11 - الجمع و التفريق
ينقسم علم البديع
في البلاغة العربية إلى قسمين، وهما المحسنات اللفظية، والمحسنات المعنوية، أمّا
المحسنات المعنوية فتهدف إلى تحسين المعنى بشكلٍ أساسيّ، ومن أهم الأمثلة عليها:
المطابقة، المقابلة، التقسيم، الالتفات، الجمع، التفريق، المبالغة، الإغراق،
الغلو، الجمع مع التفريق، الجمع مع التقسيم، وغيرها من المحسّنات
الجمع
هو أن
يجمع بين متعدد في حكم واحد، أو هو أن يجمع المتكلم بين شيئين فأكثر في حكم واحد،
كقوله
تعالى : المال والبنون زينة الحياة
الدنيا،
فقد جمع الله سبحانه وتعالى المال والبنون في الزينة
ومنه
قوله تعالى : " الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان "
الدقيق، وجمع بين النجم والشجر فجمع بين
الشمس والقمر في الحسبان أي الحساب
في
السجود أي الانقياد لإرادة الله سبحانه
ومنه
قوله صلى الله عليه وسلم : " من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه،
فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها
"
فجمع الأمن ومعافاة البدن وقوت اليوم في حكم واحد هو حيازة الدنيا
وامتلاكها بحذافيرها أي من جميع نواحيها
ومنه
شعرا قول أبي العتاهية :
إن الفراغ والشباب والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
فجمع
الشاعر بين الفراغ والشباب والجدة أي الاستغناء في حكم واحد هو المفسدة، أي أن هذه
الأمور تؤدي بصاحبها إلى الفساد
-------------------------------------------------------------------------------
كتاب البلاغة السهلة
للأستاذ / عبدالرحمن معوض
التفريق
التفريق
في اللغة ضد الاجتماع
والتفريق
في اصطلاح البديعيين : هو إيقاع تباين بين
أمرين من نوع، في المدح وغيره. وهذا معناه أن المتكلم أو الناظم يأتي إلى شيئين من
نوع واحد فيوقع بينهما تباينا وتفريقا بفرق يفيد زيادة وترجيحا فيما هو بصدده من
مدح أو ذم أو نسيب أو غيره من الأغراض الأدبية
ومن
أمثلة التفريق قول رشيد الدين الوطواط :
ما نوال الغمام وقت ربيع كنوال الأمير يوم سخاء
فنوال الأمير بدرة عين ونوال الغمام قطرة ماء
فالشاعر
هنا قد أوقع التباين بين النوالين أي العطائين نوال
الغمام ونوال الأمير، مع أنهما من نوع واحد وهو مطلق نوال
ومن أمثلة التفريق أيضا قول الشاعر :
من قاس
جدواك بالغمام فما أنصف في الحكم بين شكلين
أنت إذا
جدت ضاحك أبدا وهو إذا جاد دامع العين
فهنا
شيئان من نوع واحد هما جدوى الممدوح وجدوى الغمام، أي عطاؤهما، وقد أوقع الشاعر
تباينا بينهما بفرق يفيد زيادة وترجيحا لكفة عطاء الممدوح، فهو يعطي ضاحكا فرحا
بالعطاء، على حين يعطي الغمام دامع العين، كأنما هناك قوة تدفعه إلى العطاء على
غير إرادة منه
ومنه قول
الشاعر :
قاسوك بالغصن في التثني قياس جهل بلا انتصاف
هذاك غصن الخلاف يدعى وأنت غصن بلا خلاف
فالشاعر أتى هنا بشيئين من نوع واحد على
التشبيه هما :
كتاب البلاغة السهلة
للأستاذ / عبدالرحمن معوض
غصن شجر
الخلاف أي الصفصاف، وقوام صاحبته الذي يشبه الغصن في التثني، ثم أوقع التباين
والتفريق بينهما لفائدة معنوية ادعاها، وهي تفضيل قوام صاحبته على غصن الخلاف، لأن
الأخير تنفر النفس عنه لاسمه الخلاف
أما
الأول وهو قوام صاحبته فغصن لا خلاف ولا شك فيه
فى خلاف وخلاف جناس تام لتشابه اللفظين نطقا لا معنى،
واتفاق حروفهما هيئة ونوعا وعددا وترتيبا و
ومن التفريق أيضا قول صفي الدين الحلي في مدح
الرسول :
فجود كفيه لم تقلع سحائبه
عن العباد وجود السحب لم يدم
ففي
البيت شيئان من نوع واحد هما جود كفي الرسول صلوات الله عليه وجود السحب،
وقد أوقع الشاعر تباينا بينهما مع أنهما من نوع واحد وهو مطلق جود
وقد قصد
الشاعر من وراء هذا التباين أو التفريق بين الشيئين من نوع واحد إلى غرض بلاغي هو
ترجيح وتفضيل جود كفي الرسول على جود السحب، فجود كفي الرسول على العباد متصل دائم
وجود السحب منقطع غير دائم
الجمع مع التقسيم :
الجمع مع
التقسيم هو
جمع متعدد تحت حكم ثم تقسيمه، أو العكس أي تقسيم متعدد ثم جمعه تحت حكم
فالأول وهو جمع المتعدد ثم تقسيمه كقول المتنبي من قصيدة يصف فيها
موقعة دارت بين الروم والعرب بقيادة
سيف
الدولة بالقرب من بحيرة الحدث :
حتى أقام على أرباض خرشنة تشقى به الروم والصلبان والبيع
للسبي ما نكحوا والقتل ما ولدوا والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا
فالمتنبي
هنا جمع الروم ممثلين في نسائهم وأولادهم وأموالهم وزرعهم تحت حكم واحد هو الشقاء،
ثم قسم ذلك الحكم إلى سبي وقتل ونهب وإحراق، وأرجع إلى كل قسم من هذه الأقسام ما
يلائمه ويناسبه، فأرجع للسبي ما نكحوا، وللقتل ما ولدوا، وللنهب ما جمعوا، وللنار
ما زرعوا، أي إتلاف مزارعهم بالإحراق
ومع أن
الصلبان والبيع تشترك بالعطف مع الروم في الحكم عليها بالشقاء إلا أن التقسيم خص
بالروم وقصر عليهم وحدهم
والثاني هو التقسيم ثم الجمع، أو بعبارة أخرى هو تقديم التقسيم وتأخير الجمع
في الحكم : : ومن أمثلته قول حسان بن ثابت
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهمو أو
حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محدثة إن
الخلائق فاعلم شرها البدع
قسم
الشاعر في البيت الأول صفة الممدوحين إلى ضر الأعداء في الحرب ونفع الأشياع
والأولياء، ثم عاد فجمعها في البيت الثاني حيث قال سجية
تلك
والنوع
الأول هنا كما يبدو أحسن وأوقع في القلوب من الثاني، وعليه مشى أصحاب البديعيات
الجمع مع التفريق :
يعرفه
علماء البديع بأنه الجمع بين شيئين في حكم واحد ثم التفريق بينهما في ذلك الحكم
: ومن أمثلته قوله تعالى
"وجعلنا
الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة "
فالمعنى أولا أن الله سبحانه جعل الليل والنهار
آيتين، أي دليلين على قدرته وحكمته، والمراد بمحو آية خلقها ممحوا ضوءها، أي جعلها
مظلمة كما جعل آية النهار مبصرة
على هذا
جمع بين الليل والنهار في حكم واحد هو أنهما آيتان ودليلان على القدرة والحكمة، ثم
فرق بينهما في ذلك الحكم من جهة أن الليل يكون مظلما والنهار يكون مضيئا
ومن
أمثلة الجمع مع التفريق شعرا قول رشيد الدين الوطواط
فوجهك كالنار في ضوئها وقلبي كالنار في حرها
فقد جمع
بين وجه الحبيب وقلب نفسه في حكم واحد هو تشبيههما بالنار، ثم فرق بينهما في ذلك
الحكم من جهة وجه الشبه في كليهما، فوجه الحبيبة كالنار في ضوئها ولمعانها، وقلب
الشاعر كالنار في حرارتها ولهبها المحرق
ومن
الشواهد أيضا قول الفخر عيسى :
تشابه دمعانا غداة فراقنا مشابهة
في قصة دون قصة
فوجنتها تكسو المدامع حمرة
ودمعي يكسو حمرة اللون وجنتي
فالشاعر
هنا جمع بين الدمعين ساعة الفراق في الشبه، ثم فرق بينهما بأن دمع الحبيبة أبيض
فإذا جرى على خدها صار أحمر بسبب احمرار خدها، وأن دمعه أحمر لأنه يبكي دما وجسده
من النحول والشحوب أصفر فإذا جرى دمعه على خده صيره أحمر
الجمع مع التفريق والتقسيم :
وهو
الجمع بين شيئين أو أشياء في حكم واحد، ثم التفريق بينها في ذلك الحكم، ثم التقسيم
بين الشيئين أو الأشياء المفرقة بأن يضاف إلى كل ما يلائمه ويناسبه
ومن
أمثلة ذلك قوله تعالى :
" يوم يأت
لا تكلم نفس إلا بإذنه، فمنهم شقي وسعيد، فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير
وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد.
وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك
عطاء غير مجذوذ "
أما
الجمع ففي قوله :
يوم يأت
لا تكلم نفس إلا بإذنه فإن قوله نفس متعدد معنى، أي جمع
الأنفس بقوله لا تكلم نفس، ثم فرق بينهم بأن بعضهم شقي وبعضهم سعيد، ثم قسم بأن
أضاف إلى الأشقياء ما لهم من عذاب النار، وإلى السعداء ما لهم من نعيم الجنة
ومن
الجمع مع التفريق والتقسيم شعرا قول ابن شرف القيرواني :
لمختلفي الحاجات جمع ببابه
فهذا له فن وهذا له فن
فللخامل العليا وللمعدم الغنى وللمذنب العتبى وللخائف الأمن
فمختلفي
الحاجات جمع بينهم في حكم واحد هو الاجتماع أمام
بابه، ثم
فرق بينهم في ذلك الحكم من جهة أن كلا منهم له حال خاصة تخالف حال غيره، ثم عاد
فقسم بأن أضاف إلى كل واحد منهم ما يناسب حاله، فللخامل العليا، وللمعدم الغنى،
وللمذنب العتبى، وللخائف الأمن
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء