، ومعناه أنه إذا انتزع الحياء من نفس الإنسان فقد يعمد إلى عمل
الفواحش والمنكرات بأنواعها ، سراً وجهراً ، قولاً وعملاً ، ولكن العاقل يدرك أن وراء
هذا القول ما وراءه من تهديد ووعيد ، فمن يقدم على ذلك ، فالحساب أمامه والعقاب ينتظره
.
*جاء في رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى : أسلم تَسْلَمْ رواه البخاري.
وفي قول الرسول ( أسلم تسلم)
غاية الإيجاز ، ومنتهى الاختصار ، فمعنى هاتين الكلمتين : اعرف الإسلام ، وادخل فيه
، وسلِّم أمرك للَّه ، بالانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك ، فإن تحقق ذلك سلمت
نفسك من العذاب وسلطانك من الانهيار
ثانيا الإيجاز بالحذف
وهو القسم الثاني للإيجاز، ويعرفه
البلاغيون بقولهم: هو ما يحذف منه كلمة أو جملة أو أكثر مع
قرينة تعين المحذوف ولا يكون إلا فيما زاد معناه على لفظه .
وعن هذا النوع من الإيجاز يقول ابن الأثير: أما
الإيجاز بالحذف فإنه عجيب الأمر شبيه بالسحر، وذاك أنك ترى فيه ترك الذكر أفصح من
الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم
تنطق، وأتم ما تكون مبينا إذا لم تبين
ثم يستطرد في الكلام عن إيجاز الحذف فيقول:
-
والأصل
في المحذوفات جميعها على اختلاف ضروبها أن يكون في الكلام ما يدل على المحذوف، فإن
لم يكن هناك دليل على المحذوف فإنه لغو من الحديث لا يجوز بوجه ولا سبب.
ومن شرط المحذوف في حكم البلاغة أنه متى
أظهر صار الكلام إلى شيء غث لا يناسب ما كان عليه من الطلاوة والحسن.
ذكرنا آنفا أن الإيجاز إنما يكون بحذف
كلمة أو جملة أو أكثر وإذا
تتبعنا المحذوف في هذا النوع من أساليب الإيجاز فإننا نجده يأتي على وجوه مختلفة
منها:
١ - ما يكون المحذوف فيه حرفا: نحو
قوله تعالى: " قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين فالمراد «تالله
لا تفتأ أي
لا تزال، فحذفت لا» من
الكلام وهي مرادة.
وعلى هذا جاء قول امرئ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو
قطعوا رأسي لديك وأوصالي
أي: لا
أبرح قاعدا، فحذفت
لا في
هذا الموضع أيضا وهي مرادة.
ومما جاء منه قول أبي محجن الثقفي لما
نهاه سعد بن أبي وقاص عن شرب الخمر وهو إذ ذاك في قتال الفرس بموقعة القادسية:
رأيت الخمر صالحة وفيها مناقب تهلك الرجل الحليما
فلا والله أشربها حياتي ولا أسقي بها أبدا نديما
يريد: لا
أشربها، فحذف لا من
الكلام وهي مفهومة منه.
٢ - ما يكون المحذوف مضافا : نحو
قوله تعالى:" وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون، " أي: اسأل
أهل القرية وأصحاب العير.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى : " فقبضت قبضة
من أثر الرسول،" أي: من
أثر حافر فرس الرسول. وقوله
تعالى " وجاهدوا في الله حق جهاده، " أي: وجاهدوا
في سبيل الله
٣ - ما يكون المحذوف موصوفا : نحو
قوله تعالى : " وآتينا ثمود الناقة مبصرة
" ، فإنه
لم يرد أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء وإنما يريد آية
مبصرة، فحذف الموصوف وهو آية وأقام
الصفة مقامه.
وأكثر وقوع حذف الموصوف في النداء وفي
المصدر. أما
النداء فنحو قوله تعالى:
" يا أيها الساحر
" أي: يا أيها الرجل الساحر، وقوله
تعالى:
" يا أيها
الذين آمنوا ... "، أي: يا
أيها القوم الذين آمنوا.
ومما جاء منه في الشعر قول البحتري من
أبيات يصف فيها التصاوير التي في إيوان كسرى، وذلك أن الفرس كانت تحارب الروم
فصوروا مدينة أنطاكية في الإيوان وحرب الروم والفرس عليها، فمما
ذكره البحتري في ذلك قوله :
وإذا ما رأيت صورة أنطاكية ارتعت بين روم وفرس
والمنايا مواثل وأنو شر وان
يزجي الصفوف تحت الدرفس
في اخضرار من اللباس على أصفر يختال في صبيغة ورس
فقوله على
أصفر ، أي: على فرس أصفر، وهذا مفهوم من قرينة الحال، لأنه
لما قال على
أصفر علم
بذلك أنه أراد فرسا أصفر، كما أن يختال قرينة
لفظية، لأن الاختيال من صفات الخيل الحسنة.
4- المصدر محذوف :
فكقوله تعالى" "
ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا
"، تقديره: ومن
تاب وعمل عملا صالحا ...
5 - ما يكون المحذوف صفة : ولا
يسوغ هذا الحذف إلا في صفة تقدمها ما يدل عليها أو تأخر عنها أو فهم ذلك من شيء
خارج عنها. أما
الصفة التي تقدمها ما يدل عليها فنحو قوله تعالى " أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان
وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا،" فحذف الصفة، أي كان
يأخذ كل سفينة صالحة غصبا ويدل
على المحذوف قوله: فأردت أن أعيبها فإن
عيبه إياها لم يخرجها عن كونها سفينة، وإنما المأخوذ هو الصحيح دون المعيب فحذفت الصفة هنا لأنه تقدمها ما يدل عليها.
وأما الصفة المحذوفة التي تأخر عنها ما
يدل عليها فقول يزيد بن الحكم الثقفي:
كل امرئ ستئيم منه العرس أو منها يئيم
يريد: كل
امرئ متزوج، إذ
دل عليه ما بعده من قوله ستئيم منه أو منها
يئيم إذ
لا تئيم هي إلا من زوج، ولا يئيم هو إلا من زوجة. فجاء بعد الموصوف ما دل عليه،
ولولا ذلك ما صح معنى البيت، إذ ليس كل امرئ يئيم من عرس ولا تئيم منه عرس إلا إذا
كان متزوجا.
وأما ما يفهم منه حذف الصفة فيه من شيء
خارج عن الكلام فقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا صلاة
لجار المسجد إلا في المسجد"
فإنه قد علم جواز صلاة جار المسجد في غير
المسجد من غير هذا الحديث فعلم حينئذ أن
المراد به الفضيلة والكمال، أي: لا صلاة أفضل أو أكمل لجار
المسجد إلا في المسجد. وهذا شيء لم يعلم من نفس اللفظ وإنما علم من شيء خارج عنه.
6 - ما يكون المحذوف
القسم أو جوابه :
فأما حذف القسم فنحو قولك: لأفعلن أي: والله لأفعلن، أو غير ذلك
من الأقسام المحلوف بها.
وأما حذف جواب القسم فنحو قوله تعالى : " ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء
عجيب " ، فإن معناه ق والقرآن المجيد لتبعثن والشاهد على ذلك ما بعده من
ذكر البعث في قوله تعالى:
" أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ".
وقد ورد هذا الضرب في القرآن كثيرا، كقوله تعالى في سورة النازعات
" والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا. فالسابقات سبقا. فالمدبرات أمرا.
يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة، "
فجواب القسم ههنا محذوف تقديره لتبعثن أو لتحشرن. ويدل
على ذلك ما أتى به من ذكر القيامة في قوله" يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة،" وكذلك
إلى آخر السورة.
7 ما يكون المحذوف لو
وشرطها، أو جوابها فقط وذاك
من ألطف ضروب الإيجاز وأحسنها. فأما
حذف لو وشرطها معا كقوله تعالى "": ما اتخذ
الله من ولد وما كان معه من إله إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض
" تقدير ذلك: إذ لو كان معه آلهة لذهب كل إله بما خلق ...
وكذلك ورد قوله تعالى " وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذن لارتاب المبطلون
" تقديره: إذ لو فعلت ذلك لارتاب المبطلون.
ومما جاء من ذلك شعرا قول
قريط بن أنيف:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو
اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذا لقام بنصري معشر خشن عند
الحفيظة إن ذو لوثة لانا
ف لو في
البيت الثاني محذوفة لأنها في البيت الأول قد استوفت جوابها بقوله: لم
تستبح إبلي ، ثم
حذفها في الثاني وتقدير حذفها إذ
لو كنت منهم لقام بنصري معشر خشن، أو إذ لو كانوا قومي لقام بنصري معشر خشن.
وأما حذف جواب لو فكثير
شائع نحو: لو زرتنا أو لو ألممت بنا معناه: لأحسنا إليك أو
لأكرمناك أو ما جرى هذا المجرى.
ومنه قوله تعالى " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله
الأمر جميعا " أراد: لكان هذا القرآن فحذف الجواب اختصارا لعلم المخاطب بأن الشرط
المذكور لا بد له من جواب.
هذا عن القسم الأول من أقسام إيجاز الحذف
وهو حذف مفرد أو كلمة. وهذا النوع من الحذف يتصرف على أربعة عشر ضربا أتينا هنا
على
ستة أضرب منها على سبيل المثال
أما القسم الثاني من أقسام
إيجاز الحذف وهو حذف جملة أو أكثر، فمن
أمثلته قوله تعالى في حكاية موسى عليه السلام مع اب ابنتي شعيب:
" فسقى لهما ثم تولى
إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير فجاءته إحداهما تمشي على استحياء
قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا " فالمحذوف هنا جمل عدة، ونظم
الكلام من غير حذف أن يقال:
فذهبتا إلى أبيهما وقصتا عليه ما كان من
أمر موسى، فأرسل إليه، فجاءته إحداهما تمشي على استحياء.
ومن أمثلة الإيجاز بحذف أكثر من جملة أيضا
قوله تعالى في قصة سليمان وقصة الهدهد في إرساله بالكتاب إلى بلقيس " قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين. اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم
تول عنهم فانظر ماذا يرجعون. قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ...."
فالمحذوف هنا أكثر من جملة ونظم الكلام من
غير حذف أن يقال:
فأخذ الهدهد الكتاب وذهب به إلى بلقيس
فلما ألقاه إليها وقرأته قالت: يا
أيها الملأ .
والمحذوف إذا كان كذلك دل عليه الكلام
دلالة ظاهرة، لأنه إذا ثبتت حاشيتا الكلام وحذف وسطه ظهر المحذوف لدلالة الحاشيتين
عليه.
وبعد فلما
كان سبب الإيجاز في جميع ما أوردناه هنا من أمثلة هو الحذف، سواء أكان حذف مفردات
أو جمل، سمي «إيجاز
حذف
ملخص الايجاز بالحذف :
1- الإيجاز بالحذف :
يكون بحذف شئ من العبارة
لايخل بالمعنى مع وجود قرينة على هذاالشئ المحذوف
1ـ
حذف الحرف : كما فى قوله تعالى (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا)
أي من قومه
(قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي
بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) (20) سورة مريم . أي لم
أكن بغياً ، فقد حذفت نون الفعل تخفيفاً .
2ـ حذف المضاف : كما فى قوله تعالى (لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ) أى يرجو رحمة الله و جاهدوا في
× الله حق جهاده . أي في سبيل الله .
ومنه قوله تعالى (إِنْ تَنْصُرُوااللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)
أى دين الله
3ـ
حذف المضاف إليه : كما فى قوله تعالى( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا
بِعَشْرٍ ) بعشر ليال
ومنه قوله تعالى(لِلَّهِ
الاَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) أى من قبل ذلك ومن بعدذلك
·
ـ حذف الموصوف
: كما فى قوله تعالى (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ
الطَّرْفِ أَتْرَابٌ )أى حور قاصرات الطرف
·
وذكر الله كثيرا
أى ذكرا كثيرا
·
حذف الصفة "وكان وراءهم
ملك ياخذ كل سفينة غصبا " أى كل سفينة صالحة
·
حذف الفعل : "ولئن سألتهم من خلقهم ليقولون الله "
·
أى خلقهم الله
·
حذف الفاعل :
أطالت وقوفا تذرف العين
جهدها على طلل القبر الذى فيه احمد
اى أطالت العين
وقوفا
·
حذف المفعول به : " سيذكر من
يخشى "
أى يخشى الله
·
حذف الفعل والفاعل :
أخاك أخاك إن من لاأخ
له كساع إلى الهيجاء بغير سلاح
أى الزم أنت أخاك
10 - حذف الجار والمجرور :" ستكتب شهادتهم ويسألون "
11 أى يسالون عنها
12 حذف جملة : " فقلنا اضرب بعصاك الحجر
فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا " اى فضرب فانفجرت منه
13 حذف المبتدأ :
شاك إلى البحراضطراب خواطرى فيجيبونى برياحه الهوجاء أى إنا شاك
وتلخيصا لقواعد الإيجاز التي
فصلنا القول فيها نقول:
١ - الإيجاز: جمع
المعاني الكثيرة تحت الألفاظ القليلة مع الإبانة والإفصاح.
٢ - الإيجاز
نوعان:
أ- إيجاز
قصر: ويكون
بتضمين العبارات القصيرة معاني كثيرة من غير حذف.
ب- إيجاز
حذف : ويكون بحذف مفرد أو جملة أو أكثر مع قرينة
تعين المحذوف.
***
القيمة
الجمالية للإيجاز:
إثارة الذهن وتحريك العقل
وامتاع النفس فى البحث عن المحذوف وزيادة الأسلوب جمالا
نموذج مجاب :
بين نوع الإيجاز في العبارات الآتية :
(1) - قال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ
إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (82) سورة الأنعام.
(2) - و قال تعالى: {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ
حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} (85) سورة يوسف
(3) - و قال تعالى: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا}
(31) سورة النازعات.
(4) - و قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ
وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}
(5) - وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ
الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ
الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى
النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ
أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ
لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}
(6) - وقال أبو الطيب :
أتَى الزّمَانَ بَنُوهُ في شَبيبَتِهِ فَسَرّهُمْ وَأتَينَاهُ عَلى الهَرَمِ
(7) - أكلتُ فاكهةً و ماءً.
الإجابة :
(1) - في الآية إيجاز قِصَر ، لأن كلمة {الأمن } يدخل تحتها
كل أمر محبوب ، فقد انْتَفَى بها أن يخافوا فقراً ، أَو موتاً ، أو جوْراً ، أو زوال
نعمة ، أو غير ذلك من أصناف المكاره .
(2) - في الآية إيجاز حذف ؛ لأن المعنى {تالله لا تفتأ تذكر
يوسف} فحذف حرف النفي.
(3) - في الآية إيجاز قصر ، فقد دل الله سبحانه بكلمتين على
جميع ما أخرجه من الأرض قوتا و متاعاً للناس من العُشب والشجر والحطب واللِّباس والنار
و الماء .
(4) - في الآية إيجاز حذف ، فقد حُذف جوابُ أَمَّا ، وأصل
الكلام : {فيقال لهم أكفرتم بعْد إيمانكم }.
(5) - في الآية إيجاز بحذف جواب لو ، إذ تقدير الكلام لكان
هذا القرآن .
(6) - في البيت إيجاز بحذف جملة : و التقدير و أتيناه على
الهَرم فساءنَا.
(7) - في العبارة إيجاز حذف جملة ، إذ التقدير و شَربْت ماء
.
تدريبات :
(أ) - بين نوع الإيجاز فيما يأتي ووضح
السبب :
(1) - قال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا
كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ
عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}
(2) - وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}
(3) - وقال عليه الصلاة والسلام : « إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ
لَسِحْرًا » .
(4) - وقال تعالى في وصف الجنة: {.. وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ
الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ..}
(5) - و قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ
وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ}
(6) - وقال تعالى:
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ
الأمُورُ }
(7) - وقال صلى الله عليه وسلم : " الطمعُ فقرٌ واليأسُ
غِنًى " .
(8) - وقال علي - كرم اللَه وجهه -: " آلَةُ الرِّيَاسَةِ
سَعَةُ الصَّدْرِ" .
(9) - ويُنْسب للسموءل :
وإِنْ هُو لَمْ يَحْمِلْ على النَّفْسِ ضَيْمَها * فَلَيْسَ
إلى حُسْنِ الثَّناءِ سبيلُ
(10) - و قال تعالى في وصف انتهاء حادثة الطوفان {وَقِيلَ
يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ
وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
[أقلعي: كفي عن المطر، و غيض الماء: نضب ، و الجودي : جبل
بأرض الجزيرة استوت عليه سفينة نوح عليه السلام عند انتهاء الطوفان]
(ب) - بيِّنْ جمالَ الإِيجاز فيما
يأتي و اذكر من أيِّ نوعٍ هو :
(1) - كتب طاهرُ بن الحسين إلى المأمون وكان واليَهُ على
عُمَاله بعد هزمه عسْكر علي بن عيسى بن ماهان [من كبار القادة في عصر الرشيد و الأمين]
و قتله إِياه : كتابي إِلى أَمير المؤمنين، ورأْسُ علي بن عيسى بن ماهان بين يدَي،
وخَاتمُهُ في يدي، و عسكَرُه مُصرَّف تحت أمري والسلام .
(2) - وخطب زياد فقال : أيها الناس لا يَمْنعكم سوءُ ما تَعْلمون
منَّا أن تنَنْتفعوا بأحْسَنِ ما تسمعون منّا.
(جـ) - بين ما في التوقيعات الآتية
من جمالِ الإيجاز :
(1) - وقَّع أبو جعفر المنصور في شكوى قوم من عاملهم : كما
تكونوا يؤمَّر عليكم .
(2) - وكتب إليه صاحبُ مِصْر بنُقْصان النيل فوقع : طهِّرْ
عسكركَ من الفسادِ يعطِكَ النيلُ القيادْ .
(3) - ووقع على كتاب لعامله على حِمص و قد كثُر فيه الخطأ
: استبدِل بكاتبك، وإلا أستُبْدِل بك .
(4) - وكتب إِليه صاحب الهند أنَّ جُنْدًا شغبوا عليه و كَسروا
أقْفالَ بيتِ المال ، فَوقَّع : لو عدلْت لَمْ يشْغبُوا ولو وفَيْت لَمْ ينتهِبُوا
.
(5) - ووقع هارون الرشيد إلى صاحب خراسان : داوِ جُرْحكَ
لا يتسعْ .
(6) - ووقع في قصة البرامكة : أنبتتهم الطاعة ، و حصدتْهُم
المعصية .
(7) - وكتب إِبراهيم بن المهْدي في كلام للمأمون : إن عفوت
فبفضلك، وإن أَخذتَ فبحقك. فوقَع المأمون: القُدْرة تُذهبُ الحفيظَة .
(8) - ووقع زِياد بنُ أبيه في قصة مُتظلم : كُفِيتَ.
(9) - ووقَّع جعفر بن يحيى [من قادة البرامكة] لعامل كَثُرَتِ
الشكوى منه: كثُر شاكوك ، و قلَّ شاكرُوك ، فإما عدلْت ، وإِمَّا اعْتَزَلْت .
(10) - ووقع في قصة محبوس: الجناية حسبهُ ، والتوبةُ تطلقه
.
(د) - اقرأ الحكاية الآتية وبين وجه الإيجاز و نوعه فيما
يعرض فيها من أمثال :
كَان لرجل من الأعراب اسمه ضَبَّةُ ابنان . يقال لأحدهما
سعْد و للآخر سُعيْد ، فنَفَرتْ إبل لضبة فتفرق ابناه في طلبها ، فوجدها سعد فردها
، فمضى سُعيْد في طلبها ، فلقيه الحارث بن كعب ، وكان على الغلام بُرْدان ؛ فسأله الحارث
إياهما فأبى عليه فقتله وأخذ برديه ، فكان ضبة إذا أمسى ورأى تحت الليل سوادًا قال
: أسعد أَمْ سُعيْد ؟ فذهب قوله مثلا يُضرب في النجاح والخيبة ، ثم مكث ضبة بعد ذلك
ما شاء الله أَن يمكث ، ثم إنه حج فوافى عُكاظ فلقي بها الحارث بن كعب ، ورأى عليه
بُرْدي ابنه سُعيْد ، فعرفهما ، فقال له : هل أَنت مخبري ما هذان البردان اللذان عليك
؟ قال لقيت غلاماً يوماً وهما عليه فسألته إياهما فآبى عليَّ فقتلته فأخذتهما ، فقال
ضبة : بسيفك هذا ؟ قال : نعم ، قال : أرنيه فإِني أظنه صارماً ؟ فأعطاه الحارث سيفه
، فلما أخذه هزَّه و قال : الحديثُ ذو شُجُون ثم ضربه به فقتل ! ، فقيل له يا ضَبة:
أفي الشهر الحرام ؟ فقال : سبقَ السيفُ العذل [اللوم] فهو أول من سارت عنه هذه الأمثال
الثلاثة .
---------------------------------------------------------------------------------
كتاب البلاغة السهلة للأستاذ
/ عبدالرحمن معوض
من دروس علم المعانى :
9- الإطناب
السكاكي عرف الإطناب
بقوله الإطناب أداء المقصود بأكثر من
عبارة المتعارف
- والخطيب القزويني عرفه بقوله:
الإطناب تأدية أصل المراد بلفظ زائد عليه لفائدة
ومن جميع التعريفات السابقة التي تلتقي في الغالب مضمونا
وتختلف لفظا يمكن اعتماد تعريف ابن الأثير للإطناب تعريفا له وهو: الإطناب زيادة اللفظ على المعنى لفائدة
والإطناب كما أوضح البلاغيون يأتي في
الكلام على أنواع مختلفة لأغراض بلاغية منها:
انواع الاطناب
١ - الإيضاح بعد الإبهام
وهذا النوع من الإطناب يظهر المعنى في
صورتين مختلفتين: إحداهما
مجملة مبهمة والأخرى مفصلة موضحة وهذا من
شأنه أن يزيد المعنى تمكنا من النفس. فإن المعنى إذا ألقي على سبيل الإجمال
والإبهام تشوقت نفس السامع إلى معرفته على سبيل التفصيل والإيضاح فتتوجه إلى ما
يرد بعد ذلك. فإذا ألقي كذلك تمكن فيها فضل تمكن، وكان شعورها به أتم ولذتها
بالعلم به أكمل
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى ": وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين، " فإن قوله تعالى: أن دابر هؤلاء
مقطوع مصبحين
إيضاح للإبهام الذي تضمنه لفظ الأمر ، وذلك لزيادة تقرير المعنى في ذهن السامع بذكره مرتين مرة على طريق الإجمال والإبهام، ومرة على طريق التفصيل
والإيضاح.
ومن هذا النوع من الإطناب أيضا قوله
تعالى: " فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد
وملك لا يبلى؟
"، فقوله
تعالى : فوسوس
إليه الشيطان كلام مجمل مبهم فصله ووضحه الكلام الذي جاء بعده.
ومنه كذلك قوله تعالى " : أمد كم بما تعلمون أمد كم بأنعام وبنين " فإن ذكر الأنعام والبنين توضيح لما أبهم قبل ذلك في قوله: بما
تعلمون.
ومن الإيضاح بعد الإبهام
التوشيع وهو أن يؤتى في عجز
الكلام غالبا بمثنى مفسر باسمين أحدهما معطوف على الآخر، وذلك كقول الرسول: " يشيب ابن آدم وتشيب معه خصلتان: الحرص وطول الأمل "
ومنه شعرا قول
البحتري:
لما مشين بذي الارك تشابهت أعطاف
قضبان به وقدود
في حلتي حبر وروض فالتقى وشيان: وشي ربى ووشي برود
وسفرن فامتلأت عيون راقها وردان: ورد جنى وورد خدود
ومتى يساعدنا الوصال ويومنا يومان: يوم نوى ويوم صدود؟
وقد يأتي التوشيع في
وسط الكلام كقول شوقي
:
ودخلت في ليلين فرعك والدجى ولثمت
كالصبح المنور فاك
وقد يأتي التوشيع
جمعا لا مثنى وفي ابتداء الكلام كقول محمد ابن وهب:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها شمس الضحا وأبو إسحاق والقمر
٢ - ذكر الخاص بعد العام :
والغرض البلاغي من هذا النوع من الإطناب
هو التنبيه على فضل الخاص وزيادة التنويه بشأنه، حتى كأنه ليس من جنس العام.
ومن أمثلته قوله تعالى: "حافظوا على
الصلوات والصلاة الوسطى"، فقد خص الله الصلاة الوسطى أي صلاة العصر
بالذكر مع أنها داخلة في عموم الصلوات
تنبيها على فضلها الخاص حتى كأنها لفضلها جنس آخر مغاير لما قبلها فالغرض البلاغي من هذا الإطناب هو التنويه بشأن
الخاص.
ومنه قوله تعالى في وصف ليلة القدر:" تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم،" فقد خص الله سبحانه وتعالى
الروح بالذكر وهو جبريل مع أنه داخل في عموم الملائكة تكريما له
وتعظيما لشأنه كأنه جنس آخر. ففائدة الزيادة هنا أيضا التنويه بشأن الخاص.
ومنه كذلك قوله تعالى" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر"
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخلان في عموم الدعوة إلى الخير ولكن الله
خصهما مرة ثانية بالذكر تنويها بشأنهما الخاص. وقد أورد المعنى هنا في صورتين
مختلفتين إيهاما وإيضاحا ليكون ذلك أوقع في نفس السامع.
٣ - ذكر العام بعد الخاص :
والغرض من ذلك هو إفادة العموم مع
العناية بشأن الخاص، نحو قوله تعالى: رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين
والمؤمنات. فلفظ
لي ولوالدي» زائد في الآية لدخول معناه في عموم المؤمنين والمؤمنات، فهذان
اللفظان المؤمنين
والمؤمنات لفظان عامان يدخل في عمومهما من ذكر قبل ذلك، أي لي ولوالدي لإفادة العموم مع العناية بالخاص لذكره مرتين: مرة وحده ومرة مندرجا تحت العام.
كتاب
البلاغة السهلة
للأستاذ / عبدالرحمن معوض
٤ - التكرير لداع :
والمراد به تكرير المعاني والألفاظ،
وحده هو دلالة اللفظ على المعنى مرددا وقد
سبقت الإشارة إلى رأي ابن الأثير في الفرق بينه وبين الإطناب والتطويل، ومتى يلحق
بأي من هذين.
والتكرير المفيد يأتي في الكلام تأكيدا
له وتشديدا من أمره، وإنما تفعل ذلك للدلالة على العناية بالشيء الذي كررت فيه
كلامك إما مبالغة في مدحه أو ذمه أو غير ذلك.
ودواعي الإطناب
بالتكرير كثيرة منها:
أ - تأكيد الإنذار: نحو قوله تعالى:" كلا سوف تعلمون
ثم كلا سوف تعلمون" فقوله: كلا سوف تعلمون الأولى هي زجر وإنذار
لهؤلاء الذين ألهاهم التكاثر في الدنيا عن العمل للآخرة وفي تكرير قوله تعالى: كلا سوف تعلمون تأكيد لهذا الإنذار. وهذا هو المعنى الزائد
الذي أفاده إطناب التكرير هنا.
ب- التحسر:
كقول الحسين بن مطير يرثى معن بن زائدة :
فيا قبر معن أنت أول حفرة من الأرض خطت للسماحة موضعا
ويا قبر معن كيف واريت جوده وقد
كان منه البر والبحر مترعا
فالغرض من تكرير
يا قبر معن هو إظهار الأسى والتحسر على معن.
ج- طول الفصل
: كما
في قوله تعالى: لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون
أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب فكرر لا تحسبنهم لطول الفصل بين الأول ومتلعقه وهو بمفازة من العذاب وخشية أن
يكون الذهن قد غفل عما ذكر أولا.
وقول الشاعر:
لقد علم الحي اليمانون أنني إذا قلت أما بعد أني خطيبها
وقول الحماسي :
وإن امرأ دامت مواثيق عهده على
مثل هذا إنه لكريم
ففي البيت الأول كررت أني لطول الفصل بين اسم
أنني الأولى وخبرها. وفي البيت الثاني كررت
إنه لذات السبب، أي لطول الفصل بين اسم
إن الأولى وخبرها.
والإطناب بالتأكيد كما يظهر أيضا في
الخطابة وفي مواطن الفخر والمدح والإرشاد والتلذذ، والاستيعاب.
٥ – الإيغال :
وهو ختم البيت بكلمة أو عبارة يتم
المعنى بدونها ولكنها تعطيه قافيته وتضيف إلى معناه التام معنى زائدا.
ومن أمثلة ذلك قول
الخنساء في أخيها صخر:
وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
فإن معنى البيت يتم عند قولها كأنه علم ولكن الخنساء لم تكتف في تشبيه أخيها الذي يأتم الهداة به
بالعلم وهو الجبل المرتفع المعروف بالهداية، ولكنها أوغلت بذكر في رأسه نار فأعطت البيت بذلك قافيته، ثم أضافت بهذه الزيادة على معنى
البيت التام معنى جديدا، وهو أن أخاها لا يشبه الجبل المرتفع فقط ولكنه يشبه الجبل
الذي فوق قمته نار.
ومن الإطناب بالإيغال قول مروان بن أبي
حفصة :
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
فقوله
وأجزلوا إيغال أعطى البيت قافيته وأضاف إلى معناه التام معنى جديدا هو
أنهم عند ما يعطون يعطون الطيب الجزيل.
٦ – الاحتراس :
والإطناب بالاحتراس يكون حينما يأتي
المتكلم بمعنى يمكن أن يدخل عليه فيه لوم، فيفطن لذلك ويأتي بما يخلصه منه.
والاحتراس الذي يؤتى به في الكلام
لتخليصه مما يوهم خلاف المقصود قد يكون في وسط الكلام كقول طرفة بن العبد:
فسقى ديارك غير
مفسدها صوب الربيع وديمة تهمي
فقوله غير مفسدها احتراس وتحرز من
المقابل وهو محو معالمها.
وقول ابن المعتز في
وصف فرس :
صببنا عليها- ظالمين- سياطنا فطارت بها أيد سراع وأرجل
فالاحتراس هو كلمة
ظالمين فلو حذفت لتوهم السامع أن فرس ابن المعتز كانت بليدة تستحق
الضرب. وهذا خلاف ما يقصده الشاعر.
وقول نافع الغنوي:
رجال إذا لم يقبل الحق منهمو ويعطوه
عاذوا بالسيوف القواضب
فقوله ويعطوه احتراس لولاه لفهم أن هؤلاء الرجال يلجئون إلى سيوفهم لمجرد
عدم قبول الحق منهم، على حين أن المعنى بالاحتراس يفيد أنهم لا يفزعون إلى سيوفهم
إلا في حالة عدم قبول الحق منهم وامتناع العدو عن إعطائهم إياه. والفرق كبير بين
المعنيين.
وقول صفي الدين الحلي :
فوفني غير مأمور وعودك لي فليس
رؤياك أضغاثا من الحلم
فالاحتراس في
غير مأمور فإن لفظة
وفني في البيت فعل أمر،
ومرتبة الآمر فوق مرتبة المأمور فاحترس
بقوله: غير
مأمور
وقد يكون الاحتراس في آخر الكلام
نحو قوله تعالى: اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء،
فإن المعنى بدون قوله تعالى: من غير سوء
موهم أن يكون ذلك البياض لمرض كالبرص أو
سوء أصاب اليد، ولهذا
أتى بقوله من غير سوء لدفع هذا الإيهام.
ونحو قول الشاعر:
وما بي إلى ماء سوى النيل غلة
ولو أنه- أستغفر الله- زمزم
فالشاعر أتى بجملة
أستغفر الله - للاحتراس، لأنه أراد أن يقول:
ولو أنه زمزم ففطن لما قد يتوهمه السامع فيه من الاستخفاف
بأمر زمزم وهو الماء المبارك المقدس، فسارع إلى دفع هذا الوهم وقال:
أستغفر الله
فهذه الزيادات التي وردت في الأمثلة
السابقة سواء كانت في وسط الكلام أو آخره هي إطناب بالاحتراس، وكذلك كل زيادة تجيء
لدفع ما يوهمه الكلام مما ليس مقصودا.
٧ – الاعتراض :
وهو أن يؤتى في أثناء الكلام أو بين
كلامين متصلين في المعنى بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب لفائدة غير دفع الإبهام.
ومن هذا يفهم أن الإطناب باعتراض يؤتى
به في الكلام لفائدة أو لغرض يقصد إليه البليغ
ومن أغراض الإطناب البلاغية بالاعتراض:
أ - التنزيه وذلك كقوله تعالى: ويجعلون لله
البنات- سبحانه- ولهم ما يشتهون. فجملة سبحانه في الآية الكريمة معترضة في أثناء الكلام
لغرض بلاغي هو المسارعة إلى تنزيه المولى جل شأنه وتقديسه عما ينسبون إليه.
ب - الدعاء ومن أمثلته قول عوف بن محلم الشباني يشكو كبره وضعفه:
إن الثمانين وبلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
فقوله
وبلغتها جملة معترضة بين اسم إن وخبرها قصد الشاعر بها الدعاء لمن
يخاطبه استدرارا لعطفه عليه ويجدر التنبيه
إلى أن الواو
السابقة
للجملة الاعتراضية ليست واو الحال ولا العطف، وإنما هي
واو الاعتراض.
ومن أمثلة الإطناب بالاعتراض أيضا قول
عباس بن الأحنف:
إن تم ذا الهجر يا ظلوم ولا تم فمالي في العيش من أرب
فجملة
ولا تم معترضة بين الشرط وجوابه. وغرض الشاعر من وراء هذا الاعتراض هو
المسارعة إلى دعاء
الله بألا يقدر وقوع هذا الهجر والتقاطع
بينه وبين حبيبته.
ومنه قول أبي الطيب المتنبي :
وتحتقر الدنيا احتقار مجرب يرى كل
ما فيها وحاشاك
فانيا
فقوله وحاشاك إطناب بالاعتراض للدعاء كذلك وهو حسن في موضعه.
ج - التنبيه : على أمر من الأمور
ومنه قول أبي خراش الهذلي يذكر أخاه عروة
تقول أراه بعد عروة لاهيا وذلك رزء لو علمت جليل
فلا تحسبي أني تناسيت عهده ولكن
صبري يا
أميم جميل
ففي البيت الأول اعترض الشاعر بين الصفة
والموصوف بقوله: لو
علمت والغرض
من الاعتراض هنا التنبيه على عظم المصاب وشدة تأثيره في نفسه وذلك لأن مفعول علمت محذوف تقديره: لو علمت مبلغ هذا الرزء
وعظيم تأثيره في نفسي وفي البيت الثاني اعترض بجملة النداء يا أميم بين اسم
لكن وخبرها لتنبيه المخاطبة إلى جمال صبره.
ومن هذا النوع أيضا قول الشاعر:
واعلم فعلم المرء ينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا
فقوله:
فعلم المرء ينفعه جملة اعتراضية بين الفعل اعلم ومفعوله وقد أتى
الشاعر بهذا الاعتراض لينبه على فضل العلم وعظيم نفعه للإنسان والمعنى هنا أن المقدر آت لا محالة وإن وقع فيه
تأخير والفاء السابقة للجملة الاعتراضية
هي فاء الاعتراض.
ومنه قول كثير عزة:
لو أن الباخلين وأنت منهم رأوك تعلموا منك المطالا
فالإطناب باعتراض هنا هو وأنت منهم وقد بادر به الشاعر للتنبيه على بخل المخاطبة وأن الباخلين وهي
واحدة منهم جديرون بأن يتعلموا منها المطال.
د- التحسر
: ومنه
قول إبراهيم بن المهدي في رثاء ابنه :
وإني وإن قدمت قبلي لعالم بأني وإن أخرت منك قريب
ففي البيت هنا إطناب بالاعتراض في كل من
شطريه، هو في الشطر الأول
وإن قدمت قبلي ، وهو في الثاني
وإن
أخرت ، والغرض البلاغي الذي قصد إليه
الشاعر من وراء هذين الاعتراضين هو إظهار الأسى والتحسر على أن الموت سبق إلى ولده.
هـ - التعظيم :
نحو قوله تعالى :" فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم.
إنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون "
فموضع الإطناب بالاعتراض في الآية الكريمة هو قوله تعالى: وإنه لقسم- لو تعلمون- عظيم وهذا الاعتراض هو في الواقع اعتراضان: أولهما
وإنه لقسم عظيم والثاني هو لو تعلمون والغرض البلاغي منهما هو تعظيم القسم بمواقع
النجوم وتفخيم أمره، وفي ذلك تعظيم للمقسم عليه وتنويه برفعة شأنه، وهو القرآن
الكريم.
ومن الإطناب المعجز ما
ورد في قوله تعالى:
" وإن كنتم في ريب مما
نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين.
فإن لم تفعلوا- ولن تفعلوا- فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت
للكافرين، "
فاعتراض
بقوله ولن تفعلوا يفيد استحالة معارضة القرآن والإتيان بسورة من نوعه
فالإطناب باعتراض كما يبدو من الأمثلة
السابقة وعلى اختلاف أغراضه لا يكمل المعنى فحسب، وإنما يضفي عليه ظلالا من الحسن.
ويمكن إدراك هذه الحقيقة في أي مثال من
هذه الأمثلة إذا ما قارنا بين معناه باعتراض ومعناه مجردا منه.
٨ – التذييل :
والإطناب بالتذييل هو تعقيب الجملة
بجملة أخرى تشتمل على معناها للتوكيد
وقد تحدث أبو هلال العسكري عن أثر
التذييل في الكلام وموقعه منه
فقال: وللتذييل في الكلام موقع
جليل، ومكان شريف خطير؛ لأن المعنى يزداد به انشراحا والمقصد اتضاحا
والتذييل هو إعادة الألفاظ المترادفة على المعنى
بعينه، حتى يظهر لمن لا يفهمه، ويتوكد عند من فهمه
وينبغي أن يستعمل في المواطن الجامعة، والمواقف
الحافلة، لأن تلك المواطن تجمع البطيء الفهم، والبعيد الذهن، والثاقب القريحة،
والجيد الخاطر، فإذا تكررت الألفاظ على المعنى الواحد توكد عنه الذهن اللقن، وصح
للكليل البليد
أقسام التذييل :
والإطناب بالتذييل قسمان
أ- تذييل جار مجرى المثل، وذلك إن استقل معناه واستغنى عما
قبله، نحو قوله تعالى:
" وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء "
فجملة
قوله تعالى: إن
النفس لأمارة بالسوء تشتمل على معنى الجملة السابقة :
وما أبرئ نفسي وقد عقب بها عليها توكيدا
لمعناها وإذا تأملنا جملة التذييل وهي إن
النفس لأمارة بالسوء وجدناها مستقلة بمعناها لا يتوقف فهمها على فهم ما قبلها ومن
أجل ذلك يقال لهذا النوع من الإطناب بالتذييل إنه
جار مجرى المثل
ومنه أيضا قوله تعالى:
" وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان
زهوقا "
فجملة إن الباطل كان زهوقا تعقيب على الجملة
السابقة تشتمل على معناها توكيدا لها، وهي في الوقت ذاته مستقلة بمعناها لا يتوقف
فهمها على فهم ما قبلها
ولهذا يقال إنها إطناب بالتذييل جار مجرى المثل.
ومما ورد شعرا من هذا النوع قول إبراهيم
بن المهدي في رثاء ابنه :
تبدل دارا غير داري وجيرة سواي،
وأحداث الزمان تنوب
فجملة
أحداث الزمان تنوب إطناب بالتذييل جار مجرى المثل، لأنه كلام مستقل بمعناه ومستغن
عما قبله.
ومنه قول الشاعر:
فإن أك مقتولا فكنت أنت قاتلي
فبعض
منايا القوم أكرم من بعض
فالشطر الثاني من البيت جاء تأكيدا
للأول لاشتماله على معناه، وهو في ذات الوقت كلام مستقل بمعناه ومستغن عما قبله في
فهمه، ولهذا فهو إطناب بالتذييل جار مجرى المثل.
ومنه قول أبي نواس :
عرم الزمان على الذين عهدتهم بك قاطنين وللزمان عرام
فقول أبي نواس
للزمان عرام تأكيد للمعنى السابق لاشتماله على معناه، وهو مستقل
عنه بمعناه، فهو لهذا إطناب بالتذييل جار مجرى المثل.
ومنه قول الحطيئة:
نزور فتى يعطي على الحمد ماله
ومن يعط
أثمان المكارم يحمد
فالشطر الثاني إطناب بالتذييل للشطر
الأول جار مجرى المثل لأنه مستقل بمعناه ولا يتوقف فهمه على فهم ما قبله.
ب- تذييل غير جار مجرى المثل: هذا هو القسم الثاني من أقسام الأطناب بالتذييل، وهو الكلام
الذي لا يستقل بمعناه، ولا يفهم الغرض منه إلا بمعونة ما قبله.
ومن أمثلته قوله تعالى:
"
ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور؟ "
فقوله
تعالى : وهل
نجازي إلا الكفور؟ تذييل لقوله: ذلك جزيناهم بما كفروا وقد جاء هذا التذييل توكيدا لما قبله
لاشتماله على معناه، ولكنه هو غير مستقل بمعناه ولا يفهم الغرض منه إلا بمعونة ما
قبله. ومن
أجل ذلك يقال له:
إطناب بالتذييل غير جار مجرى المثل، إذ المعنى: وهل نجازي ذلك الجزاء الذي ذكرناه إلا الكفور؟.
ومنه أيضا قوله تعالى " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون؟" فقوله تعالى: أفإن مت فهم الخالدون؟، تذييل لقوله وما جعلنا لبشر من قبلك
الخلد وهو إطناب بالتذييل غير جار مجرى المثل، لأنه غير مستقل في معناه عما قبله.
ومنه شعرا قول ابن نباتة السعدي :
لم يبق جودك لي شيئا أؤمله تركتني
أصحب الدنيا بلا أمل
فالشطر الثاني من البيت إطناب بالتذييل
غير جار مجرى المثل للشطر الأول
فهو
تأكيد له لاشتماله على معناه، ولكنه غير مستقل بمعناه، إذ لا
يفهم الغرض منه إلا بمعونة ما قبله.
ومنه قول عنترة :
فدعوا نزال فكنت أول نازل وعلام أركبه إذا لم أنزل؟
فالشاعر استوفى المعنى في الشطر الأول
وذيل بالشطر الثاني وهذا إطناب بالتذييل غير جار مجرى المثل، فهو تأكيد لمعنى
سابقه لاشتماله على معناه، ولكنه هو غير مستقل بمعناه، إذ لا يفهم الغرض منه إلا
بمعونة ما قبله.
ذلك هو الإطناب مقابل
الإيجاز، وفيما يلي تلخيص لكل قواعده التي سبق شرحها وتفصيل القول فيها.
أ- الإطناب زيادة اللفظ على المعنى
لفائدة.
ب
- والإطناب
يأتي في الكلام على أنواع شتى منها:
١
- الإيضاح بعد الإبهام، لتقرير المعنى
وتمكينه في ذهن السامع.
٢
- ذكر الخاص بعد العام للتنبيه على فضل
الخاص.
٣
- ذكر العام بعد الخاص، لإفادة العموم مع الاهتمام
بشأن الخاص.
٤
- التكرير لداع كتأكيد الإنذار، وكالتحسر، وكطول الفصل.
٥
- الإيغال:
وهو ختم البيت بكلمة أو عبارة يتم المعنى بدونها، ولكنها تعطيه
قافيته، وتضيف إلى معناه التام معنى زائدا.
٦
- الاحتراس:
ويكون حينما يأتي المتكلم بمعنى يمكن أن يدخل عليه فيه لوم،
فيفطن لذلك ويأتي بما يخلصه منه.
٧
- الاعتراض:
وهو أن يؤتى في أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين في المعنى
بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب لفائدة سوى دفع الإبهام.
ومن هذه الفوائد التنزيه، والدعاء،
والتنبيه على أمر من الأمور، والتحسر والتعظيم.
٨
– التذييل : وهو تعقيب الجملة بجملة أخرى تشتمل على معناها توكيدا، وهو ضربان:
أ- جار مجرى المثل : إن
استقل معناه واستغني في فهمه عما قبله.
ب- غير جار مجرى المثل : إن لم يستقل معناه ولم يستغن في فهمه عما قبله.
ملخص الدرس
:
الإطناب : هو التعبير عن المعنى الواحد
بألفاظ كثيرة وذلك لأغراض متعددة وإذا كانت الزيادة بلا فائدة كانت حشوا لا قيمة
لها
·
هو أداء المعنى
بأكثر من عبارة سواء أكانت الزيادة كلمة أم جملة بشرط أن تكون لها فائدة (كالرغبة في
الحديث مع المحبوب - أو التعليل ، أو الاحتراس ، أو الدعاء - أو التذييل - أو الترادف
- أو ذكر الخاص بعد العام - أو التفصيل بعد الإجمال) فإذا خلت الزيادة من الفائدة فلا
يسمى الكلام معها إطنابا ، بل تطويلاً أو حشواً لا داعي له ، وهو مذموم .
وأنواع
الإطناب هى :
1- ذكر الخاص بعد العام : للتنبيه على فضل
الخاص
مثال : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) .
فقد خص الله – سبحانه وتعالى – الروح بالذكر ، وهو جبريل
مع أنه داخل في عموم الملائكة تكريماً وتشريفاً له .
مثال : "من كان عدو لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال
فإن الله عدو للكافرين "
·
" حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى "
2 - ذكر العام بعد الخاص : لإفادة العموم مع العناية بشأن الخاص .
مثال : (رَبَّنَا
اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)
" وما اوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم "
2- التفصيل بعد الإجمال :
مثال : * كقول الرسول : { بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةُ
أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ , وَإِقَامُ الصَّلَاةِ
, وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ , وَحَجُّ الْبَيْتِ , وَصَوْمُ رَمَضَانَ } .
مثال :"
آية المنافق ثلاث :إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر
3- التكرار :
مثال : "
كلا سوف تعلمون , ثم كلا سوف تعلمون "
4- التذييل
:
و يأتي بعد تمام المعنى في كلام غالباً أشبه بالحكمة .
وهو الحاق جملة بجملة آخرى لها نفس المعنى :
وما أبرئ نفسى أن النفس لأمارة بالسوء
ولست بمستبق أخا لا تلمه
على شعث أى الرجال المهذب ؟
مثل
: ( حكم على المتهم بالبراءة ، والعدل أساس الملك ).
مثل
: أو تَحْفظُون عهُودًا لا أُضَيِّعُها *** إنَّ الكـرامَ بِحفـظِ العَهْدِ تُمْتَحنُ
6- التعليل :
مثال : "
واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور "
7
- التفسير :
مثال : "
وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين "
8
- الترادف :
مثال : لاتقل غير الصدق ولا تشهد غير الحق
من خطبة لواصل بن عطاء : " سبحانه لامعقب لحكمه ولا راد
لقضائه "
مثال : القومية العربية ليست
طريقاً مبهماً غامضاً .
9
- الاستئناث بالحديث
المشوق
كقوله تعالى: ( وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ
عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) (طه 17 :18 )
في المثال السابق بسط سيدنا موسى الكلام تلذُّذاً بالحديث
مع الله ، فهو يكلم رب العزة ويسعد أعظم سعادة بهذه المنزلة لذلك أطال مع أنه كان يكفيه
أن يقول
(هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ)
.
-------------------------------------------------------------------------------
كتاب
البلاغة السهلة
للأستاذ / عبدالرحمن معوض
10
- الإعتراض :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
غرضه الدعاء
واعلم
فعلم المرء ينفعه أن سوف يأتى كل ما قدر غرضه التنبيه
لو إن الباخلين وأنت منهم رأوك تعلموا منك المطاولا غرضه الذم
ألا كل شئ ما خلا الله باطل وكل نعيم لامحالة زائل غرضه الاحتراس
وسقى
ديارك غير مفسدها صوب الربيع وديمة تهمى غرضه الاحتراس
مثال : وصل أبي - و الحمد
لله - من السفر سالماً .
ابني - حفظه الله - الأول
على مدرسته .
كقول
الرسول : (المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى
مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ) : فقول الرسول (وفي كُلٍّ خَيْرٌ) احتراس جميل حتى لا يتوهم القارئ أن المؤمن الضعيف لا خير
فيه
و كقوله تعالى:
(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) (المنافقون:1)
.
فقوله تعالى { وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ }إطناب
جيء به للاحتراس .
نموذج
مجاب
بين نوع الإطناب فيما يأتي :
(1) - قال تعالى: " أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى
أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ
الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا
مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ "
(2) - وقال تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ
الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ
ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) }
(3) - وقال أبو الطيب :
إنّي أُصَاحِبُ حِلمي وَهْوَ بي كَرَمٌ وَلا
أُصاحِبُ حِلمي وَهوَ بي جُبُنُ
(4) - وقال النابغة الجعْدي يهجو :
لَو أنّ الباخلينَ وأنتِ منهمْ ** رَأوكِ تعلَّموا منكِ المِطالاَ
(5) - وقالت أعرابيةٌ لرجلٍ : " كَبَتَ اللهُ كُلَّ
عَدُوٍّ لكَ إِلاّ نَفْسَكَ " .
(6) - و قال تعالى:{ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا
تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
(134)}
الإجابة :
(1) - في الآية إطناب بالتكرار في معْرض الإنذار لتقرير المعنى
في نفوس السامعين.
(2) - في الآية إطناب بالتذييل في موضعين: أولهما قوله تعالى:
{أفإن متَّ فهم الخالدون } وهذا تذييل لم يجر مجرى المثل، و الثاني قوله تعالى: {كل
نفس ذائقة الموت } و هو جار مَجْرَى المثل.
(3) - في البيت إطناب بالاحتراس في موضعين: أولهما في الشطر
الأوَّل بذكر "وهو بي كرم"، وثانيهما في الشطر الثاني بذكر "وهو بي
جُبن".
(4) - في البيت إطناب بالاعتراض. فقد جاءت جملة: " وأنت
منهم " معترضة بين اسم إن و خبرها للإسراع إلى ذم المخاطَب.
(5) - هنا إطناب بالاحتراس ، لأن نفس الإنسان تجري
مجْرى العدو له، فأنها تدعوه إلى ما يوبقه.
(6) - في الآية إطناب بالإيضاح بعد الإبهام فإن ذكر الأنعام
و البنين توضيح لما أبهم قبل ذلك في قوله : { بما تعلمون }.
تدريبات :
(أ) - بين مواطن الإطناب بالتذييل
في كل مثال من الأمثلة الآتية:
(1) - قال أبو تمام يُعزي الخليفة في ابنه :
تَعَزَّ أمـِيرَ المُؤْمنين فإِنَّهُ
لِما قد تَرَى يُغْذَى الوَلِيدُ ويُولَدُ
هلِ ابنُكَ إلاّ مِن سُلالَةِ آدمٍ لكلٍّ على حـَوْضِ المَنِيَّةِ مَوْرِدُ
(2) - و قال إبراهيم بن المهدي في رثاء ابنه : دارَا غيْرَ
داري و جيرةً *** سوايَ و أحْداثُ الزَّمان تَنُوبُ
(3) - وقال الشاعر :
فإنْ أكُ مقتُولا
فكُنْ أنْتَ قاتلي فبعضُ منَايا القَومِ أكرمُ مِنْ بعْض
(4) - قال تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا
وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}
(5) - قال تعالى: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ
الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًاَ}
(ب) - بيِّن مواقع الإطناب فيما يأتي
:
(1) - قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ
وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
(2) - و قال أيضا : {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ
الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ}
(3) - و قال الشاعر :
وَالحِرصُ في الرِزاقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت بَغِيُ
أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ
(4) - و قال تعالى: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ
(17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ }
(5) - و قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ
اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39)
(6) - و قال تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ
بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ
كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ
(7) - و قال الحماسي :
أقَيْدٌ وَحَبْسٌ واغْترَابٌ وفرقةٌ وهَجْرُ
حبيبٍ إنَّ ذَا لَعظيمُ
وإن امرأً دَامت مَواثِيقُ وَدِّهِ عَلَى عُشْرِ ما بي إنَّه لَكريمُ
(8) - و قال تعالى : {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ
يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى}
(9) - و قال إبراهيم المهدي في رثاء ابنه :
و إنِّي و إن قُدِّمْتَ قَبْلي لعالمٌ بأنِّي
و إن أبطأتُ عنكَ قريبُ
(10) - قال تعالى : {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ
وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ }
(11) - و قال أوس بن حجر : ولَيسَ بخابىءٍ لغَدٍ
طَعاماً حِذارَ غَدٍ، لكلِّ غَدٍ
طَعامُ
(12) - و قال تعالى
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
(13) - و قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ
مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا
وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
(14) - و قال تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ
لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
(53) سورة يوسف.
(15) - قال تعالى : {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ
إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي
سَاجِدِينَ} (4) سورة يوسف.
استخرج الإطناب وبين الغرض منه فيما يأتى
1-
بلى أنا مشتاق وعندى لوعة
ولكن
مثلى لا يذاع له سر
2-
ألا زعمت بنى سعد بأنى ألا كذبوا كبير السن فانى
3- صببنا عليهم ظالمين سياطنا فطارت
بها ايد سراع وارجل
4-
لاتنه عن خلق وتأتى مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
5- كل ابن انثى وإن طالت سلامته يوما على ألة حدباء محمول
6-تقاد لك الأبطال قبل لقائهم لأنهم من نقع جيشك قد عموا
1- وأرق العين والظلماء عاكفة ورقاءقد شفها إذ شفنى حزن
2- عين الإيجاز وبين نوعه فيما يأتى :
1-قوم إذا حاربو ضروا عدوهم
أو حاولوا النفع فى أشياعهم نفعوا
2-من القوم لا يرعون
حقا لشاعر ولا
تقتدى افعالهم بفعالك
3- فمصبرا فى مجال
الموت صبرا فما
نيل الخلود بمستطاع
4- وللآخرة خير لك من الأولى
5-غلبت الروم , فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون
6-الظلم ظلمات يوم القيامة
7
- فرية منه ومكر فالبكاء
ليس محمودا إذا لم ينفع
من دروس علم المعانى : 10- المساواة
المساواة :
المساواة هي إحدى
الطرق الثلاث التي يلجأ إليها البليغ للتعبير عن كل ما يجول بنفسه من خواطر
وأفكار. فالبليغ على حسب مقتضيات الأحوال والمقامات قد يسلك في أداء معانيه تارة
طريق الإيجاز، وتارة طريق الإطناب، وتارة طريقا وسطا بين بين، هو طريق المساواة.
وإذا كان الإيجاز هو التعبير عن المعاني الكثيرة بالألفاظ
القليلة مع الإبانة والإفصاح،
وإذا كان الإطناب
هو زيادة اللفظ على المعنى لفائدة، فإن المساواة هي أن تكون المعاني بقدر الألفاظ
والألفاظ بقدر المعاني، لا يزيد بعضها على بعض.
والمساواة، كما يقول أبو هلال العسكري، هي المذهب المتوسط بين الإيجاز
والإطناب، وإليه أشار القائل بقوله: كأن
ألفاظه قوالب لمعانيه؛ أي لا يزيد بعضها على بعض
وقد عدها ابن الأثير
قسيم إيجاز القصر، وسماها الإيجاز
بالتقدير ، وعرفه بأنه الإيجاز الذي يمكن التعبير عن معناه بمثل ألفاظه وفي عدتها،
أو هو ما ساوى لفظه معناه
ولكي نتبين حقيقة المساواة التي هي طريق وسط في التعبير بين
الإيجاز والإطناب
نورد فيما يلي بعض أمثلة لها ثم نعقب عليها.
١ - قال تعالى: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى
وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون."
٢ - وقال تعالى " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. "
٣ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور
متشابهات "
٤ - وقال شاعر :
أهابك إجلالا وما بك
قدرة علي،
ولكن ملء عين حبيبها
وما هجرتك النفس أنك
عندها قليل،
ولكن قل منك نصيبها
فإذا تأملنا هذه
الأمثلة وجدنا الألفاظ فيها بقدر المعاني، وأننا لو حاولنا أن نزيد فيها لفظا
لجاءت الزيادة لغير فائدة، أو أردنا إسقاط لفظ لكان ذلك إخلالا بالمعنى. فالألفاظ
في كل مثال مساوية للمعاني، ولذلك يسمى أداء الكلام بهذه الطريقة مساواة .
وفيما يلي طائفة
منوعة من الأمثلة على المساواة
تزيد في جلاء أمرها وتوضيح حقيقتها.
١ - قال تعالى :" فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف"،
فقوله : فله ما سلف من جوامع الكلم، ومعناه أن خطاياه
الماضية غفرت له وتاب الله عليه فيها، إلا أن قوله فله ما سلف أبلغ، أي أن السالف
من ذنوبه لا يكون عليه إنما هو له.
٢ - وقال تعالى : " من كفر
فعليه كفره، فعليه كفره "
كلمة جامعة تغني عن
ذكر ضروب من العذاب، لأن من أحاط به كفره فقد أحاطت به كل خطيئة.
٣ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تزال أمتي
بخير ما لم تر الأمانة مغنما والزكاة
مغرما "
فالألفاظ هنا مساوية للمعاني تمام المساواة، وكل
زيادة أو نقص في ألفاظ الحديث إخلال بالمعنى.
٤ - ومن حديث مطول يتضمن سؤال جبريل عن الإحسان قوله :
-
ما الإحسان؟ قال أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
فقوله : " تعبد الله كأنك تراه
" من جوامع الكلم أيضا، لأنه ينوب مناب كلام كثير، كأنه قال: تعبد
الله مخلصا في نيتك، واقفا عند أدب الطاعة من الخضوع والخشوع، آخذا أهبة الحذر
وأشباه ذلك، لأن العبد إذا خدم مولاه ناظرا إليه استقصى في آداب الخدمة بكل ما يجد
إليه السبيل وما ينتهي إليه الطوق.
٥ - ومن أمثلة المساواة شعرا قول النابغة الذبياني :
وإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت
أن المنتأى عنك واسع
٦ - وقول الأعشى في اعتذاره إلى أوس بن لأم عن هجائه إياه :
وإني على ما كان مني لنادم وإني
إلى أوس بن لأم لتائب
وإني إلى أوس ليقبل عذرتي
ويصفح
عني ما حييت لراغب
فهب لي حياتي فالحياة
لقائم بشكرك فيها خير ما أنت واهب
سأمحو بمدحي فيك إذ
أنا صادق كتاب
هجاء سار إذ أنا كاذب
٧ - ومن المساواة هذه الأبيات المشهورة :
ولما قضينا من منى كل
حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح
وشدت على دهم المطايا
رحالنا ولم ينظر الغادي الذي هو رائح
أخذنا بأطراف
الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطي الأباطح
٨ - ومن هذا الضرب أيضا أبيات أبي نواس التالية في وصف آثار مجلس شراب
والتي قال فيها الجاحظ: لا أعرف
شعرا يفضل هذه الأبيات :
ودار ندامى عطلوها
وأدلجوا بها أثر منهم: جديد
ودارس
مساحب من جر الزقاق
على الثرى وأضغاث ريحان جني ويابس
حبست بها صحبي فجددت
عهدهم وإني على أمثال هذا لحابس
تدار علينا الراح في
عسجدية حبتها
بأنواع التصاوير فارس
قرارتها كسرى وفي
جنباتها مها
تدريها بالقسي الفوارس
فللراح ما زرت عليه
جيوبهم وللماء
ما دارت عليه القلانس
----------------------------------------------------------------------------------
كتاب البلاغة السهلة الأستاذ / عبدالرحمن معوض
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء