الباب الرابع : علم المعانى
علم المعاني
يُعرف علم المعاني على أنَّه
العلم الذي يبحث في الجملة، وكلّ ما يطرأ عليها من تغيير؛ وذلك من حيث التقديم
والتأخير، والحذف والإضافة، والتعريف والتنكير، والقصر والتخصيص
والفصل والوصل، والإيجاز والإطناب،
مع مراعاة قواعد النحو، ومطابقة الكلام لمقتضى الحال
ويُعتبر هذا العلم واحداً من علوم البلاغة
الثلاثة
وهي :
1- علم
المعاني 2- علم البيان،
و
3- علم البديع
والمعاني في اللغة جمع معنى، وتعني المقصود
بالشيء، وتعني في اصطلاح أصحاب البيان بالتعبير اللفظي عمّا يتصور في الذهن، أو هو
الصورة الذهنية من حيث المقصود من اللفظ.
تاريخ علم المعاني :
يرتبط علم المعاني بالمصطلحات
التي أطلقها البلاغيون على المباحث البلاغيّة المرتبطة بالجملة، ولكن لا تحتوي كتب
البلاغة على أيّ إشارة لهذا العلم، ولم يُذكر أنَّ أحداً كان يعرفه قبل السكاكي،
ويُذكر أنَّ الأوائل استخدموا هذا المصطلح في دراساتهم القرآنيّة والشعريّة،
وكانوا يقولون: (معاني القرآن، ومعاني الشعر)، واتّخذوا من ذلك أسماءً لكتبهم،
ولقد وردت أقدم الإشارات إلى هذا العلم في قول السيرافي: (معاني النحو مقسمة بين
حركات اللفظ وسكناته، وبين وضع الحروف في مواضعها المتعددة، وبين تأليف الكلام في
التقديم والتأخير،...).
مبادئ علم المعاني :
يقوم علم المعاني على مجموعةٍ من
المبادئ الأساسيّة، وهي على النحو الآتي :
1- مراعاة المعنى واللفظ في الكلام؛ فاختلاف المعنى المراد التعبير عنه
يتطلّب اختلاف اللفظ، حتّى وإن لم تتغيّر مادته اللغوية.
2- يرتبط ترتيب الألفاظ في النطق بترتيب المعاني في النفس. ترتيب الكلام
بحيث يتوافق
مع المقامات المختلفة للمعاني
---------------------------------------------------------------------------------
كتاب البلاغة السهلة للأستاذ / عبدالرحمن معوض
فوائد علم المعاني :
يُحقّق علم المعاني العديد من
الفوائد، وهي كما يلي :
1- معرفة إعجاز القرآن الكريم،
وذلك من خلال معرفة ما خصّه الله تعالى للقرآن من جودة السبك، والوصف الحسن،
والتراكيب المميزة، والإيجاز اللطيف، والتراكيب السهلة، والكلمات الجزلة، وعذوبة
وسلامة الألفاظ، والعديد من محاسن القرآن وفصاحته وبلاغته التي أعجزت العرب عن مناهضته.
2- الوقوف على أسرار البلاغة
والفصاحة في كلام العرب، سواء المنثور منه أم المنظوم، وذلك من أجل الاحتذاء
بحذوه، والنسج على منواله، والتفريق بين الكلام الجيد والكلام الرديء.
معلومات عامة :
حول علم المعاني يوجد العديد من المعلومات المتعلّقة بعلم المعاني،
ويُذكر منها ما يلي :
1- يُعدُّ اللفظ العربيّ موضوع
هذا العلم؛ وذلك من حيث إفادة المعاني الثواني، وهي الأغراض المقصودة للمتكلم،
بحيث يتم إحاطة الكلام باللطائف والخصوصيات التي يتطابق بها مقتضى الحال.
2- وضع علم المعاني الشيخ عبد القاهر الجرجاني، والذي توفّي عام 471 هـ
3- يُستمد هذا العلم من القرآن الكريم، والسنة
النبوية الشريفة، وكلام العرب
4- وضع عبد القاهر الجرجاني
نظرية علم المعاني في كتابه دلائل الإعجاز؛ وذلك في القرن الخامس الهجريّ.
5- استعمل علم المعاني لأول مرة أبو يعقوب السكاكي؛ وذلك بعد أن قسّم أبوابه، ورتّب
مسائله في كتابه المعروف بمفتاح العلوم.
ومن هنا كانت خطورة منهاج السكاكي الذي يعد في تاريخ البلاغة بداية طور
الجمود في دراستها. لقد خيل إليه أنه بمنهاجه المنظم المقنن يصلح من شأن البلاغة
فإذا به من حيث لا يدري يفسدها ويسيء إليها
وشهرة السكاكي في البلاغة مصدرها القسم الثالث من كتابه
مفتاح العلوم ، فقد أفرد هذا
القسم من كتابه للكلام عن علمي المعاني والبيان ولواحقهما من البلاغة والفصاحة
والمحسنات البديعية بنوعيها اللفظي والمعنوي
فمن خلال مجهودات البلاغيين من قبله وبخاصة عبد القاهر
استطاع السكاكي تحقيق أمرين :
أحدهما أن ينفذ إلى عمل ملخص دقيق لما نثره أولئك البلاغيون في كتبهم من آراء،
وكذلك لما توصل إليه هو من أفكار،
وثانيهما أن يصوغ كل ذلك في صيغ مضبوطة محكمة، مستعينا فيها بقدرته المنطقية في
التعليل والتعريف والتقسيم والتفريع والتشعيب.
وبهذا تحولت البلاغة في مفهومه
أولا وفي تلخيصه ثانيا إلى علم بأدق المعاني لكلمة علم، فهي عنده قوانين وقواعد
صبت في قوالب منطقية جافة باعدت بينها وبين وظيفتها الأساسية من إمتاع النفس،
وإرهاف الحس، وتنمية الذوق، والتمكين لذوي المواهب الأدبية من القدرة على الخلق
والإبداع
وقد عرف السكاكي علم المعاني بقوله
:
إنه
تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره، ليحترز
بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره
وهذا التعريف وحده نموذج لتأليف السكاكي الذي أفرغه في أسلوب علمي منطقي
بعيد كل البعد عن جلاء العبارة ووضوح التأليف عند من تقدموه من البلاغيين
فالتعريف كما ترى لا يجود بمعناه في سهولة ويسر، وإنما هو بعني طالبه
عناء شديدا حتى يصل إليه، إن وصل.
ويمكن حصر موضوعات علم المعاني
التي وردت في القسم الثالث من كتاب المفتاح : للسكاكي على النحو التالي
1- الخبر والطلب
2- الإسناد الخبري
باختلاف السامع من حيث خلو الذهن، أو الشك، أو الإنكار
الإسناد، وبيان أحوال المسند إليه والمسند، من حيث: 3- الحذف والذكر،
والتنكير والتعريف، والتقديم
والتأخير، والتخصيص والمقتضيات البلاغية لذلك
4- الفعل
ومتعلقاته
5- الفصل
والوصل
6 - الإيجاز والإطناب، وبيان كيف أنهما نسبيان
7- القصر،
وأنواعه، وطرقه
الطلب، 8- ويندرج تحته
أ- مقدمة عن الطلب مستمدة من كلام المناطقة عن التصور والتصديق وما يحصل
في الذهن، وما يحصل في الخارج
ب- أنواع
الطلب الخمسة: التمني،
والاستفهام، والأمر، والنهي، والنداء، وأدوات كل نوع منها، ووظائفها
ج- الأغراض البلاغية أو المعاني الإضافية التي يخرج الطلب عن معانيه
الأصلية من أجل الدلالة عليها، وذلك مثل: التعجب، والإنكار، والاستبطاء، والنفي
ولما كانت عنايتنا في هذا البحث مقصورة على علم المعاني وحده
فتلك هي موضوعاته كما وردت في كتاب
مفتاح العلوم
للسكاكي، أو بمعنى أدق كما وردت في القسم الثالث منه، والذي تكلم فيه عن
علمي المعاني والبيان، ولواحقهما من البلاغة والفصاحة، والمحسنات البديعية بنوعيها
اللفظي والمعنوي
وكما قلت آنفا لقد نال هذا الكتاب شهرة فائقة في ميدان البلاغة بالذات،
ولقد فتن العلماء به إلى الحد الذي جعلهم ينسون أنفسهم وينكرون ملكاتهم. ولهذا
ظلوا قرابة خمسة قرون ابتداء من القرن السابع الهجري عاكفين على شرحه وتلخيصه،
وكأنه لم يؤلف في البلاغة العربية غير هذا الكتاب الذي استأثر باهتمامهم وعنايتهم
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء